في القدس وعلى أرضها وبسببها، ارتكبت فظائع كبيرة، وأزهقت أرواح كثيرة، وسالت أنهار من الدماء لم يتوقف جريانها حتى هذه اللحظة، ولا يبدو انه سيتوقف في المدى المنظور على الأقل.
جاءها عمر بن الخطاب بجيش جرار بناء على معلومات ضبابية تلقاها من نبي الأسلام محمد الذي تلقاها بدوره من ورقة بن نوفل وآخرين ومما “قرأه” في كتب اليهود والمسيحيين وغيرهم، وحين رأى أهلها أن مقاومة جيش ابن الخطاب ستكون ضربا من ضروب الانتحار قرروا تسليم مفاتيحها له من دون مقاومة.
قبل عمر لم يكن هناك أي شيء له علاقة بالاسلام في تلك المدينة، وبالتالي فان كل المواقع التي سبقت وصول ابن الخطاب وجيشه الجرار هي إما صابئية أو يهودية أو مسيحية، وان لم تكن دينية فهي كنعانية يبوسية عبرانية أو “بالستوية” اذا جاز التعبير نسبة الى الفلسطينيين القدماء.
لا أحد يعرف على وجه الدقة ماذا دار بين ابن الخطاب واليهودي – قالوا عنه لاحقا انه قد أسلم – الذي أشار له الى المكان المقدس، سواء كان صخرة أم هيكلا أم ما يدعيه المسلمون بأنه مسجد بناه أدم، فقصة أدم وحواء أصلا ليست سوى أسطورة من أساطير الأولين تلقفتها الأديان جميعها وجعلتها الحلقة الأولى من مسلسل حكاية الخلق. ما هو مهم هنا أن يهوديا هو من أحيا ما يعتبره مقدسا بالنسبة له حتى ولو على يد الغزاة الجدد.
أمر ابن الخطاب ببناء مسجد أطلق عليه تسمية “المسجد القبلي” وليس “المسجد الأقصى” كما هو معروف. وجاء الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ليأمر ببناء قبة الصخرة وهي التي تظهر في وسائل الاعلام المرئية. ويعتقد المسلمون الذين يبدون استعدادا للموت في سبيلها بأنها “المسجد الأقصى”، ولا ضير في ذلك ما دام كثير من الفلسطينيين لا يميزون بين مسجد قبة الصخرة” وبين “المسجد الأقصى” ومنهم من هو بموقع مسؤول ويتفاوض على مصير القدس ويشدد على انها” عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة.
عندما استولى المسلمون على القدس كان طابعها العام مسيحياً، واذا ما سألت أي مسلم من سكان تلك المنطقة أين يقع مسجد عمر بن الخطاب سيقول لك بعفوية متناهية في حارة “النصارى” بجوار كنيسة القيامة. وعرفاناً لجميل المسيحيين الذين سلمّوا المدينة بدون مقاومة، سنَ لهم الخليفة “العادل” عمر بن الخطاب “العهدة العمرية”، ولعمري لو أن عمرا يعيش اليوم بيننا لما تجرأ حتى على التلفظ ببند واحد من بنود تلك العهدة العنصرية البغيضة التي يتفاخر المسلمون اليوم بها دون أن يعرف أغلبيتهم محتواها. واذا ما تجرأ وطرحها في وقتنا الحالي فانه سيساق الى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي عقابا له على نص ينضح بالعنصرية تجاه الآخر من ألفه الى يائه.
قبل عمر والغزو الاسلامي وعبر مئات السنين، تعرضت هذه المدينة وأهلها لكثير من التدخلات العسكرية من قبل كافة القوى الاقليمية التي تواجدت عبر السنين. سيطر عليها اليبوسيون والعبرانيون والفراعنة، ومن ثم بنو اسرائيل حيث تم بناء الهيكل في عهد سليمان، والآشورييون والبابليون والفرس واليونانيون والرومان والبيزنطيون الذين بنوا كنيسة القيامة بأمر من هيلانة والدة قسطنطين. ثم جاء المسلمون وأتى بعدهم الاوروبيين ليعود المسلمون من جديد بقيادة صلاح الدين الأيوبي. وحاول الفرنسيون السيطرة عليها، لكن حملتهم فشلت على أسوار عكا، ليسيطر عليها بعد ذلك البريطانيون وأخيرا الاسرائيليون على مرحلتين في العام 1948 والعام 1967.
