مازلت أذكر أنه طيلة اثنتي عشر عاماً كنت أذهب خلالها إلى المدرسة برفقة زملائي وزميلاتي، تحت المطر والثلج، وحر الشمس، وكانت أصواتنا تختلط ببعضها البعض أثناء ترديد الشعار الصباحي “أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة”، هذا الشعار الذي لم يتحقق حتى الآن، كما كنا نلعب سوية في دروس الرياضة، وكنا أيضاً ندخل إلى قاعة الدرس معاً، ونستمع معاً لشرح المدرس، وعند انتهاء الدوام نعود سوية إلى بيوتنا، هذا عدا عن الرحلات إلى المصايف وشاطئ البحر..الخ، ولم يكن يخطر ببالي انه سيتم فصلنا نحن الذكور عن زميلاتنا الإناث في يوم من الأيام.
وهذا ما حدث فعلاً عندما ذهبنا من قرانا في وادي النصارة إلى مدينة حمص عام 1980 للتقدم إلى امتحان شهادة الثانوية العامة، فقد فوجئنا فعلاً لدى دخولنا قاعة الامتحان في مدرسة الخالدية بحمص عدم وجود أية طالبة من زميلاتنا، إذ اقتصر الحضور على الذكور فقط من الطلاب، وبعد الانتهاء من تقديم الامتحان سألت أحد المراقبين عن السبب في عدم وجود طالبات بيننا في هذه المدرسة، فأجابني:” هنا في المدينة يتم فصل الذكور عن الإناث في المدارس الإعدادية والثانوية، فهناك مدارس خاصة للإناث ومدارس خاصة للذكور”. فسألته مجدداً عن سبب ذلك، فرد علي قائلاً :”عندما تكبر، سوف تفهم ذلك”.
وبعد أن نجحت في امتحان شهادة الدراسة الثانوية، ذهبت إلى كلية الحقوق بدمشق وسجلت فيها. وهناك تعرفت على طلاب وطالبات، من مختلف الانتماءات الدينية والسياسية، ولم يكن هناك أي فصل بين الجنسين حسب ما قال لي المراقب سابقاً، فسألت أحد زملائي في الكلية، لماذا يتم فصل الذكور عن الإناث في مدارس المدينة ، فأجابني:” إن الاختلاط بين الجنسين مخالف للشريعة الإسلامية.. لأن الاختلاط يفسد أخلاق الطلاب والطالبات، خصوصاً في الصغر، وسن المراهقة.. ويدفع الذكور للتحرش بالإناث،وما ينتج عن ذلك من زنا واغتصاب وفساد في الأخلاق”. فاستغربت هذا الكلام ..وقلت لزميلي: أنه على مدى الأعوام الأثني عشرة التي درستها بدءاً في المرحلة الابتدائية مروراً بالمرحلة الإعدادية وانتهاءً بالمرحلة الثانوية في ثانوية المزينة الرسمية لم أسمع أن طالباً تحرش بزميلته، أو اغتصبها أو … الخ، وأكثر من ذلك فعلى حد علمي لم أسمع أنه حدث شيء من ذلك خلال الثلاثين سنة الماضية على الأقل في المدارس والثانويات المختلطة في وادي النصارة بمحافظة حمص.
يا زميلي إني أرى عكس ماتراه، فمنع الاختلاط بين الإناث والذكور في المدارس هو الذي يفسد الأخلاق, وهو الذي يحرّض على الاغتصاب, ويضعف البناء الحقيقي الداخلي لشخصية الفتاة والفتى. وذلك لأن هذا الفصل بين الجنسين عدا كونه مخالف لطبيعة الحياة ومناف للقيم والأخلاق الحقيقية ومخالف للصحة النفسية فإنه سوف يزيد من حرارة الحرمان الجنسي ويؤججه ويضخمه، ويجعل العملية الجنسية تستحوذ على تفكير الإنسان وخياله وأحلامه، مما يؤدي ذلك إلى اندفاع الشباب أفراداً وجماعات إلى التحرش الجنسي والاعتداء على الفتيات لتلبية رغباتهم الجنسية المكبوتة، كما حدث مؤخراً في السعودية عندما اختطف سبعة شبان امرأة واغتصبوها بالتناوب، وقبلها انطلقت مجموعات من الشباب المكبوت في شوارع القاهرة تتراوح بين خمسة إلي 150 شاباً شارك معهم أطفال في العاشرة من عمرهم محاولين إشباع رغباتهم ، فأخذوا يعتدون على الفتيات والسيدات من دون التفرقة بين المتبرجة والمحجبة، المهم هو إشباع تلك الرغبات الجنسية المكبوتة..إلخ
أما الاختلاط بين الجنسين منذ الصغر هو حالة صحية تزيل الرهبة من الأخر كما إن ذلك سيؤدي إلى كسر هيبة الجنس الأخر وإلى الاعتياد الطبيعي على تواجد الجنسين معاً، وهذا بدوره سوف يؤدي إلى التخفيف من الرغبة الجنسية، ويحجمها كثيراً في تفكير كل من الجنسين، حيث تعبر تلك الرغبة عن نفسها في الرحلات والتجمعات والأنشطة الراقية التي من شأنها أن تنمي الشخصية وتهذبها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو أي منطق ذاك الذي يفرض منع الاختلاط في الصغر، ثم يسمح به في الكبر؟ وكيف سيكون رد فعل هذا الفتى الذي منع من الاختلاط مع زميلته في المدرسة عندما يكبر؟ والأمر نفسه ينطبق على الفتاة أيضاً عندما تكبر، وكيف سيكون شعور كل منهما حيال الأخر بعد هذا الفصل القسري بينهما؟ لقد غاب عن أصحاب ذلك المنطق الساذج أن شخصية الفرد تبنى من خلال عملية طويلة ومتكاملة تسير بتناغم على هدى من التربية الأخلاقية تزرع تدريجياً داخل الإنسان باختياره الواعي الحر منذ طفولته حتى نهاية العمر. بعيداً عن تربية أخلاقية تُفرض على الإنسان بالجبر والإكراه أو المنع والعزل والوصاية.
