هل عاد “الثنائي” الإيراني-السوري إلى إبتزاز فرنسا بقضية “رهائن” جديدة على غرار ما حدث في السبعينات والثمانينات؟ وهل تشكل “كلوتيلد ريس” و”نازاك أشرف” رهينتين تسعى طهران عبرهما للضغط على باريس للتراجع عن موقف رفض شرعية أحمدي نجاد والدفاع عن حقوق الإنسان في طهران؟ وهل تسعى دمشق، كما فعلت مراراً في قضايا “الرهائن الأجانب في لبنان” للعب دور “المنقذ” الذي لا يتم تحرير “الرهائن” سوى.. عن طريقه؟
جريدة “لوموند” الفرنسية تتحدّث عن إمكانية أن يعود بشار الأسد من طهران ومعه “كلوتيلد ريس”! هذا يعني، ضمناً، أن السوريين سيطلبون من طهران عدم إطلاق سراح الشابة الفرنسية إلى حين إنتهاء زيارة “المنقذ” السوري الذي سيحرّر رهينة فرنسية في حين يضع 20 مليون سوري في سجنه الكبير! المهزلة في الموقف الفرنسي هو ما يقوله ديبلوماسي فرنسي لجريدة “لوموند”، اليوم، بأن “المادة 2 من إتفاق الشراكة بين أوروبا وسوريا تتضمن فقرة، وافقت عليها سوريا، تتعلّق بحقوق الإنسان”! هل تصدّق فرنسا فعلاً أن بشّار الأسد ينوي “الإلتزام” بفقرة “تتعلق بحقوق الإنسان”!
المؤكّد حتى الآن هو أن الرئيس ساركوزي “يريد” أن يصدّق حاكم سوريا رغم كل الدلائل المعاكسة، ورغم الشكوك المعلنة لهيئات وأجهزة نافذة في فرنسا نفسها
*
تتساءل جريدة “الفيغارو”، في عدد الجمعة: هل تسعى طهران للحصول على تعهّدات سياسية من فرنسا مقابل إطلاق سراح الجامعية الفرنسية “كلوتيلد ريس”؟ السفير الفرنسي السابق في إيران” فرنسوا نيكولو” ينفي هذه الفرضية قائلاً: “إن فرضية إن إيران تسعى للحصول على “مقابل” هي، برأيي، مجرّد خيال”. وهو يعتقد أن اعتقال الجامعية الفرنسية كان لـ”الإستخدام الداخلي” فحسب. ولكن مراقبين فرنسيين آخرين يخشون ألا يتم إطلاق سراحها سوى “مقابل تعهّدات فرنسية بالتخلّي عن فكرة تشديد العقوبات الإقتصادية ضد إيران خلال الإجتماع المقبل لمجلس الأمن الدولي المقرّر في شهر سبتمبر. وهذه الإحتمال المتشائم يتعزّز لأن المفاوضات الفرنسية لإطلاق سراح “كلوتيلد ريس” تتمّ على مستوى رئاسة الجمهورية الفرنسية مباشرةً، ولا يشارك فيها وزير الخارجية، برنار كوشنير، في ما يبدو.
وعدا “المقابل” الذي ستسعى طهران للحصول عليه، سواء على مستوى العقوبات أو على صعيد التأييد الفرنسي للحركة الإصلاحية في إيران ورفض الإعتراف بشرعية أحمدي نجاد، فإن طرفاً ثالثاً يسعى، بدوره، للحصول على “مقابل”!
فقد أشارت جريدة “لوموند” الفرنسية في عددها الصادر اليوم إلى أن “سوريا، عبر تدخّلها لدى طهران لمحاولة إطلاق سراح الشابة الجامعية الفرنسية، تكرّس التقارب مع فرنسا الذي بدأ بصورة متقطّعة في العام 2007 وظل يتعزّز منذ ذلك الحين”.
وحسب “لوموند”، فقد أعرب نيقولا ساركوزي يوم الثلاثاء عن “إمتنانه لبلدان الإتحاد الأوروبي والبلدان الصديقة الأخرى، مثل سوريا، التي قدمت لنا دعمها في هذه المرحلة الأولى”. وكان ساركوزي يشير بكلامه عن “المرحلة الأولى” إلى إطلاق سراح الموظفة الفرنسية-الإيرانية، “نازاك أشرف”، التي تعمل في سفارة فرنسا بطهران، بكفالة.
أما المرحلة الثانية، حسب تمنّيات قصر الإليزيه، فستكون إطلاق سراح “كلوتيلد ريس” خلال وقت قصير، وبصورة نهائية.
ويبدو أن دمشق مصمّمة على لعب دور في هذه المرحلة الثانية!
وحسب أوساط سورية، تحدثت معها جريدة “لوموند”، فإن الرئيس السوري بشّار الأسد ينوي التوجّه إلى طهران لتهنئة أحمدي نجاد. وهو سيسعى، إبان زيارته، وإذا ظلت الأزمة قائمة حتى ذلك الحين، لاستخدام نفوذه لدى الحليف الإيراني. وقد أكّد مصدر ديبلوماسي فرنسي في دمشق قرب زيارة الأسد لطهران.
