هذا سؤال كثيرا ما طرحه سجناء الحق العام على الأستاذة آسية الوديع بسبب الغبن الذي يشعرون به من جراء التمييز الذي تمارسه إدارات السجن في حقهم قياسا إلى الامتيازات التي يتمتع بها سجناء السلفية الجهادية المعتقلون على خلفية الأعمال الإرهابية التي تم تنفيذها أو التي كانت في طور الإعداد. والسؤال يحمل دلالات دقيقة ويكشف عن حقائق صارخة تستوجب الوقوف عندها. ذلك أن التعامل مع ملف معتقلي السلفية الجهادية يقتضي التجرد عن كل خلفية سياسية أو إيديولوجية تستغل هذا الملف لأغراض تصفية الحساب مع النظام أو الضغط عليه. وهذا شأن كل الأطراف التي تخرج الملف عن إطاره القانوني الصرف. وأقصد هنا بعض الجمعيات الحقوقية اليسارية منها والإسلامية، فضلا عن التوجهات الرسمية لحزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح التي ترمي، من جهة إلى توفير مظلة سياسية لمعتقلي هذا التيار المتطرف، ومن ثم الضغط على الدولة لإدراجهم ضمن معتقلي “الرأي” وتبرئتهم من تهمة الإرهاب والتخطيط لأعمال تخريبية؛ ومن جهة ثانية تهدف التوجهات إياها إلى كسب تعاطف التيار الجهادي والتطلع إلى الاستفادة منه كخزان احتياطي للأصوات أو للاستقطاب.
وما يصدر عن الهيئات المناصرة لمعتقلي السلفية الجهادية من بيانات ومواقف يثبت أن الأمر أبعد ما يكون عن المطالبة بإنصاف هؤلاء المعتقلين. وأبرز مثال على هذا مطالبة منتدى الكرامة لحقوق الإنسان خلال الندوة الصحفية التي عقدها يوم 30 يناير 2007 بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وفي مقدمتهم “معتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية”. والمنتدى إياه يخلط، عن قصد، بين الرأي وبين الدعوة والتحريض على العنف وإصدار فتاوى التكفير ضد الدولة والنظام والأحزاب والمواطنين. ومن ثم يقرر المنتدى على لسان رئيسه أن (السجين السياسي ومعتقل الرأي يتميز عن سجين الحق العام في كونه قام بفعل من أجل غاية شريفة بعيدا عن وسائل العنف).
وليس المجال هنا لمناقشة هذه المواقف وبيان خطورتها على حياة المواطنين وأمنهم واستقرار الدولة ومؤسساتها، بقدر ما هو ضروري التذكير بها بغرض الكشف عن خلفياتها التي جعلت الهيئات إياها تقيم الدنيا مناصرة لمعتقلي السلفية الجهادية وشيوخ التطرف والإرهاب في “معاركهم” ضد إدارة السجون لانتزاع مزيدا من الامتيازات التي لا يحظى بأبسطها سجناء الحق العام. وحين أثرتُ هذه القضية خلال الندوة التي نظمتها جامعة الأخوين في 29 و 30 نونبر 2007 في موضوع الوقاية من الإرهاب، سجلت الأستاذة آسية الوديع تحفظها على اعتبار أن التعامل مع هذه الفئة من المعتقلين يختلف من سجن لآخر. فهل ما تروجه الهيئات المعنية عن وضعية معتقلي السلفية الجهادية حقيقة أم افتراء ومزايدة؟ سيكون من المفيد جدا الاستناد إلى الشهادة الميدانية التي قدمتها جريدة “نيويورك تايمز” وأعادت نشرها جريدة “الشرق الأوسط” بتاريخ 2/1/2008 تحت عنوان: “سجناء الإرهاب في المغرب يحصلون على امتيازات يحسدهم عليها مدانو الحق العام”. وكان مما ذكره التقرير شهادات السجناء ووقائع عن حياتهم اليومية داخل السجن.
