يتبادل الآن أشخاص لا نعرف عددهم في تل أبيب المئات من رسائل البريد الإلكترونية، ويجرون المئات من المكالمات الهاتفية، ويتداولون اقتراحات للاجتماع في القريب العاجل. بعض هؤلاء جنرالات في الخدمة وفي الاحتياط، والبعض الآخر موظف في بيروقراطية الدولة والأحزاب، وفي المؤسسات الإعلامية والأكاديمية، إلى جانب شخصيات سياسية وثقافية عامة.
وما يشغل هؤلاء يُسمى بالإنكليزية damage control أي ضبط وتفادي الأضرار الناجمة عن العملية الإسرائيلية يوم أمس. المقصود بالأضرار ترميم صورة إسرائيل بعد الشروخ العميقة السياسية والأخلاقية والدبلوماسية التي أحدثتها العملية العسكرية في عرض المتوّسط.
وعلى غرار هؤلاء يفكر أشخاص في واشنطن، ونيويورك، وباريس، ولندن، وكل العواصم الكبرى في العالم بالطريقة نفسها. بعض هؤلاء من العاملين في جماعات الضغط الصهيونية، والبعض من أنصار إسرائيل والمتعاطفين معها، وهم أيضا شخصيات أكاديمية وسياسية وثقافية عامة.
وربما كان لسان حالهم العبارة التي أطلقها الفرنسي برنار هنري ليفي في تل أبيب يوم أمس: “الصور التي رأيناها هذا الصباح تدّمر البلد الذي أحبه كثيرا”. الصور التي يقصدها هجوم البحرية الإسرائيلية على سفن المتضامنين الدوليين، والبلد الذي يحبه إسرائيل بطبيعة الحال. وقد اختتم ليفي كلامه بالقول: “في حرب الصور والأخيلة إسرائيل خسرت الحرب”.
المهم أن الأشخاص الذين لا نعرف عددهم في إسرائيل وخارجها يحاولون تفادي الضرر، إدراكا منهم لحقيقة أن الحرب على جبهة الصور لا تقل أهمية في عالم اليوم عن الحرب في الميدان هذا أولا، واعترافا منهم ثانيا بحقيقة أن إسرائيل تخسر المرّة تلو الأخرى في حرب الصور، أما نتائج حروبها في الميدان فأصبحت في أفضل الأحوال ملتبسة.
سيخرج علينا هؤلاء وأولئك في قادم الأيام بما لا يحصى من التخريجات الإعلامية والسياسية، وسنراقب ما لا يحصى من الحملات الدعائية المضادة في إسرائيل وخارجها. ورهانهم أن العالم ينسى بسرعة، فقد وقعت أحداث مفزعة خلال الحرب الأخيرة على غزة، وقبلها خلال الحرب مع حزب الله في جنوب لبنان، وقبلها خلال الاجتياح الإسرائيلي للمدن في الضفة الغربية، ومع ذلك تم تفادي الضرر وعولجت أغلب التصدعات والشروخ.
بيد أن ما يغيب عن هؤلاء وأولئك (وربما أصبح معروفا لدى البعض) أن ما تثيره أحداث تقع في الميدان من تفاعلات سياسية بعيدة المدى يشبه في جانب منه المادة التي لا تفنى ولا تُخلق من عدم. الأمواج الارتدادية، حتى وإن اختفت عن السطح، تسري في المياه العميقة.
وما يغيب أكثر يتمثل في أمر ربما لم يعد من السابق لأوانه الكلام عنه، وأعني أن إسرائيل قد وصلت إلى نقطة اللاعودة. فالنظام الكولونيالي أصبح جزءا من هوية وبنية النخب الإسرائيلية العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية السائدة. وكل ما يهدد الاحتلال يمثل تهديدا لاستقرار وبقاء تلك النخب. هذا الأمر لم يحدث من أعلى إلى أسفل، بل حدث في الواقع وعلى مدار عقود من أسفل إلى أعلى، بمعنى أن ما طرأ على الديمغرافيا الإسرائيلية، وعلى الخامة البشرية، من تغيّرات على مدار العقود الماضية يترك الآن بصمة تكاد تكون دائمة، وربما نهائية، على كافة مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية للإسرائيليين.
