إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
انتهت مشاورات ومسايرات رئيس الحكومة اللبنانية المكلف نواف سلام الى خلاصة، كانت مرتقبة، مفادها، “روح شِّكلها انت والمبيَّض”، في إشارة الى ما ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري للرئيس المكلف، في قصر بعبدا، بعد ان فشل سلام في إقناع بري بالتخلي عن الوزير الشيعي الخامس، لصالح تسمية خبيرة التنمية “عليا مبيض”، التي سمّاها سلام وأصرّ على توزيرها في حكومة العهد الاولى.
وعلى الاثر كثرت التكهنات في شأن الموقف–المأزق الذي وضع سلام نفسه فيه، بعد انقضاء قرابة الشهر على تكليفه تشكيل الحكومة.
ولكن، ما هي الخيارات التي سيواجهها سلام بعد موقف بري المتمسك بتسمية الوزراء الشيعة الخمسة “شاء من شاء وأبى من أبى”؟
بدايةً، هل كان سلام على اتفاق مع الرئيس بري قبل ان يتم استدعاء الاخير الى قصر بعبدا للاعلان عن التشكيلة الحكومية؟ ام أن الرئيس عون أخذ على عاتقه إقناع بري بالتخلي عن تسمية الوزير الخامس فاستدعاه مع سلام في مسعى رئاسي للخروج بالتشكيلة الحكومية الى العلن؟
الاحتمال الاول يبدو غير واقعي، إذ أن إصرار بِري على تسمية الوزير الخامس لا يشي بأنه كان على اتفاق مع سلام قبل الصعود الى بعبدا.
يبقى الاحتمال الثاني، ونتيجته ان “مَونة” الرئيس عون على بري ليست في محلها. فمصلحة “الثنائي” تَعلو ولا يُعلى عليها، ولو كان الطلب صادرا عن رئيس الجمهورية.
يبقى ان سلام يواجه الاحتمالات التالية:
– الرضوخ لمطلب بري، ومن خلفه “الثنائي”، وقبول تسمية الوزير الشيعي الخامس، ما يعرض حكومة العهد الاولى للتعطيل، الذي امتهَنَهُ واحترفهُ “الثنائي” منذ العام 2005. وهذا التعطيل لا يحتاج الى الثلث المعطل، إذ يكفي ان ينسحب الوزراء الشيعة من الحكومة عند اول مفترق، ليعلن “الثنائي” ان الحكومة فقدت “شرعيتها” و”ميثاقيتها”، بانسحابهم منها. عِلما ان الدستور اللبناني لا ينص على بند فقدان الميثاقية بانسحاب وزراء طائفة من الحكومة، إلا أن هذا العرف مارسه الثنائي خلال عهد الرئيس فؤاد السنيورة بعد حرب العام 2006، ويسعى لتكراره اليوم مع نواف سلام.
اما التعطيل الثاني فيأتي بحصول ما كان يعرف بـ“محور الممانعة” على 9 وزراء بانضمام وزراء المردة والطاشناق والتيار العوني الى حلفهم القديم، فيستقيلون من الحكومة، ما يتسبب بسقوطها. وهذا الامر، ايضا، مارسه “الثنائي” مع التيار العوني والحلفاء، حين أسقطوا حكومة الرئيس سعد الحريري، فور دخوله البيت الابيض للقاء الرئيس الاميركي أوباما.
وصَرَّحَ جبران باسيل يومها، مخاطبا رئيس الحكومة الحريري: “ستدخلُ رئيسا للحكومة، وتخرج رئيسا سابقا لحكومة مستقيلة”!
– إذا كان الرضوخ لمطلب بري و”الثنائي” امرا مستحيلا، خصوصا ان لا ضمانات تُرتجى من “الثنائي”، ومن نبيه بري، الذي وصف حكومة الرئيس السنيورة اثناء مفاوضات وقف اطلاق النار عام 2006، بـ”حكومة المقاومة الوطنية“، لينقلب عليها قبل صياح الديك، وينجرّ الى شتائم حزب الله للرئيس السنيورة واتهامه بالعمالة قبل ان يجف حبر التوقيع على اتفاق وقف اطلاق النار.
يبقى، ان على الرئيس المكلف العودة الى المربع الاول، اي الى اليوم الأول لتكليفه، والتخلي عن كل الاسماء التي استمزج خاطر النواب والكتل النيابية بشأنها، والخروج بتشكيلة حكومية على شاكلته وشاكلة العهد ومثاله، من دون مراعاة لاي فريق او طرف، فقط بالاتفاق مع رئيس الجمهورية، الذي يوقع مراسيم التشكيلة الحكومية، وتُعلِن الحكومة الوليدة عن برنامج عملها وخطتها للنهوض على كل المستويات وفق برنامج عمل وخطة اولويات، وتمثل امام المجلس النيابي لنيل الثقة، وليتحمل عندها النواب مسؤوليتهم امام الناخبين والوطن.
– الاعتذار عن الاستمرار في عملية التشكيل، ضَنّاً بالوقت والمصلحة الوطنية إذا كان الرئيس المكلف استشعر انه وصل الى حائط مسدود. وهذا ما فعله الرئيس سعد الحريري، حين رفض الرئيس ميشال عون تشكيلة حكومية من وزراء تكنوقراط كانوا سيعملون على خطة نهوض في اعقاب ما سمي “ثورة 17 تشرين، فاعتذر عن الاستمرار في مهامه، وكذلك من بعده “مصطفى اديب”.
الرئيس المكلف، وبرفضه التخلي عن تسمية الوزير الشيعي الخامس، رفع سقف التحدي مع الثنائي، بما لا يمكنه من العودة الى الوراء، والتراجع عن التسمية.
وهو ايضا وضع سقفا لاي رئيس حكومة سيأتي من بعده، سواء اعتذر عن التشكيل ام استمر به. فلا رئيس حكومة سيجرؤ على الانصياع الكامل لرغبات “الثنائي” بعد اليوم، فلا احتكار لتسمية، ولا تذرُّع بأعراف تم فرضها بـ”فائض قوة السلاح” وتواطوء الحلفاء!
ولعل هذا ايضا من الاسباب التي أخرجت الرئيس بري عن طوره، فهو لا يريد ان يسجل سابقة إشراك رئيس الحكومة المكلف في تسمية حصة “الشيعة” (كما يراهم هو) في الوزراة، ولا يريد ان يتحمل مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة، فخرج من قصر بعبدا من الباب الخلفي وابقى الباب مفتوحا للاتصالات والمساعي حتى اشعار آخر.
على سلام الا يعتذر وليس مهما أن يقلع العهد اذا كان تقليعه يقوم على استمرار تشبيح الثنائي وهنا لا مساعدات وانشاء الله عمره ما يصير اعمار.