أصدرت منظمة “هيومان رايتش ووتش” تقريراً بعنوان “الحرمان من الكرامة” حول معاملة المواطنين الشيعة في المملكة العربية السعودية.
“الشفاف” ينشر ملخّص التقرير، ويمكن للقراء قراءة التقرير كاملاً على الرابط الوارد أدناه:
I . الملخص
أدى خروج زوار سعوديين شيعة إلى المدينة المنورة في فبراير/شباط 2009 من أجل إحياء ذكرى المولد النبوي، إلى مصادمات عنيفة بين الزوار وقوات الأمن السعودية. وشملت هذه القوات عناصر من الأمر بالمعروف ممن لا يرتدون الزي الرسمي، وهم مجموعة من السنة الملتزمين، المعارضين لما يعتبرونه بِدع الشعائر الشيعية الكافرة الخاصة بإحياء المناسبات والخروج في زيارات للقبور والأضرحة. والسبب المباشر لمصادمات المدينة كان قيام رجل يُعتَقد أنه ينتمي إلى الأمر بالمعروف بتصوير نساء من الشيعة في 20 فبراير/شباط. واستمرت المصادمات في منطقة مقبرة البقيع بالمدينة، لمدة خمسة أيام، وأسفرت عن اعتقال العشرات من الزوار الشيعيين. وقد غذّت مصادمات المدينة وما تلاها من أحداث في المنطقة الشرقية، أقوى التوترات الطائفية ا لقائمة التي تشهدها المملكة منذ سنوات عديدة.
وتعكس أحداث البقيع في جزء منها هذه التوترات القديمة والقائمة، لكنها أيضاً كانت بمثابة منفذ للتعبير عن الغضب في صفوف الشيعة (10 إلى 15 في المائة من السكان في المملكة) وهو الغضب المتراكم جراء التمييز الحكومي المنهجي في مجالات التعليم ونظام العدالة، والحريات الدينية بشكل خاص. و يواجهون أ يضاً الإقصاء من التوظيف الحكومي. ومن جانبها ردت الحكومة بإجراءات قمعية تمثلت في أعمال توقيف ومداهمات على منافذ التعبير العلني عن الآراء الشيعية، بدلاً من سعيها للحوار منعاً للمزيد من المصادمات.
وفي أواخر فبراير/شباط ومطلع مارس/آذار، وقعت مظاهرات سلمية، في أغلبها، تضامناً مع المقبوض عليهم في مصادمات المدينة، وهذا في المنطقة الشرقية، ذات التركيبة السكانية التي يغلب عليها الشيعة؛ مما أدى إلى رد قوات الأمن بحملة قمعية. ولا تسمح المملكة بأي من أشكال التظاهر، حتى المظاهرات السلمية. وأوصى نمر النمر – رجل الدين الشيعي من مدينة العوامية المعروف بمعارضته للسياسات السعودية – في خطبته يوم الجمعة 13 مارس/آذار بأن ينظر أبناء مذهبه في أمر الانفصال عن المملكة العربية السعودية إذا استمر إهدار حقوقهم. وأسفر سعي قوات الأمن للقبض على النمر – الذي اختبأ – عن المزيد من الاحتجاجات الشيعية المؤيدة للشيخ نمر النمر، وأدت للمزيد من القمع.
واعتقلت قوات الأمن أكثر من 50 شخصاً في المنطقة الشرقية، منهم أطفال، جراء المشاركة في المظاهرات. وتم احتجاز أكثر من 24 شخصاً حتى الأول من يوليو/تموز. وساعدت إجراءات مثل إصدار العفو الملكي عن المحتجزين، ووقف الاعتقالات التعسفية بعد مارس/آذار، والتصريح بالولاء للدولة من قبل الشيعة المعتدلين، إلى تخفيف وطأة تصاعد الوضع في الشهور التالية.
إلا أن التمييز الكامن وراء الأحداث المذكورة تزايد. فمنذ أحداث فبراير/شباط – مارس/آذار، كثّفت السلطات من قيودها القائمة على حياة الشيعة العامة. فمنذ عام 2008 اعتقلت السلطات وهددت مُلاك دور الصلاة الجماعية في الخُبر للضغط عليهم كي يوقعوا تعهدات بإغلاقها. ومنذ عام 2001 فرضت السلطات في الأحساء عقوبات بالسجن، بعيداً عن القضاء، على قيادات دينية مسؤولين عن صلاة الجماعة لدى الشيعة، وعلى أشخاص يبيعون أغراضاً تُستخدم في الشعائر الشيعية مثل يوم عاشوراء ويوم قرقيعون، والاحتفال بالمناسبتين ما زال محظوراً على العديد من التجمعات الشيعية في السعودية.