* فيما يتعلق بشهادة السجناء أورد التقرير على لسان أحمد رفيقي قوله (في حالتي، يعاملني الناس بصورة جيدة). وتأكيدا لهذه الوضعية نشرت الصحيفة صورة لأحمد رفيقي في وضعية مريحة وأردفت التعليق التالي (كان أحمد رفيقي يضطجع على الفراش في زنزانته وكان شعر رأسه ولحيته مصبوغا بالحناء. وكان، هذا السجين المعروف باعتباره «أبا الجهاديين المغاربة»، قد أدين عام 2003 بقيادة شباب للقتال ضد الأميركيين في أفغانستان.. يحصل على الطعام ثلاث مرات أسبوعياً بعد أن تعده له زوجتاه. ويؤدي باب زنزانته إلى حديقة خاصة وحمام. ولديه جهازا راديو وتلفزيون، ومنضدة لقراءة القرآن وخزانة لملابسه ذات الطابع الإسلامي. وقال مبتسما: «في حالتي، يعاملني الناس بصورة جيدة»). ونفس الحقيقة أكدها حسن الكتاني الذي قال («كنا في حالة سيئة عندما القي القبض علينا. كان الأمر صعبا»، في إشارة إلى الأيام التي سبقت الإضراب الأول عن الطعام. وعززت الجريدة تقريرها بالوقائع التالية:
أ- “في القاعة رفض حسن كتاني، وهو منظّر إسلامي معروف في الدوائر الجهادية، إجراء لقاء عبر شبكة الفيديو إلى ان بدّل الزي الذي يرتديه يوميا. وبعد دقائق توجه إلى القاعة بدون حراسة وظهر وهو يرتدي جلبابا أبيض وغطاء رأس ذهبي اللون وقال: «كنا في حالة سيئة عندما القي القبض علينا. كان الأمر صعبا». وبالطبع هذا الوضع انتهى.
ب – استخدام هؤلاء السجناء الغرف الزوجية يوميا. وهذا ما أكده مدير سجن عكاشة في الدار البيضاء من كون “أبواب الزنزانات مفتوحة 24 ساعة”، وأنه “مسموح لهم باستخدام الغرف المخصصة للأزواج يوميا ابتداء من الساعة السادسة صباحا”.
ج- (في سجن زاكي بشمال الرباط، وهو واحد من سجنين أجرت فيهما «نيويورك تايمز» مقابلات مع نزلاء متشددين فضلا عن مسؤولين في السجن، يتمتع 309 من السجناء المحبوسين بسبب قضايا إرهاب بمساحات أكبر. فكل زنزانة في هذا السجن بها ثلاثة نزلاء مقارنة بمتوسط يصل إلى 22 نزيلاً في الزنزانة بالنسبة للنزلاء المحبوسين بسبب قضايا عادية).
د- المبنى رقم 5 هو الأكثر اكتظاظا بالمتشددين ويبدو مثل قرية صغيرة. ويقيم النزلاء هنا مباريات في الملاكمة ويذبحون الخراف في العطلات).
أكيد أن تقرير “نيويورك تايمز” ينفي المزاعم التي تتهم إدارة السجون بممارسة صنوف التعذيب على شيوخ التطرف والإرهاب. وفي الآن نفسه ينبه إلى حقيقة بالغة الخطورة عبر عنها السؤال الذي لم يتوقف سجناء الحق العام عن طرحه «لماذا يحصلون على حقوق أكثر منا؟ هل تريدوننا أن نصبح سجناء إرهاب حتى نحصل على تلك الحقوق؟». ومن شأن هذه الوضعية المميزة التي يحظى بها سجناء السلفية الجهادية أن تمكنهم من بسط هيمنتهم التنظيمية والإيديولوجية على أعداد متزايدة من نزلاء السجون. لهذا يتوجب على الدولة:
1 ـ الخروج من حالة الارتباك بتحديد وتوحيد أسلوب التعامل مع معتقلي السلفية الجهادية الواجب تطبيقه في كل السجون.
2 ـ تصنيف هؤلاء المعتقلين إلى فئات حسب درجة التشدد، ومن ثم عزل كل فئة على حدة.
3 ـ منع التواصل فيما بين المتطرفين داخل السجون أو مع نظرائهم خارجها.
4 ـ اعتماد برامج تعليمية وعلمية بغاية تصحيح معتقدات السجناء عبر تقديم دروس ومحاضرات وفتح حوار مباشر يقوده ذوو الاختصاص.
5 ـ وضع برامج تأهيلية لإعادة إدماج هؤلاء المتطرفين بعد تصحيح معتقداتهم.
6 ـ توفير العلاج النفسي لغير الأسوياء من المتطرفين.
selakhal@yahoo.fr
* المغرب