إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
مرَّ ما يقرب من ثلاثة عقود، ولم يسمع الناس حتى صوت “مجتبى خامنئي”. لم تُنشر سوى صور له في بيت القائد، وفي المظاهرات، وفي مراسم العزاء في المساجد.
حتى جاء اليوم الذي ظهر فيه هذا اللاعب وراء الكواليس في السياسة الإيرانية، في 22 سبتمبر الماضي، في مقطع فيديو منخفض الجودة، وبصوت ضعيف ونبرة خافتة، قائلًا: “إنه ينهي درس الخارج في الفقه في الحوزة العلمية في “قم”، وأن والده ليس على علم بهذا القرار”.
لم يُعرف بعد كيف، وبعد يوم واحد فقط من بدء العام الدراسي الجديد (في إيران)، أوقف درسه الذي قيل إنه كان يضم حوالي 700 طالب!
ما الأسباب التي دفعته لاتخاذ هذا القرار؟
وهل يجب أن يُعتبر هذا خطوةً نحو الخلافة الوراثية للمرشد الأعلى آية الله “علي خامنئي”، البالغ من العمر 85 عامًا والذي يعاني من عدة أمراض؟
●«هو سيد وليس ابن سيد!»
“هو” مجتبى خامنئي، الذي حذر آية الله علي خامنئي، قائد الجمهورية الإسلامية، منتقديه الداخليين من استخدام أي لقب آخر غير “سيِّد” عند الإشارة إلى ابنه.
في عام 2005، اتهم “مهدي كَرّوبي”، المرشّحُ الخاسر في الانتخابات الرئاسية، علي خامنئي بأن ابنه “مُجتبى” دعم ترشيح “محمد باقر قاليباف” في الانتخابات.
كشف كرّوبي أن أحد “الكبار” أخبر آية الله خامنئي أن “ابنكم يدعم شخصًا معينًا في الانتخابات”، ورد خامنئي قائلًا: “هو سيِّد وليس ابن سيِّد!”
هذه العبارة أدخلت اسم مجتبى خامنئي إلى الساحة السياسية الإيرانية. ليس فقط كمرشح محتمل لخلافة والده، بل آنذاك، كشخصية مؤثرة خلف الكواليس في التحولات السياسية، كواليس تُرفع أحيانًا منذ ذلك الحين وحتى اليوم، لتُظهر “السَيِّد” بشكل أوضح.
آية الله علي خامنئي، قائد الجمهورية الإسلامية البالغ من العمر 85 عامًا، لديه ستة أبناء: مصطفى ومجتبى ومسعود وميثم، وبناته بشرى وهدى. ومجتبى، المولود في عام 1970، هو الابن الثاني للمرشد الأعلى.
●مجتبى يريد أن يصبح “مُعمَّماً”
في عام 1999، عندما تقدم مجتبى خامنئي لخطبة “زهرا حداد عادل”، ابنة “غلام علي حداد عادل”، لم يكن بعد “معممًا”.
في عام 1998، بعد المرحلة الأولى من الخطبة، قامت زوجة آية الله خامنئي بـ”الاستخارة“، لكن النتيجة كانت سلبية، وتوقفت الأمور.
بعد عام، قامت والدة مجتبى بـ”الاستخارة” مرة أخرى، هذه المرة كانت النتيجة إيجابية واستمرت الخطبة.
قبل حفلِ الزفاف، قال آية الله علي خامنئي لـ”غلام علي حداد عادل”: “ليس لدي المال لشراء منزل. لقد استأجرنا منزلًا يعيش فيه مصطفى ومجتبى في طابقين. تحدث مع ابنتك حتى لا تعتقد أن الزواج من ابن “القائد” يعني حياةً خاصة. إذا أرادت دخول هذه الحياة، فسيكون الأمر صعبًا بعض الشيء. مجتبى ليس بعد معممًا ويريد الذهاب إلى “قم” ليدرس ويصبح رجل دين، أخبرها بذلك لتعلم”.
●مجتبى أصبح “رجل دين”
ذهب مجتبى خامنئي إلى الحوزة العلمية وأصبح رجل دين. من بين أبناء المرشد الأعلى، يُعتبر مُجتبى خامنئي الأكثر شبهًا بوالده من حيث الشكل والفكر.
