فادي توفيق
شاكر العبسي وأبو هريرة وصدام ديب كانوا سجناء في سوريا
يحاول هذا التحقيق في حلقتين أن يرصد ظاهرة يكثر الحديث عنها في لبنان، ربما اكثر مما في غيره من البلدان المجاورة لسوريا، الا وهي ظاهرة تجنيد بعض السجناء في سوريا، من سوريين وفلسطينيين ولبنانيين، وتحويلهم ارهابيين في العراق ولبنان. وفي خبر لا يزال ضعيف التداول الا في بعض المصادر الاخبارية الخاصة، ان السلطات المصرية تطالب السلطات السورية بالكشف عن مصائر مئات المصريين الذين تؤكد القاهرة انهم اختفوا في سوريا. في الحلقة الاولى من هذا التحقيق مقدمات تتبع وجوهاً من ادوار النظام السوري البوليسي في جواره الاقليمي، وخصوصا العراق ولبنان.
منذ بدء الحديث عن الخطة الأميركية لاجتياح العراق وإطاحة نظام صدام حسين بين أواخر العام 2002 ومطلع العام 2003، لم يخف النظام السوري معارضته الحرب ورأى في التغيير المرتقب في العراق ضرراً بمصلحته المباشرة. لذا لم يكتفٍ بالمعارضة السياسية للحرب الأميركية على النظام العراقي، بل شرع في رعاية عملية دخول مجموعات من المقاتلين العرب إلى بغداد، قبل أسابيع من اندلاع الحرب، معولاً ربما على إثارة شكل من إشكال “المقاومة” في وجه القوات الأميركية.
لكن المقاتلين العرب الذين تولى النظام السوري مباشرة تعبئتهم وارسالهم الى العراق، لصد الهجوم الإميركي، عجزوا عن ابطائه، وفشلوا في شد أزر النظام العراقي المهترئ الذي لم يستطع الصمود، فراح يتداعى وسقط بعد أقل من أسبوعين على بداية الحرب، وتحديدا في 9 نيسان 2003، بعد تمكن القوات الإميركية من السيطرة على مدينة بغداد.
على أثر ذلك تشرد المقاتلون العرب في انحاء العراق، فقتل منهم من قتل، وعاد من تمكن من العودة إلى بلاده، واعتقل بعضهم الآخر، فأدلوا باعترافات تؤكد التورط السوري في مسألة تجنيدهم وإرسالهم إلى بلاد الرافدين. في هذه الأثناء، وبينما كان النظام السوري يبحث عن طريقة لايقاف الاندفاعة الأميركية – وخصوصاً بعدما بات من شبه المؤكد أنه سيكون الهدف التالي على لائحة الاهداف الاميركية – وجد تنظيم “القاعدة” الإرهابي في الإحتلال الأميركي للعراق فرصة للمنازلة المباشرة مع الأميركيين، فبدأ البحث في أوساطه عن طريقة تمكّنه من إختراق الزنار الحدودي الذي يلف العراق من الجهات كلها: الكويت، المملكة العربية السعودية، سوريا، المملكة الأردنية، تركيا. ولكي يتحقق لـ”القاعدة” هذا الإختراق، كان يحتاج إلى أن يتخذ واحدة على الاقل من هذه الدول الحدودية، “ارض نصرة” يتمكن من تخزين الإرهابيين فيها، وتتيح لعناصره الوصول الى العراق، على أن تكون هذه الأرض جبهة خلفية للدعم والإمداد، ومنها يجري الانطلاق والتسلل إلى “دار الحرب” في العراق.
بناء على هذه الحسابات السورية للحدث العراقي وتبعات نجاحه الباهظة والخوف من تفشي العدوى العراقية في الداخل السوري، تم اللقاء بين نظام دمشق و”القاعدة”. وبين رغبة “القاعدة” في الوصول إلى العراق لمنازلة الأميركين، وخشية النظام السوري من عراق ديموقراطي منفتح، كان قرار النظام السوري بتحويل سوريا “أرض نصرة”، وصولاً الى “ارض الجهاد”.