مفارقة عجيبة يتعلمها طلابنا في مناهجنا الفلسطينية بأن كل تلك الحملات هي احتلالات ما عدا دخول المسلمين الى القدس فهو “فتح” حين دخلها ابن الخطاب وهو تحرير حين دخلها صلاح الدين، في حين انه احتلال جليٌ وواضح وصريح استهدف البشر والحجر وغيَر المعالم والمسميات. ولو أتى الأن جيش عربي اسلامي الى فلسطين وفعل ما فعله عمر وصلاح الدين لوجبت مقاومته بصفته احتلالا. فلا فرق بين احتلال وآخر سواء كان الاحتلال الاسرائيلي لارضنا أو الاحتلال الاسلامي للاندلس وغيرها من البلدان او الاحتلال العراقي للكويت قبل عقدين من السنين.
قبل نهر الدماء الذي يجري اليوم في القدس وحولها، سال قبل عشر سنوات نهر بداياته مشابهة لما يجري اليوم، حيث حدث ما أصبح يعرف لاحقا بـ”انتفاضة الأقصى” كان من نتيجتها خمسة آلاف قتيل وخمسون ألف معاق وآلاف البيوت المهدمة وجدار عازل وعاد الطرفان بعد كل هذا الى طاولة المفاوضات ليناقشوا ذات النقاط وذات الاشكاليات.
من يتحمل مسؤولية كل تلك الدماء على الجانب الفلسطيني هو الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي أبى إلا أن يستمر بمنطق الثورة العصاباتي في ادارة شؤون سلطة من المفروض أن تكون مؤسساتية، فكانت انتفاضة الاقصى هي انتفاضة العصابات ضد الشعب الفلسطيني، فتعددت العصابات وتنوعت وتشكلت ومارست اقسى انواع القهر والبلطجة والتشبيح والتشليح تجاه المواطن الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية وصولا الى القدس، وحافظ عرفات عبر ذلك على رمزية ممهورة بدماء الأبرياء..ودمه أيضا.
حدث كل ذلك وما زال يحدث اليوم ودائما باسم القدس والمسجد الأقصى والهيكل السليماني وغير ذلك. وحتما لن تتوقف أنهار الدماء باسم القدس إلا حين تتم مراجعة جريئة للنص الديني وتفسيراته المتعلقة بهذا المكان. كما وان حلا ناتجا عن موازين قوى مختلة تماما لصالح طرف على حساب الطرف الآخر لن يدوم طويلا، لأن موازين القوى لن تبقى الى الأبد كما هي الأن.
ملاحظة جديرة بالذكر قبل الختام، وهي اننا نسمع ان صراعا اسرائيليا يهوديا من جهة وعربيا اسلاميا من جهة أخرى على القدس وما حولها دون أن يأتي أحدهم على ذكر المسيحيين، وكأن يسوع لم يولد في هذه الأرض يوما..
لن يفيد الاسرائيلين الاصرار على ان تكون القدس عاصمتهم، كما انه لن يفيد ذلك الفلسطينيين أيضا. والخيارات متوفرة وعملية أكثر من القدس بكثير. فاسرائيل لديها عاصمة يعترف بها العالم أجمع تقريبا وهي تل أبيب فيها أغلب الدوائر الاقتصادية والسياسية وغيرها. كذلك فان الفلسطينيين لديهم الان جهاز حكومي متكامل موجود في مدينة “رام الله” التي لا تبعد أكثر من عشرين دقيقة عن القدس في الأحوال الطبيعية، وفي رام الله ما يشجع أكثر من القدس لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة.. ولتكن القدس مدينة مفتوحة بقسميها الغربي والشرقي لتكون مكانا يؤمه كل من يرى أن هذه المدينة تمثل شيئا هاما أو رمزيا أو مقدسا له. فالدماء التي أسيلت في هذه المدينة ولأجلها أكبر كثيرا من أن يحتكر طرفان فقط حق ملكيتها.
كاتبة فلسطينية
zena1903@hotmail.com
هل تستحق القدس كل هذه الدماء؟؟الشيء الذي يغض النظر عنه غالبية السياسيين عرب واسرائيليين مسلمين ويهود ومسيحيين أن وجود ملوك اسرائيل وأنبيائهم من يوسف إلى موسى إلى سليمان ماهو إلا خرافات وأساطير يتناقض مع ما أثبتته الاكتشافات الأثرية. إلا أنني أعتب على الكاتبة أنها تذكر وجود سليمان وكأنه جزء من التاريخ “، ومن ثم بنو اسرائيل حيث تم بناء الهيكل في عهد سليمان، ” وبما أنها فندت كل هذا التاريخ الأسطوري الديني لآدم وحواء كان يجب عليها التأكيد على عدم وجود التاريخ التوراتي أيضا لمملكة سليمان. على كل حال ، يجب أن نتمسك بالقدس باعتبارها مدينة يجب أن تعود لسكانها… قراءة المزيد ..
