“كدين” (جبل الأكراد، سوريا)
مراسل “لوموند”: لوي روث
ترجمة “الشفّاف”- لا تختلف عن سواها من قرى “جبل الأكراد” (القريب من “اللاذقية”). فهي قرية فقيرة، وزراعية، وهي بدون كهرباء منذ سقوط المنطقة في ايدي “الجيش السوري الحر” في الربيع الماضي. قرية مثل غيرها، ولكنها تختلف عن غيرها. ففي “كدين” لا تضع النساء الحجاب، ويميل الرجال إلى الصمت والحذر. فهي قرية “مُرشِدية” (في الصورة، مؤسس الطائفة “سلمان المرشد”، بالطربوش” في البرلمان السوري في ١٩٤٥، قبل عام من إعدامه). التي تُعتبر طائفة منشقّة عن الطائفة العلوية التي تشكل، بدورها، طائفة صغيرة من طوائف الشيعة. وينظر سنّة سوريا إلى “المُرشدية” كجزء من الطائفة العلوية، طائفة عائلة الأسد، مع أن العلاقات بين العلويين والمرشديين شهدت توتّرات في الماضي.
ولكن سكان “كدين” (حسب “الفايس بوك”، سقطت ٤ صواريخ على قرية “كدين” في ٢٨ يوليو ٢٠١١) بعكس سكان القرى العلوية الأخرى التي فتحها “الجيش الحر”، لم يفرّوا عند وصول الثوار. وهم يواصلون زراعة التبغ، والتفاح والرمان. ويتنقل الفلاحون على ظهور الحرير بين “جُلول” مسنّدة بالحجارة. ويشكل مصير “كدين” اختباراً حاسماً لمقدرة الثوار على حسن التعامل مع الأقليات التي يعتبرونها قريبة من النظام: العلويين، والمسيحيين، والمرشديين، والدروز.
ويقول أحد سكان قرية “مجل خيكيا” المجاورة أن “المرشديين إخواننا، وكانت علاقاتنا بها دائماً حسنة. نحن نشتري منهم التبغ، ونبيعهم الزيتون”.
وفي الظاهر، تسود علاقات حسنة بين سكان القرية والثوار، ويقول سكان القرية للصحفي الفرنسي العابر بقريتهم: “تابع طريقك، كل شيء على ما يرام هنا. نحن لا نبحث عن مشاكل. لا تشغل بالك بنا، إرحل”.
ولم يقبل بالتحدث إلينا، لدقائق قليلة، “وبصورة شخصية”، سوى أستاذ المدرسة، “أبو أسد”! ويرخي “أبو أسد” شاربيه على الطريقة البعثية، وليس لحيته على الطريقة السنّية. ويقول: “نحن لسنا لا مع النظام ولا مع الثوار. نحن مع الدولة السورية، وليس مع فلان أو فلان”. ويثير كلامه الحذر سخرية الثوار الذين يقولون: “المرشدية ينتظرون لمعرفة من سينتصر في نهاية المطاف ليقفوا إلى جانبه”!
وبالإنتظار، يسعى الجانبان المتصارعان لكسب الطائفة الصغيرة إلى جانبهما. فقد أطلق “الجيش الحر” سراح ١١ مُرشِدياًً كان قد تم أسرُهم أثناء معركة “الحفّة” في حزيران/يونيو الماضي. كما وافق “الجيش الحرّ” على شروط أهل القرية: وهي أنه يحق له عبور القرية، ولكن لا يحق له التمركز فيها لمهاجمة المواقع الحكومية. وكان جيش النظام قد وافق، قبل ذلك، على الشروط نفسها. ويقول “أبو أسد”، وهو يلفّ سيجارته: “لسنا مع الجيش الحر، ولكننا لسنا ضد الجيش الحر”. ويتيح هذا الحياد للموظفين من أبناء القرية الإستمرار في قبض رواتبهم حتى لو تعذّر عليهم الذهاب إلى العمل، مثل “أبو أسد” الذي كان يدرّس في مدرسة بمدينة “حلب” التي تمزّقها المعارك اليومية. وبصورة عامة، فإن الدولة السورية تتوقف عن دفع رواتب موظفيها الذين يظلون في المناطق التي يحتلها “الجيش الحر” عقاباً لهم.
ومن أصل سكانها البالغ ١٠٠٠ نسمة، فإن القرية تضم ٢٠٠ موظف حكومي، حسب أقوال “أبو أسد”. وتلك نسبة كبيرة جداً. ويقول أحد سكان القرية السنّية المجاورة: “نحن، بالعكس، لم يكن يحق لنا بالوظائف الحكومية، وإذا حصل أحدنا على وظيفة حكومية فإنه كان يدفع رشاوى كبيرة”. ومع أنه يتحدث عن المُرشديين على أنهم “أخوته”، فإنهم لا يخفي عَزمَهُ، بعد الثورة، على استرجاع اراضي جدّه التي كانت السلطات قد وزّعتها على المرشُديين أثناء الإصلاح الزراعي الذي قام به حافظ الأسد بإسم “الإشتراكية” البعثية.
إن المدرّس “أبو أسد” هو رئيس خلية حزب البعث في القرية، ولا يختلف عرضه لـ”الأحداث” السورية عن وجهة نظر النظام: “حادث أمني صغير ضخّمته قوى أجنبية تريد زعزعة استقرار سوريا”. ويضيف ملمحاً إلى الثوار: “الحل يمرّ بالحوار، وليس بالعنف. ينبغي أن يكون هنالك حكومة وأن تدافع عن شعبها، أليس كذلك؟”
وقبل مغادرتنا قريته، فقد طلب منا أن ننقل طلباً إلى قائد “الجيش الحر” المتمركز في “سلمى”، الت تبعد ١٠ كيلومترات: “هل يمكن لكم أن تطلبوا منهم إطلاق سراح أحد شبّاننا الذي خطفوه في مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر، إذا كانوا هم الذين خطفوه؟ إسمه “أيمن تويت”، ونحن مستعدون لدفع فدية. ولكنني لا أرغب بالذهاب إلى “سلمى” حتى لا أتعّرض للخطف”!
إن التعايش الطائفي في سوريا ما بعد الأسد ما زال مسألة غير محسومة حتى الآن.
(نرجو من قراء “الشفّاف” تصحيح أي خطأ في أسماء القريتين).