لنبدا بـ”مفاجأة” الثورة السورية: معظم الناس فوجئت بـ”اندلاع” الثورة السورية
خصوصاً بعد تنظيرات أن “سوريا ليست مصر” التي أدلى بها كثير من المحللين! والمفاجأة الثانية كانت بسالة السوريين التي غيّرت “نظرة الناس” للشعب السوري. الآن، يبدو “السوري” عملاقاً في نظر شعوب العالم، بعد أن كان مخلوقاً بائساً (في نظر الناس) خلال ٥٠ عاماً!
هل كانت هذه الثورة، وبسالة الثوار، مفاجأة لك؟
ميشال كيلو: الثورة لم تكن مفاجأة بالنسبة لي. لأسباب كثيرة، اولها الفكرة التي تقول ان الثورة تكون حتمية في المجتمعات التي تتناقض فيها مصالح النظم مع مصالح الشعوب واحلامها. كما أنها لم تكن مفاجأة لأنني بكل تواضع كنت من الذين عملوا كثيرا لها. وعلى سبيل المثال، انا صاحب وجهة النظر التي كانت ترى في السياسة فاعلية مجتمعية مباشرة وليس مجرد نشاط حزبي او نخبوي والتي قالت أن موضوع السياسة الرئيس يجب ان يكون “الحرية” وليس أي شي آخر، وأن حامل السياسة هو الفرد الحر وليس النخبة او الجماعة او الخ.. وانه عندما يتحول شأن الفرد الخاص إلى شأن عام، ويرى الفرد في الشأن العام شأنه الخاص تقع الثورة.
هذا الذي جرى في البلدان العربية حيث كانت الثورة فاعلية مجتمعية وليس حزبية او نخبوية. وحيث كان موضوعها حرية الفرد او الحرية، وهذا اكّد التنظير الذي كنت ادعو له وانشره.
الثورة في سوريا لم تصنعها طليعة او حزب او نخبة، وانما صنعها مجتمع لم يعد يستطيع تحمّل ما يتعرض له من ظلم متزايد.
وصنعها انسان حريته هي مطلبه الوحيد. حوّل شأنه الخاص إلى شأن عام، وحوّل الشان العام إلى شأن خاص وخرج إلى الثورة.
لكنني بصراحة كنت انتظر هذه الثورة بصورة مختلفة.
اعتقدت انها ستكون كثورة مصر وتونس، لحظة قصيرة وسريعة، كما كان يتصورها لينين. ولم اعتقد أن النظام سيستخدم كل ما لديه من قوة ضد الشعب، وسيحارب شعبه كما لم يحارب اي عدو من قبل.
وسيتخذ هذا الموقف من “الحرية” التي هي احد شعارات حزبه.
كما لم اعتقد أن الشعب سيتحمل كل هذا الألم وكل هذه التضحيات والخسائر، وأنه سيواصل الموت من اجل حياة حرة. وسيصمد وسيتمكن في النهاية من كسر آلة قمعية منظمة إلى ابعد حدود التنظيم، ووحشية إلى ابعد حدود الوحشية.
لقد فاجأني الشعب السوري كما فاجأ العالم.
قبل فترة، التقتيت بزعيم فلسطيني وقلت له ان شعبنا تعلّم في مدرسة الإنتفاضة، فقال لي “شعبكم لا مثيل له في التاريخ”!
فوجئت بالنظام حتى بعد ما فعله بـ”حماه”؟
كيلو– فوجئت بعد “حماه”. في حماه كان هنالك اقلية اسلامية مسلحة ومعزولة عن جمهور المدينة وعن الريف، وعن بقية القوى السياسية. وكان هناك غطاء عربي ودولي هائل للنظام، وغطاء داخلي. وكان النظام في بداية “تكليف اميركي” له بالسيطرة على المشرق. وكان المجتمع السوري مؤيداً في اقسام كثيرة منه لسياسات النظام، وان لم يكن مؤيداً لوحشيته. أما اليوم فالمسألة ليست جماعة معزولة بل هي شعب، ولا يوجد دعم عربي ودولي للنظام رغم الدعم الروسي، وليست الارياف ضد المدن، ولم تبدأ الثورة بنخبة مسلحة بل بدأت بشعب ما لبث ان حمل السلاح.
