ظهر على السطح (من جديد) حديث ضرورة وجود المعارضة في إدارة إقليم كردستان العراق، ولعل هذا الحديث يتزايد في كل مرة يواجه الأكراد مصاعب سياسية. إلا انه لم يحدث أن تم طرح الموضوع على شكل تساؤل، ولم يبحث أحد في أسباب ضرورة وجودها أو أي نوع (وشكل) من المعارضات يريدها الأكراد. الغريب هنا (وفي هذا الأمر، وتحديدا في هذه المرة) ان هذا المطلب لا يقتصر على شريحة كانت ترى نفسها خارج خيمة الحزبين الكرديين الرئيسين اللذين تحكما بإدارة الإقليم، بل يمتد ليشمل الحالة الكردية الشاملة .بمعنى (آخر) ان أنصار(ومفاعيل) هذا المطلب الملّح صارت تتواجد في كل الجسم السياسي الكردي العراقي على عكس السابق حيث كان يطرح ويحكى عنها (ضرورة وجود المعارضة) من قبل بعض الأوساط الضيقة وكان للمثقفين نصيب الأسد من هذا الحديث. إلا ان الحديث بمجمله كان يتم تناوله من قبل المثقفين بخفاء وتشوبه الضبابية بسبب حساسية الموقف والموضوع بالنسبة للسلطة والمجتمع وكذلك بالنسبة علاقة المثقفين بالسلطة.
والحق أن سبب لهاث الأكراد وراء حديث ضرورة وجود المعارضة في الصف الكردي ووضعه في قائمة الأولويات هو الوضع الكردي الاستثنائي في كافة المجالات، حيث في المشهد السياسي يعانون من مطبّات سياسية حرجة، وفي الوضع الداخلي تُتهم إدارة الإقليم من قبل بعض الأوساط الإعلامية والمثقفين بالفساد الإداري. وهناك ضرورات أخرى مرتبطة بالذات الكردي.
بيد ان مرد حماسة الأكراد وإصرارهم على ضرورة إيجاد المعارضة الكردية في مشهدهم السياسي هو معركة الانتخابات البلدية. إذ وجود أناس نزيهين في البلديات وإدارة المدن والبلدات من استحقاقات المرحلة الكردية، خصوصا أنه تسود لدى الأكراد العاديين غير المنخرطين في المشهد الحزبي القناعة بأنه لا مفر من ضرورة المشاركة الشعبية في إدارة أنفسهم وتنظيم علاقاتهم مع الحكم الكردي ومع الحكومة المركزية وحتى ان كان ظاهريا يفهم بان تحقيق هذا المطلب -الذي استجد حتى صار إيجاد المعارضة الكردية ضرورة من ضرورات البقاء الوضع السياسي الراهن-هو ان الأكراد أصبحوا قريبون من الانتخابات البلدية وان وجود المعارضة في المعادلة السياسية الكردية سيحقق مطلب الشارع في إيجاد أناس نزيهين في المواقع مثل رؤساء البلديات، وكذلك لأسباب أخرى مرتبطة بانتعاش الحالة السياسية والديمقراطية في كردستان؟
دون شك ان مطلب إيجاد المعارضة محق وله جمهور واسع ومؤيدين كثر، لأن للحديث (عن ضرورة وجود المعارضة الكردية الحقّة في كردستان العراق) أرضية وتربة خصبة وذلك تبعا لأسباب أولها انه كان يتم الحديث عن المعارضة في فترات متواصلة ومتقطعة خلال السنين الماضية، وان كان الوضع بقي في إطار نظري بحت. لكن من يلمّ بالوضع الكردي يعرف كم ان الحالة المعارضة وطفرتها كانت موجود في دواخل الأكراد المثقفين والناس العاديين. ولعلنا كنا نلاحظ حركة وفي خطابات وكتابات بعض الشخصيات الكردية مثل الشخصية الجامعية والأديب فزهاد بيربال الذي ما ان يقوم الطلاب بمظاهرة أو احتجاج حتى يصبح بيربال احد المقدمين لهذا الحراك (المظاهرة) دون ان يحسب أي حساب لوقته وسمعته ودون الخوض في نقاش بأنه هل هذا الحراك سيؤثر في علاقته بالحكومة أم لا. وهناك شخصيات أخرى مثل الصحافي والكاتب آكو محمد وكذلك الوزير المستقيل من حكومة الاتحاد الوطني الكردستاني فتاح زاخوي، مع ان زاخوي هو عضو المكتب السياسي للحزب سياسي الحليف للاتحاد الوطني. وكذلك الشاعر والوزير السابق شيركو بيكه س. حيث من خلال هذه الشخصيات يمكن شم رائحة المعارضة، ومن خلال بعض الاعتراضات التي تصدر منهم على بعض سياسات الحزبين وحكومة إقليم كردستان في شأن مطالب الناس وعلاقة الحزبين الحاكمين بحكومة المركز ومع الدول الإقليمية .
