هل يذهب “حزب الله” الإرهابي الى القتال في أرمينيا في مواجهة أذربيجان إذا لزم الأمر؟
يعتقد المراقبون أن الهدنة التي أعلن عنها مؤخرا بين القوات الآذرية والانفصاليين الأرمن، بعيد إلتحامهما في مطلع شهر إبريل الحالي ومقتل أكثر من 70 شخصا قد لا تصمد طويلا، بمعنى أن الإشتباكات ستعود وتحتدم مجددا ولن ينفع معها وساطات دولية أو إقليمية كوساطة “مجموعة مينسك” (مجموعة وساطة تأسست في عام 1992 لهذا الغرض بقيادة موسكو وباريس وواشنطون وعضوية ارمينيا واذربيجان وتركيا والمانيا وايطاليا والبرتغال وهولندا والسويد وفنلندا).
أحد أسباب هذا التشاؤم هو أن هدنة سابقة وقعت في عام 1994 لإنهاء الحرب التي بدأت في عام 1994، وخلفت نحو 30 ألف قتيل من الجانبين، لم تصمد وجرى خرقها مرارا وتكرارا. ثم أن الاتصالات وتبادل الزيارات بين القيادتين الآذرية والأرمينية التي جرت في الفترة ما بين 2006 و 2009 سرعان ما توقفت. هذا ناهيك عن فرضية مفادها أن نجاح الروس في إستعادة شبه جزيرة القرم إلى سيادتهم قد جعل الآذاريين أكثر تشددا وتشجعا على تكرار التجربة.
والمعروف أن أساس المشكلة بين الطرفين المتحاربين هو إقليم “ناغورني قره باغ”(تعادل مساحته نصف مساحة لبنان تقريبا ويسكنه نحو 145 ألف نسمة) ذو الأغلبية الأرمنية الذي تتنازع كل من أذربيجان وأرمينيا السيادة عليه، فيما يطالب سكانه بدولة مستقلة تحت إسم “جمهورية الارتساخ”.
وتجسد هذه المشكلة نموذجا لما تخلقه التباينات العرقية والدينية من كراهية. ويكفي المرء، في هذا السياق، أن يتمعن في إسم الإقليم المكون من ثلاث كلمات أولاها “ناغورني” وهي كلمة تعني المرتفعات باللغة الروسية، وثانيتها “قرة ” التي تعني المظلم بالتركية، وثالثها “باغ” التي تعني البستان أو الحديقة بالفارسية، ليعرف مدى المشاكل المعقدة التي يعيش الإقليم أسيرا لها، وتنذر بانفجار صراعات كبيرة. أضف إلى ذلك الخلفيات التاريخية للصراع، والتي نجد تجلياتها في خضوع المسيحيين الارمن والاتراك الاذريين لعدد من الامبراطوريات القديمة في المنطقة، الى ان اصبحوا جزءا من الامبراطورية الروسية في القرن 19. ومع تفكك الامبراطورية العثمانية بعد الحرب الكونية الاولى ثم سقوط روسيا القيصرية وولادة الاتحاد السوفياتي، انفجر التعصب الاثني والديني بين الطرفين، وقام الثوار البلاشفة بتذكيته كي يسهل عليهم إخضاع ودمج كل شعوب روسيا القيصرية في الإتحاد السوفياتي، كما قامت القيادة السوفياتية بعد استتباب الأمور لها باعلان “ناغورني قره باغ” إقليما ذا استقلال ذاتي ضمن جمهورية آذربيجان، إحدى الجمهوريات السوفياتية. ثم جاءت مرحلة اندلاع الصراع العلني في شكله المسلح الحالي مع بداية تفكك الإتحاد السوفيتي وتصويت برلمان الإقليم لصالح الانفصال عن آذربيجان والانضمام الى أرمينيا، قبل أن يعلن نفسه دولة مستقلة، لكن دون نيل إعتراف أي دولة بما في ذلك أرمينيا التي كانت الداعم الأول له.