حسابات الأسد الأب كان لها مكان في السياسة، أما حسابات الإبن فليس لها مكان الا في الهجمية. وأنا اتصور انه لو كان الأب حياً فربما كان سيتصرّف بطريقة مختلفة لاحتواء المجتمع السوري عن طريقة ابنه التي اخرجت
بالعنف النظام َمن المجتمع ووضعت المجتمع في مواجهة النظام.
قلت لي سابقاً أن الجملة الوحيدة التي أدخلتها أنت في “نداء روما”، الذي انتقدته أنا في “الشفاف”، كانت عن “حق الشعب في حمل السلاح للدفاع عن نفسه”! هل تعطينا فكرة عن “لقاء سانت ايجيديو”، ومن شارك فيه، وهل كان له صدى لدى النظام أو المعارضة؟
كيلو– تم اللقاء بدعوة من جمعية “سانت ايجيديو” المشهورة بنزعتها السلمية وادوارها في النزاعات والتي تقوم بدور اغاثي مرموق في سوريا.
ودُعي إلى اللقاء جميع اطراف المعارضة باستثناء المجلس الوطني والجيش الحر، بطبيعة الحال. ليس لأن الجماعة ارادت استبعاد المجلس والجيش الحر ولكن لأنها ربما اعتقدت انهما لن يشاركا في الدعوة على كل حال.
كان الأساس الذي اعتمد في لقاء روما هو خط المعارضة العام. يعني تحميل النظام مسؤولية العنف في البلد، وتحميله مسؤولية الإحتجاز السياسي السائد، وتحميله مسؤولية القتل والدمار. وبالمقابل، القبول بمطالب الشعب وحقه
في الحرية وحقوق الإنسان، والإقرار بحقه في الدفاع المشروع عن النفس، الذي يعني حقه في حمل السلاح دفاعاً عن نفسه.
وفي النهاية، قيل ما نعتقد به جميعاً وهو أن الحل ليس في السلاح وأنه سيكون هناك تسوية سياسية مع اطراف من النظام ستترتب (أي التسوية) على المقاومة التي يمارسها الشعب السوري.
هذا في الخط العام هو خط المعارضة السورية. وليس فيه اي خروج على خط المعارضة.
ولكنك تعلم أن ساحة المعارضة السورية هي ساحة تنافس واقصاء، وليست ساحة تكامل وتواصل وتفاعل. لذلك ما يفعله هذا الطرف يدينه ذاك، وهكذا.
إجمالا، كانت ردود الأفعال تتراوح بين اتهامه انه اقرب إلى الصدور عن جماعات حقوق انسان منه عن جماعات سياسية معارضة، وبين القول بأن ما تضمنه النداء يمثل تراجعاً عن مواقف المعارضة.
لكنه فات اصحاب الرأي الأخير أن من صاغوا وثائق القاهرة التي عارضها المجلس الوطني في البداية، لعبوا دوراً في صياغة نداء روما ايضا. وأن المزايدات لا تصنع سياسية.
ثم انني اقول أن هناك دائماً خط ادنى وخط اعلى لأي خط سياسي، وان من حق من يعمل في السياسة أن يتبنى الحد الأعلى احيانا، والأدنى احيانا اخرى، دون أن يعتبر مارقاً أو متراجعاً، ودون أن يعتبر خارجاً عن قيم العمل الوطني.
أنت لا تتبنى نفس اللغة حيال جميع الأوساط. وهناك من تتحدث معهم عن السلام والحلول السياسية، وهناك من تتحدث معهم عن المقاومة والسلاح. وانت ترى في الحلول الوسط والتسويات السياسية، كما في السلاح، عناصر تتكامل ولا تتناقض.
اقول مرة اخرى ليست المزايدة بيئة صحيحة لصنع السياسة.
– أنت صديق لروسيا، فهل يمكن أن تعطينا فكرة عن نتائج زياراتك لروسيا؟ وما هو تقييمك للموقف الروسي؟ هل يمكن تغييره؟
كيلو– انا اعتقد، سواء كنت احب الروس او اكرههم، انه لا يوجد حل في سوريا دون مراعاة روسيا ومصالحها.
ليس فقط لأن الغرب يقر لروسيا بمصالح متميزة في سوريا، بل كذلك لأن روسيا تستطيع أن تطيل امد النزاع في سوريا اذا لم تؤمَّن مصالحها التي هي مصالح تاريخية ومشروعة وتتفق مع الوطنية السورية.
