خاص بـ”الشفّاف”
من أهم مشكلات أو معضلات أو مآسي الأنظمة العربية التي قضت نحبها أو التي تنتظره، ولو سارعت إلى التبديل في فهمها وسلوكها وأدائها لشطبت أسماءها من قائمة الانتظار أو اجلت قضاء نحبها الى موعد قريب أو بعيد طبقاً لاختياراتها وعمق وجدية اصلاحاتها… أو مكابراتها.
من اهم مآسيها ومآسينا معها أنها لا تتعامل بجدية مع ناقد إلا إذا خافت منه على سمعتها، أي إذا كان ناقماً، شتاماً وحينئذٍ تطوقه بالمضايقات والملاحقات وحرمانه من الحقوق التي له عليها ان كان طامعا بها الى أن يأتي وحده ذليلاً معتذراً ومادحاً مؤيداً محسناً للسيئات مضخماً للحسنات، أو أتى به وسيط مدرب على اصطياد الذمم بأجرة، وآتى له بالجائزة شيكاً إن أراد المانح ان يبقى على شكه فيه وكشف امره وفضيحته وابتزازه اذا عاد الى السيئ من سيرته، أو (كاش) إن كان الرابح حذراً أو كان المانح مطمئناً الى استمراريته على الطاعة والإذعان والاستنارة بعلم الحاكم او جهله ومديح ظله العالي الذي لا يشبهه الا ظل الله على الارض واهلها! والوطن والدولة المؤمنة المعاصرة العادلة القوية بإذن الله… مع العلم ان هناك حكاماً مساكين يحلمون ان يكون لهم ظل يشبه ظل الله ولو من بعض الوجوه لانهم لا امكانية لديهم لتحقيق اكثر من ربوبية فرعية أدنى من فرعون (أنا ربكم الاعلى) تابعة لربوبية بشرية اكبر وأغنى وأقل عناية برقابة الله على ذمتها المالية وتصرفاتها المفرَّطة بالمال العام، ولا تقيم اعتباراً لرقابة الشعب وفقرائه خاصة ولا للتاريخ، الى ان تقع في البئر السحيقة من غضب الله والشعب والتاريخ بسبب مكابرتها وكبريائها التي تمنعها من رؤية الواقع واستحضار العبر والامثولات الا بعد ان تصبح امثولة وعبرة حيث لا تفيد عَبرة ولا ندم ولا اصلاح متأخر ومتردد وسطحي.. لان البصرة تكون قد خربت ويكون لا بد من هدم القصر لنجاة المصر.
وبعد… فإننا ننحي باللوم على أنفسنا، نحن أهل الاعتدال والوسطية، لأننا آثرنا آن نكون مهذبين في نقدنا أو اعتراضنا الذي نقوله مباشرة ان نرسله مخلوطاً بالشجاعة والحياء عبر قنوات صديقة الى الانظمة القديمة القديمة والجديدة القديمة. وكنا نخاف من العلنية والقسوة اللازمة والالحاح، مخافة ان نعنف بسرعة وسهولة وغباء واصرار على الكبائر والصغائر وحصر الثورة في الذين يحسنون السمع واستبعاد من يحسنون القول في النصيحة او الموعظة… اما سبب خوفنا هو ان نصنف في المذهبيين المنغلقين، علماً بان هذه الانظمة ترتاح احياناً الينا عندما تدرك شيئاً من ميلنا الى الهدوء والتهذيب، واننا لا نحمل مشروعاً نقيضاً لها وان كنا طامحين الى التغيير بروية وحكمة وشجاعة من دون ان يكون بامكاننا ان نقف في وجه او بعيداً عن موجات الغضب الأهلي التي قد تبدو وكأنها مفاجئة، ولكنها تأتي من مخزون معتق من المعاناة والعذاب والاحباط والخيبة… وقد كانت بعض الانظمة مع توابعها او حلفائها في الأحزاب التي تعشق السلطة بأي ثمن وتتنصل من ثقافة أهلها التاريخية وتشويهها بمساعدة الانظمة لتسترقهم وتحرضهم على الآخرين وعلى ذواتهم بالمحصلة، على الرغم من أنها تتشبث بمنظومات فكرية وعقدية نقيضة للعلن من عقائديات لدى حلفائها من الانظمة (التقدمية القومية او الرجعية) التي يكون اعلانها القومي تمويهاً لطائفتيها او عنصريتها المحلاة بعواطف غشاشة مع طائفة هنا او هناك. هذه الانظمة الاخيرة، التقدمية عرفاً لا تعريفاً، مع حلفائها في المجتمع الحزبي اللاوطني واللامدني، كانت وهي ناوية ان تبقى على قمعنا إن بقيت واشعارنا بالخيانة وترويج خيانتنا للقضايا الكبرى (فلسطين) لاننا نعترض عليها وعلى تعطيلها للحرية المشروطة بالتنمية والتنمية المشروطة بالحرية، علناً وبأدب شديد مرة، وعلناً بأدب اشد مرة اخرى، من دون ان يكون بإمكان الادب ان يخفي او يخفف من الغضب والخوف وتوقع الكارثة. ولا حياة لمن تنادي، فنحن ضد الأمة وضد الدين وضد فلسطين وضد التقدم وضد الاصلاح، لاننا لم نقتنع بأن الاصلاح قابل للتجزئة، لان المسألة مسألة منهج والمنهج لا يصلح هنا ليفسد هناك.. والنهج الفاسد وحده هو الذي يجزئ ويفرق ويراوغ ويتوعد بدل ان يعد.
