جميع الدول العربية نصت في دساتيرها وقوانينها الوطنية على احترام الحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها..إلخ إلا أن ما نراه ونلمسه على أرض الواقع، هو أن تلك الحقوق بقيت حبراً على ورق. فكثيراً ما نسمع أن السلطة في تلك البلدان قد منعت صحيفة أو كتاب من التداول أو حجبت موقعاً إخبارياً أو ثقافياً على الانترنيت لمجرد أنه يتضمن رأياً مختلفاً ومخالفاً، ففي سورية مثلاً تم حجب عدد كبير من مواقع النشر الالكترونية /كموقع داماس سبوت وموقع إعلان دمشق، والرأي السوري، وثروة، وصفحات سورية، وشفاف الشرق الأوسط، والحوار المتمدن، وإيلاف، وأخبار الشرق، وصحيفة المستقبل اللبنانية، وصحيفة الشرق الأوسط، ومرآة سورية، والمشهد السوري..الخ/.
ويبدو أن سياسة حجب المواقع الالكترونية مازالت مستمرة لتشمل هذه المرة موقع النزاهة الذي تم حجبه، ولم يشفع له تأكيد القائمين عليه “أنهم يعملون أساساً بهدى خطاب القسم وتحت سقفه”، ويبدو أن موقع النزاهة ذهب ضحية تصديه الجريء لقضايا الفساد المستشري في البلاد، وضحية تسليطه الضوء على المخالفات التي ترتكب بحق الدستور والقانون ودفاعه المستمر عن سيادة القانون واستقلال القضاء.
وقبل أيام طالت هذه السياسية أيضاً موقع كلنا شركاء الذي لعب ومازال يلعب دوراً إعلامياً هاماً، والذي اكتسب أيضاً مصداقية كبيرة من خلال موضوعيته في نقل الأخبار والتحليلات التي تهتم بالشأن السوري والمنطقة، حتى بات مرجعاً مهماً لكل مهتم. كما تم مؤخراً حجب موقع صحيفة النهار اللبنانية، التي مازالت ممنوعة من التوزيع في الأسواق السورية منذ حوالي عشرين عاماً، في الوقت الذي يستغرب فيه المواطن استمرار توزيعها وغيرها من الصحف الممنوعة على المسؤولين والمقربين منهم، الذين يعتقدون أنهم محصنون ضد أي خبر تنشره تلك الصحيفة أو غيرها من الصحف المحظور توزيعها، وهم يحرصون دائماً على منع وصولها إلى أيدي المواطنين الذين لا يستطيعون حسب رأي هؤلاء المسؤولين التمييز بين الصالح والطالح، بل هم يحتاجون دائماً إلى حماية ورعاية مستمرة ضد ما تنشره بعض الصحف ومواقع النشر الالكترونية من أخبار “مدسوسة وملفقة ومسمومة”!!
يبدو أن من يقف وراء تلك السياسة لا يريد أن يرى أننا قد بلغنا سن الرشد أو يتجاهل ذلك، وأن السوريين لم يعودوا قاصرين أو عاجزين فهم وإدراك المتغيرات التي تجري أمامهم. وما عزوف معظم السوريين مثلاً عن مشاهدة برامج تلفزيون المستقبل الذي تحول من الضيف الأكثر حضوراً إلى الأقل حضوراً في بيوت السوريين، بسبب انحراف قراءته للأحداث المحلية والإقليمية وابتعادها عن المصداقية والاتزان، إلا خير دليل على مقدرتهم المتنامية على استيعاب ما يجري حولهم، ولم يأت ذلك الشعور نتيجة أوامر أو قرارات من فوق، بل جاء كرد فعل نابع من إرادتهم وسلوكهم الشخصي بعيداً عن أي توجيه أو تعميم.
وللأسف فإن الحكومات العربية التي تعتمد مثل هذه السياسة، تعتقد خطأ أنها تستطيع بذلك أن تحجب النور عن عقول مواطنيها أو تحجر عليهم من خلال تحديد ما يقرؤون أو يكتبون أو يشاهدون أو يسمعون، هذه العقلية التي لم تستطع، أو لا تريد فهم الأخر إلا من خلال وجهة نظرها، ولا تحبذ سماع رأياً مخالفاً لرأيها.
فلو أن تلك الحكومات فكرت قليلاً، قبل الإقدام على حجب تلك المواقع، بأن المبالغ المالية الكبيرة التي رصدتها وما تزال ترصدها من أجل ذلك، سوف تذهب هباء، لأنه وفي ظل التطورات العلمية المذهلة وتحول العالم إلى قرية صغيرة منفتح على بعضه البعض يتناقل الأخبار والتحقيقات والمنجزات العلمية بالصوت والصورة، لن تستيطع منع مواطنيها من البحث بشغف زائد عن الطريقة الأنجع للوصول إلى المواقع المحجوبة، فعن طريق برامج البروكسي، يستطيع أي شخص إعادة فتح ما حُجبَ عنه، وقراءة ما يُنشر في تلك المواقع المحجوبة من آراء ومقالات وأخبار وتحقيقات.إضافة إلى أنهم سيتمكنون عبر البريد الإلكتروني من الاطلاع على ماتنشره تلك المواقع المحجوبة من خلال إرسال رسائل تتضمن محتوى تلك المواقع وبذلك يبقى التواصل قائماً بينها وبين قرائها.. فلو أن تلك الحكومات فكرت بذلك قليلاً.. لما أقدمت بالتأكيد على حجب تلك المواقع، ولكانت وظفت تلك المبالغ في تطوير قطاع التربية والتعليم، هذا القطاع الذي يحتاج إلى مزيد من الرعاية والاهتمام، ولو أنها أيضاً فتحت أبواب الحوار مع مواطنيها بكل شفافية بعيداً عن إكراه أو قسر أو تهميش، وتلمست بصدق همومهم ومشاكلهم، لما التجأ المواطن إلى تلك المواقع الالكترونية أو الصحف والفضائيات،التي وجد فيها مساحة كبيرة من الحرية في طرح آرائه بحرية. فبدون الحرية لن نستطيع أن نفتح باباً، أو نرفع ظلماً أو نصد عدواناً.
vik9op@gmail.com
* دمشق