من يريد أن ينسى دور سوريا في تاريخ سوريا هو حر، ولكن العلاقات معها كانت دوما جزءا من بناء الوطنية السورية، ومن بناء الدولة السورية. هذا لا يجوز أن ننساه خاصة انه ليس لروسيا مصلحة في تدمير الدولة
والمجتمع السوريين، وإنما هذه المصلحة هي اميركية اسرائيلية.
ذهبنا الى روسيا بعد غيرنا بفترة طويلة. لكننا لم نذهب كحلفاء لخصوم روسيا كما فعل غيرنا. ولم نذهب كي نلوي ذراع روسيا، وانما ذهبنا لإقناعهم بأن سياساتهم خاطئة، وانها تضر بهم وبنا، ما دامت اطالة امد الصراع في
سوريا تفيد القوى المتطرفة والمذهبية والغرب واسرائيل ولا تفيد الشعب والقوى الديمقراطية السورية.
وقدمنا لهم تحليلاً مسهباً للأوضاع في سوريا مليئا بالوقائع والأرقام والأسماء والتواريخ، وقلنا لهم بكل صراحة أن سياساتهم خاطئة وانهم يساهمون من حيث لا يريدون في تدمير سوريا، وانه لا يعقل أن لا يكون لهم علاقة مع أي احد في سوريا، بعد ٦٠ عاماً من العلاقات المميزة، غير قلة من القياديين السوريين الذين يقتلون شعبهم.
وأنه لا يجوز أن يفاجأوا أذا كنا نحب سوريا ضدهم. فنحن في النهاية نريد مصالح شعبنا، وندافع عنه ولا ندافع عنهم او عن مصالحهم. ونريد أن نريهم حقيقة الأمور والتشابك المفترض بين مصالح الشعب السوري والمصالح الروسية، الذي يهملونه ويلقون به في سلة المهملات من اجل بشار الأسد.
استمع الروس |إلى ما قلناه، وقال لافروف لنا: ان روسيا لا تتمسك بالنظام ولا بالأسد، ولكنها تخشى البديل.
وتخاف أن تفقد الموقع السوري المهم جداً بالنسبة لها.
فكررنا كلامنا حول اطالة الصراع باعتباره تقوية للمتطرفين والاسلاميين وقلنا لهم أن سياساتكم تلحق بكم ضررا فادحاً وتؤدي إلى عكس النتائج التي تريدونها.
فقال انهم يريدون ان يكون هناك حوار بين المعارضة والنظام. فأجبناه: انتم وقعتم مع الأربعة الكبار في جنيف وثيقة تدعو إلى انتقال ديمقراطي في سوريا، هذا يعني أنه لا يجوز لكم أن تدعونا إلى حوار لا يؤدي إلى ديمقراطية في بلادنا، وبالتالي الى حوار مع قوى غير ديمقراطية داخل النظام.
هاتوا لنا قوى من داخل النظام قررت التخلي عنه والإنتقال بسوريا إلى الديمقراطية، ونحن سنحاورها على موضوع واحد هو الإنتقال الديمقراطي. فقال: وماذا نفعل بالأسد؟ الأميركيون يطالبوننا بأن يأتي إلى موسكو. فقلنا يستطيع أن يذهب إلى فنزويلا او إلى ايران حيث يمكنه أن يصبح “حجة الإسلام” أو “آية الله”!
فضحك لافروف ومن معه.
عندما ودّعنا، كرر الكلام عن الحوار، وكررنا تذكيره بالتزام روسيا الديمقراطي الرسمي في سوريا.
انطباعي العام انه كان في بعض لحظات الحوار يشعر بصعوبة موقفه. وأنه كان يحاول احيانا تغييرالموضوع. واظن ان هناك احساسا عميقا لدى الروس بأنهم يخسرون في سوريا، لكنهم لا يعرفون كيف يخرجون من الورطة التي حشروا انفسهم فيها عبر تأييد بشار الأسد، وعبر الضغط الغربي والتركي وبعض قوى المعارضة عليهم.
كانوا يسألون كل الوقت ما البديل؟ واعتقد انه اذا توفر بديل وطني يحافظ على تاريخية العلاقة معهم، فإنهم سيتخلون عن الأسد وعن النظام.
كنت أول من دافع عن الجنرال مناف طلاس ورحّبت به بحرارة، لماذا؟ ما هو الدور الذي تأمل أن يلعبه؟
هل يمكن أن يلعب دوراً في إقناع قيادات عسكرية من النظام، خصوصاً قيادات علوية، بالتخلي عن بشار الأسد.