كثيرة هي الإشارات الى تحول الأراضي السورية “أرض نصرة” لإرهابيي “القاعدة”. فالحدود السورية هي المعبر الأبرز، ان لم يكن الوحيد لدخول الإرهابيين إلى العراق. وحتى أولئك الذين لدولهم حدود مع العراق، كالسعوديين والأردنيين واللبنانيين، فان قصص العائدين منهم من “ارض الجهاد” إلى بلدانهم، تفيد انهم حين قرروا الذهاب إلى العراق توجهوا إلى سوريا اولاً، وهناك وجدوا من تدبر أمر وصولهم إلى العراق. في هذا المجال تشير تقديرات أمنية عراقية إلى أنه من أصل عشرة إرهابيين يدخلون العراق، تسعة منهم يجتازون الحدود السورية.
وإذ ينفي رجال النظام في سوريا مسؤوليتهم عن النسبة العالية من المتسللين عبر الحدود السورية، ويعزونها إلى طول الحدود وضعف الإمكانات التقنية المتوافرة لديهم، فان أي عارف بطبيعة النظام في سوريا، يدرك انه من الصعب التصديق أن مئات من الأجانب الذين يصلون سوريا جواً وبراً ويتسللون عبر حدودها الى العراق، لا تعلم المخابرات السورية شيئاً يذكر عنهم.
تذكّر هذه الواقعة – واقعة زواج المصلحة بين النظام السوري وتنظيم “القاعدة” – بسابقة زواج أخرى تمت قبل أكثر من عقدين ولا زالت مفاعيلها سارية حتى الآن. والزواج كان قد قام بين النظام نفسه وبين الإسلاميين الخمينيين في العام 1982. وذلك بعدما لاح لقادة دمشق ان كل خسارة يُلحقها الإسلاميون بخصومهم من اميركيين وفرنسيين وبعثيين وعراقيين و”قوات لبنانية” وشيوعيين، سترتد حتماً ربحاً صافياً لسوريا. يومها تولت المخابرات السورية رعاية نزول “الحرس الثوري” الإيراني في البقاع، من طريق الحدود السورية، وبرعاية سورية مباشرة أنشأ “الحرس الثوري” معسكراته لتدريب المقاتلين والانتحاريين الاسلاميين الشيعة في المنطقة البقاعية.
وهكذا حوّل النظام السوري الأراضي السورية “أرض نصرة” للإسلاميين الخمينيين، وجعلها معبراً آمنا لوصول السلاح اليهم ولانتقال بعض عناصرهم منها إلى ايران، لتلقي تدريبات عسكرية. ثمة من يقول في هذا المجال إن الأجهزة الامـــــنية الســــــــورية اســـــــــتفادت من خبراتها السابقة مع الخمينيين لجعل الأراضي السورية جبهة خلفية لتنظيم “القاعدة”.
لكن هذا كله ليس سوى رواية مختصرة لقصة اللقاء بين النظام السوري وتنظيم “القاعدة” الإرهابي. وتحويل سوريا “أرض نصرة”.
سبب الاختصار مردّه الى ان هذا التحقيق لا يسعى إلى تأكيد ما أصبح في حكم المؤكد، لتوافر عدد من الدلائل على تورط النظام السوري في دعم الإرهابيين في العراق.
ثم ان ما تقدم ليس سوى توطئة للإضاءة على ظاهرة تتصل به، لكن الكلام حولها لا يزال شحيحاً. هذه الظاهرة ليست سوى ما راح يُكشَف منذ بعض الوقت، مشيراً الى تحول السجون السورية ساحات للدعوة إلى الجهاد ولتجنيد الإرهابيين في عمليات خارج الأراضي السورية، لا سيما في العراق ولبنان.