من أسباب التشاؤم الأخرى لجهة احتمال انفجار الوضع في الإقليم بصورة غير مسبوقة، تدخلات الأطراف الإقليمية تحت مبررات مختلفة، بل مخالفة للمنطق أحيانا. فعلى سبيل المثال فإن نظام الملالي في طهران، الذي يسوق نفسه منذ قيامه في عام 1979 كثورة حامية للشيعة والمظلومين والمستضعفين في كل مكان، منحاز إلى أرمينيا المسيحية ضد آذربيجان الشيعية في نزاعهما حول الإقليم. ليس هذا فحسب وإنما يقوم بتقديم الدعمين المادي والعسكري لأرمينيا ويرسل لها خبراء من الحرس الثوري، كما تقول حكومة باكو. أما ما تبرر به طهران موقفها هذا فهو “حماية الأمن القومي الإيراني”. وبعبارة أخرى، فليـُقتل الشيعة الآذاريون وليذهبوا الى الجحيم طالما أن في ذلك حماية للمصلحة القومية الإيرانية. وقد وجد المدعو حسن نصرالله زعيم ما يسمى بـ “حزب الله” الإرهابي في هذا الموقف الإيراني فرصة ليقول “أن ذهابه إلى سوريا والعراق جاء بمعيار خارج القيد المذهبي وببعد سياسي محض” على نحو ما فصله الكاتب اللبناني مصطفى فحص في صحيفة الشرق الأوسط (13/4/2016). فهل يذهب الحزب الإرهابي، وفق هذا الزعم، الى القتال في أرمينيا في مواجهة أذربيجان إذا لزم الأمر؟ تساءل أحد الكتاب اللبنانيين.
وعلى حين تتدخل طهران في الصراع وتذكيه على نحو ما أسلفنا، فإن أنقرة السنية الإخوانية بقيادة أردوغان تقوم من جانبها بدعم آذربيجان الشيعية لأسباب إثنية وثقافية ، وأخرى ذات علاقة بمصادر الطاقة ونقلها، أو ذات علاقة بالصراع الإقليمي على النفوذ مع كل من طهران وموسكو، خصوصا وأن اي انتصار لباكو يصب في مصلحة أنقرة لجهة توطيد نفوذها ومصالحها في جمهوريات آسيا الوسطى الناطقة بالتركية.
وإذا كان الموقف الإيراني مخالف للمنطق، فإن الموقف الروسي ينطبق عليه الشيء نفسه. يقول الكاتب العراقي المتخصص في شئون آسيا الوسطى باسل الحاج حسن ما معناه أن روسيا بحاجة إلى أرمينيا كحليفة، في ظل تسابق بعض دول الاتحاد السوفياتي السابق للإرتباط بواشنطون والغرب، خصوصا وأن أرمينيا كانت الدولة الوحيدة في المنطقة التي منحتها قاعدة عسكرية استراتيجية على أراضيها. ومن جهة أخرى فإن روسيا بحاجة أيضا إلى آذربيجان بسبب موقعها الاستراتيجي على خطوط إمدادات النفط وكونها جسرا نحو بلدان آسيا الوسطى التي تتصارع القوى الكبرى عليها، ناهيك عن أنها دولة يتنافس القطبان الروسي والأمريكي عليها لجهة تزويدها بالسلاح.
وفي مثل هذه الحالة يقول المنطق بضرورة أن تميل موسكو إلى جانب أرمينيا المشتركة معها في الدين والثقافة، أو تتخذ موقف الحياد بين الجانبين وتقرب وجهات النظر بينما كيلا تتيح المجال لقوى دخيلة باستمالة أحد الطرفين. غير أن الواقع هو أن موسكو الأرثوذكسية صارت في الفترة الأخيرة أكثر إنحيازا إلى باكو الشيعية، بدليل تزويدها بكميات كبيرة من السلاح الحديث، الأمر الذي أثار قلق الرئيس الأرميني “سيرج سركيسيان” وجعله يندد بالموقف الروسي علنا في خطاب عام له في العاصمة يريفان. إذ كيف تزود موسكو غريمة بلاده بالأسلحة في الوقت التي ترتبط فيه موسكو ويريفان بتحالف استراتيجي من أبرز شواهده على الأرض القاعدة الروسية العسكرية في جمهورية أرمينيا.
قد يقول قائل أن السبب هو تناغم السياسات الروسية والإيرانية كما هو حاصل في الملف السوري، على الرغم من تضاد مصالحهما القومية. وقد يقول آخر أن السبب هو جماعات الضغط الآذارية في روسيا، حيث توجد جالية آذارية كبيرة تحول سنويا إلى بلادها ما يتراوح بين 1.8 و4.2 بليون دولار طبقا للزميل باسل الحاج حسن (الحياة 10/4/2016). لكن ما يضعف السبب الأخير أن جماعات الضغط الأرمينية في روسيا أكبر، حيث يتجاوز عدد الأرمينيين هناك مليوني نسمة. إذاً السبب قد يكون له علاقة بالتنافس الروسي ـ الأمريكي المستعر، خصوصا مع المؤشرات التي تفيد بعزم القيادة الآذارية على الإعتماد على السلاح الأمريكي لحسم قضية “ناغورني قره باغ”.
*استاذ في العلاقات الدولية متخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
Elmadani@batelco.com.bh