اقترحت أن يكون وزير دفاع او رئيس حكومة انتقالية لثلاثة اشهر
كيلو– كنت أول من تحدث بموضوعية عن مناف طلاس. فأنا قلت ما اعرفه ولم احاول تجميل صورة مناف طلاس.
وقلته عن خبرة. وادلة وشواهد، تثبت أن مناف طلاس ليس سفاحا ولم يشارك في المجازر ولم يشارك على الحل العسكري الحربي الأمني، وكان مؤمنا بأن النظام لا يمكن أن يبقى على ما هو عليه، وأنما بجب أن يدفع ثمن التغيير. وقد ذكرته في موسكو امام باب وزارة الخارجية، ولم اذكره داخل الإجتماع مع لافروف.
واقترحت أن يكون وزير دفاع او رئيس حكومة انتقالية لثلاثة اشهر.
فقامت الساعة ولم تقعد.
من نفس الأشخاص والجهات التي امتدحته بعد اسبوع وقالت فيه كلاماً ايجابياً لم اقله انا فيه.
في اعتقادي أن مناف طلاس سينتهج خطاً في العمل المعارض يختلف عن خط الجيش الحر، وانه لن ينزل إلى الميدان والبندقية في يده، بل سيعمل على عقلنة المقاومة عسكرياً، واضعاف النظام، والضغط عليه من داخله.
بهدف ابعاد “العائلة الفاسدة” كما اسماها مناف نفسه.
ومع انني لا اعرف ان كان مناف على صلة مع ضباط في الجيش ام لا، فإنني اعتقد أنه اذا تضافرت جهود وطنية صادقة وانتُهجت سياسات وطنية صادقة، فإن كثيرين داخل الجيش والأمن سيجدون لأنفسهم مكاناً في عمل وطني ديمقراطي يشركهم في تقرير اموره وفي النضال من اجل سوريا الحرة.
أما ان نتحدث عن “الجيش الخائن” ونعتبر كل من فيه خائناً، فإننا نضع الناس امام خيارين: إما القتال مع النظام حتى النهاية وتحمّل تهمة الخيانة وما يترتب عليها مستقبلاً من محاكمات وعقوبات، أو الإنضمام دون قيد او شرط إلى الجيش الحر، أو الى فصائل المقاومة. فهذا موقف يحرج اولاً اصحاب الأدوار المحايدة، ويخيف ثانياً من لم يقرروا موقفهم بعد. ويدفع بكتلة هائلة من ضباط الجيش والأمن الى القتال حتى النهاية المرة لاعتقادهم الذي ربما يكون خاطئاً أنهم سيكونون مقتولين في الحالتين.
اعتقد أنه يجب ممارسة سياسة وطنية تفسح مجالاً حقيقيا لمن يريد ان ينضم إلى العمل الوطني وان كان موقفه لا يتفق تماماً مع موقفنا او موقف الجيش الحر.
ولعلنا تابعنا في حكاية مناف طلاس اضرار مثل هذه السياسة التي اعتبرته شخصاً لم ينشق لأنه لم يلتحق بالجيش الحر، ولم يخرج من سوريا لأن مكانه غير معلوم كما كانوا يقولون. وربما يكون قد ارسله الأسد لأنه لم يعلن انضمامه إلى الحرب ضده.
ثم فجأة تغيّر الموقف عندما اعلن الرجل انشقاقه.
مثل هذا الموقف من مناف طلاس لا يجوز أن يتكرر، ليس حباً بمناف طلاس، ولكن لإفساح المجال امام ضباط آخرين في النظام للإنضمام إلى المعارضة وللإنشقاق عن السلطة بتشجيعهم على قبول خياراتهم التي قد لا تتفق تماماً مع كل مفردات خياراتنا.
اذا كان النظام ينطلق من قاعدة تقول: اما نحن واما هم، اما النظام واما الشعب، فعلينا نحن أن ننطلق من قاعدة تقول: نحن وهم ضد النظام. على أن نترك لمن يريدون الإنضمام الينا ان يحددوا موقفهم ودورهم بالطريقة التي
يريدونها ويصبحوا بذلك جزءاً منا.
“المجلس الوطني” هو مجلس الإسلاميين بغطاء غير إسلامي!
