الدولة شئ،
ونظام الحكم شئ آخر.
فيقُصد بالدولة “مصر” بتاريخها وأرضها وبحارها ونيلها وشعبها ومؤسساتها وأجهزتها وأحداثها، وماضيها وحاضرها ومستقبلها، وكل ما فى هذا المعنى.
بينما يُعنى بنظام الحكم (أو السلطة) الهيئة التى تدير الدولة فى فترة معينة ومحددة.
وهى السلطة التنفيذية تخصيصاً (Executive) أو ما يُطلق عليها فى الولايات المتحدة تعبير الإدارة (Administration). وتكون السيادة – بهذا التحديد الدقيق – للدولة لا للسلطة أو الإدارة بالتعبير اللاتيني (Ex Cathedra) أى ما يحدث أو يصدر بواسطة السلطة التنفيذية أو الإدارة، أو أحد أعضائها، إعتباراً من رئيس الجمهورية (او من يقوم مقامه) وحتى أصغر موظف إدارى فيها.
والدولة لا تسقط أبداً، وإن تداولتها سلطات مستعمِرة أو تعاورتها أحداث خطيرة. فقد تعرضت مصر (الدولة) للإستعمار الفارسى حين غزاها قمبيز (525ق.م) ثم الإستعمار الإغريقى (333ق.م) ثم الإستعمار الرومانى (30ق.م) نسبة إلى روما، ثم الغزو العربى (641م) ثم الغزو الفاطمى (909م) ثم سلطان المماليك، ثم الإستعمار العثمانى (1517م) الذى انتهى إلى بقاء المماليك فى السلطة، حتى الحملة الفرنسية (1798م). وبعد قيام الدولة الحديثة فى (1805م)، حدث الغزو البريطانى (1883 – 1956). ومنذ 1952 بدأ العهد الإنقلابى الذى تخلصت منه مصر بثورتها العظيمة التى بدأت فى 25 يناير 2011 ولم تزل مستمرة، حتى تحقق أهدافها التى قام بها عقد إجتماعى جديد وأصيل. يُستفاد من ذلك أن مصر الدولة لم تسقط أبداً.
وليس الأمر فيما سلف يتعلق بمصر وحدها، بل هو الشأن فى كل الدول (إلا ما ندر). وعلى سبيل المثال، فقد هُزمت كل من فرنسا والمانيا فى الحرب العالمية الأولى ثم فى الحرب العالمية الثانية، لكنهما بقيتا دولتين، قويتا واستردتا عافيتهما، فيما بعد ذلك.
فى العهود الإنقلابية والدكتاتورية يطابق الحاكم المطلق أوالدكتاتور بين شخصه وبين الدولة، فيرى أن كل ما يُوجه إليه من نقد يرمى إلى نقض الدولة وزوالها. بينما هو فى الحقيقة يرمى ويهدف إلى زوال وتغيير النظام الشمولى أو الدكتاتورى، الذى لا يعترف بالتغيير السلمي لتداول السلطة، فيعمد إلى إسكات كل معارضة – ولو بالكلمة – والإدعاء بأنها تهدف إلى إسقاط الدولة.
وإذا كانت الدول – فى الأغلب الأعم – لا تسقط أبداً، فإن الحال يبدو على أنه مخالطة بين الدول ونظام الحكم ومغالطة ترمى إلى منع أى نقد، حتى لا تتزعزع أركان السلطة المطلقة والمستبدة، والتى تهدف إلى منع التداول السلمي للسلطة.
وعلى صعيد آخر، فإن الدول المعاصرة تمتلك وترتهن جيوشاً قوية (برية – جوية – بحرية) لا يمكن أن تنقلب بمجرد الكلام أو المقالات أو الكتب. فقلب نظام الحكم – فى الآونة المعاصرة – لا يمكن أن يحدث إلا من قوة عسكرية معارضة (إن وُجدت) لتواجه سلطة الحكم التى تتساند بقوات الشرطة العلنية والسرية وتتراكن إلى أسلحة متقدمة ومتطورة فى حوزة الجيش الذى يخضع لإمرتها.
ففى الآونة الحالية تكون تهمة الإنقلاب على السلطة مستحيلة، لمن كان يعارض هذه السلطة بالكلمة – مقالة كانت أو حديثاً أو كتاباً؛ ذلك بأن الكلمة – وإن كانت قوية فعالة – فإنها لا تتطاول أبداً إلى قلب نظام الحكم، كما أن الإدعاء بانها تعمل على إسقاط الدولة ضرب من الخيال والإدعاء المستحيل.
saidalashmawy@hotmail.com
* القاهرة
*
(صورة المقال: كاريكاتور للجنرال ديغول إبان أحداث 1968: “أنا الدولة”!)