“كم يؤلمنا ما يلقاه الطفل العربي من معاناة وأذى من بعض فئات المجتمع” هذه العبارة من خطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز حيث القيت في المؤتمر الاقليمي الثالث لحماية الطفل والذي تم افتتاحه تحت شعار “نعمل معا معا من اجل طفولة آمنة”. بدأت فعاليات المؤتمر في 2 مارس في الرياض. شارك في المؤتمر 1000 متخصص ومهتم يمثلون 22 وفدا عربيا.
هذا المؤتمر خطوة توعوية على طريق طويل من اجل توفير بيوت آمنة للصغار ومكافحة ظاهرة الاساءة لهم.ثمة مسببات كثيرة لتنامي العنف الاسري لكن اهمها غياب قوانين الحماية، وعدم اتخاذ العقوبات الصارمة للحد من سلوك العنف الذي يمارس على الاطفال.
الملفت للنظر في هذا المؤتمر ان السعودية تكون الراعية له!! هذا امر مهم للتوقف عنده. هل هذا يعني ان السعودية جادة في خططها لمكافحة العنف ضد الاطفال؟؟ وان كانت جادة هل ستلتزم بالوثائق الدولية التي تخص حماية الاطفال والتي وقعتها واخفقت في الايفاء بوعودها منذ سنوات عديدة؟
ان من يلقي نظرة سريعة على أنظمة السعودية المعتمدة اليوم يجد كثير منها مجحف وقاهر للاطفال وامهاتهم، لذلك جدية السعودية لمكافحة العنف الاسري وحماية الاطفال تحوم حولها علامات استفهام كبيرة، وشكوك كثيرة!
العنف ضد الاطفال في السعودية حلقة من سلسلة طويلة للعنف الدائر بين افراد الاسرة، وتحتاج للتفكيك من اجل توفير بيوت آمنة للأطفال وامهاتهم. السلسلة تبدأ من القوانين الحكومية التعسفية والتمييزية الواقعة على كهل الانثى وهي في مرحلة الطفولة. منذ ولادة الانثى وهي تعامل على انها نكرة، واقل شأنا وحقوقا من الذكر ليس بالعرف فقط، بل بالقانون الذي يجيز امتلاكها من قبل ذكر حتى مماتها. العنف ضد الاناث وهن صغيرات يستمر حتى يبلغن ويصبحن امهات وجدات. الطفلة السعودية لا يحق لها ان تحلم مثل الطفل السعودي. مدراس البنات تطبق فيها قوانين صارمة، حتى الرياضة لا يُسمح لهن بمزاولتها، ايضا حين تكبر الفتاة السعودية كثير من التخصصات العلمية وفرص العمل تُحرم منها. الانثى تعامل على انها مواطنة من الدرجة الثانية.هذا القانون جعل السعودية ارض خصبة لممارسة العنف ضد الصغيرات وهن ما زلن على مقاعد الدراسة.
القانون الظالم الآخر والذي يمارس علناً وبمباركة من اجهزة الدولة القضائية هو زواج الصغيرات. الى الآن السعودية مازالت من الدول المتخلفة في وضع قانون يحد من تلك الظاهرة البشعة، والتي تجيز اغتصاب الطفلات شرعا. لماذا لا يُوضع قانون يحدد سن الزواج للجنسين؟ كيف تكفل الدولة حق للأطفال وتعقد مؤتمرات من اجمل حمايتهم، وانظمتها تجيز انتهاك حق اجسادهم وتوشيه طفولتهم وتسبب في اصابتهم بأمراض نفسية مزمنة؟؟
حق الحضانة للاباء قانون قضائي آخر قاهر معتمد في جميع المحاكم الشرعية بشقيها السني والشيعي. هذا القانون يحرم الام من حضانة صغارها. انه قانون سافر وعلى رأس الانتهاكات التي تمارس ضد الطفل قبل ان تمارس ضد الام. معظم حالات العنف والقتل التي رُصدت بين اطفال السعودية المعنفين، كانت بسبب تسليم الاطفال للأباء وتجاهل دور الام في حياتهم. الاحصائية اثبتت ان ابناء المطلقات يُمارس عليهم عنف اكثر من غيرهم، لان الحضانة تُعطى للأباء ويستخدمون الاطفال كسلاح لقهر امهاتهم. لماذا تسلم اجهزة الدولة وبالقانون الضحية للجاني، ومن ثم الحقوقيون الحكوميين والمعنيون بالامر يناقشون العنف ويتباكون بدموع التماسيح على الضحية اذا عذبت حتى الموت على يدي الجاني؟؟