يقول “محمد حسين خوشْوَقْت”، شقيق زوجة مصطفى خامنئي: “من المعروف أن مجتبى هو الابن الأكثر شبهًا بالمرشد الأعلى سواء في الشكل أو الصفات الشخصية والاجتماعية. لكن هذا لا يعني أنه يتدخل في الشؤون السياسية للبلاد. قد يُستشار أحيانًا بسبب مكانته، لكن ما يقوله الأعداء بأنه مصدر الأحداث السياسية في البلاد ليس صحيحًا”.
لا يوضح خوشْوَقْت في أي مجالات أو من أي موقع يتم استشارة مجتبى خامنئي من قِبَل البعض، ولماذا لا يتمتع مصطفى خامنئي، الابن الأكبر للقائد، بنفس هذا الموقع ليتم استشارته.
“فريد الدين حداد عادل”، شقيق زوجة مجتبى خامنئي، اعتبر في مقابلة مع العدد السنوي لمجلة «مثلث» (مارس 2010)، أن “نظرة ورؤية” مجتبى خامنئي متطابقة تمامًا مع قائد الجمهورية الإسلامية، حيث إنه “أينما يوجد واجب أو أمر من القيادة، فإنه يؤدي واجبه”.
كما يعتقد محمد حسين خوشْوَقت أن “شائعة تولي مجتبى القيادة هي مجرد اختلاق من بعض الأوساط ووسائل الإعلام الأجنبية، بهدف إثارة الشكوك حول جعل القيادة وراثية”.
لكن لم تكن هذه الشائعة من قِبَل الأوساط الأجنبية ووسائل الإعلام الأجنبية.
فقد صرح “مهدي تاجزاده”، إمام الجمعة في مدينة بهارستان، في سبتمبر 2022 قائلاً: “ما الخطأ في أن يتولى السيد مجتبى، وهو شوكة في عين الأعداء، ويحمل صفات القيادة، شؤون الناس… إذا جلس مجتبى خامنئي مكان والده، فهذا لا يعني أبدًا أن حكم إيران أصبح وراثيًا”.
وقبل ذلك أيضًا، قال آية الله “عبد الكريم فرحاني”، العضو السابق في مجلس الخبراء: “يجب أن يعلم الأعداء أن السيِّد بخير، وإذا، لا قدر الله، غاب ظل السيِّد، فبحمد الله قد ربّى أبناءً وصل أحدهم إلى درجة الاجتهاد، وإذا لزم الأمر، سيختاره أغلبية أعضاء مجلس الخبراء ليتولى قيادة الشيعة في العالم”.
هذه الأحاديث هي التي دفعت “مير حسين موسوي”، رئيس الوزراء الأسبق وقائد المعارضين في انتخابات 2009 (الحركة الخضراء)، إلى التحذير في رسالة من الحجز المنزلي الذي هو فيه في أغسطس 2022 بشأن الخلافة الوراثية للقيادة في إيران، قائلاً: “نشتم رائحة النظام الملكي. يقولون إنه إذا غاب ظِلُّ السيد، فبحمد الله قد ربّى أبناء سيختارهم مجلس الخبراء لتولي قيادة الشيعة في العالم… لا قدر الله، هل عادت السُلالات التي حكمت لمدة 2500 عام حتى يتولى الابن بعد أبيه؟… منذ ثلاثة عشر عامًا تُسمع أخبار هذه المؤامرة. إذا كانوا لا يعتزمون فعل ذلك، فلماذا لا يَنفون هذا النِيّة مرة واحدة؟”
وبعد فترة قصيرة من ذلك، أصدر مجلس الخبراء بيانًا وصف فيه الحديث عن الخلافة الوراثية بأنها “إثارة للشكوك”، مؤكدًا أن هذا المجلس يهتم “بالاختيار الأمثل وانتقاء الأصلح.”
●مجتبى أصبح “آية الله”
تقريبًا بعد أسبوعين من رسالة مير حسين موسوي، قدمت وكالة أنباء الحوزة في “قم” (رسا) مجتبى خامنئي على أنه “آية الله”، وأعلنت في سبتمبر 2022 أنه سيبدأ بتدريس مادة “خارج الفقه والأصول” في هذه الحوزة، وهي مادة قالت الوكالة إن “مجتبى خامنئي قد درّسها لمدة 13 عامًا”.
يبدو أن مجلس الخبراء، بدلاً من شطب اسم مجتبى خامنئي، قد وضع علامة “صح” بجانبه، لأن “محمود محمدي عراقي”، عضو مجلس الخبراء، قال إن مسألة خلافة مجتبى خامنئي قد طُرحت على الأقل مرتين في مجلس الخبراء.