ميشال كيلو من أبرز المعارضين التاريخيين لنظام آل الأسد: مع ذلك مواقفك، وتحالفاتك، تثير الإستغراب والإنتقاد لدى فئات واسعة من المعارضة؟ ممّ يخاف ميشال كيلو؟ من تحوّل سوريا إلى دمية للتدخلات الأجنبية، مثل لبنان؟ من حرب أهلية وطائفية على غرار ما حدث في لبنان، علماً أنك قبل سنوات كتبت ضد طائفية النخبة اللبنانية؟ من إنفراط الدولة السورية، بما فيه الجيش والإدارات العامة؟
كيلو– اخاف من كل هذا. وأخاف من نتائج الحماقات التي ترتكبها المعارضة. وعلى رأسها حماقات “المجلس الوطني” الذي يريد أن يمرر علينا سياسات مكشوفة وهو يعتقد أننا لا نراها لمجرد انه يسمي نفسه “وطني”، ونحن نعلم انه مجلس الإسلاميين بغطاء غير إسلامي!
هناك خطر حقيقي في الثورة السورية وعليها، وهو أن تقرر الأقسام الأقل وعياً من الشعب مصير هذه الثورة والسلاح في يدها. اذا حدث هذا بعد سقوط النظام، دخلت سوريا في متاهة لن تخرح منها بسهولة وخلال فترة قصيرة.
وأذا كانت المعارضة، وخاصة في “المجلس الوطني”، قد انساقت وراء الغوغائيات الشعبية والحقت الوعي السياسي بالعفوية الجماهيرية، فإن اللحظة القادمة يجب أن تكون لحظة سيطرة الوعي على الحراك الشعبي وتوجيهه من خلال درجة رفيعة من الوعي الثوري المسؤول كي لا ننزلق إلى انتقامات مجنونة من طبيعة طائفية، ولا نهدد دولتنا ومجتمعنا ونغلق بأيدينا باب الحرية الذي نموت اليوم من أجل فتحه، ونكرر الأخطاء المأساوية التي وقعت فيها ثورات مشابهة حديثة كالثورة الليبية التي قتل قبل انتصارها ٥٠ الفاً وبعدها مثل هذا العدد.
انا لا اريد أن يموت اي سوري بعد الإنتصار، ولا اريد ان يهان اي سوري بعد الإنتصار، وأريد أن تبقى سوريا موحدة دولة ومجتمعاً وأن نقدم للناس ما نعدهم به من احترام وكرامة وعدالة. وأن يضع المسلحون اسلحتهم من ايديهم، ويعودوا مواطنين مسالمين عمالا وفلاحين وموظفين وطبقة وسطى تلاحق شؤون حياتها دون أن تتخلى عن حقوقها السياسية ودورها العام، ولكن في اطار السلمية والحوار المجتمعي والأخوي بين المواطنين.
سوريا ستخرج من هذه الحرب مدمرة. وهي بحاجة إلى عقول كبيرة جداً كي يعاد بناؤها كبلد متقدم متآلف وحر، وكل من يحاصص اليوم وغدا على مراكز ومناصب يخون سوريا مهما كان مخلصاً.
لم تنضمّ لـ”المجلس الوطني”، وحسب علمي، فقد تحايلت قيادات المجلس الوطني لـ”تطفيشك” من “المجلس”!
هل هذا صحيح؟ هل يخشى البعض من دور ميشال كيلو، وكذلك عارف دليلة، ورياض سيف، وغيرهم، في “المجلس الوطني”؟
كيلو– لا اعرف ان كانوا تحايلوا، وان كنت سمعت شيئاً من هذا القبيل! انا شخصياً لم احب الطريقة التي تم فيها تشكيل المجلس الوطني، ولم احب ادعاء مجموعة مجهولين من الشعب السوري بأنهم يمثلونه! خاصة وأنك ستبحث كثيراً في تاريخ نضاله الوطني الحديث عنهم فلا تجدهم!.. ولم احب علاقاتهم مع “الأجهزة” في دول اجنبية. ولم احب المال السياسي الذي يتعاملون به، ولم احب جريهم وراء الديماغوجيا الشعبية، ولم احب الطريقة التي تعاملوا بها مع غيرهم، ولم احب بقاء المجلس دون برنامج سياسي ودون مؤسسات، والعمل الذي مارسه الإسلاميون داخله والذي يشبه القيام بـ”انقلاب بطيء” يعتقدون انه سيكون غير منظور! وفي النهاية، لم احب ان يفرض احد نفسه من الخارج على حركة شعبية بهذا المستوى من العمق والنضج دون ان تكون له اية علاقة بها.