وهذه الإجراءات القمعية أججت من الغضب لدى الشيعة جراء الأحساءس بالتمييز. إذ هم يشاهدون كيف تتسامح الحكومة مع التصريحات التهييجية غير المتسامحة التي يدلي بها بعض رجال الدين السعوديين من السنة، عن الشيعة، فيما تمنع – الحكومة – الشيعة من مجرد إحياء الشعائر الدينية البسيطة مثل صلاة الجماعة. ومن أشكال تمييز الحكومة ضد الشيعة، التمييز في نظام العدالة بناء على قانون ديني يتبنى التفاسير السنية للشريعة فقط، ونظام التعليم الذي يستبعد الشيعة من تعليم الدين، وأطفال الشيعة المحظور عليهم تعلّم مذهبهم الديني. وهذا الفصل الطائفي، وعدوانية الدولة السعودية والمجتمع السني، وريبتهم من السعوديين الشيعة؛ لا تعكس فحسب عدم التسامح الديني، بل أيضاً التوترات السياسية القائمة جراء خطورة السياسات الشيعية لجهات أخرى متاخمة، من حزب الله الشيعي في لبنان، إلى الهيمنة الشيعية على مجريات الحياة السياسية في العراق، والمخاوف من المخططات الشيعية الواردة من إيران، وسكان دول الخليج الآخرين من الشيعة، ومنها السعودية نفسها.
وقد بادر الملك عبد الله – ولي العهد في عام 2003 – بإطلاق برامج للحوار الوطني بين الشيعة والسنة، وجماعات أخرى، لكن لم تنته هذه البرامج إلى مُنجز هام. وفي عام 2008 ترأس الملك الدعوة إلى التسامح بين أديان العالم، في الجمعية العامة للأمم المتحدة بمدينة نيويورك، لكنه تجاهل تعزيز التسامح مع الأقلية الشيعية السعودية.
إن على الحكومة السعودية أن تتصدى على وجه السرعة للأسباب الكامنة وراء التوترات الطائفية، وأن تضع حداً للتمييز المنهجي المُمارس على الشيعة.
توصيات لحكومة المملكة العربية السعودية
على المملكة العربية السعودية أن تنشئ:
· لجنة للتحقيق، تحت إشراف هيئة حقوق الإنسان الحكومية، وبمشاركة من هيئة التحقيق والادعاءات العامة، للتحقيق في ظروف وملابسات أعمال عنف المتظاهرين وقوات الأمن من 20 إلى 24 فبراير/شباط في منطقة مقبرة البقيع بالمدينة المنورة. كما ينبغي عليها أن تحقق في مشروعية الاعتقالات والاحتجاز إثر أحداث المدينة، وبحق المتظاهرين في فبراير/شباط ومارس/آذار بمنطقة الصفوة والعوامية والقطيف. كما ينبغي عليها أن تقاضي المشتبهين بالتورط في أعمال عنف غير مشروعة، وأن تؤدب المسؤولين الذين أمروا بهذه الاعتقالات التعسفية أو نفذوها. وعلى اللجنة أن تسمع شهود العيان على الأحداث وأن تعلن عن نتائجها علناً، وأن تكون لديها سلطة الأمر بصرف التعويضات لمن عانوا جراء العنف والاحتجاز غير القانونيين على أيدي السلطات.
· لجنة المواطنة المساوية، تحت إشراف المركز الوطني للحوار، بمشاركة موسعة، تشمل أعضاء مجلس الشورى وأعضاء هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وأعضاء المجالس المحلية المُنتخبين، والقيادات القبلية والدينية والمجتمعية في المنطقة الشرقية. على اللجنة أن تنظر في أمر إصدار توصية بإنشاء مجلس وطني لمناهضة التمييز، حسبما أوصت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري. وعلى اللجنة أن تبحث في سبل لـ:
o حماية حرية الشيعة في العبادة، لا سيما في المناطق ذات الكثافة السكانية الشيعية العالية، بما في ذلك حرية بناء والحفاظ على مساجد وحسينيات، وطباعة واستيراد وتوزيع مواد دينية، وإقامة مراسم الاحتفالات الدينية العامة.
