اذا كنتم من المتابعين لما يجري على الساحة السعودية في الآونة الأخيرة، فإنكم ولا بد تعيشون في حالة من الدهشة، وربما ينتابكم من حين لآخر شعور غريب النزعة.
ثمة حراك “حقوقي” ملحوظ في اروقة الدولة، وهناك عدد لا بأس به من القرارات التي توالت في الاسابيع الماضية، جعلت كل من يقطن على تلك الارض القاحلة يشعر ان سُحباً محملة بالحقوق المكفولة آتية وسُتعاد لأصحابها عن قريب.
قد يطرأ على ارض السعوديين تغيرات جديدة لتحسن واقع متعثر لطالما انتظر تعديله الكثير ومن جميع فئات الشعب السعودي، ولكن لا احد يستطيع ان يضمن حدوث تلك التغيرات بالسرعة المرجوة او بالطريقة المأمولة.
تصدّرت الصحف السعودية لقرابة الشهرين الماضيين توصيات وقرارات وتحركات توالت واحدة بعد الآخرى، بعض القرارات مازالت “قيد الدراسة”، وبعضها سينفذ “قريبا” وآخر بالفعل تم تنفيذه.
طالعتنا جريدة الشرق الأوسط في عددها الصادر في 25 نوفمبر بخبر عن توصية كان جميع الحقوقيين في السعودية يطالبون بإعتمادها كقانون منذ سنوات طويلة، لأنها احدى اساسيات حماية حقوق الطفل. التوصية شبه “قرار” لكنه مازال “قيد الدراسة” وخرج بأغلبية اصوات اعضاء الشورى. نصها يطرح تعريف الطفل على أساس يصل حتى 18 عاما.
في حالة اعتماد تلك التوصية كقانون سيعتبر نقلة نوعية في تعريف سن الطفولة حتى دول الجوار لم تحققه بعد. بقي الآن ان تُرفع التوصية من مجلس الشورى الى مجلس الوزراء ليتم اعتبارها قانونا سارياً من تاريخه، ومن ثم يعمم على جميع الجهات والمؤسسات في الدولة.
المهم في ذاك الامر اذا اعتمد كقانون يتوجب تصحيح تبعاته. من كان عمره 18 سنة أو اقل من الجنسين يجب ان يُعامل كطفل امام القانون وفي جميع مناحي الحياة. يجب اعادة النظر في قضايا الاطفال الذين يقبعون في السجون، وتمت محاكمتهم على انهم بالغين. ايضا في حالة ارتكاب أي جنحة من قبل تلك الفئة العمرية يجب ان يـُحاكموا كقصَّر، وان تـُوقف في الوقت الراهن جميع القضايا المتداولة في المحاكم التي تورط فيها اطفال الى ان يتم اصدار قانون تعديل سن الطفولة.
ايضا يحتم القانون ان لا تتم حالياً عقود زواج لصغار السن الذين يندرجون تحت تلك الفئة العمرية، وان من يـُخالف التعليمات من رجال الدين واولياء الامور يعرّضون انفسهم للمحاكمة والعقوبة القانونية.
مكافحة زواج الصغيرات ايضا دعمه اعضاء مجلس الشورى وطالبوا به من قبل، حيث نـُشر الخبر في جريدة اليوم في عددها الصادر في 19 نوفمبر بعنوان “الشورى يدعو لتجريم الزواج بفتيات صغيرات.”
مؤخرا صار زواج الصغيرات مرفوضا لدى شريحة كبيرة من المجتمع السعودي وبسبب الرفض الاجتماعي وقبل تلك السجالات التي دارت في اروقة مجلس الشورى، دونت محكمة القطيف اول حالة رفض لعقد قران طفلة من مسن. يقول الخبر الذي نـُشر في جريدة الرياض بتاريخ 24 اكتوبر ” قاضي القطيف يوقف زواج سبعيني ب”بنت 14″ ربيعاً” اذا الارض ممهدة لاتخاذ قرار يمنع زواج صغار السن سواء كان من كهول او من صغار من نفس سنهم.
بالاضافة الى ذلك من تبعات قانون رفع سقف سن الطفولة، الآن صار ثمة تعريف جديد لسن البلوغ وينطبق على الجنسين، الانثى والذكر. هذا يعني ان من هم خارج تلك الفئة العمرية يعدون بالغين راشدين. اذاً قد حان الوقت للمرأة التي اكملت سن التاسعة عشر وما فوق ان تُعامل على انها انسانة بالغة وراشدة وعاقلة لها نفس الحقوق وعليها نفس الواجبات التي تـُعطى للذكر.
منذ ساعة اصدار ذاك القانون وصاعدا يجب على المرأة الراشدة ان تتحمل مسؤلياتها بنفسها بدون ان تـُفرض عليها الوصاية من ذكر. المرأة الراشدة لها حق التحكم في شؤونها الخاصة والعامة مثل الزواج والدراسة والعمل والتصرف بممتلكاتها والحصول على اوراقها الثبوتية وغيرها من الامور التي تخصها بدون الحاجة الى ان تأخذ اذناً من محرم.
