كانت الانتخابات الكويتية خطوة في الاتجاه الصحيح.انها بداية وليست نهاية، خصوصا أن لا وجود لشيء اسمه انتخابات من أجل الانتخابات. انّها بداية وعي لدى المواطن لاهمية كسر الجمود ووقف الدوران في حلقة مغلقة… وتكريس الاستقرار في المدى الطويل.
ربّما كان أفضل تعبيرعن وجود بداية لهذا الوعي نسبة الاقبال على صناديق الاقتراع التي شكّلت المفاجأة الاولى في الانتخابات. لم يكن هناك من يتوقع تجاوز النسبة الخمسين في المئة بكثير، في يوم شديد الحرارة من أيّام الصوم. تجاوزت النسبة هذا الرقم على نحو مريح…
أقبل الكويتيون على صناديق الاقتراع من منطلق استيعابهم لاهمّية التجربة الديموقراطية أوّلا. ارادوا بكلّ بساطة المساعدة في تجاوز حال الضياع التي عاشها البلد في السنوات الاخيرة والتي جعلت الحكومات الممتالية غير قادرة على العمل الجدّي والاستثمار في المستقبل، خصوصا في الانسان الكويتي.
ما حصل في الكويت يوم السبت الواقع فيه السابع والعشرين من تمّوز- يوليو 2013 كان علامة فارقة. صار في الكويت مجلس أمة يعكس الى حدّ كبير المزاج الشعبي الراغب في التقدّم بدل البقاء في أسر الشعارات والمزايدات والنقاشات التي لا طائل منها.
لم تأت بداية الوعي لدى معظم الكويتيين لاهمّية الانتخابات من فراغ. اراد الكويتيون الردّ على المقاطعين بشكل عملي. هذا ما دفعهم الى تحدي الحرارة والغبار والتوجه الى مراكز الاقتراع. انهم يدركون أن امير الدولة الشيخ صباح الاحمد حزم أمره وأنّ لا عودة لديه الى خلف، أي الى فترة الجمود. وهذا لا ينطبق على الداخل الكويتي فقط، بل يتجاوزه الى ما هو أبعد من ذلك بكثير، أي الى الدور الكويتي على الصعيد الاقليمي في وقت يمرّ الشرق الاوسط والخليج في مرحلة مخاض.
ليس سرّا أن الكويت استعادت في السنتين الماضيتين الكثير حيويتها على الصعيد الاقليمي، على الرغم من كلّ التجاذبات الداخلية واتساع رقعة التحركات الشعبية التي وقف خلفها الاخوان المسلمون وغيرهم. لا يمكن تجاهل أنه كان هناك حراك شعبي وُجد من يحاول ربطه بـ”الربيع العربي”، علما أنه لا يخفى على من يتابع المشهد السياسي الكويتي عن قرب أن البلد في ربيع دائم. كان هذا الربيع الكويتي الدائم مثمرا في بعض الاحيان وكانت له آثار سلبية في أحيان أخرى نظرا الى أنه عطل حركة التطور في بلد يمتلك مجتمعا حيّا كان يلعب في الماضي القريب جدا دورا رائدا في محيطه.
وقع الكويتيون في فخّ كان يفترض بهم تفاديه. صحيح أن الاحتلال العراقي للبلد في العام 1990 لعب دوره في ارباك المجتمع والطبقة السياسية، لكنّ الصحيح أيضا أنه كان لا بدّ من تجاوز هذه الحالة والتغلب عليها بسرعة أكبر.
تحاول الكويت حاليا تعويض ما فاتها في السنوات الاخيرة. سيكون مجلس الامة الجديد أمام امتحان كبير. سيكون نجاحه مرتبطا بمساهمته في مواكبة دولة استضافت في أقلّ من سنة قمة عربية- اسيوية ومؤتمرا دوليا لدعم الشعب السوري وستستضيف قريبا قمة عربية- افريقية ثم القمة الخليجية ثم القمة العربية. الاهمّ من ذلك كله، أن الكويت استطاعت اقامة علاقات متوازنة الى حدّ ما مع ايران على الرغم من كلّ العداء الذي تظهره طهران لكلّ ما هو عربي في المنطقة، خصوصا في الخليج.