لذلك، عندما سؤلت في الأيام الاولى من قدومي إلى فرنسا ان كنت سأدخل إلى المجلس قلت “لا، لن ادخل”. وعندما حاولت جهات غير عربية ممارسة ضغوط عليّ، قلت انني لن اقبل ان يضغط علي احد ولو تشردت في أربعة اقطار الأرض!
لا انكر أنه كان للمجلس بعد اعلانه صفة تمثيلية، وأنا اطالب قيادته اليوم أن لا تنكر بدورها ان سياساتها قد دمرت صفته التمثيلية هذه. ويا حبذا لو انهم سألوا السوريين في الداخل عن موقع المجلس من الشعب، اذاً لكانوا تواضعوا وربما خجلوا مما فعلوا.
ما أهمية “الإخوان المسلمين” في الثورة السورية؟ ما رأيك بوثيقتهم “المدنية” (“العهدة الوطنية”)؟ هل يسعى “الإخوان” لوضع يدهم على سوريا بالتحالف مع قطر وتركيا، وربما السعودية أيضاً؟
كيلو– انا برأيي أن المجلس تحوّل، بسياسات تركيا وقطر، تحولا سريعا إلى غطاء للإخوان المسلمين، وان هؤلاء يقاتلون أو يتطلعون ليس فقط لإسقاط النظام وانما ايضاً للإستيلاء على السلطة بعده. وبهذا المعنى، فهم يرون في بقية اطراف المعارضة خصوماً ومنافسين محتملين لهم. ويصدرون بيانات التخوين ضدهم من هذا المنطلق.
واعتقد انهم يريدون الوصول الى السلطة بمساعدة تركية وقطرية، وان كنت لا اعتقد أن السعودية لها الموقف نفسه منها، او انها ستؤيد حكمهم في دمشق.
اما الوثيقة التي اصدرها الإخوان فهي تستخدم لمنع اي تيار خارج حزبهم من تيارات المعارضة السورية من اصدار اي شي. او تكوين اي وجهة نظر منهجية بحجة ان “العهدة الوطنية” كافية وافية وان فيها كل شي.
هذا ما فعله على الأقل البيانوني في البحر الميت، عندما رفض التوقيع على وثيقة تنص على تطبيع العلاقات بين اطراف المعارضة السورية، بحجة انها تشوش على “العهدة الوطنية” وان “العهدة الوطنية” فيها كل شي! كأننا
امام تجربة بعض المنطلقات النظرية لحزب البعث العربي الإشتراكي التي قيل طوال ٤٠ عاماً انها “تَجبَ ما قبلها، وما بعدها، وان فيها كل شيء”!!
سيعيد الإسلاميون انتاج الشمولية في سوريا وسيضيفون إلى المادة الثامنة التي جعلت البعث قائدا للدولة والمجتمع مادة تاسعة تجعل منهم قادة للدين والدنيا.
٦- “الربيع العربي” في مختلف بلدانه تميّز حتى الآن بأمرين: غياب “القيادة”، وعدم وجود “إيديولوجية” واضحة، لماذا برأيك؟ (في سوريا، هنالك شعب ثائر في الداخل، ومجلس وطني منقطع في الغالب عن الداخل، وهنالك معارضون من جهة، وثوار من جهة أخرى، لماذا برأيك؟
كيلو– هناك قيادة، إلا إذا اعتبرنا غياب قيادة المعارضة الحالية عن الحراك غيابا لأية قيادة له. أما عدم وجود أيديولوجية واضحة فهو واحدة من مزايا الحراك، الذي ربما كان يعاني اليوم الأمرين من أدلجته إسلاميا، وقد يفشل تماما بسبب هذه الأدلجة، التي عنى فرضها عليه حرفه عن مساره الحقيقي ، الأصلي، وتشويهه بتحويله من حراك في سبيل نيل الحرية إلى نوع من العنف المشوب بسمانت طائفية كثيرة فرضها ايديولوجيو القوى المتأسلمة عليه، مع أنه لم يكن لها أية علاقة به عند انطلاقه، ونجحت في فرض نفسها على الأرض بسبب عنف النظام الإجرامي ضد المجتمعين المدني والأهلي، ودور الأجهزة الخارجية التي أتت بالإسلاميين ونظّمتهم ووضعتهم بمعونة مال وإعلام “قَطر” على رأس مجلس اسمته وطنيا مع أنه ليس كذلك، من حيث هويته الأيديولوجية ووظيفته.
