القاهرة ـ خاص:
كتب الباحث في الحركات الإسلامية ضياء رشوان دراسة صغيرة يحاول فيها فك لغز تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، قائلا:” طريقة التنفيذ، سواء كانت شخصا انتحاريا أم سيارة مفخخة، تقترب كثيرا من الأساليب التي باتت معروفة لفروع تنظيم القاعدة على مستوى العالم فى تنفيذ عملياته الإرهابية، وهو ما يضاف إليه العدد الكبير من الضحايا من قتلى وجرحى والذي يرجح أن نوعية المتفجرات المستخدمة أو طريقة تخليطها بمواد أخرى صلبة تنم عن خبرة احترافية فى هذا المجال، هي بدورها معروفة عن تنظيم القاعدة فى مختلف البلدان التى ينشط فيها. فهل تكفي هذه العناصر جميعها للجزم بأن تنظيم القاعدة هو الذى يقف وراء هذا التفجير الإرهابى؟”
وأضاف رشوان، أنه للحقيقة أن الأرجح من سجل العمليات الإرهابية السابقة في مصر خلال الأعوام العشرة الماضية منذ تفجيرات سبتمبر 2001 بما فى ذلك عمليات سيناء الثلاث المشار إليها أن القاعدة لم تستطع خلالها أن تنفذ إلى مصر وتقيم فيها فرعا لها على الرغم من محاولاتها المتواصلة والتى بدا أنها قد فشلت جميعا. فتجاهل قيادات القاعدة لمجرد ذكر تفجيرات سيناء وعلى رأسهم أيمن الظواهري، الذي اعتاد خلال خطاباته الموجهة للمصريين السعي لتحريض فئاتهم المختلفة على التمرد على النظام المصري، يؤكد أن القاعدة ليس لها فروع في مصر أو صلة بأية جماعات إرهابية بداخلها الأمر الذى دفعها إلى تجاهل تفجيرات سيناء التى رأت أنها غير متصلة بها على الرغم من أنها بطريقتها وأهدافها تبدو منخرطة في إستراتيجيتها ودفع قائدها الثانى الظواهرى إلى تحريض المصريين على التمرد، وهو الأمر الذي لم يكن ليلجأ إليه لو كان لديه فرع لتنظيمه بداخل مصر.
إلا أن عدم وجود دلائل-حسبما ذكر رشوان- على وجود فرع لتنظيم القاعدة في مصر لا يعني القول بأن تفجير الإسكندرية الإرهابى الأخير بعيد عن بصمات القاعدة. فملامح التنفيذ الفنية والعدد الكبير من الضحايا والتهديد الذى سبق للقاعدة فى العراق توجيهه ضد الكنيسة القبطية، كلها تشير إلى بصمات ما للقاعدة يصعب نفيها. ويبقى التساؤل حول طبيعة هذه البصمات ونوعيه المجموعة التى قامت بالتفجير، وهو ما يبدو مرجحا أنها تضم عددا لن يقل عن العشرة أفراد لبعضهم خبرة كبيرة فى تركيب المواد المتفجرة والحصول عليها يصعب الجزم الآن بطريقة اكتسابها، وهل تم بالاتصال المباشر ببعض فروع وعناصر القاعدة خارج مصر أم عن طريق شبكة الإنترنت والتواصل عبرها مع بعض هذه الفروع والعناصر لاكتساب تلك الخبرة. وما يكمل الصورة هو أن المرجح أن من قاموا بهذه العملية هم من غير المسجلين لدى السلطات الأمنية من العناصر الإسلامية المتطرفة بما جعل من تحركهم أكثر سهولة وبعيدا عن الرصد الأمنى المكثف الذى يتركز تحديدا فى الإسكندرية المتخمة بالتيارات السلفية خلال السنوات الأخيرة، والتي من غير المستبعد أن يكون منفذو الحادث من بعض المنتمين إليها.
في حين أكدت دراسة كتبها متخصصون في الإسلام السياسي أنه يكاد يجمع الباحثون وعدد من الجهاديين السابقين ومسؤلون أمنيون على نفي أي وجود تنظيمي للقاعدة في مصر، لكن لم يستبعدوا إمكانية وجود خلايا أو بعض عناصر يمكن أن تستقبل رسائل القاعدة وتوجهاتها وتتفاعل معها في وقت من الأوقات أو في ظل أحداث ما. وقد كان للقاعدة عدد من المحاولات التي سعت من خلالها إلى إيجاد موطيء قدم لها في مصر إلا أنها لم تنجح حتى الآن، وظل التنظيم يعول على الخلايا المجهولة والعناصر ذات الاستعداد.
وتقول الدراسة إنه “منذ تأسيس التنظيم الجهادي العالمي “الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والنصارى” في أفغانستان عام 1998 ومصر في عيون القاعديين، وذلك لعدد من الأسباب: فهي من أولى بلدان العالم التي نشأت فيها جماعات العمل الإسلامي، وفي عقود لاحقة ظهر فيها الفكر الجهادي، والعمل المسلح، والخروج على النظام السياسي الحاكم فيها. وكانت ومازالت مصر إحدى أهم البلاد المنتجة للجهاديين، وقد خرج منها عدد كبير من القيادات الجهادية، فهي تحظى بنصيب الأسد من بين جنسيات قادة القاعدة في العالم وربما عناصرها أيضًا. فضلا عن موقعها في قلب صراعات العالم العربي والإسلامي.
ولقد اعتمدت القاعدة في تأسيسها وانطلاقتها الأولى على نتاج الحالة الجهادية المصرية التي برزت أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وخرج قادتها من البلاد عقب الصدام مع نظام الرئيس حسني مبارك. فقد شارك في عملية التأسيس الأولى للقاعدة عدد كبير من المصريين على رأسهم زعيم تنظيم “الجهاد” الدكتور أيمن الظواهري، الرجل الثاني في القاعدة، منظّر التنظيم وعقله الإستراتيجي، والرجل الأكثر تأثيرًا حتى في شخص زعيمها (أسامة بن لادن) وأفكاره. ورغم خروجه من مصر بما يزيد عن عقدين إلا أن الظواهري (وهو طبيب جراح) يعد متابعًا دقيقا لكل ما يجري في البلاد، أصدر ـ وما يزال ـ عددا كبيرا من التسجيلات التي تناقش أدق القضايا المصرية، الداخلية والخارجية، وتواترت خطاباته في نقد الحكومة وسياساتها، ساعيًا لأن يكون حاضرًا في كل الأحداث والمجريات.
ومن بين من شهد الإنطلاقة الأولى للقاعدة من المصريين: رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية السابق (رفاعي أحمد طه) ومسؤل جناحها العسكري، الموجود حاليًا في السجون المصرية. و(محمد إبراهيم مكاوي) الشهير باسم “سيف العدل” الذي تعتقد المصادر الإعلامية وأجهزة استخبارات غربية أنه مسؤول عن جهاز الأمن في التنظيم، وأنه تولى معظم مهام القيادي الراحل في القاعدة (محمد عاطف) وهو مصري أيضا قتل مع عائلته في غارة جوية قرب العاصمة الأفغانية كابل، ويعتقد أن عاطف الذي عرف باسم “أبو حفص المصري” كان القائد العسكري للتنظيم. و(مصطفى أبواليزيد) عضو مجلس شورى القاعدة، ورجل الاقتصاد الأول فيها، وهو الرجل الثالث بعد بن لادن والظواهري، وكان يمثل همزة الوصل بين الأول وحركة طالبان في أفغانستان، كما كانت له يد في كل شئ من الشؤون المالية إلى تخطيط العمليات”.