من المُفترض أن يُجيب المؤتمر الإستثنائي الذي سيعقده الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) يوم 26 فبراير 2016 [لإنتخاب رئيس جديد خلفاً للسويسري جوزيف بلاتَر] على هذه التساؤلات الأولية، ويَعمَل على توجيه دفة هذه الاتحاد القاري إلى شواطيء أكثر هدوءاً، بعد الأحداث الصادمة التي عَصَفَت به خلال العام المُنقضي. ولا شك أنَّ الشرط الأساسي لتحقيق ذلك هو اعتماد الإتحادات الوطنية العضوة في الفيفا – التي تزيد عن 200 اتحاد – للتدابير الإصلاحية [التي تقدمت بها لجنة الإصلاح في موفى ديسمبر المنقضي]، الأمر الذي يُرجَّح تحقيقه في ضوء الضغوط المتواصلة التي تمارسها السلطات القضائية في كل من الولايات المتحدة وسويسرا على الفيفا.
ويبقى السؤال مطروحاً حول إحتمال لجوء القضاء إلى إستعراض عضلاته تارة أخرى قبيل إجتماع الجمعية العامة المُقبل، ويعمل على إرباك الكونغرس الكبير لمسؤولي الفيفا المُنعقد في زيوريخ من خلال المزيد من الإجراءات، سيما وأن هناك ما يكفي من الأسباب للقيام بذلك.
ولا شك أن الأحداث التي توالت منذ نهاية مايو المُنقضي لم تكن هينة، حيث شَهِدت الفيفا مجموعة من الاعتقالات والتسريبات والإعترافات وإجرءات الحَبس وعدد من الاستقالات على نحوٍ لم يكن يُعتبر مُمكنا قبل التدخل المُشترك للجهات القضائية الأمريكية والسويسرية في موفى شهر مايو المنصرم. وبضربة واحدة، لم تَعُد الفيفا ما كانت عليه في السابق، كما أنها لن تكون كذلك لفترة طويلة أيضاً.
ولم يَتَبقّ من منظمة كانت تَعتَبِر المَساس بها أمراً مُستحيلا وتعيش في كوكبها الخاص، سوى كيان هش وجد نفسه مُضطراً للخضوع لإشراف محامين أمريكيين بدرجة كبيرة، ويتخذ منذ ذلك الحين كل ما بوسعه من إجراءات لكي لا يبدو بموقف المُذنب من الناحية القانونيه، ولكن بوصفه ضحية تجاوزات إرتكبها أشخاص فرديين. ولا شك أن حقيقة إعتقال سيب بلاتر (79 عاماً) رئيس الفدرالية الدولية لكرة القدم، وميشيل بلاتيني رئيس الاتحاد الاوروبي لكرة القدم وجيروم فالكه الأمين العام السابق للفيفا – وهم المسؤولون الرئيسيون الثلاثة لعالم كرة القدم – وإعفائهم من مناصبهم، هي ذروة الأحداث الدرامية للفيفا التي يمكن أن تكون جزءاً من فيلم سينمائي كتب أحداثه بالأساس أعضاء مجهولون في لجنة الأخلاقيات المُستقلة التابعة للفيفا، التي كثيراً ما كنت مدعاة للتهكم للسخرية في السابق.
بلاتر غير نادم
ومع توالي الأحداث، لم يكن الرأي العَبَثي الذي تبنّاه رئيس الفيفا المطرود من الساحة سيب (جوزيف) بلاتر، والمُتمثل بِعَدَم خضوعه للجنة الأخلاقيات بوصفه رئيساً لهذه المنظمة العالمية، سوى محاولة يائسة لرجل مَثَّل سمعة الفيفا بكل بريقها لأربعة عقود، لعَدَم الإعتراف بالتحول التاريخي الحاصل في عالم كرة القدم.
ومن الواضح أن الحقبة الجديدة للفيفا تقتضي الكثير: حَصْر مدة الولاية الرئاسية، الشفافية في الأجور، الفَصْل بين الوظائف ‘السياسة’ والإدارية، إيضاح الوضع القانوني والإدارة النظيفة، مشاركة الأسرة المعنية بكرة القدم برُمَّتِها في عملية صنع القرار، تَحسين كفاءة اللجان وخَفض عددها، إصلاح برامج التنمية والمناقصات العادلة – وهي قضايا يُفترض أن تؤدي بمجملها إلى التطور الطبيعي لأي منظمة. ولكن هذه المواضيع، وبالرغم من إنفاق ملايين الفرنكات على ما يُسَمّى بإعادة الهيكلة، أهملت بشكل سافر في الماضي.
في الأثناء، يطرح السؤال حول هوية الشخص الذي يُفترض أن يقود الفيفا إلى عصرها الجديد. الاتحاد الدولي لكرة القدم من جانبه أعلن رسميا تنافس خمسة مرشحين لخلافة بلاتر. وقد باتت التكهنات بشأن إحتمال إنسحاب رجل الاعمال الأفريقي الجنوبي طوكيو سيكسويل (62 عاماً) قبل الانتخابات مُرجحة أكثر فأكثر، سيما وأن الحَملة التي قادها لرئاسة الفيفا ظلت غائبة عن الأضواء إلى حَدٍ كبير.
أما المُرَشَحَين المُفَضَلين فهما البحريني الشيخ سلمان بن ابراهيم آل خليفة (49 عاما)، والمحامي السويسري جياني إنفانتينو (45 عاماً)، الذي حصل على دَعم الاتحاد الاوروبي لكرة القدم (اليويفا) كمُرَشَّح بديل عن ميشيل بلاتيني الذي أوقفته لجنة الإخلاقيات في شهر ديسمبر عن مُمارسة أي نشاط لمدة ثماني سنوات.
