النوروز أول ايام الربيع ومرتبط باسطورة “كاوا” الحداد الذي قاد ثورة ضد الملك الظالم واشعل النار على ابراج قصره ابتهاجا بالنصر. لذلك تعتبر النار رمزا لذلك اليوم. يطل النوروز أي اليوم الجديد للكرد هذا العام بوعود كثيرة تؤسس لهذا اليوم الذي ناضل لأجله الكرد منذ نهايات القرن التاسع عشر الى يومنا هذا. جولة سريعة على أجزاء كردستان الأربعة نلخص الواقع الكردستاني بما يلي:
• أكراد العراق:
أصبح لدى الأكراد، كل الأكراد، قناعة بأن الحفاظ على مكتسبات أكراد العراق هو من مسئولية جميع الأكراد، لأنها القاعدة الخلفية المساندة لحركة التحرر الوطني الكردستاني. وانتبه الكرد الى انه واجب عليهم أن يتفادوا أخطاء الماضي، و يتعلموا الدرس منها ويوجهوا سعيهم الى وحدة أهدافهم على الصعيدين القومي والسياسي في مستوى الدول الأربعة التي تتقاسم كردستان ولا يعلقوا طموحاتهم وأهدافهم على وعود القوى الأجنبية التي ترى مصالحها في تسخيرهم. كم من قوة استعانوا بها وسرعان ما انقلبت عليهم.
أهم منجزات الكرد على مستوى العراق كانت كالتالي:
• اصدار دستور عراقي يتضمن الحد الأدنى من الضمانات للأكراد كمكون رئيسي من مكونات العراق الفيدرالي.
• تبوؤ كردي (الرئيس جلال الطالباني) لسدة رئاسة الجمهورية العراقية.
• ابقاء قوات البيشمركه كقوة نظامية تابعة لاقليم كردستان.
• تثبيت فيدرالية كردستان التي يمكن أن تكون نموذجا لحل مشكلة الأكراد في بقية الدول التي تتقاسم كردستان.
• اصدار دستور خاص باقليم كردستان وانتخاب رئيس وبرلمان وتشكيل حكومة تابعة للاقليم.
• نشاط عمراني و اقتصادي و هدوء أمني ملفت في الاقليم.
• يمر العيد هذا العام متميزا على أكراد العراق والعيون كلها شاخصة اليهم كبيضة قبان تقرر مصير تشكيل الحكومة المركزية في بغداد، وفي ظل حكم المحكمة الجنائية العراقية العليا على علي حسن المجيد الملقب بالكيماوي، وهو لقب استمده من فاجعة مجزرة حلبجة، بالاعدام حيث ولت تلك الأيام التي كان يتم ابادة الأكراد دون رقيب أو حسيب.
عرف الشعب الكردي قيمة الديمقراطية وأهميتها للحفاظ على مكاسبه فتمرد على الواقع المتردي في كردستان وأعلن رفضه للفساد، وغياب الشفافية، والفجوة الكبيرة فيما بين الشعب والمؤسسات الحكومية. فأعطى أمثولة بالتغيير على مستوى العراق فصوت بقوة لقائمة التغيير المعارضة فأعطاها 25 % من برلمان الاقليم، فشكل بذلك بداية مهمة على طريق طويل لتحقيق التغيير باتجاه إقامة مجتمع مدني ديمقراطي تسوده الحريات الديمقراطية والحياة الدستورية واحترام وممارسة حقوق الإنسان وحقوق المرأة كاملة ومكافحة الفساد المالي والإداري ورفض الحزبية الضيقة في التعيين في أجهزة الإقليم, مجتمع يتم فيه الفصل الفعلي بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ليشكل نموذجا على مستوى العراق والمنطقة العربية.
• أكراد تركيا:
في فبراير شباط سنة 1999، أنهى القبض على زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان حربا أهلية بدأت في المناطق الكردية منذ سنة 1984. نتج عن تلك الحرب المدمرة 37 ألف ضحية وهجرة ثلاثة ملايين نسمة من ديارهم فضلا عن تخريب آلاف القرى والمزارع. بضغط من المطالب الأوروبية على تركيا عادت عجلة السياسة لتحرك المسألة الكردية. حرص 264 سياسيا ومثقفا كرديا على توجيه نداء لحزب العمال الكردستاني طالبوه فيه اعلان التزامه بهدنة وإفساح المجال للحل السياسي، حل ينتظره ما يناهز الخمسة عشر مليون كردي يمثلون 10% من الثمانين مليون تركي كي يتحول من وعود وردية إلى واقع ملموس ينالون فيه حقوقهم الأساسية، هدف يحتاج لأكثر من السماح بامتلاك فضائية كردية من بلاد الأتراك كي تقتنع أوروبا بأن الوقت حان كي تُفتح الأبواب لتركيا لتنضم إلى الاتحاد الأوروبي, الا أن هذا لا يعني أن السيد أردوغان رئيس الوزراء الحالي لم يقم بمبادرات اتجاه حل الحد الأدنى للمطالب الكردية. فأعلن أثناء زيارته التاريخية لديار بكر ” لكل دولة أخطاؤها والدولة القوية هي تلك التي تواجه أخطاءها من أجل ثقة بمستقبل أفضل. وأقول لمن يسألني عن المشكلة الكردية إنها مشكلتي أنا وأنا كفيل بحلها.”
