كنت أشاهد بالأمس الفيلم الكلاسيكى القديم (كاميليا) والمأخوذ عن قصة غادة الكاميليا، تلك القصة الرومانسية والميلودرامية والتى تم تحويلها إلى أفلام سينمائية فى أمريكا ومصر وغيرها من دول العالم، والفيلم الذى شاهدته أمس هو أول نسخة أمريكية تم أنتاجها عام 1936 بطولة النجمة الرائعة جريتا جاربو والممثل الوسيم روبرت تايلور، وكان مشهد النهاية رومانسيا حزينا ومؤثرا عندما شاهدنا البطلة جريتا جابو (مرجريت) تخاطب حبيبها روبرت تايلور (أرمون) وهو يحتضنها بالقرب من فراش الموت، ورغم مواجهتها للموت إلا أنها بدت سعيدة لأنها تموت بين أحضان حبيبها ويدور بينهما حوارا رومانسيا عذبا قبل إسدال ستار النهاية:
– لا تخشى شيئا يا حبيبتى ستعيشين وستذهب إلى الريف لقضاء أياما جميلة مثل التى قضيناها من قبل
– أريد أن أعيش
– ستعيشين يا حبيبتى
– أريد أن أعيش داخل قلبك
– أنت داخل قلبى وكيانى
– الآن أنا مطمئنة إلى أننى سأعيش للأبد ما دمت داخل قلبك
وتنزل كلمة النهاية وأمسح دموعى وأتساءل هل إنتهى عصر الرومانسية؟
وأنا أرفض وأقاوم نهاية الرومانسية، وأصوت لصالح الرومانسية دائما لأن بموت الرومانسية تموت أروع القيم الإنسانية بموت الرومانسية يموت الجمال والحب والموسيقى والشعر والخيال والأمل.
وأحيانا يسخر منى بعض الأهل والأصدقاء قائلين: “بطل شغل الرومانسية بتاعك ده”، ووضعوا “شغل الرومانسية” على قدم وساق مع “شغل الجلا جلا ، وشغل حلق حوش، وشغل الثلاث ورقات”، وأنا لن أبطل “شغل الرومانسية بتاعى” ما دمت أستمتع بمنظر غروب الشمس خلف النهر، وما دمت أستمتع بمنظر طفل يضحك فأنا رومانسى، ومازلت أستمتع بالمشى حافى القدمين على شاطئ البحر، وما زلت أسمتع بالنظر (والنظر فقط) إلى أمرأة جميلة أشعر بالحب والرومانسية وأقول لنفسى مبارك هذا الجمال (ده غير مبارك بتاعنا).
أقرأ شعرا لأمل دنقل فى مقدمة ديوانه “البكاء بين زرقاء اليمامة” يقول:
آه.. ما أقسى الجدار
عندما ينهض فى وجه الشروق
ربما ننفق كل العمر.. كى ننقب ثغرة
ليمر النور للأجيال.. مرة
… …
ربما لو لم يكن هذا الجدار
ما عرفنا قيمة الضوء الطليق
…
أعرف أن الحقيقة والنور هما جزء لا يتجزأ من الرومانسية، وأحيانا أقول لنفسى إنتهى عهد الشعر. ولكنى أعود وأقرأ مرة أخرى لأمل دنقل يقول فى قصيدة عنوانها “المطر”فى ديوانه “مقتل القمر” :
وينزل المطر
ويغسل الشجر
ويثقل الغصون الخضراء بالثمر
…..
ينكشف النسيان
عن قصص الحنان
عن ذكريات حب
ضيعه الزمان
لم تبق منه إلا النقوش فى الأغصان
قلب ينام فيه سهم
وكلمتان
تغيب فى عناق
جنبى… فراشتان
وأنت يا حبيب
طير على سفر
…
أستمتع بالشعر وأقول الدنيا بخير والرومانسية بخيرعندما أشاهد فيلما رومسانيا جميلا مثل فيلم
Finding Neverland
Starring
Johmmy Depp & Kate Winslet
وأستمتع بالتمثيل الرائع والقصة الجميلة وأبكى فى منظر النهاية الرومانسى الجميل،وأقول لنفسى الدنيا لسه بخير يارجالة، مادمت أبكى فى الأفلام الرومانسية.
