بتحول جلسة مجلس الأمن الدولي الطارئة التي عقدت مساء الجمعة من جلسة لإدانة السلوك الحكومي الإيراني ضد المحتجين، إلى هجوم على الدعوة الأمريكية لعقد مثل هذه الجلسة باعتبار أن الاحتجاجات في المدن الإيرانية لا تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، فإننا نتساءل: هل نتائج الجلسة كانت إخفاقا لسياسة الولايات المتحدة الخارجية؟ ففرنسا وروسيا والصين ودول أخرى في مجلس الأمن اعتبرت أنه لا مبرر لطرح موضوع الاحتجاجات على مجلس الأمن على اعتبار أنه شأن داخلي، مشددين على ضرورة أن لا يأتي التغيير في إيران من الخارج.
لكن، وحسب العديد من المراقبين، فإن واشنطن، رغم النقد الذي وجه إليها مساء الجمعة، استطاعت أن تطرح موضوع الاحتجاجات على الطاولة السياسية الدولية الأبرز، مجلس الأمن، أي أنها نجحت في عقد الجلسة، وفي مناقشة الموضوع الإيراني، رغم معارضة بعض الأطراف الدولية القوية، مثل روسيا، لذلك. وهذا وفق بعض المحللين، رغم أنه إنجاز يحسب لصالح المحتجين الإيرانيين، فهو يصب أيضا في صالح سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الساعية إلى الضغط على طهران بإثارة ملفات إيرانية لتغيير سلوكها.
فترامب كان قد وعد الأربعاء الايرانيين الذين “يحاولون استعادة زمام الحكم الفاسد” بتوفير الدعم لهم “عندما يحين الوقت”، وبعدها بيوم فرضت واشنطن عقوبات جديدة على خمس شركات ايرانية بعد اتهامها بالمشاركة في برنامج صناعة الصواريخ البالستية الايرانية، ثم ساهم الضغط الأمريكي في أن يصدر خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بيانا الجمعة دعوا فيه السلطات الإيرانية إلى احترام حقوق المحتجين، وأعربوا عن قلقهم الشديد من القيود التي تفرضها إيران على وسائل التواصل الاجتماعي.
يقول ما يكل سينغ – وهو مدير إداري في معهد واشنطن – في مقال بـ”الواشنطن بوست” إن “الكثيرين بمن فيهم العديد من الإيرانيين ينصحون واشنطن بعدم التدخل في الاحتجاجات (الحالية) خوفاً من تشويهها من خلال ربطها بقوى خارجية”. غير أن سينغ يؤكد بأن طهران “ستسعى إلى وصف المتظاهرين بالعملاء الخارجيين بغض النظر عن الواقع”. لهذا يشير إلى أن “الطريقة الأمثل لمواجهة هذا التصرف لا تكمن بعدم التدخل (في الاحتجاجات) والبقاء على الحياد، بل بضمان أن تكون تصريحات الدعم الأمريكية متعددة الأطراف إلى حدّ كبير ومدعومة بخطوات عملية على نحو أكبر”. لذلك، كانت الضغوط الأمريكية على إيران حاضرة ومتنوعة في اتجاهات عدة ومتوزعة على ملفات متباينة، منها ما يتعلق بالاحتجاجات، ومنها ما يخص النظام الصاروخي الباليستي، وكذلك منها ما يتعلق بتدخل إيران في بؤر النزاع في المنطقة.
فأبرز الشعارات التي رفعها المحتجون الإيرانيون في تظاهراتهم الحالية، ارتبط بصرف طهران لأموالها في تلك البؤر بدلا من صرفها في التنمية الداخلية. وكان هذا الشعار محل اهتمام واشنطن، وجاء في كلمة السفيرة الأمريكية نيكي هيلي في جلسة مجلس الأمن الطارئة مساء الجمعة، حيث قالت إن الحكومة الإيرانية تقدم الأموال “للنظام السوري المستبد” والمليشيات في العراق واليمن على حساب الإنفاق الداخلي لصالح الشعب.
أي أن الضغط الأمريكي في ملف الاحتجاجات يهدف في المحصلة الى تغيير السلوك الإيراني. ويقول السياسي الأمريكي المخضرم دينيس روس في هذا الصدد في “الفورين بوليسي”: “إن الرأي العام الإيراني يعبّر بوضوح بأنه ضاق ذرعاً من التكاليف التي تتكبّدها البلاد من توسّعها في المنطقة. ومن شأن تسليط الضوء على هذه التكاليف أن يزيد من استياء الشعب. وكلما رأى النظام الإيراني أن مغامراته الخارجية قد تهزّ ركائزه في الداخل، كلما أصبحت تصرفاته أكثر اعتدالاً على الأرجح”.