وقد ورد في أخر تقرير من المؤسسة التركية للدراسات الاقتصادية والاجتماعية “بعنوان خارطة الطريق لحل القضية الكردية”: التوصيات للحكومة من الإقليم (تحديدا القضية الكردية هي قضية لها أبعاد عرقية، ثقافية، قانونية، سياسية، وأخيرا نفسية) وهذا التعريف تم تصميمه بطريقة صحيحة ولكن ينبغي علينا أن نميز بين العلة والمعلول، بين السبب والنتيجة, فالقضية الكردية هي أولا قضية عرقية تتعلق بها قضية لغوية وهناك قضايا قانونية وسياسية ونفسية تغذي هذه القضية اللغوية والدولة القومية التي تعتمدها الجمهورية التركية استمدت أصولها من تحديد ضيق وسطحي للقومية. فنبذت بشكل آلي كل الاختلافات والتنوعات خارج هذا التعريف. وكانت اللغة الكردية تحتل المرتبة الأولى من قائمة الاختلافات والمحور الأساسي الذي تتغذى عليه القضية الكردية هو تحريم اللغة الكردية. وكانت قائمة التحريم تشمل: الأسماء الكردية، أسماء الأشخاص والمناطق الجغرافية، التعليم باللغة الكردية، معاهد ومؤسسات كردية، الاتصالات باللغة الكردية بين المسؤولين والمواطنين. وعندما يتم تحريم حق طبيعي يحاول أصحاب الحق أن يستردوا ما حرموا منه وإظهار ردود أفعالهم تجاه من يطبق التحريم. وهكذا يقود تحريم اللغة إلى قضية سياسية. فهناك دائما قضية لغوية يمكن ملاحظتها كعامل واضح يقف خلف سلسلة من المشاكل بما فيها مشكلة العنف. وباختصار القضية الكردية هي في النهاية قضية لغوية والمشكلة بدأت بسبب فرض الحكومة تحريما على استخدام اللغة الكردية والتمييز القومي الذي تمارسها. فالمشكلة ليست مشكلة الكرد أو الترك بقدر ما هي مشكلة الدولة والحظر الذي فرضته، ولا يمكن حلها إلا بعد رفع هذا الحظر.
وتقرير المؤسسة التركية للدراسات الاقتصادية والاجتماعية يطرح الحلول الممكنة التالية:
• تعديل قانوني يعتبر اللغة الكردية اللغة الثانية في كافة المدارس.
• رفع الحظر عن المنظمات وعن حرية التعبير.
• إعادة الأسماء الأصلية الكردية للمناطق الجغرافية.
• السماح بأداء الشعائر الدينية باللغة الكردية.
• منظمات الرعاية الصحية ينبغي أن توظف من يتكلم اللغة الكردية.
• المؤسسات التعليمية ينبغي أن توظف من يتحدث الكردية.
• مسارح الدولة ينبغي أن تقدم عروضا مسرحية باللغة الكردية.
• ينبغي السماح للجامعات بإنشاء معاهد تختص بالدراسات الكردية والأدب الكردي.
إن هذه النقاط الواردة في تقرير المؤسسة المذكورة لها أهمية حيوية لأنها تشتمل على مطالب واقعية وفعلية للكرد الذين يعيشون في المنطقة الكردية. لذا فإن قناة “شيش” خطوة متقدمة من قبل الدولة لتحقيق تلك المطالب وينبغي اعتبار هذه القناة كقوة رئيسية من شأنها أن تجلب حلا مباشرا للأوجه المتعددة لقضية اللغة الكردية. إن هذه القناة هي على نحو ما تعبير عن احترام الحكومة التركية لمواطنيها الذين لغتهم الأصلية هي اللغة الكردية وهذا الاحترام يزيح الأغلبية ذات العقلية الضيقة التي تضع الحظر على اللغة الكردية من خلال لجوئها إلى تفسيرات ضيقة للقانون ولهذا السبب بالذات تعتبر هذه القناة حالة متقدمة لحل القضية الكردية.
