تبدو ادارة اوباما واضحة في اختياراتها، فقد اختارت ممثل شخصي للرئيس في شخص ميتشيل، اضافة الي تواجد عناصر معروفة باعتدالها وحكمتها تجاه الصراع العربي الاسرائيلي في اعلى هرم الاداره الامريكية في كل من مجلس الامن القومي والبيت الابيض. لقد اختارت الادارة خطابا مختلفا عن ذلك الخطاب الذي ميز ادارة الرئيس بوش. فالادارة الامريكية لم تعد تتحدث عن تغير النظام في ايران، ولم تعد تنظر الى ايران بصفتها راعية الارهاب، ولم تعد تسعى للتصادم مع سوريا بصفتها هي الاخرى تستضيف حماس وتستضيف غيرهم وتسمح بعبور المقاتلين العرب الى العراق وتساعد حزب الله. فجأة تغير كل شيئ، واذا بأدارة اوباما تبحت عن سياسة جديدة في الشرق الاوسط تقوم اساسا على ايصال جميع الفرقاء لمفاوضات جديدة تهدف لانشاء سلام يشمل كل الاطراف الاساسية بدء ا من الفلسطينيين انتهاءا بسوريا ولبنان ومنطقة الخليج.
لقد خدمت حرب غزة العالم العربي لانها اكدت انه لا سلام بلا عدالة وبلا انسحاب وحل شامل. تلك الحرب اكدت ايضا بأن اسرائيل لا تستطيع ان تحمي امنها، كما انها لا تستطيع تجريد منظمة صغيرة بحجم حماس من السلاح وسط مئات الالوف من سكان غزه. ما حصل في غزة اكد انه لا يوجد حل عسكري للصراع وان اسرائيل هي الاخرى فقدت عنصر التفوق الاستراتيجي الذي تمتعت به في السابق. فكما حصل في السابق مع حزب الله، تعود الاوضاع وتؤكد بأنه لا حل عسكري للصراع.
ان الادارة الامريكية، كما يبدو من الموشرات، سوف تستمع الان لكل الاطراف. فهناك جدول زيارات متبادلة بدأ بالفعل وهو مستمر هذا الشهر بزيارة لنتياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي واخرى لابومازن رئيس السلطة الفلسطينية، اضافة الى خطاب الرئيس الامريكي في القاهرة في الرابع من حزيران قبل ذكرى حرب ١٩٦٧ بيوم واحد، كما ان وجود ممثل شخصي للرئيس بشخص ميتشيل سوف يحدث فارقا كبيرا.
سينتج عن هذه الزيارات مبادرة سلمية واسعة النطاق تبدأ حيث سقط مشروع كلينتون. لكن المبادرة الجديدة ستكون اكثر زخما لانها ستكون اكثر استعداد للسير في طريق لم تحاول تعبيده اي ادارة سابقة. . ففي المبادرة الجديدة ستكون الدولة الفلسطينية الكاملة الحقوق وذات القدرة على الاستمرار مطروحة بقوة. كما ان القدس عاصمة للدولة الفلسطينيه في لب المشروع، كما ان قضية اللاجئين بين العودة والتعويض هي الاخرى مطروحة مع حقوق للعودة لاعداد من الفلسطينيين. ولن يكون ممكنا بدأ المفاوضات قبل ايقاف الاستيطان، وفي نهاية الطريق سيكون تفكيك الاستيطان وازاحة الجدار هو الاخر اساسيا.
ولكن المسار الفلسطيني غير ممكن بلا استعداد امريكي جاد للتعامل مع سوريا وايجاد حل حقيقي على الجولان يسمح بتسوية سورية اسرائيليه، والواضح ان التفكير الامريكي يعرف جيدا ان التحدث الى سوريا وتأمين حقوقها في اراضيها اساسي لنجاح السلام. وهذا بطبيعة الحال سوف يعني التحدث الى لبنان وتأمين دخوله في الاطار السلمي الجديد. بمعنى اخر السلام مطروح لكل من ساهم في القتال ودالع عن الحقوق. ان زمن الحل السياسي بدأ يدق مجددا على الابواب.
ان سقف كل هذه التحركات الامريكية لن تكون بعيدة ابدا عن تفعيل للمبادرة العربية الاشمل التي طرحها الملك عبدالله ملك المملكة العربية السعوديه، والتي تمثل الان مرجعية واطار عام يمكن للعرب ان يستندوا اليه. ولكن هذا ايضا يتطلب تهدأة التوتر الايراني الامريكي وبداية حوار جاد حول كافة المسائل التي تفصل الطرفين، ويتطلب ايضا ضمان عدم قيام اسرائيل بضربة عسكرية تفجر الشرق الاوسط في وجه جميع الاطراف بما فيها الولايات المتحده..
ما هو مطروح الان في اروقة الادارة الامريكية هو القبول بمبدأ التعامل مع العالم العربي ككل والشرق الاوسط الاوسع بهدف تحقيق سلام عادل. التعامل السابق خاصة في زمن ادارة الرئيس بوش لم يتعامل مع الفلسطينيين الا بحدود، وقد قام بعزل السوريين وحماس وحزب الله وايران مما ادى الى مزيد من التوتر ونشوء حرب حول لبنان واخرى حول غزة وتشابك الحرب في العراق.
ولكن التحدي الاخطر امام اوباما سيكون في التعامل مع ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلي ومع نتنياهو رئيس الوزراء الذي لن يكون ايجابيا حول كافة المسائل التي تسعى الادارة الامريكية لطرحها. ستطرح هنا اسأله كثيرة: هل سنصل لمرحلة تصطدم الاداره الامريكيه فيها مع وزيرا الخارجيه الاسرائيلي المتعصب ليبرمان؟ ام ستصل لمرحلة تصطدم الولايات المتحدة مع رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو؟ وهل سيصمد تحالف نتنياهو في حال التصادم مع الولايات المتحده؟ ثم نتساءل عن امكانية عودة ليفني وزيرة خارجية اكثر اعتدالا واستعدادا للحل الوسط؟ ونتساءل عن مدى الاستعداد العربي للدخول في سلام وطرح قضاياهم بقوة، وعن مدى الاستعداد الفلسطيني للتعامل مع هذه الفرصة على كل صعيد؟ ان قطار السلام يقترب مجددا في ظل ظروف جديدة. ان الاستعداد لهذه المرحلة لا تقل قوة واهمية عن الاستعداد للقتال، بل انها اهم لانه تتطلب على الصعيد العربي والفلسطيني قدرات اعلامية وعقلية وسياسية وادارية وتنظيمية نحن احوج ما نكون اليها لادارة المفاوضات القادمة.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت