هل تواطأ الجيش اللبناني، والحكومة اللبنانية، مع “حزب الله” لإخفاء عملية خرق القرار 1701 في “خربة سلم”؟ وفي هذه الحالة، من يتحمل المسؤولية عن تدمير البلد إذا قرّر النظام الإيراني أن يدفع “حزب الله” لافتعال حربٍ مع إسرائيل لمساعدة إيران على الخروج من أزمتها الراهنة؟
المقال التالي من جريدة “الحياة”:
لبنان: مصادر غربية تعتبر حادثة خربة سلم منتهية لكنها تتحدث عن انزعاج من موقفي الحكومة والجيش
بيروت – وليد شقير
أكدت مصادر ديبلوماسية أوروبية متعددة لـ «الحياة» أن حادثة المواجهة التي وقعت بين قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان (يونيفيل) وتحديداً في بلدة خربة سلم قبل 12 يوماً، وبين الأهالي وعناصر حزبية، طويت والدول المعنية المشاركة في «يونيفيل» تعتبرها قضية أقفلت وانتهت، نظراً الى ادراكها التعقيدات والارتباكات التي رافقتها، لكن ما هو مزعج في هذه القضية هو أنها وضعت حالة الثقة بين «يونيفيل» والأمم المتحدة من جهة وبين الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية من جهة ثانية على المحك.
وقالت المصادر الديبلوماسية لـ «الحياة» إنه إذا كان مفهوماً أن يصاب «حزب الله» بالاضطراب والارتباك أو يشعر بحال من اللااستقرار نتيجة حصول انفجار في مخزن للأسلحة، تعتقد «يونيفيل» والأمم المتحدة أنه يعود اليه، في 14 تموز (يوليو) الجاري، وبالتالي أن يتصرف وفقاً لهذا الاضطراب أو هذا الشعور، فهذا مفهوم وله تفسيره، لكن ما لا تفسير منطقياً له هو الاضطراب الذي أصاب سلوك الجيش والحكومة اللبنانية إذ تطابقا كلياً مع موقف «حزب الله» في العلاقة مع «يونيفيل».
وقدمت المصادر نفسها، بعد ترتيب العلاقة بين «يونيفيل» والأهالي في بلدة خربة سلم وعناصر حزبية إثر رشق هؤلاء قوات الكتيبتين الفرنسية والإيطالية في 18 الجاري بالحجارة، عبر الاجتماعات المشتركة التي عقدت مطلع الأسبوع، قراءة هادئة لما حصل فرأت أن «من الطبيعي أن يضطرب الحزب ويشعر بالارتباك إزاء انفجار مخزن الأسلحة لأنه يعني وجود دليل قاطع على خرق القرار 1701 الذي ينص على أن يكون جنوب الليطاني منزوعاً من السلاح إلا سلاح الشرعية اللبنانية و «يونيفيل»، فاضطر الى اللجوء الى خطوتين: الأولى توجيه الأنظار نحو ما قام به الإسرائيليون من استحداث موقع عسكري في تلال كفرشوبا المحتلة، ما وراء الخط الأزرق قبل مدة من تحرك الأهالي بتجاوز هذا الخط للمطالبة بإزالته، والثانية هي القيام بحملة اعلامية لترهيب «يونيفيل» واتهامها بأنها منحازة لإسرائيل ولا تتعامل كما يجب مع الخروق الإسرائيلية».
وأضافت المصادر الديبلوماسية الأوروبية: «تحويل الأنظار عن الخرق الذي يشكله وجود مخزن أسلحة كشفه وقوع الانفجار، ينشئ من وجهة نظر الحزب مبرراً له كي يفتعل الحادث الذي وقع مع «يونيفيل» لاحقاً في 18 الجاري حين دخلت «يونيفيل» مع الجيش اللبناني الى خربة سلم بعد أن علمت أن جزءاً من الذخيرة التي كانت في المستودع المنفجر نقل الى منزل آخر في البلدة يستخدم بدوره كمخزن أسلحة فأبلغت الجيش بالأمر ووافق على التوجه معها الى البلدة لتفتيش المنزل المقصود، بعد ان كان الجيش تصرف في شكل حال دون وصول «يونيفيل» الى المستودع الذي حصل فيه الانفجار قبل 4 أيام في الوقت المناسب للكشف على ما حصل فيه».
وزادت المصادر الأوروبية أن ثمة تفاصيل كثيرة عما حصل في ذلك اليوم، لكن في اختصار هوجمت «يونيفيل» بالحجارة في ظل وجود الجيش معها، ولا صحة لكل ما قيل عن أنه لم يكن الى جانبها لأن هذا التحرك تقرر منذ البداية حتى النهاية بالتنسيق والتعاون مع الجيش اللبناني».
واعتبرت المصادر أن الحزب «استخدم في ظل الاضطراب الذي أصابه نتيجة الانفجار تحرك كفرشوبا من أجل تبرير غضب الأهالي من عدم معالجة «يونيفيل» ما اعتبره هو خرقاً اسرائيلياً في كفرشوبا، ورشقهم قواتها في خربة سلم بالحجارة… ونحن نعتبر أنه على رغم أن ما فعله الإسرائيليون ليس خرقاً وفق القرار 1701 لأن تلال كفرشوبا متنازع عليها في اطار مزارع شبعا وننتظر ترسيم الحدود لتقرير مصيرها، فإن الخطوة الإسرائيلية بتحصين موقعها في تلك الأرض يشكل استفزازاً للأهالي لا مسوّغ أمنياً له، والأمم المتحدة تصرفت وفق هذه القناعة وأوفدت قائد «يونيفيل» كلاوديو غراتسيانو ثم الموفد الخاص للأمين العام للمنظمة الدولية مايكل وليامز الى اسرائيل لمطالبة المسؤولين فيها بإزالة الموقع الذي أقامه جيشها والساتر الترابي في تلال كفرشوبا لأن لا مبرر لاستفزاز الأهالي على هذا الشكل فوعد هؤلاء بدراسة الأمر، لأن من عادتهم عدم الاستجابة الفورية لأي طلب يظهرهم على أنهم يتصرفون بناء لضغط من «حزب الله».
وتابعت المصادر الديبلوماسية الأوروبية: «في الاجتماعات التي عقدها سفراء الدول المشاركة في «يونيفيل» مع «حزب الله» أكد قادة الأخير أنهم لا يريدون لحادث خربة سلم أن يسيء الى العلاقة مع قوات الأمم المتحدة وأنهم يريدون – في شكل جازم انهاء ذيول الحادث. ونحن مقتنعون بأن الحزب لا يريد للعلاقة مع هذه القوات أن تتراجع، ونحن أيضاً نريد اعتبار ما حصل قضية منتهية، على رغم القلق من أنه يستهدف الحؤول دون قيام «يونيفيل» والجيش اللبناني بواجبهما… ما يؤدي الى ضرب صدقية المنظمة الدولية سواء أمام اسرائيل أو أمام دول أخرى. وما يدفعنا الى اعتبار المواجهة بين «حزب الله» والأهالي قضية منتهية هو أن تحقيقاً يُجرى أيضاً سيحدد في نهاية المطاف ما حصل، اضافة الى اقتناعنا بأن الحزب لا ينوي الذهاب أبعد مما حصل. ونحن شرحنا لقيادته ان «يونيفيل» لا تستطيع أن تلعب دورها في حفظ الاستقرار في الجنوب الذي أكد الحزب بدوره حرصه على استمراره، ولذلك فهي تدين الخروق الاسرائيلية على الدوام في تقاريرها الى الأمانة العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ودولها، لكن عليها أن تفيد عن الخروق التي تحصل من الجانب اللبناني أيضاً حين تحصل والتي لا يبررها خروق اسرائيلية».
وأشارت المصادر الديبلوماسية الأوروبية الى أن السفراء الأوروبيين أكدوا للحزب ان «يونيفيل» معنية بالحفاظ على صدقيتها بما فيها حيال اسرائيل، إذا وجدت أن الأخيرة تنوي التصرف من تلقاء نفسها، فتسعى الى وضع حد لذلك. وإذا كان الحزب حريصاً على هذا الدور يفترض به أن يساعد على الحفاظ على هذه الصدقية للأمم المتحدة والجيش اللبناني. أما ضرب هذه الصدقية فيستفيد منها الإسرائيليون الذين أخذوا يروجون في اللقاءات معهم أنه تبيّن أنهم كانوا على حق بأن «حزب الله» يخرق القرار الدولي ويخزن السلاح وأن قوات الأمم المتحدة والجيش لا يفعلان شيئاً ازاء ذلك». ورأت المصادر نفسها أنه مع ذلك فإن ما قام به الحزب من اتهام لـ «يونيفيل» بالانحياز وبأنها تتصرف بناء لإشارة من اسرائيل، هو غير صحيح، وكذلك الحملة الإعلامية عليها بأنها تحركت من دون تعاون مع الجيش، يمكن فهمه على أنه محاولة للهروب من ضبطه متلبساً بتهمة تخزين السلاح، لكن ما ليس مفهوماً أن يحجم الجيش عن التوضيح أن كل هذه الاتهامات غير صحيحة لأنه يدرك عدم صحة تهمة الانحياز ولأنه كان مع يونيفيل عندما دخلت خربة سلم فضلاً عن أن من غير المفهوم أن تتبنى الحكومة الرواية التي أذيعت في رسالة وزارة الخارجية الى مجلس الأمن عن أن انفجار 14 تموز حصل في مبنى مهجور ويضم ذخائر اسرائيلية وتابعة لميليشيا انطوان لحد من مخلفات الاحتلال الإسرائيلي. فالرسالة تعطي انطباعاً بأنها كتبت من قبل الحزب وتبنتها الوزارة وهذا أمر سلبي في علاقة الثقة بين «يونيفيل» والدول المشاركة فيها والأمم المتحدة، وبين الحكومة والجيش، بل هو أمر سلبي ومقلق للمستقبل».
وانتهت المصادر الديبلوماسية الأوروبية الى القول: «لا صحة للاتهامات التي ظهرت في الحملة ضد «يونيفيل» بأنها تسعى الى ما تريده اسرائيل من تعديل لقواعد الاشتباك، فهذا الموضوع ليس مطروحاً لا في الأمم المتحدة ولا عند أي من الدول الأعضاء، ولن يطرح على الإطلاق أثناء مناقشة التجديد للقوات في مجلس الأمن الشهر المقبل. فالحدث كشف محدودية قدرة قوات الأمم المتحدة على تنفيذ مهمتها لكن المطلوب تمكينها الحفاظ على هذه القدرة على رغم محدوديتها، وهذا يتطلب ارادة سياسية من الحكومة وتعاوناً فعلياً من الجيش». كما رأت المصادر أن «إذا كان الحادث كشف حدود التفويض الممنوح للأمم المتحدة، إلا إذا حظيت على ثقة وتعاون كل الأطراف، فإنه أوضح أيضاً أن الجيش واقع في حال من التناقض فهو يريد اظهار أنه يتعاون في ظل الالتزام الحكومي اللبناني بالقرار 1701، لكنه لا يريد أن يكون في وضعية تضعه في مواجهة مع «حزب الله» إذا خرق الأخير القرار».