من بين النتائج غير المقصودة للربيع العربي ظهور “حزب العمال الكردستاني” مرة أخرى كطرف فاعل في العلاقات بين إيران وسوريا وتركيا.
ورغم أن تركيا ليست دولة عربية، إلا أن الربيع العربي يشكل الشؤون التركية من جوانب هامة. فلقد أنهت التغيرات السياسية في الدول المجاورة حالة التوازن بين سوريا وتركيا وإيران بشأن “حزب العمال الكردستاني”، وهي الجماعة التي شنت حملة عنيفة ضد تركيا على مدار عقود. وقد كان معنى ذلك إنهاء اتفاق أضنة للسلام الذي حقق توازناً إقليمياً كان من سماته تعهد سوريا وإيران بعدم دعم “حزب العمال الكردستاني”.
ففي عام 1998 وقعت دمشق على بروتوكول مع أنقرة في مدينة أضنة التركية الجنوبية تعهدت فيه بالتوقف عن دعم “حزب العمال الكردستاني”. وانضمت إيران إلى ذلك الإجماع في عام 2003. والآن عاد الدعم السوري والإيراني ل”حزب العمال الكردستاني” إلى بؤرة الأحداث مع تفكك سوريا وتسبب المنافسة بين تركيا وإيران في تقويض ركائز الوضع السابق.
لقد شهدت تركيا ذلك المسار من قبل. ففي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي دعمت إيران “حزب العمال الكردستاني” من أجل تقويض النظام السياسي الديمقراطي العلماني لتركيا – النقيض الإقليمي للنمط السلطوي للجمهورية الإسلامية القائم على الحكومة الدينية. وقد رأت سوريا هي الأخرى فائدة في “حزب العمال الكردستاني”. وبالنسبة لحافظ الأسد، كان “حزب العمال الكردستاني” أداة سهلة للمساعدة في تسوية الحسابات القديمة بشأن إقليم هاتاي – وبشكل أكثر مباشرة – تقييد يد تركيا حول الاختلافات بشأن مشاركة المياه من نهر دجلة والفرات.
وبحلول أواخر التسعينيات من القرن الماضي، نفد صبر أنقرة تجاه سوريا. ودقت تركيا طبول الحرب من خلال إجراء تمرينات مع الناتو في المنطقة وكذا القيام بعمليات تعبئة مستقلة على الحدود مع سوريا. وفي سبيل مواجهة تهديدات أنقرة، وقّعت سوريا بروتوكول أضنة في أكتوبر/تشرين الأول 1998، وأغلقت قواعد “حزب العمال الكردستاني” على أراضيها، وسجنت مئات من مقاتلي الحزب فضلاً عن نفي زعيم الحزب عبد الله أوجلان من سوريا، مما أدى إلى اعتقاله في عام 1999.
وقد التزمت دمشق بهذا الاتفاق على مدار سنوات طويلة. بل إن أحد المحللين الاستخباراتيين الأتراك أشار إلى أن أنقرة لو أرادت من سوريا تسليم أحد أعضاء “حزب العمال الكردستاني” المشتبه بهم، “كان الأسد يقوم بتسليم جميع أقاربه أيضاً وليس ذلك الشخص وحده”.
قطعت طهران علاقاتها بحزب أوجلان يوم دخول الأميركيين إلى العراق
وقد ضمن هذا الاتفاق نمطاً جديداً من علاقات الود مع سوريا – وانضمت إيران إلى الاتفاق في عام 2007 – مما أثبت أن نيل استحسان تركيا يجب أن يكون جزءً من استراتيجية إقليمية أوسع نطاقاً. وقد جاء هذا التغير رداً على الغزو الأمريكي للعراق، الذي دفع طهران إلى تقرير أنها بحاجة إلى كسب رضا جارتها تركيا لموازنة تهديد الولايات المتحدة الذي يطوق إيران. ومن ثم قطعت طهران علاقاتها بـ “حزب العمال الكردستاني” في اليوم الذي هبطت فيه القوات الأمريكية في العراق.
وقد كانت هذه التطورات إيذاناً ببدء عهد اتفاق أضنة للسلام. لكن “حزب العمال الكردستاني” لم يختف، لكن تم على الأقل منعه من أن يكون مصدر إزعاج للاستقرار في العلاقات الإقليمية.
ومع قدوم الربيع العربي، انتهى هذا العهد فجأة: فالانفجار الداخلي في سوريا وضع إيران وتركيا في وضع معادٍ على نحو لا يدع مجالاً للشك حيث تقود تركيا المعسكر المناهض للأسد فيما تلتزم إيران بدعم الحليف الإقليمي الأساسي الذي تراه متمثلاً في نظام الأسد.
وبناءً عليه، فإن لدى طهران حافز لإعادة بطاقة “حزب العمال الكردستاني” إلى الساحة بغية دفع تركيا للتعامل مع مخاوفها بجدية. وفي العام الماضي، ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية شبه الرسمية – بريس تي في – أن إيران ألقت القبض على نائب قائد “حزب العمال الكردستاني” مراد كاراييلان. إن جو الغموض الذي أحاطت به إيران الاعتقال المزعوم أعطى انطباعاً واضحاً بأن إيران تلوح لتركيا بنفوذها على “حزب العمال الكردستاني”. ومؤخراً اتهم نائب رئيس الوزراء التركي بولينت أرينك بأن “حزب العمال الكردستاني” ينقل بعضاً من قواعده من العراق إلى الحدود التركية الإيرانية. واتفق مع هذه الاتهامات سفير الولايات المتحدة إلى تركيا – فرانسيس ريكياردون – عندما ادعى أن دمشق تزود “حزب العمال الكردستاني” بالأسلحة الإيرانية.
هذا ويرى “حزب العمال الكردستاني” أن وفاة اتفاق أضنة للسلام يمثل فرصة جديدة. ومع هذا الاحتكاك الجديد في سوريا وإيران شن “حزب العمال الكردستاني” مؤخراً حملة عنف جديدة ضد تركيا.
إن الثورات قد تؤذن بحدوث تغيرات غير متوقعة. ومن بين النتائج غير المقصودة للربيع العربي انتهاء اتفاق أضنة للسلام ومعاودة ظهور “حزب العمال الكردستاني” كطرف فاعل في السياسات الإقليمية بين إيران وسوريا وتركيا.
سونر چاغاپتاي هو مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن. تايلر إيفانز هو مساعد أبحاث في البرنامج.
نُشِر أيضاً في
حريت ديلي نيوز