على صعيد آخر في صحيفة الوطن في عددها الصادر يوم 25 نوفمبر نـُشر خبر بعنوان “الشورى يوصي بـ15 سنة سجن أو مليون ريال غرامة أو كليهما لمن يتاجر بالبشر” هذا الخبر مهم اذا اعتمد كقانون لأنه سيحد كثيرا من العمالة الوافدة غير القانونية والتي تُجلب لأغراض الدعارة ولتشكيل عمالة رخيصة بلا حقوق وتُعامل معاملة الرقيق.
الجدير بالذكر لو تحولت تلك التوصية الى قانون ومع توصية تحديد سن الطفولة كليهما سيحدان من المتاجرة بالصغيرات خاصة اليمنيات المعدمات اللواتي يقوم اهاليهن ببيعهن للسعوديين فيجلبن كعاملات منازل ومن ثم يـُزج بهن في زواجات من كهول ومرضى.
في قضية اخرى جديرة بالاهتمام طالعتنا صحيفة عكاظ في عددها الصادر في 19 نوفمبر بخبر يقول “أصدرت وزارة التجارة تعديلات وقرارات جديدة من شأنها تسهيل المعاملات النسائية، وأكدت أمس على فروعها بالمملكة بالسماح للمرأة السعودية بمزاولة نشاط التعقيب والخدمات العامة في الإدارات الحكومية النسائية فقط.” اي لا تستطيع المرأة ان تتعامل مع فروع لا يوجد فيها عناصر نسائية.
بالطبع لا زال الموضوع فيه تلك “الاشكالية” التي اسُتحدثت من لا شيء وهي الاختلاط، خاصة انه لا زال معظم وزارات الدولة مستعمرات ذكورية بحتة، لكن الخبر جدير ان يـُذكر حيث خُـتم كالتالي “وذكرت الوزارة أن هذه التعديلات والقرارات تأتي بهدف تبسيط الإجراءت الخاصة بتأسيس الشركات والمؤسسات والأنشطة لسيدات الأعمال، بناء على قرار مجلس الوزراء والداعي لزيادة فرص عمل المرأة وفق الضوابط الشرعية.”
الاشكالية الثانية في ذاك القرار وفي غيره من القرارات الحكومية هي انه لم يـُحدد قط مفهوم “الضوابط الشرعية” فهي تختلف من رجل دين الى آخر. بعضهم يرى ان الضوابط الشرعية للمرأة ان لا تخرج من بيتها سوى عند الضرورة وبصحبة محرمها، والبعض يرى من حقها ان تخرج وتعمل في اماكن عمل مختلطة شريطة ان تكون “محتشمة” في لبسها.
امر آخر في منتهى الاهمية نـُشر في صحيفة الوطن في عددها الصادر في 25 نوفبمر تصدر صفحتها الاولى الخبر التالي ” مجلس الوزراء يوافق على الاستفادة من التوصية 198 لمؤتمر جنيف 2006 / تخويل وزارة العمل المساواة بن الرجل والمرأة وظيفياً”. التوصية رقم 198 المنبثقة عن المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية، في دورته الخامسة والتسعين التي عقدت بجنيف في يونيو 2006 اُصدرت لكي تنظـًّم العلاقة بين صاحب العمل والعامل، وقد اعتمدتها غالبية الدول الاعضاء. جاء قرار مجلس الوزراء السعودي بعد موافقة الملك عبد الله بن عبد العزيز وبعد النظر في قرار مجلس الشورى الخاص بهذا الشأن.
المترتب على قرار مساواة المرأة بالرجل في العمل هو ان تقوم جميع المؤسسات الحكومية والشركات والبنوك بمراجعة قوانينهم ولوائحهم التي تميـّز بين الجنسين في الرواتب والبدلات والمميزات ويتم اعادة كتابة بنودها. ايضا المؤسسات التي تمنع المرأة من مزوالة اعمال معينة، او لا تسمح لها بدخول بعض مبانيها، يتحتم عليها الآن ان تـُلغي تلك القرارات من اجل تمكين المرأة العاملة ومساواتها في الفرص اسوة بزميلها الرجل العامل كما نص عليه القانون.
الآن بناء على القرارين الوزاريين السابقين الخاصين بالمرأة العاملة توجب ان تـُعطى النساء حق التحرك بحرية في مدنهن بإستخدام الوسائل المتاحة للتنقل حالهن مثل حال الرجال “وفق الضوابط الشرعية”، وذلك بالسماح لهن بقيادة سياراتهن بأنفسهن كي يتمكن من مزوالة اعمالهن بسهولة ويسر.
