كيف يمكن توصيف حالنا اليوم، بغير التشويش والارتباك، والانقياد العفوي والغوغائي أحيانا، بحيث ننجرف خلف الحدث بمبالغة لا تبرير لها في أغلب الأحيان. وقد نصنع رموزا مقدسة ومنتقاة بشكل يخدم أهداف الأطراف المتنازعة، ووفق أهوائنا ومصالحنا. جماهير الاحتجاجات والمتظاهرين، يرافقها فريق من المطبلين والمزمرين من أصحاب المواهب الثقافية.
ندى الإيرانية، لا أحد مهما خلا قلبه من رحمة، لم يأسف لمقتلها. جريمتها أنها أرادت التعبير عن موقفها… رصاصات متوحشة سرقت منها الحياة ولما تزل في بدايتها. هي أولا وأخيرا انسانة تستحق الحياة، ولا حق لأحد سلبها هذا الحق. لكن الإعلام الموجه استغل الحادثة، وجعل منها بطلة قد خلت من قبلها الأبطال. كتبت فيها الأشعار والمقالات، ورفعت إلى مقام القديسين والأولياء الصالحين، وشبهت بالقديسة الفرنسية جان دارك. لكن دينها حرمها من لقب القديسة، والا لكانت قد ظهرت معجزاتها وكراماتها، وتم تطويبها قديسة، وأقيمت لها المزارات، وقدمت لها النذور، وحملت صورها تعويذات لدرء الشر.
حملة المراثي الجليلة لم تكن حبا أو رحمة بتلك الضحية البريئة، بقدر ما هو إبراز وحشية النظام الإيراني وشيطنته من قبل المناهضين له. أما بقية الضحايا الذين سقطوا معها، فكان نصيبهم أن أحيلوا إلى لائحة ضحايا الأرقام.. بلا اسم وبلا ملامح انسانية أو هوية تعلن انتماءهم لبني البشر.
وفي ألمانيا، سقطت مروى المصرية، ضحية أخرى وبطريقة أكثر وحشية وبحقد أسود. وهي أيضا في بداية مشوارها مع الحياة ومع جنين بالكاد أدركته الحياة، وطفل آخر أخذت منه أمه بعيدا والى الأبد…
تستحق مروى أيضا كل التضامن والاستنكار. تستحق مروى المصرية كل التضامن والاستنكار، لكن يبقى السؤال: هل كان سيختلف الوضع لو لم تكن مروى محجبة؟ هي أيضا اعتبرت شهيدة الحجاب، وليست قديسة لأنه لا قداسة في الإسلام لبني البشر!
الجماهير الغاضبة، لم تأسف للضحية، بقدر أسفها للحجاب وما يواجهه من حملة غربية غير مقبولة… ففي بلد يمنع فيه الحجاب.. وفي آخر تقتل من ترتديه… وفي أماكن أخرى تحرم المحجبة من العمل أو دخول الجامعة، فالنقمة هي بسبب الحجاب وليس للضحية، اذ ليس أرخص من دم المرأة العربية أو المسلمة.
نظرة واحدة على تزايد أعداد الضحايا من النساء، لأسباب مختلفة ومتعددة، تنبىء بالوضع الكارثي لها. جرائم الشرف التي تسجل ارتفاعا ملحوظا في أرقامها. وغالبا ما تكون لمجرد الشبهة، وغالبا ما يثبت الطبيب الشرعي عذرية الضحية!! ورغم أن شروط الزنى في الإسلام، لا تستطيع كل التكنولوجيات الحديثة إثباته. وقد فشلت محاولات بعض الإصلاحيين، في الضغط لتعديل قانون العقوبات المتعلقة بتلك الجرائم، والقائمة على تخفيف عقوبة مرتكبيها وعدم اعتبارها جريمة كاملة. والمؤلم في الأمر أن عملية الافشال عادة ما تكون عن طريق البرلمانيين، الذين يفترض بهم المصادقة على القوانين التي تحمي مواطنيهم رجالا ونساء.
وفي مصر بالذات وهي موطن الضحية مروى، فان مشروع قرار تجريم الرجل الذي يضرب زوجته أو أطفاله وعاقبته، قد واجه معارضة من كل الأطياف السياسية والاجتماعية التي تختلف على كل شيء ما عدا اضطهاد المرأة.
قانون الأحوال الشخصية المقدس والذي لا يمس وغير مسموح الاقتراب منه، باسمه تقترف أبشع الجرام الاجتماعية والإنسانية بكافة أنواعها… لا يحق للمرأة طلب الطلاق. يحق للرجل حرمان المرأة من أولادها وربما مدى الحياة. وغالبا ما يستعمل الرجل الأطفال سلاحا موجها ضد المرأة، فتجبر على خيارين يتنافسان في شدة المرارة… حياة العبودية والجحيم والبقاء مع الأطفال، أو الخروج من البيت بخفي حنين!!
المرأة الفلسطينية، تلد على الحواجز وغالبا ما يؤدي إلى وفاة الوليد الجديد. تعرى الحوامل من ملابسهن للتأكد من حملها وأنها لا تخفي ممنوعات تزعج أمن البلد. وتعرية النساء اللواتي يعالجن من سرطان الثدي، للتأكد من أسباب التنقل عبر الحواجز للعلاج.
أما الرجم وما أدراك ما الرجم، فهي الطامة غير المفهومة. فالذبح على الطريقة الإسلامية من شروطها عدم تعذيب الحيوان الذي حلله الله. فكيف يتمتع هؤلاء الراجمون بتعذيب امرأة بوحشية مفرطة؟
هؤلاء النسوة، لسن بضحايا، فالأقربون أولى بقتلهن، الأب والأخ والزوج وابناء العمومة هم أولى بتقديم القرابين لشرفهم العتيد. هذا بعض ما عندنا من “خيرات”، وهي لا تستحق المراثي والاستنكار وحشد المتضامنين، أما من تقتل على يد “كافر” أو “فارسي” فان القيامة تقوم ولا تقعد… وتحتل “الشهيدة” مكانها بين الصديقين والأولياء الصالحين!!
albakir8@hotmail.com
كاتبة وروائية قلسطينية من لبنان
ندى ومروى بين الإصلاح والمحافظة
لا عاب فوك على ما تنطقين به من درر ايها الكاتبة المبدعة. وأشكر الشفاف على نشر مقالات كهذه.. تبقى الشفاف طليعة الصحف العربية قاطبة بتنوعها ومستواها وذوقها الثقافي المتفرّد..