في الوقت ذاته، ساعدت الكويت العراق في الخروج من الفصل السابع بعد الزيارة المهمّة التي قام بها لبغداد رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك، فيما تسير عملية ترسيم الحدود بين البلدين بشكل طبيعي.
فوق ذلك كلّه، لم تتردد الكويت في دعم الاستقرار في مصر. انضمت الى دولة الامارات والسعودية في توفير مساعدات للدولة المصرية، مباشرة بعد تخلص الشعب المصري من كابوس الاخوان المسلمين ممثلا بالرئيس السابق محمد مرسي.
هذا بعض من النشاطات التي استضافتها أو قامت بها الكويت. هناك احياء عاقل للدور الكويتي بعيدا عن المبالغات والاستعراضات وذلك من خلال فهم عميق لظروف المنطقة وتعقيداتها وتوازناتها. هل يكون مجلس الامّة الجديد في وضع يمكنه من مواكبة هذه العملية التي يقودها الشيخ صباح الاحمد؟ هل يكون شريكا في كسر الجمود؟ انه تحد كبير يواجه القادمين الجدد والعائدين الى قاعة عبدالله السالم.
تظلّ الكويت نفسها التحدي الاكبر. امام المجلس الجديد فرصة لاظهار أن الكويت في حاجة الى أن تكون دولة عصرية ذات اقتصاد منتج وليس اقتصادا ريعيا تغطي مداخيل النفط عوراته. فالدولة الكويتية تستوعب مئتين وتسعين ألف موظف، عدا القوات المسلّحة والشرطة، القسم الاكبر منهم في حقلي الصحة والتربية. لا تحتاج الكويت الى اكثر من ستين ألف موظف. من سيتولى “ترشيق” الدولة التي لديها خطة انمائية طموحة تمتد حتى السنة 2020 كلفتها مئة وثلاثة مليارات دولار؟
هل يمكن للكويت أن تتقدم في ظل البرامج التربوية المتخلفة التي ساهم في وضعها الاخوان المسلمون خصوصا منذ العام 1996؟ ما نفع أجمل المباني الجامعية وكلّ مختبرات الحديثة من دون برامج تربوية عصرية واساتذة على علاقة مباشرة بالطلاب وبما يتحقق في العالم المتحضر؟
انّ مسلسل الاسئلة المرتبطة بالمستقبل لا يتوقف. هل يمكن للكويت تفادي العجز في موازنتها في السنة 2021 اذا لم يتطوّر اقتصادها وتنفتح على الاستثمارات الاجنبية؟ هل طبيعي في بلد مثل الكويت أن تكون نسبة اثنين في المئة فقط من القوة العاملة في القطاع الخاص؟
لا يحتاج الكويتيون بكل تأكيد الى دروس من أحد. انهم يعون أن تطوير بلدهم، بما في ذلك قطاع الاسكان، يحتاج الى تفكير من نوع آخر.
مرّة أخرى، ما شهده يوم الانتخابات الاخيرة كان بداية وعي لاهمية الانتقال، على الصعيد الداخلي، الى مرحلة جديدة في كلّ المجالات، وليس في مجال الاعلام وحده الذي شهد في الفترة الاخيرة قفزات الى امام. فلغة الارقام لا تكذب في أيّ مجال من المجالات أو حقل من الحقول.
أمام مجلس الامة الجديد مهمّة التصرف، مستندا الى الارقام، من منطلق أنه ليس صحيحا أن كلّ شيء على ما يرام في البلد. يفترض بالنواب الجد والجدد- القدامى الاعتراف بأنّ الاصلاحات الحقيقية لا تكون بالشعارات الفضفاضة التي أخذت مصر، على سبيل المثال وليس الحصر، الى ما هي عليه الان.
يفترض بهؤلاء التساؤل كيف يمكن تطوير اقتصاد بلد، كان في الماضي القريب قدوة لمحيطه، بلد يعتمد بنسبة خمسة وتسعين في المئة على مداخيل النفط، من دون الاستثمار في الانسان. والاستثمار في الانسان يعني الاستثمار في التعليم من أجل الوصول الى اقتصاد منتج بديلا من الاقتصاد الريعي الذي لا يعلّم المواطن سوى مادتي الكسل والتخلّف. انهما المادتان الوحيدتان في برنامج الذين يدفعون الكويت الى التخلف والجمود معتمدين الشعارات الدينية ووضع القيود على المرأة قبل أي شيء آخر.