ايضا المؤسسات التي تزود موظفيها بسيارات على حسب مناصبهم، حان الوقت لتسليم مفاتيح سيارات الشركة للموظفات ايضا الا في حالة اذا كانت الموظفة لا تمتلك رخصة قيادة سارية المفعول.
قضية مهمة اخرى طُرحت في صحيفة المدينة في عددها الصادر في 28 نوفمبر على شكل خبر بعنوان “لافتات بالشوارع لزيادة ثقافة حقوق الإنسان” هذه حركة حقوقية تستحق التوقف عندها. يقول الخبر” لأول مرة في المملكة تتجه هيئة حقوق الانسان الى التعريف بثقافة الحقوق بطرق جديدة، بوضع بعض اللافتات في الأماكن العامة والطرق التي تسهم في التشجيع على التعريف ببعض الحقوق واحترامها كحقوق الطفل والمرأة وغيرها من الأمور التي عمدت “الهيئة” إلى نشرها بطرق ايجابية لتلقى القبول عند الجميع .”
وربما المتابعون لمحطة العربية لاحظوا دعاياتها مؤخرا والتي تحث الناس على الرفق بعاملين المنازل والتعامل معهم بإنسانية ولطف تحت شعار “ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء.” هذا امر لم يكن متواجد ابدا في الذهنية السعودية ولا في ثقافة المجتمع، ولم يـُطرح من قبل من قبل اي جهة اعلامية.
أيضا ثمة قرار سيتم التشاور حوله من قبل مجلس الشورى بعد عيد الاضحى عن التحرش بالنساء واعتباره جريمة يـُعاقب عليها القانون كما ذُكر في مقال “المتحرشون بالنساء” في صحيفة الوطن بتاريخ 25 نوفمبر والذي اعتمد على خبر نُـشر سابقاً في نفس الصحيفة.
وقبل هاذين الخبرين في صحيفة الرياض في عددها الصادر في 19 نوفمبر فاجأتنا بخبر عنوانه “جلد مواطن ثماني وسبعين جلدة لتلفظه على زوجته!” يقول الخبر ” أصدرت المحكمة (الدمام) حكماً بالجلد على مواطن ثماني وسبعين جلدة بعد تلفظه على زوجته بألفاظ بذيئة في مكان عام، وأمام مرأى من الناس بعد خلاف حدث بينهما ليفقد الرجل أعصابه ويشتم زوجته في المكان العام وأمام حشد من الناس، وبالتالي تقدمت الزوجة بشكوى ضد زوجها ليحكم القاضي بحكم الجلد في حق الزوج.”
.
هذا امر لم يحدث قط من قبل في محاكم المملكة، مع الاعتراض الشديد على عقوبة الجلد التي تمتهن آدمية البشر.
وفي نفس السياق الحقوقي في صحيفة عكاظ نشر بتاريخ 22 نوفمبر خبر بعنوان ” الملك يحذر من المساس بحرية الآخرين” يبدأ الخبر كالتالي ” وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز_حفظه الله_ بضرورة الالتزام بما نصت عليه الانظمة والتعليمات من كفالة حقوق الافراد وحرياتهم وعدم اتخاذ اي اجراء يمس تلك الحقوق والحريات الا في الحدود المقررة شرعاً ونظاماً.”
مع ان الخبر في صيغته الأولية يبدو مبشرا ومبهرا، لكن في حقيقة الامر انه كُـتب بلغة عائمة ومبهمة لأنه لم يعرًّف مفهوم “المساس بالحقوق والحريات”! فمثلا هل يُعتبرمساساً لحرية الآخرين حين يتهجم رجل من “هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر” على رجل او امرأة لمجرد الشك بهما؟؟ وهل يُعتير انتهاكاً للحقوق حين يطاردون رجال الهيئة الناس ويسببون لهم حوادث مروعة؟؟ وهل مداهمة رجال الامن للمنازل واعتقال افراد من اهلها بدون اذن بالتفتيش او تهمة محددة امر يمس حقوق الافراد وخصوصياتهم؟؟ او حين يتلفط اي رجل في مكان عام بألفاظ بذيئة او يرفع صوته على امرأة لمجرد ان شعرها ظاهرا، هل يعني هذا تعدي على حق المرأة؟؟ جميع تلك الامور تحتاج للتوضيح من قبل الجهات المعنية لكي تتعرف الناس على حقوقها وحرياتها وتحافظ عليها طبقا لذاك القانون.
هذا الامر الملكي ان صح التعبير يحتاج لإسهاب وغربلة من جوانب عديدة، لكي تعرف كل جهة حكومية دورها وتـُدرك جيدا الاجراءات التي يجب ان تنتهجها مع المواطنين بدون ان تمس حرية فرد او ان تنتهك حق.
وللحديث بقية…
salamhatim2002@yahoo.com
* كاتبة من السعودية