السجون السورية
ساحة “للجهاد”؟
يكاد يكون من النافل الإشارة إلى صنوف التعذيب الوحشي التي ترتكب في سجون النظام السوري، فمثل هذا الأمر من قبيل تحصيل الحاصل. يعرف ذلك خصوم النظام السوري والموالون له على حد سواء. واذا كانت واقعة اقتران سجون النظام السوري بالتعذيب، تحمل الكثير من الصحة، فالأكيد ان التعذيب ليس الغاية الوحيدة لهذه السجون.
من بين الوظائف الكثيرة والمتشعبة للسجن السوري، شاعت في الآونة الأخيرة وظيفة جديدة تتمثل في جعل هذا السجن مكاناً لتجنيد الإرهابيين وإرسالهم أو تسهيل عبورهم إلى البلاد التي لا تجري فيها الأمور على هوى النظام السوري ومزاجه، لا سيما إلى لبنان والعراق.
فالعراقيون راحوا يتلقون هذا النوع من الهدايا السورية بعد أشهر قليلة على سقوط نظام صدام حسين ولا زالوا حتى الآن يكتوون بنار الإرهابيين الآتين من سوريا أو عن طريقها إلى بلدهم. واللبنانيون عرفوا هذا متأخرين سنوات عن العراقيين، بعدما خبروا اسهام النظام السوري في ادارة حروبهم الاهلية الاقليمية الملبننة.
فمع جلاء الجيش السوري عن لبنان، بدأ الكلام على احتمال ارسال نظام دمشق هداياه الى لبنان.
وجاء ظهور تنظيم “فتح الاسلام” في مخيم نهر البارد، وامتداداً الى طرابلس، وما قام به من اعمال ارهابية، ليؤكد ذلك الكلام الذي بدأ احتمالياً.
فـ”قائد فتح الاسلام” شاكر العبسي وكثيرون من اعضاء التنظيم، مثل ابو هريرة وصدام ديب وغيرهما من اللبنانيين، سبق ان كانوا سجناء في سجون البعث السوري.
ليس من السهل إقناع السجناء السابقين في سوريا، المقيمين في بيروت اليوم، بالبوح عما يعرفونه حول ما يشاع عن ظاهرة تجنيد الإرهابيين في السجون السورية. فهؤلاء لا يزال الخوف يسكنهم من رجال الاستخبارات السورية، رغم الخروج الرسمي للقوات السورية واستخباراتها من لبنان في 27 نيسان 2005.
أكثر من ذلك، ثمة ما يقرب من الإجماع بين السجناء الذين التقينا بهم، على ان الاستخبارات السورية باتت يدها اليوم طليقة في لبنان أكثر من قبل. فجلاء الجيش السوري رسمياً عن لبنان حرر جهاز الاستخبارات السورية من المسؤولية عن أي عمل تقوم به في بلد الارز.
لعل في هذا ما يفسر شعور السجناء السابقين بالخوف من البوح بما يعرفونه وما عاشوه، واشتراطهم إغفال اسمائهم وهوياتهم في هذا التحقيق. عليه فما نستطيع قوله فقط عن السجناء الذين التقينا بهم هو انهم من جنسيات لبنانية وسورية وفلسطينية، وانهم موزعون على انتماءات مختلفة، إسلامية ويسارية وعروبية، وبعضهم لم يسبق له ان انتمى الى أي تنظيم سياسي.
نشير إلى هذا لأن تقصدنا إغفال كل ما يشير إلى هوية السجناء، ان لم يكن حفاظاً على سلامتهم الشخصية، فحفاظاً على أهل بعضهم واقاربه المقيمين في سوريا، اذ لا يستبعد تحولهم هدفاً لتنكيل رجال الاستخبارات السورية، في حال تم التعرف على هوياتهم.