ودعنا من الانظمة التي أعلنت المعاصرة والحداثة والتقدمية أو العلمانية في بعض الحالات، واستجمعت في سلوكها وأدائها وخطاباتها كل التراث السيئ للرجعيات او ما اعتبرته وعلمت محازبيها انه رجعيات، من دون الانتباه الى ان أي حسنة من حسناتها، كحسنة قليل من الديموقراطية وقليل من التنمية وقليل من القتل وقليل من الحروب العبثة الداخلية او مع الجيران الاصدقاء او الاشقاء، ما حصل وبنسب مختلفة، من دون ان نتبرع لاحد ببراءة ذمة مفتعلة، في العهد الملكي المصري والعراقي والليبي والعهد العظمي والجابري والقدسي والقوتلي في سورية، والبورقيبي في تونس وحتى (الحميدي) في اليمن.. دعونا من هذه الانظمة لنرى كيف تتصرف او تظهر ردود افعالها تلك الانظمة التي ملنا مبكرين الى الخلاص من الشغب أو السمة اليسارية في قراءتنا ورؤيتنا لها، ورحنا الى الموضوعية من دون خيانة، فأخذنا نتفهمها وندعو الى الكف عن عبثية او مغامرة تغييرها المستحيل من خارجها، الا اذا شاء اصدقاؤها، والاقتراب منها في حدود المشاركة في تأمين الحماية من المغامرة وممارسة النقد البناء الجاد والودود، إلا اذا اضطر المعترضون وأصحاب المطالب للخصومة الشديدة المدروسة موعداً، ولغة وبداية ونهاية وغاية.
واسهمنا ولو في حدود متواضعة في تصليب ارادات معارضة لها بشدة وعنف احياناً من اجل خوض معركة الحوار والتفاهم والعودة والاندماج اذا اختارت تلك الانظمة الدمج.. وحصل ذلك وشعرنا بالعافية بالتدريج، واصبح هناك حد في وجه من يستثمرون الاعتراضات الداخلية في بلاد هذه الانظمة لمصالح خاصة وبذريعة طائفية (قومية المضمون) نظراً لاختلاف طائفة المظلومين عن طائفة الحاكم… وكان ذلك بداية حوار ساهمنا فيه جزئياً وبموضوعية بين هذه الانظمة وبين خصومها من جيران العرب الملاصقين لهم انظمة وشعوباً، والشريكة في القضايا والمصالح… وازدهر الحوار وإن تقطع وثبت للجميع ان الوعي الشعبي الحقيقي يجب ان يتجاوز قوانين العلاقة بين الانظمة وصداقاتها وخصوماتها، وكانت هناك عِبَر جزئية ولكنها كبيرة الدلالة من طرد عبد الله أوجلان من سورية تمهيداً لتسليمه، ومن طرد حكمتيار من طهران بعد الاحتلال الاميركي لافغانستان برضى ايراني سري ,لم تعد المظاهر العلنية المعبرة عن عمقه, وعادت الى الذاكرة عملية اخفاء وخطف منصور الكيخيا وزير خارجية ليبيا(من أصل سوري) الذي اختار معارضة النظام الليبي في القاهرة، وسكوت نظام مبارك وكذلك الوفاة الغامضة للدكتور منيف الرزاز القائد البعثي رئيس وزراء سوريا الأسبق (من أصل أردني) والذي أكدت عائلته أنه قتل قتلا على يد أمن رفاقه البعثيين من الصداميين بأمر من صدام لأنه أخذ يفكر بقراءة نقدية للفكر والتجربة البعثية… وكذلك سكوت انظمة عربية صديقة للسيد موسى الصدر ، على اخفائه او انهائه في ليبيا، وميل تلك الأنظمة الظاهر الى ممانعة وتغطية نظام القذافي وفعلته، اما طمعاً بالجائزة، أو تأكيداً للشراكة استكمالاً لتفريغ لبنان بعد كمال جنبلاط ثم بعد رفيق الحريري، ولا بابكر النور وعوض الله ورفاقهما الذين سلمهم القذافي للنميري ولا ابو نضال (صبري البنا) الذي قتل (انتحاراً) بسبع رصاصات في انحاء بدنه كافة في بغداد، ولا عمر المحيشي شريك القذافي في الثورة الذي سلمه المغرب وارسله بالطائرة الى طرابلس ليبدأ القذافي باعدامه بيده من على سلم الطائرة في النهار امام الناس جميعاً.