والسبب الثاني، أن أنصار الأحزاب كانوا دائماً يرددون أنهم ضد هذا المطلب(مشروع المعارضة) المحق وكانوا يبرّرون موقفهم بأن ذلك سوف يستغل من قبل الأوساط التي تشكك بنية الأحزاب المشاركة في الحكم المحلي. ويبدو انه لهذا السبب فقد ولد مشروع المعارضة ميتا منذ اليوم الأول من الحديث عنه-أو ان المشروع لم يكتمل!
ولا نستغرب ان الحزبين الرئيسين كانا ينظران إلى حديث المعارضة على انه لا يخدم الوضع الكردي وعلى أساس أنه لا يجوز نشر الغسيل على حبال الغير. والحق انه دائماً كان يفهم بان تشكيل تنظيم للمعارضة هو ضد الحزبين الرئيسين(الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة جلال الطالباني رئيس العراق، والديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البرازاني رئيس إقليم كردستان)، هذا عدا ان فكرة المعارضة ما زالت غير مفهومة لدى الأكراد خصوصا وإنهم يعانون من تشتت في الإيديولوجية والأفكار.
ولا ريب ان فكرة المعارضة بالذات ما زالت غامضة في كردستان. ولا يعرف حتى الان من هو معارض: هل هو الذي ينتمي إلى السياق السياسي ويقوم باعتراض على بعض السياسات، أم الذي يدافع عن حقوق الناس فقط ، أم الشخص الذي يقف في وجه كل السياسات ويعارض الوضع السياسي بشكل كامل؟ وقد تكون هذه الضبابية هي أيضا إحدى الأسباب الرئيسية في فشل مشروع بناء المعارضة الكردية الحقّة.
بيد ان هناك أرضية خصبة لفكرة بلورة وجود المعارضة خصوصا وان الأكراد هم في منعطف خطير بالنسبة لوجودهم السياسي. وان هذا المشروع (المعارضة)، ان اكتملت شروطه سوف يساهم في خلق وضعية سياسية جديدة لدى الأكراد وسيساهم في وضع الإدارة الكردية في وضعها الصحيح.
لا يمكن القول ان الأكراد يملكون حتى الان معارضة وطنية جدية. كما انه لا يمكن تطبيق مبدأ المعارضة المعروف أي الصرع بين الأقلية والأكثرية. في كردستان العراق توجد الأكثرية فقط، وشروط الأقلية والأكثرية غير مفروزة بعد .هناك الأقلية والأكثرية بين كتلتين برلمانيتين(الخضراء والصفراء). بمعنى آخر انه لا يوجد حتى الان على الأقل في برلمان الإقليم الكردي أي وجه للمعارضة. فالذي يتواجد في برلمان على انه مستقل ليس مستقلا بكل معنى الكلمة. حتى المستقل في كردستان العراق يسعى للعزف على الوتر الذي تعزفه السلطة و يتناغم مع المشروع السياسي الذي أسسه بالأصل الحزبان الرئيسيان. ومن الطبيعي ان المشاريع الوطنية تختلف دائما مع المشاريع الحزبية. فللحزب رؤية مختصرة عن الرؤية العامة وفي أكثر من مكان تتعارض مصلحة الحزب مع مصلحة الشارع. ويبدو انه لهذا السبب تبنى الاتحاد الوطني الكردستاني المشروع الذي طرحه رئيس العراق جلال الطالباني الذي يفيد بفصل الحزب عن السلطة. وهنا يمكن السؤال، هل يمكن تصنيف الطالباني ضمن سياق المعارضة؟ هذا أيضا يمكن البحث عنه ومن الممكن قراءته بشكل جيد.
