كمال ريشا – الشفاف – خاص
على وقع المتغيرات الاقليمية يستمر رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري في اتصالاته ومشاوراته من اجل ايجاد خرم إبرة لدى المعارضة ينفذ منه بتشكيلة حكومية تكرسه رئيسا للحكومة بدلا من لقب “الرئيس المكلف” ولا تدفع به من جديد الى الاعتذار للمرة الثانية.
وفي المؤشرات الاقليمية لا يبدو ان هناك ما يشجع على ان الحكومة اللبنانية ستبصر النور قريبا رغم ما يشاع من اجواء التفاؤل والحديث الايجابي الذي بدأ ينسحب بدوره على نواب كتلة المستقبل لجهة اقتراب موعد تشكيل الحكومة.
المتفائلون يعتبرون ان مهلة عشرة ايام الى اسبوعين هي مهلة كافية لتعيد الاطراف المحلية، خصوصا المعارضة وقوى الثامن من آذار، لاعادة صياغة مواقفها وتتراجع امام جمهورها بتخليها عن بعض مطالبها التي سوّقت في وقت الاوقات ان عدم تحقيقها موازٍ لخراب البصرة.
وينطلق المتفائلون من ان نتائج القمة السورية السعودية ايجابية في ما يتصل بالملف اللبناني، وتاليا يجب الانتظار لبعض الوقت ليتم إخراج بعض المواقف على نحو يوحي ظاهرياً بأن الحكومة تصنع في لبنان في معزل عن المتغيرات الاقليمية.
وعلى خلاف دعاة التفاؤل هناك من هو متشائم. ولعل الجو المستتر جوازا وراء سعي المعارضة الى الافراط في إشاعة الاجواء الايجابية والمتفائلة ما يخفي نواياها في تحميل الرئيس المكلف سعد الحريري لاحقا مسؤولية فشل التشكيلة الحكومية، فيبدو موقف المعارضة كمن اوجد لنفسه العذر سلفا لاستمرار عرقلة التشكيلة الحكومية لتطل على الناس بخطاب يستند الى ما أشاعته كلاما عن اجواء ايجابية ووضع الامور في سلة الرئيس المكلف وتحميله مسؤولية الفشل الذي اصطنعته المعارضة.
وفي الحقيقة ان الاجواء التي ترافق تشكيل الحكومة اقرب الى التشاؤم منها الى التفاؤل في ظل المعطيات الاقليمية خصوصا تعثر المصالحة الفلسطينية بعد ان طلبت حركة حماس تأجيل الجلسة التي كانت مقررة في 25 أكتوبر الى موعد لاحق. وفي الحقيقة الى اجل غير مسمى بحجة رفض السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس طرح تقرير لجنة غولدستون الذي ادانته حماس فور صدوره واعتبرت انه صادر عن يهودي صهيوني وعدو.
تعثر المصالحة الفلسطينية، التي يقيم قيادات الممانعة فيها في دمشق، ليس ببعيد عن الرغبات الايرانية السورية. وتاليا يقول مراقبون لبنانيون لماذا تتعثر مصالحة الفلسطينيين ويتم تسهيل تشكيل الحكومة اللبنانية؟
ويضيف المراقبون ان سوريا، حتى وان كانت نواياها سليمة تجاه لبنان وهي ترغب بصدق في تسهيل تشكيل الحكومة، الا ان هناك تساؤلا يطرح نفسه بشأن قدرة دمشق على التأثير على حزب الله، وما اذا كان النفوذ السوري يتجاوز النفوذ الايراني في الحزب. وفي هذا السياق يشير المراقبون الى ان الخطاب الملتبس للمستشار السياسي لرئيس مجلس النواب علي حسن خليل، خصوصا بشأن عدم امكانه تأكيد او نفي نبأ زيارته الى دمشق لاستطلاع نتائج القمة السورية السعودية، هو خير دليل على تخبط المواقف في صفوف المعارضة.
والبارز ايضا اليوم ما اعلنه العماد عون وصهره جبران باسيل لجهة التمسك بوزارة الاتصالات، الامر الذي يعيد الامور الى المربع الاول في تشكيل الحكومة. حيث يمثل هذا الموقف للعماد وصهره عقدة مزدوجة حالت دون تشكيل الحكومة في المرة الاولى ودفعت بالرئيس المكلف الى الاعتذار.
وما قاله باسيل من ان لديه مشاريع في وزارة الاتصالات يريد استكمالها وكأن الحكم ليس استمرارية بل شخصاني ويرتبط بطموحات كل وزير حيث يعمل الخلف على الغاء ما قام به السلف.
واليوم ايضا اعاد الوزير غازي العريضي تأكيد تمسك الحزب الاشتراكي بوزارة الاشغال في موقف لافت ربطه العريضي بالطائفة الدرزية حيث صرح من الصرح البطريركي بعد لقائه البطريرك صفير ان لا داع ليستكتر احدا على الطائفة هذه الوزارة.
ومن بيت الوسط النائب سليمان فرنجية اكد ايجابية الوضع الحكومي معلنا ان الحكومة ستبصر النور خلال ايام. كما جدد النائب عن حزب الله نواف الموسوي مطالبته الرئيس المكلف سعد الحريري بالاسراع في تشكيل حيث لم يتوقف الموسوي خلال الايام الاخيرة عن التصريح بان الاجواء ايجابية ويجب على الرئيس المكلف الاسراع . إلا ان الموسوي حفظ خط العودة عن تفاؤله بالقول “ما دامت الضغوط الاميركية تحديدا لن تفلح في ثني الرئيس المكلف او في اعاقة عمله في تشكيل الحكومة”.
أي أن الموسوي احتفظ لنفسه بتحميل الاميركيين مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة سلفا.
وفي الواقع يبدو ان التفاؤل وان كان له ما يبرره فان التشاؤم له ما يبرره ايضا. وما ضرب المواعيد وتحديدها بعشرة ايام الى اسبوع سوى تمديد للمهل لتبيان الخيط الابيض من الخيط الاسود في الشأن النووي الايراني، حيث يعقد لقاء ثان في التاسع عشر من الجاري يعقبه جولة تفتيش في منشأة قم التي كشف النقاب عنها حديثا وصولا الى توضح المآل الذي سيتجه نحوه موقف المجتمع الدولي من ايران.
وفي سياق متصل يتساءل المراقبون هل فعلا هناك موافقة ضمنية ايرانية على التحرك السوري في اتجاه المملكة العربية السعودية والانفتاح السوري المتسارع نحو تركيا؟
وتاليا إذا كانت ايران غير موافقة، فان كل ما يشاع محليا عن اجواء ايجابية ليس له ما يبرره. اما اذا كانت موافقة فان هذا يعني ضرورة انتظار ما ستدفعه قوى “14 آذار ” من اجل ان يُسمح لها بتشكيل الحكومة.