من يعرف تاريخ تعامل تركيا مع القضية الكردية يعلم تماما أن ما سبق هو انجاز قد لا يكون بمستوى طموحات الأكراد في تركيا الذين ينظرون الى تجربة اخوانهم في العراق ويتطلعون لحل فيدرالي مشابه. الا أن هذه التنازلات تشكل مدخلا للولوج في خريطة طريق تنهي الحرب الدموية و تؤسس للفيدرالية الكردية التركية.
تركيا أردغان جادة بهذا الملف فهي تحلم بأن تنطق باسم ملايين الكرد في تركيا والعمق الإستراتيجي الكردي في دول الجوار العراق و سوريا و ايران. وذلك في إطار طموح أوسع في الشرق الأوسط، تظهر أولى مؤشراته في فحوى الزيارة الاستثنائية التي قام بها وزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو إلى إقليم كردستان العراق، وتوقيع عدد من اتفاقيات التعاون التجاري والاقتصادي مع حكومة الإقليم، متجاوزة بذلك الخط الأحمر التركي الرسمي، الذي كان يعتبر الاعتراف بحكومة إقليم كردستان والتعامل معها على الصعيد الرسمي من المحرمات. وهذا بالتأكيد سعي مشروع لدولة تريد تحقيق أقصى طموحاتها السياسية والاقتصادية.
أكراد ايران:
سارعت طهران بعيد انتصار الثورة الأسلامية فيها الى الحد من طموحات اكرادها من خلال منعهم علنا من المشاركة في كتابة الدستور الجديد الذي كتب بعيد الثورة الإسلامية فيها. واتخذت موقفا سلبيا عبر رفض مشاركة أبرز قيادييهم الدكتور “عبد الرحمن قاسملو” باعطاء رأيه يالدستور وحدت من نشاطاته وفعالياته السياسية من دون أن تحاول استقطاب الكرد. بل واجهتهم سياسيا عبر حظر النشاط السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب اليساري (“كومه له”). على الرغم من تدويل الأكراد الأيرانيين لقضيتهم، لم يتغير الموقف الحكومي الرسمي منهم. عند نهاية الحرب العراقية الإيرانية، ذهب أكراد إيران الى طاولة المفاوضات مع الحكومة الايرانية ممثلين بالحزب الديمقراطي الكردستاني على أمل بلورة حل سلمي للقضية الكردية في ايران. الا أنه تبين لاحقا أن المفاوضاة كانت فخا لاستدراج الدكتور “عبد الرحمن قاسملو” لاغتياله. وهذا ما تم في الجلسة الأولى من المفاوضات عام 1989، ومن ثم اغتيل لاحقا خلفه الدكتور “صادق شرف كندي”. وبذلك فرضت ايران خاتمة تراجيدية للمفاوضات السلمية، وحكمت على أكرادها بالتجاهل. ولم يتغير هذا الواقع الا في أيام الرئيس خاتمي، فسمح ولأول مرة بتنصيب محافظ كردي لمحافظة كردستان وسمح بتشكيل أحزاب كردية كحزب الإصلاح الكردي ومنظمة الدفاع عن حقوق الكرد ولكنها كانت تحت الرقابة الشديدة من الأجهزة الأمنية الإيرانية.