كانوا في الماضي أكثر شطارة، لكنهم الآن في ورطة حقيقية، ورطة يتجلى أحد معانيها في اختيار شخص من نوع ليبرمان لمنصب وزير الخارجية. كان دائما هناك الكثير من الليبرمانات، حتى خلف قناع أكثر الساسة مهارة في التمثيل، لكن حظوظهم في نزع القناع، والوصول إلى المقاعد الأمامية بوجوه سافرة كانت ضئيلة، واليوم يبدو وجود هؤلاء تحصيلا للحاصل.
وهم في ورطة لأن نظام الأبارتهايد يتجلى في نظرهم باعتباره الأفضل بين خيارات أخرى أحلاها مر. لذلك، يتصرفون بقدر كبير من العناد، والرعونة، والعصبية. وفي أمر كهذا ما يعيد التذكير بخلاصة قديمة نوعا ما لجاكلين روز، التي حاولت تحليل السياسة الإسرائيلية استنادا إلى مشكلة بنيوية في صميم الصهيونية نفسها. فالصهيونية في نظرها ذات مضمون ميسيائي (خلاصي) وفي هذا المضمون تتجاور الانجازات التي تبدو وكأنها حدثت بتدخل مباشر من السماء، مع إحساس دائم بالكارثة التي ستقع بعد قليل. لذلك، فإن أقل الأحداث أهمية وأكثرها هامشية لا تفشل في استنفار ردود فعل من جانب الإسرائيليين وكأنها تمثل تهديدا مباشرا للمشروع ودولته.
المفارقة، وهي تاريخية من عيار ثقيل، أن وصول المجتمع الإسرائيلي إلى نقطة اللاعودة، وتلازم مصير النخب السائدة مع مصير الاحتلال، يحدث في لحظة تبدو فيها حظوظ الإسرائيليين في تطبيع وجودهم مع العرب والفلسطينيين أفضل من أي وقت مضى، وأحد تجليات الفشل في استثمار الفوز أن خيار الأبارتهايد وصفة مضمونة للتلازم ما بين مصير الاحتلال ومصير النخب الساهرة على حمايته.
كل ما تقدّم، لا يعني أن نظام الأبارتهايد سينتهي غدا، بل يعني أن اليوم الذي سيشهد نهاية الاحتلال سيكون يوم نهاية النخب الساهرة على ديمومته وحمايته. وهذا لا يعني أيضا أن دولة إسرائيل ستكف عن الوجود، بل يعني أن العالم لن يحتمل وجود نظام للأبارتهايد إلى ما لا نهاية.
ولكي يحدث ذلك، فإن مقاومة نظام الأبارتهايد، وإلحاق الهزيمة بالنخب الساهرة على ديمومته وحمايته، لن تكون ناجحة إلا إذا كانت ثمرة مشتركة لجهود فلسطينيين وإسرائيليين ومتضامنين من كل فج عميق، وتحت يافطة إنسانية لا تمكّن الليبرمانات من توظيف الكوابيس التاريخية في خدمة المشاريع الكولونيالية، حتى وإن استعانوا بأفضل خبراء ترميم الشروخ السياسية والأخلاقية والثقافية في العالم، ولا تمكّن الليبرمانات الفلسطينيين والعرب من توظيف الظلم والمعاناة في احتلال المقاعد الأمامية في مشهد مفتوح على كارثة. هم في ورطة تاريخية، ونحن أيضا.