رغم أنه قيل إن مجلس الخبراء طلب الإذن من آية الله علي خامنئي لمناقشة اسم مجتبى في المجلس، وأنه ردَّ بقوله: “لا، اشطبوا هذا الموضوع”، لكن يبدو أن معارضة خامنئي العلنية لخلافة ابنه تعود أكثر إلى موضوع “الحرَج”، أي الحرَج من اتهامه بتوريث السلطة، وهو النقد الذي وجهه حكام الجمهورية الإسلامية، بما فيهم آية الله خامنئي نفسه، إلى النظام الملكي البهلوي: “كان لدينا واحد من أكثر الأنظمة الرجعية، وكان الحكم وراثيًا، يموت شخص، ويُجبر الشعب على قبول ابنه مهما كانت سِنُّه، أو ظروفه، أو صفاته، كحاكم مطلق، لا معيار، ولا علم، ولا تقوى، ولا عقل، ولا أي شيء آخر يكون مقياسًا”.
وبحسب محمود محمدي عراقي، في مرة من المرات تناول آية الله “محمد يزدي” (الرئيس السابق لمجلس الخبراء وعضو لجنة اختيار القائد،)، مناقشة الكفاءة العلمية لأحد أبناء القائد، وعندما سمع قائد الجمهورية الإسلامية بهذا الموضوع رفضَهُ قائلاً: “هذا التصرف يثير شبهات حول وراثة القيادة”.
ومع ذلك، يبدو أن آية الله خامنئي يعتقد في رؤية أخرى أن: “الحكم القائم على الولاية في الإسلام لا يتوافق مع الحكومات الاستبدادية أو الديكتاتورية أو الملكية الوراثية التي تتشكل دون فضائل، وإذا وصل شخص إلى السلطة بناءً على الوراثة والنسب – دون الفضائل والصفات الحقيقية التي تعتبر شرطًا في الحكم – فإن هذا لا يُعتبر ولاية”.
ويبدو من وجهة نظر خامنئي أنه إذا كان الشخص يتمتع بالفضائل والصفات الحقيقية، فإن الوراثة والنسب لا تمثلان عائقًا أمام القيادة. والنتيجة هي أن مجتبى، لكي يخلف والده، يجب أن يرفع من مستوى فضائله وصفاته الحقيقية.
●”مجتبى أصبح “الوجه الغامض والخفي للسياسة”
مجتبى خامنئي، خلال كل هذه السنوات، لم يدرس فقط العلوم الدينية والفقه والأصول في زوايا الصفوف وحجرات الحوزة العلمية، بل أصبح واحداً من أكثر الوجوه الغامضة وراء الكواليس في السياسة وفي “بيت القيادة”. ورغم أن “محمود محمدي عراقي”، عضو مجلس الخبراء وصهر آية الله مصباح يزدي (المرجع الديني المتشدد)، يقول إن “أبناء القائد لا يشغلون أي منصب رسمي في البلاد”، إلا أن التأثير خلف الكواليس دون تَحَمُّل مسؤولية رسمية قد يكون أكثر تأثيراً من أي منصب آخر. “محمد سَرَفْراز”، الرئيس السابق لمنظمة الإذاعة والتلفزيون، هو الشخص الوحيد في الجمهورية الإسلامية الذي أشار أكثر من غيره إلى دور مجتبى خامنئي الغامض في هيكل السلطة واتخاذ القرارات السياسية. وهو يتحدث عن الصِلة المباشرة بين مجتبى و”حسين طائب”، الرئيس السابق لجهاز استخبارات الحرس الثوري، ويذكر أن مُجتبى كان مهتماً بالتقارير الأمنية التي يقدمها طائب. وفي حديثه مع “شَهْرَزاد ميرْقُليخان”، المفتشة السابقة في الإذاعة والتلفزيون، أشار سَرَفْراز أيضاً إلى الاجتماعات التي تشكلت بعد فوز “محمد خاتمي” في الانتخابات الرئاسية عام 1997، والتي كانت تهدف إلى مناقشة كيفية التعامل مع ظاهرة خاتمي وأنصاره، الذين كانت السلطة الحاكمة غير مستعدة للتعامل معهم بمرونة. مجتبى خامنئي كان يحضر هذه الاجتماعات وينقل النتائج إلى المرشد.