على إثر ظهور البوادر الأولى لصراع غربي (أوربي ـ أمريكي) مع السلطة الحاكمة في طهران وتعالى الصراخ صباح مساء حول اليورانيوم الايراني ودخول ايران الى نادي الدول النووية، تبدو الأوساط الكردية في إيران قلقة. وعلى الأرجح أن أكراد إيران سيخرجون عن صمتهم، الذي دام في دورته الأخيرة أكثر من عقدين من الزمن. وعلى الأرجح، لن يستمر الصمت العالمي الذي تغاضى عن دماء القادة الأكراد الايرانيين حيث صمت إعلامه ومؤسساته الحقوقية والإنسانية إزاء ضياع حقوق عشرة ملايين كردي، وترحيبهم بنجاد في الدورة الأولى لانتخابه رغم تأكدهم أن الرئيس المنتخب أحمدي نجاد ليس ببعيد عن تلك التجاوزات التي جرت بحق الاقليات الايرانية. فهو ووزير الاستخبارات السابق وعضو مجلس خبراء القيادة الحالي الملا علي فلاحيان، قد ثبت تورطهم من خلال التحقيقات التي تم الكشف عن جانب منها قبل عدة أعوام في عملية اغتيال رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني الدكتور عبد الرحمن قاسملو الذي تم اغتياله علي أيدي المخابرات الإيرانية في فيينا في 13 تموز عام 1989م. فحسب ما كشف عنه عضو البرلمان النمساوي السيد ‘بيتر بلتز’ الذي استند في معلوماته على جانب من التحقيقات التي أجرتها المخابرات النمساوية آنذاك مع عدد مع المتورطين في عملية اغتيال الدكتور قاسملو واثنين من مساعديه، وهم عبد الله قادري ممثل الحزب في أوروبا والأستاذ الجامعي فاضل رسول عضو الاتحاد الوطني الكردستاني العراقي، أن هذه الجريمة تمت بأمر من القيادة العليا في النظام الإيراني، وكانت تدار بإشراف مباشر من هاشمي رفسنجاني رئيس البرلمان آنذاك ومحسن رضائي قائد الحرس الثوري وعلي فلاحيان وزير الاستخبارات. وقد تولى الرئيس الإيراني المنتخب أحمدي نجاد مسئولية عملية الاستطلاع ونقل الفريق المنفذ للجريمة إلى النمسا تحت غطاء دبلوماسي، وخرج منها دون أن تتمكن السلطات النمساوية من اعتقاله. وقد أكدت ذلك أيضا التحقيقات التي أجريت في عملية اغتيال السيد صادق شرفكندي – الذي خلف قاسملو في قيادة حزب الديمقراطي الكردستاني – في مطعم “ميكونوس” في برلين في سبتمبر عام 1992م، حيث ثبت تورط أحمدي نجاد في تقديم الدعم اللوجيستي لمنفذي اغتيال القادة الأكراد. يذكر أن محكمة برلين حملت قادة النظام الإيراني – وعلى رأسهم خامنئي – المسئولية عن تلك الجريمة. وهي المرة الأولى التي تؤكد فيها محكمة أوروبية وبالوثائق الرسمية دور القيادة الإيرانية في العمليات الإرهابية المنظمة.
أكراد سوريا:
يأتي العيد هذه السنة على وقع ترددات انتفاضة القامشلي في 12 آذار 2004 التي أسست لمرحلة جديدة في تاريخ اكراد سوريا، حيث انكسر حاجز الخوف وعاشت المناطق الكردية “بروفه” لما يمكن أن يشكل فيدرالية كردية سورية. كما يأتي العيد في ظل اتفاق الحركة الوطنية الكردية مع المعارضة السورية المؤمنة بالتغيير، على وثيقة تفاهمات تضمن الديمقراطية لسوريا والحقوق القومية للشعب الكردي، وممارسة بقية مكونات الشعب السوري لحقوقهم كاملة. هذه الظروف أسست لنقل القضية الكردية في سوريا إلى مرحلة جديدة، حيث لم يعد بالإمكان إنكار حقيقة الوجود القومي الكردي وتجاهل حركته الوطنية الديمقراطية، التي اختارت النضال السياسي السلمي الديمقراطي للوصول الى حل عادل وديمقراطي للقضية الكردية في سوريا و تحرر المواطن الكردي السوري من شعوره بالاضطهاد والاغتراب في وطنه.
القضية الكردية إضافة الى كونها نزاعا داخليا في كل من تركيا وايران والعراق و سوريا، هي أيضا مصدر للخلاف ولتحريك الصراع بين تلك الدول. كما أنها بالقدر نفسه مصدر إتفاق ومساومة وصفقات بين الحكومات التي يجمعها قاسم مشترك اعظم هو التنكر للحقوق القومية للشعب الكردي. لهذا كله ظلت بؤرة ساخنة وعامل قلق دائم.
إن قيام أوضاع سلمية وطبيعية جراء الانتخابات الحرة لإختيار ممثلي الشعب في البرلمان العراقي، سيطرح على بساط البحث مسألة الضمانات للفيدرالية الكردستانية العراقية بما يشكل نموذجا يتبع لتوفير قناعات مشتركة وعامة لتامين معالجة سليمة للقضية الكردية ومسألة الفيدرالية في الدول الثلاثة الأخرى في ظل ضمانات قانونية ومشروعة لتطور العلاقات العربية – التركية- الايرانية الكردية، في اطار دستوري يؤسس لشرق أوسط جديد يبدأ الوئام فيه من شمال العراق و يؤسس لحل مشكلة الأقليات في المنطقة.
mammassoud@yahoo.com
• كاتب لبناني