ندى رغم رقتها ودلالها ونعومتها وقصر عمرها…. إلا إنها نموذج للعطاء والبناء والصمود والبطولة، ومواجهة التحديات الكبرى لأنها عاشت لتبقى أسطورة عظيمة، وندى… للإيمان الخالد.
كما نعرف ان الندى بلل خفيف ورقيق يتجمع بكبرياء… ثم يتحول إلى قطرات صغيرة من المياه الصافية النقية ذات البريق الساحر الجذاب… تتدحرج ببهاء وغرور ثم تتساقط بخفة ودلال لتشكل منظرا رائعا وساحرا…، فالندى من أجمل و أنقى واطهر وأرقى … ما أنجبته الطبيعة… وهو من الأشياء الطبيعية النادرة الحدوث لا يمكن الاستمتاع برؤيته إلا بوجود أرضية شاعرية حساسة مرهفة صابرة تتحلى بروح ألتأمل والتدقيق والرصد والمتابعة والتحليل.
الندى منظر رائع بديع، وصورة خلابة… تحبه العيون وتعشقه القلوب.
وهناك من البشر من يحمل أكثر من صفات الندى الطبيعي (الخير والكرم والتواضع والرضا والسخاء، والعذوبة والدلال والمحبة والجاذبية والصفاء) من خلال اسمه وأخلاقه وتعاملاته وإيمانه الخالد… ليجبر كل من يراه أو يسمع به أن يقف له احتراما وتقديرا، ويشرع له أبواب قلبه وعقله… لامتلاكه قدرة فائقة على اختراق القلوب بدون استأذان أو تحفظ .
ندى الإيمان بركان من الروح البشرية المفعمة بحب الإنسان والإيثار والتفاني في خدمة الآخرين مهما كانوا من أي لون أو ملة أو جنسية… فهي دائمة التفكير بأحوال الأهل والجيران والأصحاب أو من تسمع عن ظروفهم… لا يرتاح لها بال إلا بالاطمئنان عليهم عبر السؤال وتقديم المساعدة والعون بما تملكه ومهما غلا ثمنه أو مكانته، كما أنها تشعر بان لكل شيء مهما صغر حجمه أو قل ثمنه له قيمة عند من يفتقده ويحتاج إليه… ويجب احترام هذا الشيء أو تقديمه إلى من يحتاج إليه… لأنها تؤمن بان قيمة الإنسان بما يعطيه من إنسانية للآخرين لا بما يأخذه، وإيمانها العملي بان كل شيء له قيمة وسيسأل المرء عنها… وان السعادة الحقيقية تكمن في التقوى.
ندى الإيمان عشقت حياة التواضع والبساطة، وزرع الابتسامة في قلوب الآخرين عبر الابتسامة والكلمة الطيبة ومد يد العون والمساعدة… كما إنها تكره الإسراف والتبذير.
ندى ورغم رقتها وخفتها وجاذبيتها ونعومتها وشفافيتها وإنسانية روحها التي تتحطم أمام صرخة طفل أو أنين إنسان محتاج أو صورة مؤثرة في التلفاز…. فهي قوة أمام الجراح العميقة النازفة، والآلام القاهرة، والظروف الصعاب، ومواجهة التحديات الكبرى… فهي صمود وبطولة وإرادة أمام من يريد أن ينال من مبادئها وعزتها ونجاح زوجها وأبنائها.
ندى الإيمان… روح عالية وأمل مشرق وبلسم شفاء على الدوام لكل من يعيش حولها، تتفانى في إسعاد الآخرين وخاصة اقرب الناس وهم أفراد مملكتها الصغيرة زوجها وأبنائها فكانت الزوجة الصالحة والصديقة القريبة والزميلة الصادقة والرفيقة الداعمة والأم الرؤم الحنونة… لجميع أفراد العائلة… وبقت ندى على هذا المنوال رمز العطاء على رغم الظروف والانتكاسات الصحية الصعبة القاهرة التي جعلت من ندى الرقيقة تخضع لأعقد العمليات الجراحية الصعبة المؤلمة التي أدت إلى أن تفقد الوعي … بعد أيام من الغياب عن الوعي تفتح ندى عينيها وترتسم البسمة على وجهها الشاحب الأصفر … محاولة زرع الأمل على وجوه من حولها من أحبابها الخائفين عليها أصحاب الدموع الباكية.
