قيل الكثير في زيارة رئيس تكتل الاصلاح والتغيير العماد ميشال عون الى سوريا مدحا وذما، وتفنيدا لمواقف العماد السابقة واللاحقة من النظام السوري، بحيث لم يعد يجدي استحضار موقف إضافي من هنا او من هناك للتدليل على انعطاف العماد، الذي اخذته الحماسة الى حد الطلب الى اللبنانيين الاعتذار من سوريا بعد ان مارس لبنان بجيشه واستخباراته وجوده الكامل على الاراضي السورية طيلة ثلاثة عقود!
ليس في الامر مدعاة للاستغراب والتعجب. بنهاية الامر هذا هو عون ويحق له ان يمارس السياسة على هواه، وعلى الطريقة اللبنانية والمسيحية المستجدة على الخطاب العوني مؤخرا، على قاعدة “من منكم لا خطيئة فليرمها بحجر”.
ومع ذلك لا بد من تسجيل بعض الملاحظات الخارجية عن السياق العام لما قيل في الزيارة، بما لا ينبش الماضي، وتأسيسا لخيارات المستقل.
– الجميع يعرف، ما عدا قلة طبعا، ان الجنرال وسيادة الرئيس يستغلان بعضهما البعض، في معزل عن الايديولوجيا التي تم طبع هذه الزيارة بها، من خلال الجانب السوري اقله. فالجنرال مأزوم انتخابيا وعليه ان يقنع الحلفاء بمزيد من التضحيات لحسابه في المقاعد المسيحية النيابية في جزين والبقاع حيث النواب المسيحيين ينتخبون باصوات المقترعين المسلمين. وفي خلده ان الحلفاء، الرئيس نبيه بري على الاقل، لن يكونوا متجاوبين مع طموحات ورغبات الجنرال بتعزيز حضوره النيابي على حساب حركة امل. اما حزب الله فقد اعلن امينه العام اثناء تشكيل الحكومة الحالية انه سيتنازل عن حصصه للحلفاء ما اسفر توزيرا لجماعة عون الأمر الذي مثـّل قيمة مضافة الى حجمه الاصلي. ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، من الطيبعي جدا ان يلجأ العماد الى سوريا، لا ليختبر حجم سيطرتها على اتباعها في لبنان، فهو يعرفه جيدا، بل ليكرس معها تفاهما، اعلن صراحة عن معالمه في خطبه المتنقلة في بلاد الشام، وليوفر على نفسه عناء استجداء الحلفاء، لثقته بان سوريا تملك مفاتيح الترشيحات وبحاجتها الى تغيير وجهةالاغلبية النيابية الحالية، والعودة الى السياسة اللبنانية من خلال لعبة الاحجام التي اتقنها النظام السوري، من خلال قدرته خلال سنوات سيطرته على لبنان على فرض حجم لكل حزب وتنظيم وتيار وحركة، الهية كانت ام من الكفار والملحدين، بما يؤمن مصالحه وديمومة وجوده الشرعي والمؤقت في لبنان. وهذه تاليا المصلحة السورية من (الحفاوة) التي تم إغداقها على العماد.
واذا كان الامر لا يعدو تبادل خدمات، وهذا مشروع في السياسة، فلماذا هذا الكم الهائل من الضخ الايديولوجي للزيارة، حتى يخيل للمتابع ان من يتحدثون عنه كان استاذا للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وندا للرئيس السوري الراحل حاظ الاسد، في الممانعة والتصدي للمخططات الامبريالية والصهيونية. والتبس الامر على الكثيرين ممن يعرفون الجنرال واعتقدوا لوهلة ان من يجري الحديث عنه على الفضائيات ليس هو نفسه بطل حرب التحرير وصاحب الكتاب الاسود، وابو القرار 1959 وشهادة الكونغرس الاميركي و… فرأفة بالذاكرة نستجديكم الرحمة لعقولنا!
– لماذا عمل الجنرال السيادي على إقحام طلبة الجامعة في سوريا في شأن داخلي لبناني صرف، هو اتفاق الطائف، ولن نقول له انه يعرف تماما من حال دون تنفيذ الاتفاق، وما هي علاقة الاشقاء السوريين بهذا الامر، وهل سعى العماد الى تغيير اتجاهات الرأي العام السوري من خلال إقحام طلبة الجامعة في شأن اتفاق الطائف؟ وهل أدخله الاشقاء في سوريا في شؤون حكمهم؟ وطلبوا وساطته لحل ازمة تداول السلطة في دمشق؟ وآليات عمل الجبهة الوطنية والحكومة السورية وسوى ذلك من شأن داخلي سوري؟
كان الاجدى بالجنرال السيادي ان يحتفظ بهذا الامر ليناقشه مع نوابه في الاطر الدستورية اللبنانية والسيادية. أليس هو ابو شعار “حرية سيادة استقلال”؟ ام ان قوى الرابع عشر من آذار سرقت منه الشعار كما يقول وبالتالي هو في حل من التزامه به وتاليا يستنجد بطلبة الجامعة في دمشق ليغير بنود اتفاق الطائف من سوريا!
– وبالعودة الى منتقدي الزيارة العونية الى سوريا وقبلها الى ايران، وما اصح يعرف بانقلاب العماد عون على ذاته، والمقصود هو قوى الرابع عشر من آذار اللبنانية، ومن باب السجال مع هذه القوى لا بد من تسجيل امر بالغ الحساسية وهو ان جميع مواقف هذه القوى ما خلال القليل منها، منذ انطلاق ثورة الارز، لا تعدو كونها ردود افعال على ممارسات ومواقف القوى المقابلة، وأصبح جليا ان ردود الافعال هذه لا تقدم ولا تؤخر في مسيرة العماد عون المظفرة. والرهان على إفقاده بضعة اصوات مسيحية لا يمكن تسجيله في خانة المكاسب لقوى ثورة الارز في ظل غياب المشروع السياسي الموعود لهذه القوى الذي يترجم صدق تحالفها وليس اتفاقها الاجباري على الائتلاف في ما بينها لأن الخصم لا يرحم.
إن قوى الرابع عشر من آذار مدعوة اليوم اكثر من اي يوم مضى لاعلان برنامجها السياسي اولا، والانتخابي ثانيا وتفعيل امانتها العامة ولجان العمل التي انبثقت عن مؤتمرها الاول واليتيم من اجل إقناع جمهورها ان ما يحصل ليس ائتلافا انتخابيا عابرا اوجدته مفاعيل حرب تموز وغزوة 7 ايار وما سمي “انقلاب عون”.
فكيف تطلبون من اللبنانيين تأييدكم ووفق اي برنامج؟ فاذا كان الامر يتعلق بالمسيرة السيادية وثورة الارز وما الى ذلك، فهناك موافقة واجماع لدى جمهوركم على هذا الخيار وماذا بعد؟
يحق للعماد عون وقوى الثامن من آذار ان تتعاطى السياسة كما تريد، وعليكم ان تخبروا اللبنانيين من مؤيديكم اولا، ومن المحايدين ثانيا، ومن المجتمع العربي الذي يدعمكم وكذلك المجتمع الدولي الذي لم يبخل عليكم بقرارت متتالية، بما انت فاعلون.
richacamal@hotmail.com