بعد هذه الاستطرادات التي اراها ضرورية وحتى لا ننسى، اعود الى القول ان الانظمة التي ملنا الى انصافها من دون كذب او مبالغة او نفاق، لا تكتفي منا بالصادق من الموقف والقول، ومن لم يكن معادياً او محسوباً على غيرها او لغيرها من خصومها الحميميين او اصدقائها الالداء… من هنا يحرم علينا ان نقول علناً، ولان الظلم علني، ان هناك ظلماً في البحرين لأهل البحرين الذين هم سنة وشيعة وإن كان الظلم او الحرمان في الوسط الشيعي اوسع مساحة (ربما بسبب الكثرة وغيرها طبعاً) وكان بالعمق ذاته في الوسط السني.
ونصنف من خانة الأعداء بعد ما بذلناه من جهود وفاقية شجاعة وليست بلا ثمن بل دفعنا اثمانها باهظة ونحن راضون، من دون ان نطلب تعويضاً من أحد لاننا لم نشعر بالخسارة، ورفضنا اغراءات عالية جداً ومغرية للعقلاء والسفهاء معاً. كنا نطمئن الى سلامة النوايا وراءها ولكننا لم نطمئن الى سلامة النتائج والانطباعات الشعبية والنهايات. من دون نية في القطيعة.. ولكن عدم الاذعان لا يغتفر عند بعض الناس بالصراحة والشفافية والبعد عن الشر وعن الشبهات وعن المواقع التي قد تعطي الشخص بريقاً ظاهرياً مؤقتاً ولكنها تطفئه نهائياً في المحصلة… لقد كان حراماً ويقتضي عقاباً ان يقول احدنا… هناك ظلم وان ,وان فريقاً البحرين بعينه لعله هو المسؤول الاكبر عن ذلك.. وإن جلالة الملك وفريقه من المستشارين او اكثرهم وولي عهده بصورة خاصة… ووزير داخليته.. وأصدقائه من اهل الرؤية التي تتجاوز القشرة الطائفية وترغب في ابعاد البحرين عن الاستغلال الطائفي الداخلي والخارجي.. ومع انفجار الاحداث في البحرين بعدما هدأت وانفتاح باب الحوار على وسعه من القصر الملكي وولاية العهد والداخلية الى المساعي الحميدة لسمو امير الكويت والتي كادت ان تؤتي ثمارها.. فوجئنا بوصول احدي الشخصيات المنشقة عن تيار الاعتدال الشيعي الاكبر والسني، والمحكومة بالاعدام على شغب سابق وقريب العهد في البحرين، فوجئنا بأن ح.م قد وصل الى المنامة من بوابة المطار، وان كان هناك عفو معلن، فإن سرعة التطبيق على هذه الحالة النافرة ومن دون اي تدقيق او احتياط معتاد، مثيرة للريبة بالاداء الامني البحريني المفاجئ وغير المألوف، اما في الشق الآخر.. فلسنا على شك وريبة ابداً؟، بل نحن على يقين بان هناك من سهل رجوع الرجل من الخارج عبر محطات متعددة وذلل امامه كل العقبات الامنية والقضائية وبالقوة غير المباشرة، ليعود هو ومصادره السياسية الخارجية الى الاعتراف بالخطأ! من دون تراجع عنه وبذريعة قد تكون مقبولة في المماحكات السياسية وان كانت على حساب الناس والاوطان، هذه الذريعة هي ان السلطة في البحرين مستمرة في تشددها وان ارخاء القبضة لا يعني نهاية الحصار والقمع واستدراج الناس لايقاعهم في الشغب تبريراً للعقوبة التي تفوق المخالفة حجماً ونوعاً واستغلال المتوترين لمضاعفة المخالفة وتكرارها..