أن المشكلة ليست في الاختلاط كما يروج لذلك دعاة الانغلاق، بل تكمن في نوعية مجتمعاتنا وبينتها المنغلقة التي لم تعرف معنى الاختلاط بشكل طبيعي أو عادي، وإن جل ما تعلمته وانتجته مجتمعاتنا هو سعيها الدائم نحو تغيب العقل استهلاك أي شيء قادم من الخارج، وإنجاب الأولاد والركض وراء النساء لاشباع الرغبات الجنسية المكبوتة.على حساب التربية والتعليم. لذلك لم يكن مستغرباً أن ينظر إلينا الغرب على أننا مجرد قطعان للتسمين.
لقد حان الوقت لكي نتحرر من الخوف وأن ندرك حقيقتنا مهما كانت هذه الحقيقة مرة وقاسية، وأن نخرج من تقوقعنا على ذاتنا، بالمصارحة والمكاشفة، وأن نعيد الاعتبار للعقل المغيب منذ قرون، حتى يأخذ دوره في ترشيد سلوكنا وإدارة شؤوننا بتفاعل بعيداً عن الاتكال والتلقي الأعمى، وأن نعمل على توفير العلم والتربية الأخلاقية والجنسية لطلابنا في المدارس بعيداً عن الانغلاق والتقوقع. فالمجتمع لا يستطيع الوقوف على ساق واحدة ما لم ينهض على كلتا ساقيه، ولن يكون كذلك ما لم يقف بجهود كل من الرجال والنساء عل حد سواء.
vik9op@gmail.com
* دمشق
اي نوع من الاختلاط ؟ الاختلاط كلمة عائمة .. هل تقصد وجود الرجل والمراة في مكان عام وضمن اطار الاحترام ؟؟ لا احد من المعتدلين الاسلاميين ينكر ذلك .. ولكن تعميم اللفظ لنرى فتاة مع شاب وفي زوايا الحدائق المعتمة .. واطراف المدينة .. والسيارات الفان المغلقة الشبابيك .. ورحلات النزهة البعيدة في الغابات والمصايف .. وبعيدا عن ( لا احد شاف ولا احد راى ) .. فقد رايت وبام عيني عندما زرت كلية الهندسة بجامعة برشلونة باسبانيا .. رايت زاوية سور الجامعة الخلفية مليئة بمئات العوازل الجنسية وبشكل ملفت .. يا سيد شماس : هذه العوازل المرمية لم تستعمل… قراءة المزيد ..
هل حقاً أن الاختلاط أفسد مجتمعاتنا؟
أرى لزاما عـلي في هه العجالة أن اوجه إليك كلمة شكر عــلى هذه المقالة الجسورة ، أراني متفقامعك في هذه الرؤية ، ولكن ماذا نفعل مع العقل القروسطي الذي يسود في الوطن العربي بكل الأسف والألم.
هل حقاً أن الاختلاط أفسد مجتمعاتنا؟مع احترامي إلا أني أخالفك الرأي درست في مدارس مختلطة ولا زلت نادما على أفعال فعلتها لست أنا وحدي ، المدارس المختلطة تتيح العلاقات الهادئة بين الجنسين ، وأنا في ديني أن الجنس محرم إلا بالزواج ، لكن قل لي ماذا أفعل إذا عشقت الجميلة التي بجواري بادلتني نظرات دلع ؟ ربما لم نكبت جنسيا بسبب الاختلاط وذلك لأننا كنا نمارس بعض التنفيس صحيح أنني لم أسمع بحادثة اغتصاب ولكنني سمعت بالكثير من العلاقات الجنسية وأظنك كذلك طبعا سأوافقك الرأي إذا كنت تعتقد أن الاختلاط يقلل من الكبت الجنسي أتدري لماذا :: لأنه يوجد تنفيس… قراءة المزيد ..
هل حقاً أن الاختلاط أفسد مجتمعاتنا؟
أتفق معك كل الاتفاق أستاذ ميشال
الفصل بين الجنسين هو أحد مظاهر التخلف والرجعية والسذاجة .
بصراحة إن المظاهر السلبية والرجعية في مجتمعاتنا أكثر من أن تحصى ، وشكرا لك على إثارة هذا الموضوع .
هل حقاً أن الاختلاط أفسد مجتمعاتنا؟
انني اوافقك الرأي. فالضغط يولد الانفجار