يبدو ان تيار المستقبل ليس متحمسا لاسقاط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ولا يريد لهذه الحكومة ان تستقيل ولو لم تقر بند تمويل المحكمة الخاصة بلبنان. (وعموم حلفائه من قوى 14 اذار بدرجة اقل). وتتضح هذه الصورة كلما اقتربنا من استحقاق التمويل، ومع اتضاح صورة الموقف للاكثرية في هذه الحكومة بقيادة حزب الله، بات جليا ان تمرير بند التمويل ليس متاحا مهما كانت حماسة وقناعة او حكمة الرئيس ميقاتي ومن يجاريه في الحكومة، في تحاشي خوض لبنان اي مواجهة يرى هو ان لا طائل منها مع الامم المتحدة ومجلس الامن.
واذا كان قالها بالفم الملآن نصفه، انه سيستقيل من رئاسة الحكومة اذا لم تمول، فثمة من يتخوف في تيار المستقبل من ان يفعلها ميقاتي ويستقيل، لأن في ذلك مزيد من الارباك لهذا التيار الذي يعاني من شيخوخة مبكرة، لم تفلح المعارضة التي انتهجها في الحد من مظاهرها ولجمها. فـ”استقالة ميقاتي” تثير الى القلق، حيرة لدى البعض الآخر في تيار المستقبل اذ يؤكد هؤلاء انه ليس قادرا على القيام بهذه الخطوة. باعتبارها خطوة لا يملك مقاليدها بل هي في عهدة من جاء به: النظام السوري و حزب الله. وهذان الطرفان وعلى عهدة “المستقبل” لن يفرطا بجزء من السلطة في ظرف سياسي هما احوج ما يكون الى موقف لبناني رسمي وامني وعسكري، يعضد النظام السوري في مواجهة ثورة الداخل وتحدي الخارج الاقليمي والدولي.
لكن هل من احتمال آخر يجمع بين تنفيذ قرارالاستقالة وحفظ مصالح النظام السوري في لبنان؟
هناك احتمال آخر وربما اكثر… ففي سياق تجدد المواجهة الحتمية المتصلة بالمحكمة الدولية، ومع اتضاح الموقف الرافض للتمويل، ثمة من يعتقد ان الرئيس ميقاتي او التاجر المحنّك، والذي ينأى بنفسه كما تدل سيرته السياسية عن خوض المواجهات الحادة او المعارك الخشنة، لن يذهب الى النهاية ووحيدا في قرار الاستقالة، وهو اذ يدرك ان الرئيس ميشال سليمان يشبهه في تجنب الاحلام المزعجة، يعلم ايضا انه هو من يحمل اثقال المحكمة والموقف منها لانه في ميزان حسابات زعامته السنية، فيما الرئيس سليمان يبقى اكثر تحررا من هذه الاثقال، فهو يمكن ان يستمر في اتباع فضيلة الصمت خصوصا اذا كانت هذه الفضيلة لن تخل في ميزان التصويت داخل مجلس الوزراء، والمائل بقوة لصالح المعترضين على المحكمة وتمويلها.
ولكن ماذا اذا استقال الرئيس ميقاتي؟
هذه الاستقالة المترتبة على رفض الحكومة المتوقع بالتصويت لبند التمويل ، ستزيد من شعبية الرئيس ميقاتي سنيا، ليس فقط من المتسربين من تيار المستقبل، بل حتى من تيار المستقبل نفسه الذي سيجد نفسه امام قدر تبني الرئيس ميقاتي كمرشح وحيد له لرئاسة الحكومة كما يرجح بعض قيادات المستقبل. وهو تبن يعكس الى التضامن مع هذا الموقف، انسجاما مع مسار اجتناب “المستقبل” السلطة التنفيذية في هذه المرحلة ، باعتبارها رجسا من عمل الشيطان، ما دام المشهد السوري على حاله، ولم ينتقل الى طور جديد او نظام مختلف. وفي المقلب الآخر ومع نظرته التشكيكية في قدرة ميقاتي على الاستقالة، يرجح احد قيادات تيار المستقبل ان الاستقالة فيما لو “ارتكبها” ميقاتي، ستكون في سياق الانتقال الى مرحلة جديدة عنوانها حكومة تصريف الاعمال، وهو انتقال مدروس ومنظم مع القيادة السورية وحزب الله، يخفف عن الرئيس ميقاتي اثقال المواجهة مع حلفائه من جهة، ويحد من تداعيات عدم التمويل عليه شعبيا من جهة ثانية، والذريعة هي الوضع الحكومي المستجد.
ازاء ذلك كله لا يمكن التكهن بكيفية تعامل الرئيس ميقاتي وحزب الله مع بند التمويل، ولا المخارج التي قد يتم من خلالها تلافي الاحراج المتبادل، فضلا عن الاحراج الدولي. وهو ما ينكب عليه الطرفان رغم المواقف المعلنة. واذا كان الشيخ نعيم قاسم قد اشار امس الى بحث لم يستكمل على هذا الصعيد، مشيرا الى التصويت والديمقراطية العددية كنتيجة حتمية لعدم التوافق في مجلس الوزراء ملزمة لكل الوزراء، فان هذا الموقف يعكس تطورا نوعيا في خطاب حزب الله يجب التنويه به خصوصا من قبل خصومه، فحزب الله الذي اشترط دائما التوافق ، في مسار اقرار المحكمة الدولية وسواها مما يدرجه ضمن الملفات الخلافية، صار اليوم يؤمن بالتصويت كبديل للتوافق و”الميثاقية” الذي طالما رفعه في وجه الاكثرية السابقة في الحكومة ومجلس النواب.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني- بيروت
البلد