والحال شهدت الساحة الكردستانية عدد من المعارضات تصنف نفسها معارضة للحزبين الرئيسين او معارضة إدارة إقليم كردستان إلا أنها لا يمكن النظر إليها على أنها معارضة وحتى ان وجد احد أعضاء هذه الأصناف في برلمان إقليم كردستان. بمعنى آخر ان هناك ثلاث أصناف تطرح نفسها على إنها المعارضة، وهذه الأصناف في الواقع الحال(كما قلنا) لا تنطبق عليها شروط المعارضة الحقّة وذلك تبعا لظروف نشأتها والأهداف التي تسعى هذه الأصناف لتحقيقها.
ولو تمعننا في حالها مثلا لوجدنا ان:
الصنف الأول : بعض الأحزاب تطرح نفسها على أساس أنها المعارضة وبنفس الوقت لا تختلف سلوكيا وممارسة ومن الناحية النظرية عن الحزبيين الرئيسين. فمرة نراها متحالفة مع احد الحزبين الرئيسين ومرة تتظاهر وتتستر بالزي وبالمفردات التي تستخدمها المعارضات. وهذا الصنف ينضم إليه الحزب الكادحي الكردستاني والحزب الاشتراكي الكردستاني وحزب الاتحاد القومي الكردستاني. ومن يدري، فربما كانت مساعي انضمام حزب الكادحي الكردستاني مع الحزب الاشتراكي الكردستاني سببها خروج الحزبين أنفسهما من ضبابية الموقف وهما توحدا لكي يشكلا قوة معارضة في وجه الحزبين.
الصنف الثاني: هناك أحزاب إسلامية لا يمكن النظر إليها على أنها معارضة لأنها أنها كانت متحالفة في انتخابات البرلمانية السابقة مع الحزبين الرئيسيين، وكان لها كتل برلمانية متكّيفة ومنسجمة مع السياسية العامة لحكومة إقليم كردستان وبرلمان الإقليم. في الوقت نفسه، سرعان ما يتحول هؤلاء إلى كيانات وثقافات غريبة عن مشاريع وسياسات هي في جوهرها لا تنسجم مع روح الشارع الكردي الذي ما ينفك يبحث عن الديمقراطية وبلورة حقوق الإنسان وفصل السلطات والعمل من اجل بلورة الفكرة العلمانية في المجتمع الكردي..
وهناك صنف ثالث هو الأحزاب والمنظمات التي، ضمنيا، تعمل لصالح أطراف كردية خارجية تسعى لنيل اعتراف الحزبين الكرديين بمشروعية نضال قوى الخارجية.
والحال ان المجتمع الكردستاني بحاجة ماسة الى المعارضة، وأنه لا يمكن ان يتجاوز المجتمع هذه المرحلة العصيبة دون ان يشارك فيها بنفسه. وفي الوقت نفسه، لا يمكن القبول ان يحتكر الحزبان الرئيسان القرار السياسي الكردي. وهذا ممكن لو عرف الأكراد الاستفادة من النشاط الذي بدأ منذ سنوات، أي أنه يمكن استثمار وتفعيل حركة الاستفتاء. ويمكن ان تسهم حركة الاستفتاء وغيرها من المنظمات الحقوقية المستقلة في تخفيف الضغط المركب على غالبية المثقفين وان تضعهم في موقع متوازن من التحديات. إذ تعيش غالبية المثقفين في ظل الضغط المركب على الأكراد من قبل الدول الإقليمية ومن قبل أطراف داخل العراق يؤيدون الخط السياسي الذي رسمته الإدارة الكردية.
بقي القول ان المسؤولية تقع على عاتق الحزبين الرئيسين، وعليهما ادراك المرحلة والتحرر من ثقافة الشمولية واحتكار السلطة. ومن المسؤولية الوطنية للحزبين ان يفسحا المجال أمام القوى والمفاعيل الكردية المعارضة وذلك للحؤول دون إفشال مشروع المعارضة الكردية في الجو العام الكردي ومن قبل المثقفين الكورد!!
faruqmistefa@hotmail.com
• كاتب سياسي كردي سوري