الشيخ سلمان من جانبه [الذي يشغل منصب رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، والعضوٍ في اللجنة التنفيذية بالاتحاد الدولي لكرة القدم] يؤيد صعود دول الخليج، التي تسعى – مثلها مثل قطر – إلى توسيع نطاق ثقلها الاقتصادي إلى عالم الرياضة أيضاً. وبالنسبة لـجياني إنفانتينو، يتعلَّق الأمر بالعمل على تأمين الاتحاد الأوروبي لكرة القدم النفوذ الذي تستحقه أوروبا داخل الفيفا بوصفها مركز الثقل الرياضي والتجاري لكرة القدم العالمية. ويرى المحامي السويسري أن وجود اتحادٍ أوروبي لكرة القدم معزول عن الفيفا لن يكون نقطة انطلاق جيدة لمستقبل الأخيرة، بسبب حاجتها للاتحاد الاوروبي لكرة القدم، لكن اليويفا من جانبها ليست بحاجة للفيفا. وفي حال فوز الشيخ سلمان برئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم، سوف يتوقف الكثير على الأصول التي تنحدر منها الشخصيات الرئيسية في الإدارة.
جيروم شامباني: برنامج مدروس يفتقر للدعم
وفي حالة انتخابه رئيساً للاتحاد الدولي لكرة القدم، يَعِد جياني إنفانتينو بزيادة عدد المنتخبات المشاركة في نهائيات كأس العالم من 32 منتخباً إلى 40، وهي خطة لا تَحظى بتأييد خبراء كرة القدم كما تجد مقاومة في صفوف أندية كرة القدم الكبيرة أيضاً. على الجانب الآخر، يُحتَسَب إستغناء الفرنسي “الدخيل” جيروم شامباني (57 عاماً) – الذي يحتاج لكل صوت يمكن الحصول عليه لمُجَرَّد إجتياز الجولة الاولى من التصويت – عن مثل هذه التصريحات لصالحه، تماما مثل برنامجه المدروس الذي – وإن لا يُشترط الإتفاق على جميع نقاطه بالضرورة – يعكس تفهماً كبيراً للمشاكل التي تواجهها كرة القدم العالمية.
ويُعاهد شامباني في حال ترأسه للفيفا، بالسعي لتحقيق توازن مالي أكبر بين الأندية الرياضية الفقيرة وتلك التي أصبح تفوقها المالي يتزايد باستمرار. ولكن هذا المقاتل الوحيد [الذي عمل خلال فترة ولايته في الفيفا التي إستمرت 11 عاماً كأمين عام مساعد للاتحاد الدولي لكرة القدم ومدير للعلاقات الدولية ومستشار سياسي لـ بلاتر]، والذي أقاله الرئيس السابق للفيفا كأحد المعاونين الأقرب، لا يتمتع بقاعدة نفوذ عريضة مثلما هو الحال مع الشيخ سلمان [الذي يحظى بأكبر نسبة من الأصوات خاصة بعد اتفاق التعاون الموقع بين الاتحادين الآسيوي والافريقي، والذي بدا وكأنه اتفاق انتخابي]، أو إنفانتينو الذي يلقى دعم الأصوات الأوروبية [فضلاً عن دَعم اميركا الوسطى والجنوبية].
وهكذا يبقى الأمير علي بن الحسين (39 عاما) من الأردن، الذي – وعلى الرغم من فوزه بـ 73 صوتاً لا يُستهان بها في الجولة الأولى لانتخابات الفيفا الرئاسية في موفى مايو 2015 – لن يتمكن من تكرار هذه النتيجة، لأنّه حظي حينئذٍ بمساندة الاتحاد الأوروبي ضد سيب بلاتر بوصفه مرشح الإحتجاج. ومع غياب هذا الحافز اليوم إثر إبعاد بلاتر، يكون السؤال الأهم هو: إلى مَنْ ستذهب أصوات الأمير علي بعد خروجه من السباق – إلى الشيخ سلمان أو إنفانتينو؟
فَمَعَ إحتساب كل صوت في النهاية، لا شك أن النقلة التي ستحققها الأصوات المضمونة إلى حد ما، والتي سيحملها المرشحان معهما الى “اللعبة النهائية” التي يحتاج الفائز فيها لأغلبية 105 صوت من أصل 209 كبيرة. وفي الظروف الراهنة، من المُرَجِّح أن تكون النتيجة مُتقاربة جداً، إلّا إذا إتفق المُرشحان الرئيسيان في اللحظة الأخيرة على قيادة جديدة للفيفا يترأسها الشيخ سلمان مع الأمين العام الجديد لليويفا إنفانتينو كرئيس للإدارة، والتي تبدو حلاً عمليا.
بَيد أنَّ المُرشَحَين يُعارضان مثل هذه الفكرة إلى اليوم. وفي الأثناء، ما تزال أجواء الحملة الإنتخابية متواصلة، وقد يحدث الكثير حتى حلول يوم الجمعة 26 فبراير- بدءاً بالمزيد من إجراءات الشرطة وحتى التوصل لِعَقد اتفاق بين المرَشَحَين حول توزيع مُشترك للسلطة في اتحاد جديد لكرة القدم.
ولا شك أن الأحداث التي توالت منذ نهاية مايو المُنقضي لم تكن هينة، حيث شَهِدت الفيفا مجموعة من الاعتقالات والتسريبات والإعترافات وإجرءات الحَبس وعدد من الاستقالات على نحوٍ لم يكن يُعتبر مُمكنا قبل التدخل المُشترك للجهات القضائية الأمريكية والسويسرية في موفى شهر مايو المنصرم. وبضربة واحدة، لم تَعُد الفيفا ما كانت عليه في السابق، كما أنها لن تكون كذلك لفترة طويلة أيضاً.