ورد إلى ذهنى السؤال الوارد فى هذا المقال وأنا أقرأ خبراً فى الصحافة المصرية مفاده أن حكماً صدر من محكمة القضاء الإدارى بإلغاء ترخيص مجلة «إبداع» التابعة لوزارة الثقافة التى يرأس تحريرها شاعر التنوير أحمد عبدالمعطى حجازى، وذلك بسبب نشرها قصيدة للشاعر حلمى سالم عنوانها «شرفة ليلى مراد» قيل فى الحكم عليها بأنها «مسيئة للذات الإلهية».
ولكن السؤال هو على النحو الآتى:
ماذا تعنى الإساءة للذات الإلهية؟
إنها تعنى تشويه صورة الله.
ومع ذلك فثمة سؤال:
ما هى صورة الله؟
أو بالأدق:
ما هى صورة الله عند الإنسان؟
أظن أن ليس ثمة جواب واحد. وتاريخ الفكر الفلسفى شاهد على ما أقول. ففى تاريخ الفلسفة اليونانية قيل عن سقراط إنه عرض للآلهة بسوء، وبسبب ذلك حُكم عليه بالإعدام. ومع ذلك فإن أحداً لم يفلت من تأثير سقراط على أفكاره فى أى عصر من عصور الحضارة الإنسانية. وفى تاريخ الفكر الإسلامى دعت المعتزلة إلى سلب الصفات عن الله وذلك لأن عدم سلبها فيه إساءة إلى الذات الإلهية.
وهذه الإساءة تتمثل فى القول بأن ثمة تشابهاً بين الإنسان والله. ومن شأن هذا القول أن يخرج الإنسان من أهل التوحيد إلى أهل الشرك. أما أهل السنة فقد أدانوا رأى المعتزلة لأنه يعطل الألوهية من معناها، وترتب على هذه الإدانة أن حدث توتر بين المعتزلة وأهل السنة.
وفى تاريخ الفكر اللاهوتى المسيحى أصدر الأسقف الإنجليكانى جون روبنسون فى ١٩ مارس ١٩٦٣ كتاباً عنوانه «لنكن أمناء لله»، جاء فيه أن الله ليس هناك ولا هو فوق ولكنه فى العمق بمعنى أنه أساس جميع الموجودات.
ومنذ صدور هذا الكتاب فى ١٩ مارس صدرت تسع طبعات فى ذلك الشهر، ثم توالت الطبعات فى السنوات التالية حتى وصلت إلى سبع عشرة طبعة فى عام ١٩٧٦. ومع ذلك اتهم الأسقف بأنه ملحد وطُلب منه الاستقالة إلا أنه رفض، ولم يجرؤ أحد على إقالته.
وفى تاريخ الأديان ليس ثمة صورة واحدة لله بل ثمة صور متعددة. وكل صورة تنفى الأخرى. ومن شأن هذا النفى أن يحدث توتراً إذا شاء أصحاب الأديان، وقد شاءوا أن يكون الأمر كذلك فى هذا الزمان فشاؤوا لنا أن نعانى صراع الأديان.
ومع ذلك يظل السؤال قائماً:
هل من حق أحد أن يدين أحداً بالكفر بدعوى الإساءة إلى الذات الإلهية؟
أظن أن الجواب بالنفى، وسبب ذلك أن صورة الله عند الإنسان هى ثمرة اجتهاد عقلى، أى تأويل، ومن ثم فالتأويل إبداع، والإبداع ليس ظاهرة عرضية، إنما هو ضرورة حضارية لأن الحضارة ذاتها ولدت عندما ابتدع الإنسان التكنيك الزراعى الذى أحال أرضاً غير زراعية إلى أرض زراعية. ومن هنا يمكن القول إن الإنسان حيوان مبدع.
ولكن مع نشأة الزراعة نشأ المجتمع، ومع نشأة المجتمع نشأت «قوى الضبط»، ومع نشأة هذه القوى نشأت ما أطلقت عليه مصطلح «المحرمات الثقافية»، ومع نشأة هذه المحرمات تراجع الإبداع. ومعنى ذلك أن العلاقة بين المحرمات والإبداع علاقة عكسية. وهذا هو مغزى التوتر بين التعريف الشائع للإنسان بأنه حيوان اجتماعى، وتعريفى له بأن حيوان مبدع.
والسؤال بعد ذلك:
أيهما نؤثر: تعريفى للإنسان بأنه حيوان مبدع أم التعريف الشائع للإنسان بأنه حيوان اجتماعى؟
قال لى عالم النفس الإنجليزى الجنسية هانز أزنك إن تعريفى يفضى إلى الفوضى إذا ما تحول البشر إلى مبدعين لأنه يدمر «قوى الضبط». وكان ردى أن الاكتفاء بالتعريف الشائع يفضى إلى وأد الإبداع على نمط وأد البنات فى الجاهلية.
ثم استطردت قائلاً إن العلاقة بين التعريفين علاقة ديالكتيكية، بمعنى أن الإنسان حيوان مبدع «على الرغم» من أنه حيوان اجتماعى. ولكن حيث إن الإبداع لا يتم إلا داخل المجتمع وليس خارجه فمعنى ذلك أنه يتم «بفضل» المجتمع. واللفظان «على الرغم» و«بفضل» هما من وضع عالم النفس المصرى يوسف مراد.
والسؤال بعد ذلك:
وماذا عن حال التعريفين فى مصر؟
أظن أن الإنسان، فى مصر، حيوان اجتماعى ليس إلا، وبالتالى فإنه ليس فى حاجة لأن يكون حيواناً مبدعاً. وفى هذه الحالة يقال عن المجتمع المصرى إنه مجتمع قطيع: والقطيع، لغة، هو الطائفة من الغنم.
ويبقى بعد ذلك سؤال:
هل ثمة حزب سرى فى مصر، انتهى من تأسيس وضع قادم -أى رؤية مستقبلية – لتكوين مجتمع القطيع؟
عقل الإنسان هو اللهعقل الإنسان هو الله . كل الصفات التي تنسب إلى الله يتحلى بها عقل الإنسان ؛ فمثلا صفة قرب الله من الإنسان كما جاء بالوحي بقوله ” إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ” البقرة 186 . فالعقل يكمن في رأس الإنسان ؛ ويرشده إلى السلوك الحسن ؛ ويخرجه من ظلمات الجهل إلى نور العلم .. كما جاء بقوله ” نحن أقرب إليكم منكم ولكن لا تبصرون ” الواقعة 85 . وإذا كان الله ” لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ” الأنعام 103 . فالعقل… قراءة المزيد ..