واذا كنا نفهم ونتفهم موقف جيران البحرين العرب والمعنيين اكثر من غيرهم بالبحرين ومصيرها الذي لا شك انه ينعكس على مصير بلادهم ودولهم… فإننا نتعجب من ان يتصدى الشقيق الخليجي الاكبر للبحرين من خلال مجالسه وفعالياته الثقافية الى اعلان زعله وغضبه الذي لا يضر سواه، بسبب نقد علني خفيف لبعض مواقع السلطة في البحرين، بهدف التنبيه وتحويل الامتعاض الى موقف يمكن لمن يريد ان يستغله في استدراج عروض منافع طائفية او اقليمية لو شاء.
غير انه لن يفعلها ولن يعتذر حتى عن الخطأ لأن من حقه ان يخطئ واخطاؤه أقل خطراً كثيراً على اصحاب القرار من اخطائهم على انفسهم وانظمتهم وصداقاتهم وشعوبهم، التي بذلنا جهداً نحتسبه عند الله من دون ندم وعلى نية في العودة الى مثله اذا اقتضى الامر ونسأل الهي ان لا يقتضي …..بذلنا جهداً دؤوباً جاداً من اجل تصالحها وتفاهمها وعودتها الى الاندماج في بلدها ودولها كلما اتيحت لها فرصة في ذلك، وكانت هذه الجماعات المنشقة في لحظة ما والمعزولة اكثر الاحيان بقرار من حكامها عند مسؤوليتها الشرعية والوطنية ونزوعها الى الاستقلال والاحتياط من الاستغلال بعد التجربة الطويلة والمعقدة مع دولة تلتقي معها في الطائفة الى مسافة محدودة على الطريق، وبعد سنوات بذلت هذه المجموعات جهداً مشكوراً وكبيرا لمنع تداعيات الاحداث من الوصول الى بلدها، وحاصرت ما حصل منها بالتعاون مع السلطات المسؤولة مرة، ومن دون ذلك مرة اخرى، مع اخطاء من هنا وهناك، وقال العقلاء من هذه الجماعة بأن تعزيز الزعماء للعقلاء بالتشاور والتفاهم يقوي صف العقلاء وحجتهم ويساعدهم على ترسيخ السلام الداخلي وتحصين البلد ضد رياح الخارج، الحارة والباردة معاً.
في النهاية.. لن نتراجع عن سلوك الاعتدال والحوار والتقريب ورفض الحروب الداخلية مهما تكن الذرائع وراءها لأن السلام الاهلي هو أقوى ذرائع الدنيا والآخرة… ولا نريد جوائز حلالا ولا حراماً وقد تعلمنا كيف نصون عفتنا بصبرنا وصمودنا وقناعتنا.. ولا نريد ان نشتري غضب احد ولا رضاه، وان كان جاهزاً للغضب لسبب ومن دون سبب فهذا شأنه، ونسأل الله له الهداية ولا نرفض رضاه ان رضي ونسعى اليه من طرق مشروعة محروسة بالاحترام المتبادل ومعبدة ومسيجة لأهل الكرامة والشهامة والنصيحة.
اي والله لقد قال أحد أولادي الذين تربوا على التعبير الحر وعلى عدم اطلاق الاحكام المطلقة ولا يحملون مشاريع طائفية ولا يحلمون الا باستقرار البلاد العربية دولاً وشعوباً على فضائية MTV اللبنانية بعض ما قلته في ما في البحرين من ظلم ناتج عن عمد او اهمال او قصور ومن دون مبالغة او حقد… كذلك بعض ما قلته من ان المسؤولية تقع على الدولة اولاً وعلى الشعب ثانياً وان هناك تفاوتاً في المسؤولية بين رجال الدولة وهناك من هو اكثر مسؤولية ورغبة وقدرة في استثمار الاخطاء.
نقد المحكوم للحكام بين الحلال والحرام
هذه ليست أنظمة ..
هذه مجموعات لصوص و “قمارجية” و لوطية و مفسدين تسلطوا علينا في فترات ظعف تمر بها الأمة ..
و لكن اليوم بعد قيام هذه الثورات المباركة ، فانا أؤكد لكم : أنها إلى زوال ..
فقط مسألة وقت ..
ينبغي علينا أن تكون ثقتنا في الله قوية ..
بشرط البراء منها ..
أما إذا كثر المطبلون و المزمرون فلا أظن أن سقوطها سيكون قريبا
على كل الأمة – على اختلاف الاتجاهات – أن تنتفض و تنفض عنها غبار الخنوع و الذل ..