مع ذلك، يمثل هؤلاء قوة محدودة الأهمية على الأرض، رغم ما يفعلونه لإثبات العكس عن طريق الكذب الإعلامي. أما واقعة وجود شعب ثائر ومعارضين منقطعين عنه في الداخل، فهي تؤكد ما قلته قبل قليل ، وهو أن المعارضة بمجملها لم يكن لها علاقة لها بالحراك، وأن دورها جاء فيما بعد وأخذ شكل تطاحن على الركوب عليه، فاقتصر عند الإسلاميين على حرفه مذهبيا عن غاياته الأصلية كحراك من أجل الحرية والديموقراطية، وعند بعضها الآخر على إدخاله في متاهات أربكته وافقدته وحدته.
وجود مواطن هو “فرد حر” يمثل تقدما هائلا في واقعنا وفكرنا، وسيكون نقلة هائلة إلى الأمام بالنسبة إلى مجتمعنا ودولتنا
هل “الفكر الليبرالي” هو فكر المرحلة المقبلة في التاريخ العربي؟
بمعنى أنه لم يبقَ شيء مفيد في الفكر اليساري والقومي العربي الذي غَلَب في المرحلة المقبلة؟ حتى رياض الترك قال لي، في آخر زيارة له لباريس، أنه أقرب إلى “ماركس الشاب”، منه إلى ماركس “الماركسي”؟
كيلو– الليبرالية شيء، والفكر الليرالي شيء آخر . يمكنك أن تكون ماركسيا أو قوميا أو إسلاميا و”ليبراليا” كذلك! بمعنى قبول المختلف والآخر والإقرار بشرعيته وأحقيته في الوجود، وقبول التنافس معه سلميا وحواريا، بل والتعاون معه لأغراض معينة توجد فيها مشتركات وجوامع تتخطى الذاتيات الخاصة.
أما الفكر الليبرالي فهو فكر الحرية الفردية والشخصية، الذي قد لا يفضي بالضرورة إلى إقامة نظام ديموقراطي. أعتقد أن هذا الفكر يتقدم في حياتنا العامة وعقلنا، وأن هذا تطور مهم وثوري بكل معنى الكلمة. فنحن لا نعرف الفرد ومفهومه ،ولا نقر بأنه ركيزة للشأن العام، ولم نُقِم في تاريخنا أي اعتبار له. وبما أن الديموقراطية لن تقوم دون “الفرد الحر”، الذي هو أساس الليبرالية، فإن وجوده في عقلنا ومفاهيمنا وشأننا العام ضرورة لقيام الديموقراطية، علما بأنه يمكن إدراجه في نظم غير ديموقراطية قد تكون طائفية كما هو حالها في لبنان، حيث توجد الحرية الفردية ولا يوجد نظام ديموقراطي، أو في بعض بلدان أوروبا، التي تمثل حالات تختلط فيها الحرية بديموقراطية ناقصة أو مجتزأة.
أعتقد أن وجود مواطن سوري هو فرد حر يمثل تقدما هائلا في واقعنا وفكرنا، وأنه سيكون نقلة هائلة إلى الأمام بالنسبة إلى مجتمعنا ودولتنا، لأن وجوده سيبدل بنيتهما بصورة جذرية، بما أنه الأساس الوحيد للانتقال إلى الديموقراطية. أما قول الأستاذ رياض الترك أنه أقرب إلى ماركس الشاب، فأنا أشك كثيرا في أنه كذلك، وأعلم أن سلوكه العملي لا يوحي بأنه غادر الستالينية في أي يوم، وأنه قريب أصلا إلى ماركس، الذي لا اعتقد أنه قرأه وتمثله حقا: شاباً كان أو كهلاً!