ما دام قلبى لم يتحجر لمنظر القتل والتفجير والإغتيالات اليومية، فالدنيا لسه بخير، ما دمت أرى ضوءا فى نهاية النفق المظلم من حولنا فالدنيا لسه بخير، ما دمت لا أسمح بتلويث المخ والروح اليومى من أساطين الشر والقتل والذين يرتدون مسوح القديسين والرهبان والملالى وتخفى إبتسامتهم السمحة والمصطنعة قلوبا قدت من أحجار جرانيت، ويقودون أمامهم قطيعا من الخراف الحية والميتة، الأحياء منهم ينتحرون ويقتلون ويرقص عرابو القتل على جماجم الضحايا يبيعون الوهم ومفاتيح الجنة وصكوك الغفران و”شربة الحاج محمود التى تقضى على الدود” و”الحبة السوداء التى تقضى على كل الأمراض”، وتنتفخ كروش وتجوع أمامها ملايين الأمعاء وتنحر سعيدة بإنتحارها وتعلق الصور على الجدران وتطلق النساء زغرودة أشبه بالبكاء والعويل على شاب إبن سبعة عشر ربيعا ذهب ليقابل الحور العين بعد أن قتل دستة من الأبرياء، ويشترى الأبرياء هذا الدجل ويحفرون قبورهم بأيديهم ويتفرج العالم متسائلا إلى متى؟
أهناك مكان للرومانسية فى عصر السرعة والإنترنت والفيديو والموبايل والفضائيات والأكلات السريعة والبيتسا والسوبر ماركت والإستهلاك الجنونى والبورنو فى كل مكان، مادمنا نحب فأن أؤمن بـأنه لا يزال هناك مكان للرومانسية رغم كل شئ.
وأحيانا أشعر بوحدة شديدة مع رومانسيتى، ولكن من حين لآخر أقابل صديقا متفائلا أو أشاهد صورة قديمة لحبيبة أو أزور مكانا كان جميلا ولا يزال جميلا، ومجرد نسمة هواء فى ليلة صيف حار تبعث فى نفسى شعور النشوة والرومانسية، وأرفض بكل إباء وشمم أن أقبل التعازى فى الرومانمسية والشعر، ومهما حدث من خفافيش الظلام ومن مصاصى الدماء أحفاد دراكولا، فلن أبطل “شغل الرومانسية بتاعى”!!
samybehiri@aol.com
* كاتب مصري- الولايات المتحدة
إيلاف
هل إنتهى عصر الرومانسية؟الصديق الأستاذ سامي: مع الأسف لقد إنهار عصر الرومانسية( لاحظ كلمة إنهار، عنيفة شوية!!)، مع ذلك أحيي صمودك ( الرومانسي) على خطوط غروب الشمس!) الرومانسية إنتهت والشعر والأدب الرفيع، وإيماءات الجسد، ونظرات الشهوة. من وراء الشبابيك وإختلاس القبلات، ولم يعد يخفق القلب لإبنة الجيران أو لثوبها المنشور على حبل الغسيل.. ) نحن في عصر آخر يا صديقي يريك أكثر من ثوبها بكثير أو لا يريك شيئا، نحن يا صديقي أمام عصر جديد، الرأسمالية تطحننا أيضا والإغتراب النفسي واللغوي ومدن الملح وذاكرة الطغيان .. لغتنا العربية أصبحت قرعاء، تساقط شعرها وشعراؤها( مات محفوظ والماغوط والقباني، ودرويش وونوس وو)… قراءة المزيد ..