وحسب “لوموند”، فحينما سُئل المصدران السوري والفرنسي عن إمكانية أن يعود الأسد من طهران ومعه “كلوتيلد ريس”، فإن جوابهما كان أن هذا الإحتمال “وارد”. وأضاف المصدر الفرنسي أن “من المؤكد أن الأسد سيعمل بهذا الإتجاه أثناء زيارته لطهران”. وإذا ما تحقّق مثل هذا السيناريو، فإن هذا الإنتصار الديبلوماسي الذي ستحققه دمشق سيمثّل، في نظر باريس، تأكيداً لصحة رهانها على “الصديق” السوري!!
وقد وافقت فرنسا على إقتراح إيراني باستضافة “كلوتيلد ريس” في السفارة الفرنسية بطهران بانتظار صدور الحكم الذي لم يُحدّد تاريخ صدوره بعد. وحسب المحلّل السوري أيمن عبد النور الذي تحدث مع جريدة “لوموند”، فإن “سوريا لعبت دور الوسيط بين فرنسا وإيران، وكانت حصيلة وساطتها إطلاق سرح نازاك أشرف. ولكن لم تتم تسوية جميع المسائل بعد، لأن النظام الإيراني قوي ولا يسهل التأثير عليه، غير أن دمشق نجحت في تسهيل مسار الأمور. والتحدّي في هذا الموضوع هو العثور على حلّ لا يجعل إيران تبدو وكأنها قد خسرت. وبالنسبة لسوريا، فمن الضروري أن تثبت لساركوزي أنها تملك الوسائط والرغبة في التحرّك، وأنه بقدر ما يبدي الناس إمتنانهم لسوريا فإنها ستتحرك أكثر”!
وكان سبق لدمشق أن أبلغت محاوريها الأوروبيين، مراراً، أنها مستعدة للعب دور الوسيط بين إيران والغرب في الموضوع النووي الشائك، ولكن هذه العروض لم تؤدّ إلى ردود فعل عملية حتى الآن.
ويضيف “أيمن عبد النور” أن “السيد ساركوزي هو المسؤول الوحيد الذي تجرّأ على المراهنة على سوريا، وعلى اعتبار أنها قادرة على أن تسلك سلوكاً حسناً. إن أياً من حكومات بريطانيا أو ألمانيا أو هولندا لا تشاركه في تفكيره هذا”. ولهذا السبب فإن الرئيس الفرنسي هو “أمل سوريا الوحيد لتحسين صورتها لدى الأوروبيين، وخصوصاً لدى الولايات المتحدة”.
وكانت فرنسا، بتوجيهها دعوة لبشار الأسد لحضور العرض العسكري في 14 تموز 2008، إلى جانب مسؤولين آخرين من منطقة المتوسط، قد دشّنت عودة سوريا إلى حظيرة الدول “المحترمة”. وكان سبب الدعوة هو أن باريس رغبت في مكافأة دمشق على سلوكها الحسن في الموضوع اللبناني. ويقول مصدر فرنسي مطّلع على هذا الملف: “كانت الإشارة الإيجابية بنظرنا هي موقف سوريا أثناء إتفاق الدوحة في ربيع 2008، حيث رفعت “الفيتو” السوري على انتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية ووافقت على تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان. ثم أن دمشق أعلنت، في يوم إتفاق الدوحة بالذات، عن إستئناف المفاوضات غبر المباشرة مع إسرائيل، عبر تركيا”.
من جهتها، سعت فرنسا لإقناع الإتحاد الأوروبي بعقد إتفاق شراكة مع سوريا. وكانت المفاوضات بين دمشق وبروكسل قد عُلِّقت في العام 2005 بعد اغتيال رفيق الحريري، الأمر الذي وضع حدّاً لآمال سوريا في الحصول على دعم مالي أوروبي. ويضيف المصدر الفرنسي أن “المادة 2 من إتفاق الشراكة تتضمن فقرة، وافقت عليها سوريا، تتعلّق بحقوق الإنسان”! ويضيف أن جميع الدول الأوروبية وافقت على إتفاق الشراكة من حيث المبدأ “ما عدا هولندا”. وإذا رُفع الفيتو الهولندي، يمكن توقيع الإتفاق أثناء إجتماع المجلس الأوروبي في شهر سبتمبر.
هل يمارس “الثنائي” الإيراني-السوري لعبة “إبتزاز” في قضية “الرهينتين” الفرنسيتين لدى محكمة طهران الثورية؟ التحديق في الداخل:أمة تغرق في دماء ابنائها، وتفكك الى امارات وميليشيات اسلامية تعلن هنا وهناك. ففي رفح على الحدود المصرية أعلن شيخ جامع إبن تيمية وسط أنصاره المدججين بالسلاح، “إمارة فلسطين الإسلامية في أكناف بيت المقدس”. وفي لبنان (لولا السلاح الذي استخدمه حزب الله الطائفي لما كانت غزوات 7 ايار التي انتهت بإحتلال العاصمة حتى اليوم، وترهيب فئات واسعة من الشعب اللبناني. ولولا السلاح المشار اليه وارتباطه العضوي بسياسات نظام خارجي توسعي النزعة لما جرى توريط لبنان في حروب اقليمية مدمرة، ولما كان العالم كله يترقب… قراءة المزيد ..