هل تستحق القدس كل هذه الدماء؟؟الى riskabilityلقد فهمنا رايك في تعليقك من يوم 21 اذار ولكن تعليقك الثاني (متابعة) غير مفهوم. ما الذي اردت ان تقول؟ ما علاقة ما كتبته والعناوين التي اعطيتها بمقال السيدة زينب رشيد؟ هل لاحظت شيئا مثيرا للاهتمام في الافلام التي اعطيت روابط لمشاهدتها؟ الامر الذي لاحظته انا هو ان راشيل كوري يهودية واهلها يهود يتعاطفون مع قضيتنا ويعارضون سياسة اسرائيل واليوم يقاضونها في المحاكم. اضف الى هذا ان الممثلة التي تمثل دور راشيل هي ايضا يهودية والمخرج هو يهودي اسرائيلي يعيش في باريس . كل هذا يدل على: 1- ان يهودا كثيرين على استعداد للعيش… قراءة المزيد ..
هل تستحق القدس كل هذه الدماء؟؟عودة الوعي 22) خيبر خيبر يا يهود .. جيش محمد سوف يعود (1) Two cannibals were sitting by a fire. The first says, “Gee, I hate my mother-in-law.” The 2nd cannibal replied, “So, try potatoes. Two cannibals are eating a clown. One says to the other, Does this taste funny to you هاتين نكتتين شائعتين عالميا , في الأولى لا يستسيغ “آكل لحوم البشر” طعم حماته , “فيواسيه” زميله بأكل البطاطا ليشبع جوعه هذه المرة .. وفي الثانية “يشعر” ان طعم المهرج الذي يأكلونه (مضحك) .. نكت من هذا القبيل قد تثير مستوى معين من… قراءة المزيد ..
هل تستحق القدس كل هذه الدماء؟؟متابعة (Her parents are now suing the Israeli government. The trial got underway on the anniversary of her death.) في تطور (بالغ الاهمية) لتوقيته , تمكن والدي الشهيدة (راشيل كوري) من مقاضاة “اسرائيل” بعد سبع سنوات من سحقها بجرافة اسرائيلية ,ان هذا التحرك لم يكن ممكنا لولا اقتناص فرصة تردي العلاقات الامريكية – الاسرائيلية الى نقطة ادنى وتاريخية (لم تصلها على مدار العقد الفائت) http://www.youtube.com/watch?v=guI8Erpe4JY&feature=youtube_gdata http://seattletimes.nwsource.com/html/movies/2009121982_zmov27rachel.html http://www.indybay.org/newsitems/2009/07/14/18607943.php للمزيد من الاطلاع و”المعرفة” اذكر بالمقال الذي كتبه مؤلف (الاستشراق) الامريكي (ادوارد سعيد) والذي نصب برواز ضخم يحتوي على صورته على بعد امتار من (البيت الابيض) بعد الانتخابات… قراءة المزيد ..
هل تستحق القدس كل هذه الدماء؟؟هذا الكلام أكثره خاطئ و استدلالاته لا تقوم. انا لن اناقش رأى الكاتبة او استدلالاتها التاريخية فهذا ليس لي به معرفة انما المشكلة في المقال التبسيط الضخم -الى حد التسفيه-لقضية مصيرية. اولا، سمي الفتح الإسلامي ماشئت فلا يعنيني ان يكون فتح ابن الخطاب ‘فتحا’ او إحتلالا، لكن ان نقول او ان نلمح كما يبدو من المقال ان دولة إسرائيل لها حق في القدس ‘كدولة’ و هي التي لا تزال في الستينات من عمرها و أقيمت عنوة و ظلما في وجه الفلسطينيين ‘ايا كان دينهم’ ليس الا جور على أهل فلسطين الذين هم يعيشون هناك امتدادا… قراءة المزيد ..
هل تستحق القدس كل هذه الدماء؟؟السيدة زينب رشيد المحترمة، تحية لك على جرأتك في معالجة مواضيع شائكة بروح منفتحة تنشد الحقائق لا الاساطير. أحييك لأنك بمثابة الرائد الذي يسبر الأغوار لقومه كي يمنعهم من أن يضيعوا في متاهات لا آخر لها او ينجروا وراء السراب . موضوع القدس ليس بالسهل وقد نشر الدكتور سلمان مصالحة في العام الماضي سلسلة من المقالات عن اولى القبلتين اعتمد فيها على امهات الكتب الاسلامية المعتبرة من مجموعات احاديث نبوية الى تفاسير قرآنية وكتب تاريخ من تأليف اكبر مؤرخي الاسلام واشهرهم واوثقهم. وقد تعلمت من مقالات الدكتور مصالحة هذه المدعومة بمصادر اسلامية عديدة، متنوعة، لا… قراءة المزيد ..
هل تستحق القدس كل هذه الدماء؟؟
المنطقة التي تشتغل عليها كاتبة المقال مهمة جدا جدا. ولا أعتقد أنني الوحيدة التي ستكون سعيدة بظهور سلسلة مقالات للكاتبة في نفس الموضوع وبنفس المنهج.