قانون “المحرم” وتوكيله بأن يتحكم في جميع شؤون المرأة البالغة الخاصة والعامة. هذا القانون يجيز معاملة الانثى منذ الصغر على انها عاجزة وغير قادرة على ان تسير شؤونها مهما بلغ سنها.هذا القانون يعطي الحق لابن 16 عاما ان يتحكم في حياة اي قريبة له حتى لو كانت والدته. ايضا قانون “المحرم” يسلم الوصاية على الاطفال للمجرمين والقتلة وخريجي السجون فقط لانهم ذكورا.هذا القانون الظالم يحرم الام من الشعور بالامان وهدوء النفس وبناء الذات والاستقلالية، وبالتالي هذه الاحاسيس تصبح جزءا من ثقافة ابناءها، وعلى وجه الخصوص بناتها واستمرارية لثقافة النظرة الدونية تجاه الاناث. كيف تستطيع ام ان تربي وتحمي جيلا ناضجا وواعيا اذا كانت تعامل على انها غير مكتملة النضج والعقل؟؟ هذا بحد ذاته عنف مقنن ضد الامهات وصغارهن. كيف ذلك المؤتمر سيحمي هؤلاء الأمهات واطفالهم؟
القانون السعودي المجحف ضد الاطفال وامهاتهم والذي مازال يمارس في العلن، هو عدم الاعتراف بالنساء كأولياء امور لبناتهم وابنائهم، وعدم السماح لهن بإعطاء الجنسية لهم واستخراج اوراقهم الثبوتية. هذا القانون يُعد صورة سافرة من صور التمييز ضد النساء، واباحة انتهاك حق اطفالهن في حق الوجود وحق المواطنة. بماذا يبرر ذاك العنف الذي تنتهجه اجهزة الدولة السعودية وتصادق عليه وتقره؟؟ ما هذه الازدواجية في طرح القضايا وفي معالجتها؟ كيف نقيم ظاهرة العنف الاسري السعودي ونكافحة بالمؤتمرات والتصريحات الرنانة والانظمة تجيزه وتعززه بأشكال مختلفة؟؟
قانون تعدد الزوجات الذي يُعد احدى الاسباب الاساسية في هدم البيوت وتشريد الاسر. هذا القانون وعلى حسب الاحصائيات الرسمية واحد من العوامل التي تسبب التعاسة والكآبة المزمنة لدى الأمهات السعوديات، وانه يؤثر سلبا على حياة الاطفال. ايضا تعدد الزوجات يتسبب مرات كثيرة في الطلاق، وضياع الصغار وتهديد شعورهم بالآمان. هذا القانون العشوائي الذي يُمارس بدون قيد او شرط، واحد من القوانيين الشرعية التي لها دور كبير في العنف ضد الاطفال. فالبيوت الآمنة السعيدة للاطفال لا تُبنى ابدا على تلبية شهوات ابائهم في التعدد، واهانة امهاتهم وقهرهن. لا يمكن ان يطالب الحقوقيين السعوديين وغيرهم بإيقاف العنف ضد الاطفال، طالما محاكم الانكحة الشرعية السنية والشيعية تفتح الابواب لتعدد الزوجات، وتساهم في خلخلة البيوت وهدمها.
قانون منع المرأة من قيادة السيارة هذا ايضا يسبب في ايذاء الاطفال. لماذا تطالب الدولة بحماية الطفل وتكبل الام وتمنعها من الحركة بحرية وهي المصدر الاول للامان والحماية؟؟ الام الاقرب للاطفال فهي ادرى بأحوالهم، وفي حالة تعرضهم للعنف او المرض او حادث طارئ، قانون الدولة لا يسمح لها ان تحميهم او تبعدهم عن مصدر الخطر او تنقلهم الى مستشفى. هذا ابسط حق من حقوق الطفل ان تكون امه او الراعية له قادرة على توفير العناية الحماية له من اجل ان يكون اكثر آمانا واطمئنانا. اية ازدواجية هذه التي تطالب بحماية الطفل وتمنع امه من حمايته اذا احتاج الامر؟؟
القوانين التي ذكرت سالفا لها دور كبير في تعزيز العنف ضد الاطفال، لا يمكن ان تتحقق طفولة آمنة سوى بإلغاءها ومحاسبة من يمارسها. فقبل ان نطلق الشعارات ونعقد المؤتمرات ونكتب المقالات وننشر الدراسات عن العنف الاسري السعودي، من الاجدر ان نعدل البيوت من الداخل ونرممها بقوانين جديدة مناهضة لكل اشكال التمييز والعنف ضد الصغار ومربياتهم النساء. لا طفولة آمنة ولا بيوت سعيدة مع استمرار قوانين التمييز ضد الامهات ومصادرة حقوقهن.
salameyad@hotmail.com
* كاتبة سعودية