في جعبة السجناء السابقين في السجون السورية الكثير من الروايات التي تؤكد حقيقة ظاهرة تجنيد الإرهابيين في هذه السجون وتصديرهم إلى خارجها في مهام تتنوع درجة خطورتها، تبدأ من تجنيد المخبرين لمصلحة الاستخبارات السورية ولا تنتهي بإرسال البعض إلى العراق للقتال هناك.
قد يستغرب البعض مثل هذا الأمر ويصعب عليهم تصديقه. إذ كيف لسجين كابد عذابات هائلة على أيدي رجال الاستخبارات السورية ان يتحول رجلاً من رجالها؟ وقد يسأل آخر قائلا: كيف لإنسان فاقت مدة سجنه أكثر من خمسة عشر عاماً في السجون السورية بسبب معارضته النظام، ان يستحيل واحداً من خدامه في مشاريعه الإقليمية، أكان في العراق أو في لبنان؟ على هذه الأسئلة يجيب العارفون بالسجون السورية ممن خبروها جيدا، قائلين: لا غرابة في الامر، فمن يعرف الظروف القاسية التي يخضع لها السجناء في سوريا من شأنه أن يدرك ان أي مقايضة، تؤدي الى خروج السجين من السجن، هي بالتأكيد رابحة لمصلحة السجين نفسه.
ويشدد العارفون على القول ان أي مقايضة، مهما بلغت خطورتها وصولا الى موت السجين، تظل مربحة لسجين مهدد بالموت البطيء في سجون البعث التي لا يقتصر التعذيب فيها على فترة التحقيق، بل يدوم طوال مدة السجن الغامضة اصلاً، والتي تصل الى اكثر من ثلاثة عقود، وقد تستغرق العمر كله، الا اياماً او شهوراً يقضيها الخارج من سجون سوريا، في بيته، قبل ان يموت كمداً أو يميته ما أنزله السجن به من امراض وتشوهات جسدية ونفسية. لكن تجنيد الإرهابييين في السجون السورية وارسالهم إلى العراق، ليسا بالسهولة التي يتصورها البعض، ولا يطابقان السيناريوهات التي يروجها آخرون، كمثل أن السجانين السوريين يقومون باستدعاء بعض السجناء ويعرضون عليهم مقايضة تقضي بالإفراج عنهم لقاء الذهاب إلى العراق، فمن يقبل المقايضة يفرج عنه، ومن يرفضها يظل محتجزاً. واقع الأمر ان شيئاً من هذا القبيل لا يحصل على الإطلاق. وما يحصل فعلاً يبدو شائكاً وكثير التعقيد، ويصعب تخليص حلقاته على نحو سهل. هذا ما يكتشفه من ينصت الى روايات السجناء السابقين عن هذه الظاهرة. من بينهم سجناء عايشوا بدايات تحول السجون في سوريا ساحات للدعوة إلى الجهاد، بعدما كان مثل هذا الأمر من كبائر السجن في سوريا ومحظوراته.
فادي توفيق
(غداً حلقة ثانية وأخيرة)
http://www.annahar.com/content.php?priority=1&table=weekly_articles&type=tahkik&day=Wed
هل تحوّلت السجون السورية “أرض نصرة” للجهاد في العراق ولبنان؟يظهر الصنف اللي متعاطيه مضروب …………. ولو اي شو هالذكاء الخارق وهالاكتشافات الرهيبه ………. المقال واضح انو بيدافع عن جماعة سعدو …….. والله ضحكت من كل قلبي يعني الارهابيين بلبنان رغم انو الجيش اللبناني ماقدر عليهم الى الان لسه خايفين من السوريين ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ والله اذا كان السوريين هكذا فلنا الفخر وهذا مما يرفع الراس ………. انا اقترح على الكاتب يدفي حالو منيح بالليل بيصير برد وخاصة اذا واحد ضاربلو كم صاروخ ومسلطن ………… ولك السوريين رح يضلو شوكه في حلوق العربان من الصعب نزعها …وسيبقى السوريين اسياد الشرق الاوسط شئتم ام… قراءة المزيد ..