حصلت “النهار” على المذكرة التي رفعتها قوى 14 آذار الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وفيها:
“تحية وطنية صادقة،
وبعد، فهذه هي المذكرة الثانية التي نرفعها إلى مقامكم، نحن الموقعين أدناه من بين نواب الأمة المنتخبين، في غضون تسعة أشهر فقط بعد العريضة التي تقدمنا بها بتاريخ 03/09/2012.
إنّ توجُّهنا إليكم في هذه المحنة الكبرى التي تعصف بالوطن والدولة والمجتمع، إنما هو حقٌّ من حقوقنا وواجبٌ علينا، بوصفنا نواباً عن الأمة وبصفتكم رئيس الدولة ورمز وحدتها، والساهر على الدستور وسلامة الوطن والأرض.
أما توجّهنا للمرة الثانية، في المسألة ذاتها، فمردُّه إلى أن موضوع شكوانا الأولى ما يزال على حاله من حيث الخطر الشديد الواقع على الوطن والمنذر بعواقب وخيمة، وأن هذا الخطر دخل اليوم طور الكارثة النازلة على جميع المستويات الوطنية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، بما يزعزع وعلى نحو غير مسبوق الكيان والجمهورية، فضلاً عن العيش المشترك الذي هو مبرّر وجود لبنان. ومما يحفزنا على مثل هذا التوجُّه ثانيةً، أنّ صوتكم المسؤول كان حاضراً في كثير من المحطّات والمفاصل الأخيرة، في نطاق صلاحياتكم وما أنتم مؤتمنون عليه.
فخامة الرئيس،
نذكّر أنفسنا وإياكم بأن شكوانا واقتراحاتنا السابقة تمحورت حول مسألتين اساسيتين:
• الأولى، معضلة انتهاك النظام السوري، بصورة متواترة وبلا رادع، لحدودنا وسيادة دولتنا وأمن مجتمعنا، في ظل تقاعس رسمي من قبل حكومة لبنان، لا بل ومع تأييد لهذا الانتهاك من قبل بعض الحكومة. وقد رأينا، وما نزال، أن غاية النظام السوري تتمثّل في توسيع رقعة حربه ضد شعبه إلى لبنان وفي لبنان توكيداً لتهديده المعلن بـ”تعميم الفوضى في المنطقة”، وفي محاولة منه لابتزاز المجتمعين العربي والدولي الحريصين على سلامة لبنان- بما يمثّله- في هذه المرحلة العصيبة من التحوّلات الكبرى الجارية في العالم العربي.
• الثانية هي معضلة سلاح “حزب الله” غير الشرعي الذي كوّن لنفسه دولةً وسلطة عسكرية وأمنية أقوى من الدولة، ثم بسط هيمنته وسطوته على كثير من مؤسسات الدولة الشرعية ومرافقها وقرارها السيادي، في الوقت الذي كان فيه قد أقام تحالفات عسكرية استراتيجية خارجية بما يتعارض مع سيادة وأمن الدولة ومؤسساتها الدستورية. وهو قد استولد مجموعات مسلحة بشكل مباشر وغير مباشر وأسهم أيضاً في انتشار السلاح والمسلحين في مختلف المناطق اللبنانية. وما كان لمآرب النظام السوري (ومعه الايراني) أن تتحقق بصورة أو بأخرى لولا هذا السلاح العصيّ على قوانين الدولة، واتفاق الطائف والدستور، وإرادة اللبنانيين، وقرارات الشرعيتين العربية والدولية، بل والناقض لكل الاتفاقات والتفاهمات والإعلانات الداخلية، من مقررات طاولة الحوار بدءاً من العام 2006 وصولاً إلى “إعلان بعبدا” عام 2012!
فخامة الرئيس،
ما تقدّم تذكير سريع بالعنوانين الكبيرين لمعضلتنا، من دون التطرُّق إلى ما اتصل بهما من تداعيات أمنية واقتصادية واجتماعية ماتزال تتزايد يومياً وتتفاقم. أما اليوم- وهو من دواعي التوجُّه إليكم ثانية- فإنّ الأمر بلغ حدَّ الكارثة الموصوفة التي من شأنها أن تنقلنا من “دولة مستضعَفة” إلى “دولة مستباحة وفاشلة” تحولت أرضها ثكنة لتدريب المقاتلين وتصديرهم إلى أكثر من مكان في العالم وجهة تتعامل أيضاً مع ما يستجد من مهمات تمليها الوصاية الايرانية. وهذا كله إذا بقي لنا ما يمكن أن يسمّى “دولة”!
فالنظام السوري وسَّع فعلاً معركته نحو لبنان، تنفيذاً لتهديده المعلوم، وفي محاولة يائسة لحماية نفسه أطول مدة ممكنة. والجريمة المتواصلة التي تُرتكب بحق مناطق لبنانية مختلفة ولاسيما في عاصمة الشمال هي العيّنة الأشدّ بروزاً. هذا إضافة إلى جريمة العدوان الأخيرة التي ارتكبت بحق بلدة عرسال عبر إطلاق صواريخ طائرات النظام السوري على منازلها وسكانها الآمنين بشكل سافر وفاجر لا يمكن السكوت عنه.