ندى الإيمان الخالد عندما فاقت وتحسنت حالتها قليلا أراد زوجها المحب أن يشكر الخالق على هذه النعمة، ويحقق أمنية لزوجته الغالية.. فقررا زيارة بيت الله وزيارة النبي محمد واله شكرا لله تعالى… برفقة الأبناء الأعزاء فذهبوا إلى بيت الله بمكة المكرمة ومدينة النبي المصطفى بالمدينة المنورة بقلوب متلهفة لخالقها وحبيبها النبي محمد، وكانت الحاجة ندى – التي تشرفت بالحج وزيارة المدينة المنورة أكثر من مرة – في هذه الزيارة أكثر شوقا وروحانية، كما إنها كانت الأكثر حماسا ونشاطا بين أفراد العائلة في أداء الإعمال الواجبة للعمرة الروحانية التي لا تخلوا من تعب وإرهاق رغم وضعها الصحي.
كم كانت ندى الإيمان رائعة وهي ترتدي ثوب الإحرام الأبيض الطاهر أنها صورة ملاك الجنان في صورة بشر، وجهها كان يتلألأ نورا وإيمانا… وكم كانت مرتاحة مطمئنة عند زيارة النبي الكريم محمد ص حيث كانت تحرص على أداء صلاة الفجر عند الحبيب المصطفى، وتقضي الوقت بالصلاة والدعاء للآخرين كما إنها لم تنس في هذا الموضع المبارك “في الساحة المطلة على القبة الخضراء وروضة البقيع” أن تدعوا لابنتها بالزواج من رجل صالح…. لم تخف ندى الإيمان حزنها الشديد مما شاهدته من بعض المناظر التي لا تناسب روحانية الموقع… لقد كانت تملك عقيدة ولائية خالصة.
عادت ندى الإيمان إلى مدينتها بعدما ارتوت من رؤية بيت الله الحرام وزيارة النبي الكريم ص، وارتدت الثوب الأبيض الطاهر على جسدها للأبد… بعد أيام تدهورت حالتها الصحية، وبعد خروج قصير من المستشفى عادت وسلمت روحها الطاهرة المطمئنة الشفافة البيضاء إلى ربها راضية مرضية.
رحلت ندى الإيمان عن عالمنا مطمئنة هادئة طاهرة كما عاشت لتترك الحسرة ولوعة الفراق الأبدي الجسدي في قلوب محبيها…، وتبقى ذكرى روحها الإنسانية الشفافة الحساسة التي تفيض حبا وعشقا وعطاءا للإنسان خالدة في العقول.
ندى حب ولائي وحكاية بطولة وصمود وإيثار وتضحية وفداء، وضمير إنساني حي ينبض بالمحبة للجميع، ويعشق السعادة للآخرين، ندى صاحبة قلب ابيض شفاف، وذات حياة مشرقة تحب الوضوح والبساطة والتواضع والأمل.
ندى ستبقى موجودة بروحها مادام الندى موجودا متلألئ مع الساعات الأولى في كل صباح جميل… ليغسل القلوب ويجليها بروح الأمل والسعادة.
وكل منا باستطاعته أن يكون ندى حيا يفيض بالعطاء للآخرين.
ندى… إيمان خالد سيبقى خالدا في قلوب المحبين.. لأنها خلقت ليتبقى ما بقت الحياة.
ali_slman2@yahoo.com
* كاتب سعودي