كاتب فلسطيني يقيم في برلين
عن جريدة الأيام
Khaderhas1@hotmail.com
هم في ورطة ونحن أيضا..!! – متابعة (على الخفيف) 1) صدر مؤخرا عن (HBO) الفيلم الوثائقي (لندى) : مشاهدته من اي زاوية او خلفية لن تضر بصحتكم العقلية والحسية , هنا نسخة معربة للفيلم وتجد في الرابط ايضا النسخة الانجليزية .. وللذين فسدت لغتهم (العربية) كالشاعر باللغة “الجبرشية” الذي قدم لكلمة (حسن نصر الله) , او الذين نسوها لصالح “الفارسية” كالجحش (مقتدى الصدر) والبهلوان (علي بلحاج) … وهلم جرا “بالرسن والحبل الحرسوجمهوري الايراني” , هنالك نسخة “فارسية” ايضا http://www.youtube.com/user/ThisIsForNeda#p/a/u/0/731R7Bspf1w 2) لشحذ مخيلتكم الواقعية “VIRTUAL” لما حدث ويحدث لحسن نصر الله وباقي عراميط الاسلام السياسي , سيما (واجهات التنظيم العالمي للاخوان… قراءة المزيد ..
هم في ورطة ونحن أيضا..!! – حسن نصر اللآت والسبع لفات (2) 3) كمواطن امريكي من أصل يمني شعرت برعشة اعتزاز اليوم عندما شاهدت جماهير صنعاء ترفع احد المشاركين في رحلة الاسطول الانسانية مرفوعا على الاكتاف في تظاهرة على الصفحة الاولى لأهم صحيفة في العالم (النيويورك تايمز) .. فلم اشعر الا برعشات خوف وقلق كلما نشر خبر عن اليمن لسنوات , رغم انني لم اولد في اليمن ولم ازره بعد http://www.nytimes.com/2010/06/05/world/europe/05reconstruct.html?ref=world تابعت خبر وصول صانعي التاريخ هؤلاء الى اوطانهم واحتفاء واعتزاز شعوبهم (اهلهم) بهم , الوفد السوري الذي يضم المطران (كبوتشي) صورة مؤثرة , وكذلك فتح معبر رفح “الذي كشه… قراءة المزيد ..
هم في ورطة ونحن أيضا..!! احمد الربيعي — zin@yahoo.com لماذا هذا الضجيج حول العمليه العسكريه الاسرائيليه؟؟ !! اي دوله تحترم نفسها وتخاف على شعبها تفعل ذلك…في الحقيقه نحن في البلاد العربيه نتمنى ان يكون عندنا قائد قوي ويحترم شعبه مثل نتنياهو…. ثانيا الفلسطينيون لايستحقون كل هذا الاهتمام لان الغدر صفه اساسيه فيهم …انظروا لاي بلد يحلون فيه يمصون خيراته وفي اول مناسبه يفتكون بابناء البلد الاصلي…انظروا ماذا يفعلون بالعراق من قتل للعراقيين بالتعاون مع القاعده الارهابيه رغم كل الامتيازات التي اعطاها لهم الدكتاتور صدام حيث يسمح لهم بالتملك في بغداد وممنوع على العراقيين من خارج بغداد في تغيير ديموغرافي قذر… قراءة المزيد ..
هم في ورطة ونحن أيضا..!! – الفرق بين اوروبا وامريكا – بامتدادها الكندي والاسترالي وباقي العالم خارج نفوذ الاستشراق الاوروبي العنصري – هو ان اوروبا تخاف (العولمة) وترتعد فرائصها منها , في حين امريكا كما يقول المثل (نصنع الدراجات الهوائية في طريقنا للحقل) .. اذا اردت ان تكتب وان نقرأ لك (فعلا) فتجنب (المصطلحات العويصة) او اشبعها تعريفا وحفرا حتى نهظمها ونهظمك “ربما تكتب بالضاء عوضا عن الظاء : الله والنحويين اعلم) .. ما قاله ويعنيه تماما اعظم فيلسوف (سياسي) معاصر على حد تعبير (هنري كسينجر) المحافظ (Philip Bobbitt) , ناهيك عن ما لا يقل عن عشر صفحات من الاطراء… قراءة المزيد ..