أما “حزب الله”، فقد ألقى بكل ثقله العسكري، بأوامر أو بتوجيه وتنسيق مباشر من قيادته الايرانية، في معركة النظام السوري ضد شعبه على الأراضي السورية. وقد تدرّج هذا الحزب في غضون اسابيع قليلة من التمويه بدايةً على مشاركته، إلى الإعلان عنها جهاراً مع تزايد قتلاه في سوريا، وصولاً إلى خطاب السيد نصر الله (25 أيار الماضي)، حيث نعى الدولة ومؤسساتها والشعب اللبناني ودعا من يعتبرهم خصومه من اللبنانيين إلى النزال والتقاتل على ارض سوريا “دَفْعاً لبلاء حرب أهلية في لبنان”. وهو بذلك إنما يقترح معادلة مذهلة في تاريخ البلاء اللبناني، هي “الانتقال من حروب الآخرين على أرض لبنان، إلى حروب اللبنانيين على أرض الآخرين!”. كل ذلك خدمةً للنظامين السوري والإيراني على حساب لبنان. ان سلوك “حزب الله” ودعوة أمينه العام تدفع من جهة أولى نحو حرب أهلية بين اللبنانيين- لا سمح الله، وعلى أرض لبنان بلا ريب! كما أنها ومن جهة ثانية تُدْخِلُ اللبنانيين ومصالحهم في أتون صراعات اقليمية يكون من نتائجها تعريض لبنان واللبنانيين إلى مخاطر مخيفة لا يمكن تقدير تداعياتها السلبية على مختلف المستويات وبما في ذلك تعريض الامن الاقتصادي والمعيشي للبنان وللكثير من العائلات اللبنانية للخطر. أخيراً وفي سياق هذا المسلسل الترهيبي، ها هو الحزب يواصل الضغط والابتزاز لفرض حكومة جديدة على هواه لكي تواكب وتغطي حربه في سوريا.
إنّ هذا الخطر المصيري يلقي على عاتق فخامتكم العبءَ الأساسي من مسؤولية المبادرة إلى ما يوقف الانهيار المتسارع ويمنح اللبنانيين أملاً يتطلعون إليه. وهذا لا يكون إلا بمبادرة تتناول أساسيات المعضلة وأصل البلاء.
وعليه فإننا نتمنى على فخامتكم التالي:
أولاً: الطلب إلى “حزب الله” الانسحاب الفوري والكامل من القتال وكذلك إنهاء وجوده العسكري في سوريا، تمهيداً لمعالجة معضلة سلاحه في لبنان وذلك تحت طائلة المسؤولية المتعلقة بمصلحة الدولة العليا وكيان الوطن وسلامة المجتمع اللبناني، حيث إنّ تورطه هناك يشكل خرقاً للدستور والقانون وسيادة الدولة اللبنانية ناهيك عن خرقه للمواثيق العربية والدولية. ومثلُ هذا الطلب الجازم إنما يستند بوضوح وقوة إلى “القسم الرئاسي” غير المخوَّل لسواكم.
ثانياً: الأمر بانتشار الجيش اللبناني على طول الحدود الشمالية والشرقية- فضلاً عما هو قائم جنوباً وغرباً- وطلب مؤازرة القوات الدولية وفقاً للقرار 1701، وضبط المعابر والحدود اللبنانية بالمقدار الواجب والمطلوب.
ثالثاً: إعمال حكمتكم وشجاعتكم وصلاحياتكم لإنقاذ لبنان والعمل على تسهيل مهمة رئيس الحكومة المكلّف بتشكيل حكومة منسجمة تتبع نهج الحياد و”الانحياز” للمصلحة الوطنية العليا، من أجل وقف الانهيار واستنهاض اللبنانيين المتطلّعين إلى الابتعاد عن حافة الهاوية. ومن الواجب والمنطقي أن يكون “إعلان بعبدا” برنامجها وتوجهها الوطني الوحيد، بالإضافة إلى بديهيات واجباتها الأخرى.
فخامةَ الرئيس،
إنّ الذي يتعرض الآن للخطر الشديد أمران: الاول: العيش الواحد والحياة المشتركة والوجود الوطني وسيادة الدولة وهيبتها، والثاني معنى لبنان وحرياته وقدرته على التعامُل مع الأزمات من منطَلَق المعنى العميق الذي تأسس عليه لبنان الكيان ولبنان الوطن، ومن منطلق الحريات الفردية والعامة التي تصنعُ الإرادة الوطنية، وتنهض للإنقاذ. فكما يتعرض الوجود الوطني والعيش الواحد للخطر بسبب انتشار السلاح والمسلحين، كذلك يتعرض معنى لبنان وحرياته للخطر بسبب المحاولات المستمرة لزعزعة الأمن وضرب الحريات العامة والخاصة بقوة السلاح.
نتمنى عليكم المبادرة يا فخامة الرئيس للتصدي للأخطار المحدقة قبل أن يفوت الأوان.
وتقبلوا فائق التقدير والاحترام”.
نقلاً عن “النهار”