أراد الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، عبر إطلالته الأخيرة، الإعلان بوضوح أن الحزب وإيران هما جزء لا يتجزأ من النزاع الدائر في سوريا.
لم يعد مهماً لديه البحث عن تبريرات أو ذرائع لتغطية التدخل العسكري الذي ليس بالحدث الجديد، بل الجديد فيه هو الإعلان عن أن قراراً قد اتُخذ بالذهاب حتى النهاية في هذه المواجهة، ذات البعد الإقليمي والدولي، لاغياً العوامل الداخلية للصراع وما قد ينتج عنه من تداعيات على مستوى تأجيج الفتنة المذهبية السنية – الشيعية في المنطقة، والتي عادت ملامحها بقوة إلى العراق.
يأتي موقف نصر الله مُترجماً قرار ولي الفقيه علي خامنئي، وعلى صدى موقف الموفد الرئاسي الروسي ميخائيل بوغدانوف، الذي عبّر خلال زيارته لبيروت عن قناعة موسكو بأن الرئيس السوري بشار الأسد لا يزال قوياً، وأن جيشه لا يزال متماسكاً، وأنه لا يزال يحظى بتأييد نصف الشعب السوري.
أما على المقلب الآخر، وتحديداً لدى سيّد البيت الأبيض، حيث لن يسمح أصدقاء سوريا بسقوطها في يد الأميركيين، حسب قول نصر الله، فإن المشهد يزداد تخبطاً. فالرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي أعلن مراراً أن استخدام أسلحة كيماوية هو خط أحمر يُغيّر قواعد اللعبة، يلجأ عند كل «فرصة ذهبية» إلى أسلوب المناورة والتمييع، ما يُشكل من وجهة نظر «اللوبي الأميركي» الذي يساند المعارضة السورية، تراجعاً، لا بل «تخاذلاً» تعزوه قوى الضغط الأميركي إلى جملة اعتبارات، أبرزها اثنان:
أولها، رغبة أوباما في تمرير فترة حكمه من دون أن يكون أدخل الأميركيين في حرب عسكرية جديدة خارج الحدود، وهو يعمل بجهد، في ولايته الثانية، كي يؤول خطه التفاوضي المباشر غير المعلن مع الإيرانيين إلى إحراز تقدم في الملف النووي عبر لجم اندفاعة طهران حيال برنامجها المثير للجدل وإظهار أقصى النيّات الحسنة في التعاون معها. ويقول هؤلاء إن واشنطن لا تتوانى في هذا الإطار عن إرسال إشارات حسن نية، كان آخرها إطلاق سراح عالم فيزيائي إيراني مؤخراً كان مسجوناً لسنوات طويلة في الولايات المتحدة الأميركية، فيما تعمل إدارة أوباما على تطويق الاندفاعة الإسرائيلية لتوجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية، عبر عقد اتفاقات أو ممارسة ضغوط على الدول التي يمكن أن تستخدمها تل أبيب ممراً لطائراتها، والتي تحدثت المعلومات عن أن وزير الخارجية الأميركية نجح في عقد تفاهمات مع تركيا في هذا الخصوص، وكذلك فعل أوباما مع دول كانت مرشحة لأن تسهّل عبور الطائرات الإسرائيلية فوق أراضيها. وإذا كان الرئيس الأميركي قد تعهد لإسرائيل، ومعها دول الخليج العربي، بأنه لن يسمح لإيران بامتلاك القنبلة النووية، فإن متابعين للملف من الحزب الجمهوري يرون أن سياسة أوباما تنطلق أصلاً من نظرة لديه بوجوب إضعاف السلاح النووي عن طريق التوازن، إذ يعتبر أن حصول إيران على القنبلة النووية، بعد الهند وباكستان، سيدفع بالمملكة العربية السعودية وحتى بمصر إلى امتلاك السلاح النووي ما يخلق نوعاً من التوازن الرادع في الشرق الأوسط مع وجود إسرائيل نووية أيضاً. ووفق هؤلاء، فإن جُل ما يطمح إليه أوباما هو أن يُمرّر ولايته الثانية، محافظاً على صورته بأنه رجل سلام لا رجل حرب، ومن دون أن يضطر إلى التورط في حرب إقليمية مع إيران، وهو أمر تفهمه جيداً طهران وتلعب في هذا الملف سياسة اللعب على حافة الهاوية، وسياسة النفَس الطويل التي يبرع بها الإيرانيون.