o حماية حرية الآباء في ضمان تلقي أبنائهم للتعليم الديني بما يتفق ومعتقدهم، وحرية الأطفال في القدرة على اختيار مذهبهم الديني وممارسة شعائره. ويشمل هذا كفالة الحق – في المدرسة – في الامتناع عن أو الخروج من فصول التعليم الديني السني التي تُعتبر مغايرة للتعاليم الشيعية، والحق – كلما أمكن (وعلى الحد الأدنى، في المناطق التي يشكل الشيعة فيها نسبة يُعتد بها من السكان) – في تلقي التعاليم الدينية طبقاً للمعتقدات الشيعية وعلى نفس مستوى ما يتلقاه التلاميذ السنة من تعليم ديني. ويستتبع ممارسة هذا الحق السماح للشيعة بتدريس الدين في المدارس.
o ضمان المساواة في التوظيف ، وفي القدرة على الانتماء في مؤسسات التعليم العالي، بما في ذلك المرافق الأمنية والمناصب الوزارية الرفيعة، والمجالس المحلية والخاصة بالمناطق ومجلس الشورى، والأكاديميات العسكرية.
o ضمان المساواة في الحصول على خدمات القضاء، بما في ذلك اعتبار جميع الأفراد متساوين أمام القانون بغض النظر عن هويتهم المذهبية، وأن القضاة الشيعة المؤهلين يمكنهم تولي مناصب في القضاء بالمحاكم العادية، لا سيما في المناطق ذات التركيز السكاني الشيعي.
· لجنة معنية بالأماكن المقدسة، لتواصل أنشطة مبادرة مكة للحوار بين الأديان، المُبرمة في يونيو/حزيران 2008 تحت إشراف رابطة العالم الإسلامي، للخروج بسبل لمشاركة المساحات المخصصة للعبادة في مكة والمدينة فيما بين أنصار مختلف المذاهب الإسلامية، مع احترام الممارسات الدينية الغالبة على المجتمع السعودي بشكل عام. وعلى اللجنة أن تولي انتباه خاص للتنويع في تركيبة حراس الأمن والمسؤولين الأمنيين بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع تلقيهم للتدريب الملائم، ممن يعملون في أماكن العبادة المشتركة تلك.
وعلى المملكة العربية السعودية أن تُشرك كبار مسؤوليها الدينيين – مثل مكتب المفتي ومجلس كبار علماء الدين ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد – في مساعي نبذ خطاب عدم التسامح الديني الصادر عن المسؤولين وغيرهم من أصحاب الأصوات المؤثرة.
منهج التقرير
لم تسمح السلطات السعودية لـ هيومن رايتس ووتش بالدخول إلى البلاد بغرض إجراء الأبحاث داخل المملكة، منذ بعثة بحثية من المنظمة للسعودية تمت في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2006. وقد زار عاملون في هيومن رايتس ووتش المملكة في مايو/أيار 2007 وفي مارس/آذار 2008 وفي مايو/أيار 2009، لكنهم تعرضوا للتضييق في المقابلات الرسمية والخاصة.
وزار باحثون من هيومن رايتس ووتش المنطقة الشرقية في فبراير/شباط وديسمبر/كانون الأول 2006، وقابلوا نحو 24 شخصية شيعية بارزة وضحايا لانتهاكات حقوق الإنسان. كما قابلنا شيعة من المنطقة الشرقية يقيمون في البحرين في ديسمبر/كانون الأول 2007، وشيعة من المدينة المنورة في الرياض في مايو/أيار 2007.
وبسبب المعوقات الحكومية التي منعت هيومن رايتس ووتش من إجراء الأبحاث في المملكة منذ عام 2006، فإن المعلومات الحديثة الواردة في هذا التقرير تستند إلى المقابلات عبر الهاتف بنشطاء حقوقيين شيعة من السعودية، ومواطنين عاديين من الشيعة السعوديين شاركوا في احتجاجات ومصادمات المدينة والصفوة والعوامية، وكذلك مقابلات هاتفية مع قيادات دينية بالأساس من الخُبر والأحساء، وكذلك مقابلات هاتفية ورسائل بريد إلكتروني مع سعوديين سنة وشيعة من الناشطين بمجال حقوق الإنسان ويقيمون في المنطقة الشرقية. ولحماية من تمت مقابلتهم من الانتقام، قمنا بحجب الأسماء أو استخدمنا أسماء مستعارة لمصادرنا، ما لم يُعلنوا عن استعدادهم للإشارة إليهم في التقرير بالاسم.
وفي 26 أغسطس/آب 2009 أرسلت هيومن رايتس ووتش رسالة إلى الحكومة السعودية تسأل فيها عن التحقيقات في أحداث البقيع واحتجاجات وأعمال التوقيف في المنطقة الشرقية، وعمّا اتخذته المملكة من إجراءات للتصدي للتمييز في العبادة والتعليم والتوظيف والنظام القضائي. وحتى 3 سبتمبر/أيلول لم نتلق رداً.