كما يشير الرئيس السابق لمنظمة الإذاعة والتلفزيون إلى حلقات واجتماعات أخرى شارك فيها هو ومجتبى خامنئي وحسين طائب و”حسين فدائي” (الرئيس الحالي لمكتب التفتيش الخاص بالمرشد)، والتي تناولت موضوعات سياسية مثل الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، والأشخاص المقترحين لهذه المناصب وكيفية تنظيم حملاتهم الانتخابية، وتقديم التقارير الأمنية من قبل طائب. في دائرة مجتبى خامنئي، بالإضافة إلى الشخصيات الأمنية والعسكرية والسياسية مثل حسين طائب، نجد أيضاً شخصيات أخرى مثل “محمد باقر قاليباف” (رئيس مجلس الشورى الإسلامي الحالي)، وهو الشخص الذي أشار إليه مهدي كروبي في عام 2005 قائلاً إن مجتبى خامنئي يعمل لصالح قاليباف في الانتخابات. ومع ذلك، فقد فشلت محاولات هذه الدائرة في إيصال قاليباف إلى منصب الرئاسة في كل مرة، وكان آخرها في الانتخابات الرئاسية لعام 2023.
في يوليو 2022، تمت إقالة “حسين طائب” بشكل مفاجئ من منصبه المهم، لكنه لا يزال جزءاً من اللاعبين الخفيين في السياسة ومن دائرة مجتبى خامنئي. هو شخصية غامضة وشديدة الصرامة، لدرجة أن “محمود أحمدي نجاد”، الرئيس السابق، صرح في سبتمبر 2018 أنه “غير متوازن” و”يختص بتلفيق الملفات”.
●خصوم “مجتبى” تم إقصاؤهم
يواجه خامنئي، مع تقدمه في السن، حيث يبلغ من العمر 85 عاماً، أنواعاً مختلفة من الأمراض. وفي السنوات الأخيرة، تمت مناقشة مسألة خلافته عدة مرات. وفي أقل من عقد، تم إقصاء خصوم مجتبى خامنئي المحتملين واحداً تلو الآخر من السباق على خلافة القيادة:
توفي “محمود هاشمي شاهرودي” و”محمد تقي مصباح يزدي” بعد معاناة من المرض، وهناك جدل حول سبب وفاة بعضهم، مثل “هاشمي رفسنجاني”، أو أن طريقة وفاتهم كانت مشبوهة، مثل “إبراهيم رئيسي”، أو مثل “حسن روحاني” الذي لا يزال على قيد الحياة، ولكن لا يكاد يمر يوم دون أن يتم تشويه سمعته من قبل اللاعبين الخفيين في السياسة. كما أن هناك شخصيات أخرى لا تتمتع بنفوذ في الطبقات السياسية والأمنية للدولة، مثل “محسن قمي”، عضو مكتب المرشد، و”علي رضا أعرافي”، و”هاشم حسيني بوشهري”، نائبي رئيس مجلس الخبراء الحاليين.
●مجتبى “ظهر” و”اختفى”
تفجيرات “البيجر” ضد أعضاء حزب الله اللبناني، والرقابة الإلكترونية/ الأمنية من قبل إسرائيل ضد هؤلاء، أثارت قلق بعض المسؤولين في الجمهورية الإسلامية على حياتهم.
بينما يرى آخرون أن إغلاق درس مجتبى خامنئي ليس له طابع سياسي أو اعتراضي، بل يعود إلى “التربية الروحية الشخصية”. يقول حجة الإسلام “سعيد صلح ميرزايي”، عضو مجلس الخبراء: “السبب الحقيقي وراء قراره (مجتبى خامنئي) يمكن أن يكون اقتداءه بعلماء السلف. فالعلماء الأخلاقيون أحياناً عندما يرون أن دروسهم أصبحت مزدحمة، يتوقفون عن التدريس من أجل تهذيب أنفسهم، ما لم يجدوا دافعاً يبرر لهم مخالفة احتياطهم الأخلاقي”.
بغض النظر عن دوافع مجتبى خامنئي لإغلاق درسه بشكل مفاجئ، فإن ما هو مهم هو أن خليفة المرشد الحالي، إن لم يواجه معارضة جدية وفاعلة من قبل الشعب، سيخرج من داخل “بيت القيادة” في الجمهورية الإسلامية، البيت الذي يمتلك هيكلاً كبيراً مع قوة عسكرية وأمنية وإعلامية، فضلاً عن موارد اقتصادية ومالية هائلة.
“الدولة العميقة” في الجمهورية الإسلامية التي يتشكل جزءاً أساسياً منها داخل “بيت القيادة”، لا تجد حالياً خياراً أنسب لخلافة القائد الحالي سوى مُجتبى خامنئي؛ ما لم يُقرّر الشعب شيئاً آخر في الوقت المناسب.