وثانيها، أن ثمة اقتناعاً أميركياً تولّد من التجارب الماضية، مفاده أن أي دور أميركي عسكري مباشر في المنطقة، وإن أتى لنصرة الشعوب، فإنه يُنظر إليه من قبل هذه الشعوب على أنه تدخل سافر واحتلال، ولا تزال مرارة أفغانستان والعراق ماثلتين في الأذهان، وحتى ليبيا رغم عدم التدخل العسكري الميداني. وينغمس الشعب الأميركي في مشاكله الداخلية، ولا يُعير كبير اهتمام إلى قضايا خارجية إذا لم تكن تمس أمنه، أو تهز ضميره، خصوصاً إذ لامست جرائم ضد الإنسانية وحرب إبادة جماعية، لكن ذلك يتطلب في الدرجة الأولى العمل لخلق رأي عام يتكفل هو بالضغط على إدارته ومؤسساته للتحرك السياسي الضاغط وصولاً إلى التدخل العسكري.
على أن المعطيات المتوافرة من مطلعين في الكونغرس، أن اليمين الأميركي، المستاء من حجم الصمت الدولي حيال المجازر في سوريا، والذي ربما يحصل للمرة الأولى في العالم، بحيث لا يزال عاجزاً بعد مرور ما يزيد عن عامين من النزاع المسلح وسقوط عشرات الآلاف من المواطنين وجرح مئات الآلاف وتهجير الملايين، قد بدأ بممارسة ضغوط على إدارة أوباما بسبب تردده، رغم اعتباره استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا خطاً أحمر، وإن كانت ترى أن هذه الضغوط لن تقلب الأمور رأساً على عقب، لكنها قد تدفع بالبيت الأبيض إلى مراجعة بعض مواقفه من تسليح المعارضة السورية التي يرفض أن يرفدها بـ «سلاح فتاك»، وتقتصر مساعدته على أعتدة وما شابه، فيما النظام السوري يمارس آلة الفتك على شعبه ويقتل الأطفال بالقنابل الفوسفورية والبراميل المتفجّرة والصواريخ المتعددة الأشكال من دون أن يرف جفن للقيادة الأميركية الحالية.
وفي المعلومات أن وفداً سورياً ولبنانياً ومصرياً وتونسياً من منظمات غير حكومية في واشنطن، ناشطة إلى جانب المعارضة السورية، سوف يتوجه إلى نيويورك لإجراء محادثات في السابع من الشهر الجاري في مكتب الأمين العام للأمم المتحدة بحثاً عن آليات تحرك ووسائل ضغط كفيلة بتأمين الحماية الإنسانية على أقله. وتؤكد منظمات المجتمع المدني الأميركي على الحاجة إلى أن يفترش السوريون، ومعهم العرب، الشوارع أمام مراكز القرار في أميركا وأوروبا والسفارات الغربية في الدول العربية لتحريك الرأي العام الغربي ضد ما يجري من مجازر بحق الشعب السوري.
ووفق ناشطين أميركيين، فإن جهد المعارضة السورية يتركز راهناً على انتزاع تغطية عربية – دولية بإقامة مناطق حظر جوي، إما عبر مجلس الأمن أو خارجه، وإما عبر الناتو أو خارجه على ثلاث مناطق حدودية هي الأردن والجولان وتركيا، والتي تخضع لسيطرة الجيش السوري الحر الذي يحظى بالثقة، بحيث يمكن من خلالها توفير مناطق آمنة للنازحين السوريين وتوفير الأمن فيها، وتزويد الجيش الحر بالأسلحة الكفيلة بخلق توازن مع أسلحة النظام السوري الذي يتلقى دعماً روسياً وإيرانياً قوياً.
السباق اليوم بات بين محور طهران – دمشق – حارة حريك، المدعوم روسياً، على تحويل الدول المجاورة لسوريا، ولا سيما العراق والأردن ولبنان إلى دول فاشلة جراء محاولات نقل النار السورية إليها، وبين تدخل أميركي – غربي – عربي يحفظ أمن واستقرار هذه الدول من تداعيات الأزمة السورية منعاً من تحولها إلى دول فاشلة.
لعبة تسابق… والفارق أن ثمة محور يستميت، وآخر ينتظر متفرجاً!
rmowaffak@yahoo.com
إعلامية لبنانية
اللواء