هل هناك ما تناقض بين “الفرد الحر” بصفته أساس النظام السياسي، وبين العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والمواطنة ؟ شخصيا، لا أعتقد أن هناك تناقضا كهذا. بل أؤمن بوجود تكامل بين هذه المفاهيم. فالحرية لا تستمر دون عدالة، قدر ولو محدود من العدالة. وكذلك المساواة، التي تعتبر عموما ضمانة للحرية، حتى إن كانت أمام القانون. لسنا في حقبة تاريخية تقوم على إلغاء بعض مقومات التقدم الإنساني لأننا نريد امتلاك بعضها الآخر. نحن نوسع أفاق تقدمنا لأننا نرسيها على أرضيتها الحقيقية، التي هي فرد حر ينضوي في الدولة باعتباره مواطنا ينتمي إلى مجتمع مدني هو مجتمع مواطنين أحرار. لماذا يجب أن يتعارض هذا مع الفكر اليساري، ولمَ لا يكون أرضية جديدة له لا بد أن يفيد منها ويبني عليها؟
هل ستسفر الإنتخابات السورية، بعد سقوط النظام، عن نتيجة مشابهة لمصر، أم لليبيا، أم لتونس، برأيك؟
كيلو– اعتقد أن مجتمع سوريا أكثر مدنيةً بما لا يقاس من مجتمع ليبيا، وأن نتائج الانتخابات فيها ستأتي بالأغلبية الهائلة التي تصمت اليوم، او تنزل إلى الشوارع مطالبة بالحرية وليس بالإقصاء الطائفي والتمييز الفئوي والغلبة المذهبية. لن تسقط سوريا في أيدي أشباه من اسقطت مصر أسهمهم خلال فترة قصيرة، يحيث كان مرشحهم “محمد مرسي” سيسقط في انتخابات الرئاسة أمام مرشح “الفلول”، لو لم تتداركه أصوات قوى ليبرالية وثورية معادية للنظام السابق ولحزبه، فرضت عليه تراجعات كبيرة عن برنامجه الأصلي، الأخواني، قبل بها لثقته من أنه خاسر لا محالة إن هو تمسك بهذا البرنامج وبقي إخوانيا صرفً، رغم أن حزبه وحزب “السلفيين” كانا قد نالا أكثر من ثلاثة أرباع اصوات المصريين قبل أشهر قليلة.
لن تمنح سوريا ثقتها لم غامروا بمصيرها ومارسوا العنف ضد مواطنيها، وحكموا بالخيانة على كل من لم يشاركهم المذهب، أكان مسلما أم على دين آخر.
وأي سوريا تريد أنت؟
كيلو– أريد سوريا حرة وديموقراطية يحكمها القانون ، على أن تكون مستقلة وسيدة وقادرة على تقرير شؤونها دون تدخلات خارجية من أية دولة أجنبية، سوريا المواطنة ومجتمع المواطنين الأحرار والمنتجين، الذي لا يتهاونون في حقوقهم ويقومون طواعية بواجباتهم، القادرة على مواجهة مشكلات الاحتلال والتنمية والتقدم والعدالة، وقبل كل شيء على شفاء جراح الوحدة الوطنية، وما سيخلفه النظام الراهن من معضلات لن تكون قليلة. لا أريد أن تتستبعد سوريا القادمة أي مواطن من نِعَم الحرية والعدالة والمساواة، وأن لا يكون فيها “خيار وفقوس”، كما يُقال في دمشق، وأن يكون لدى كل واحد من مواطنيها الحق والقدرة على بلوغ أعلى المراتب وممارسة أعظم الأدوار، عن جدارة واستحقاق.
وأريد أخيرا أن تبتعد سوريا عن ما كان جدنا العظيم عبد الرحمن الكواكبي يسميه “حكم الهوى”، أي الاستبداد.
نحن وحزب الله
أحد كتّاب “الشفّاف” طلب أن أوجّه لك سؤالاً عن موقف سوريا الحرّة من حزب الله؟
كيلو – حزب الله لن يكون حزب سوريا الحرة، مع انها لن تعاديه رغم عدائه الحالي لقيامها، وهي ستتعامل معه انطلاقا من مصالحها الكبرى، التي قد تتقاطع مع مصالحه ووجوده، وقد لا تتقاطع. إن كل شيء يتوقف على سلوك الحزب الحالي، وما تتطلبه سوريا الحرة من مستلزمات وعلاقات. نحن وحزب الله في اختبار مهم، فهل ننجح فيه؟ ستنمو علاقاتنا المستقبلية في ضوء علاقة الحزب مع الحراك الشعبي والوطني السوري، وأنا اتمنى أن يقرر مستقبله السوري بطريقة تبعده عن نظام سوريا الحالي.
ميشال كيلو: في البلدان العربية كانت الثورة “فاعلية مجتمعية” وليس حزبية او نخبوية (مقابلة) هام جدا جدا جدا :سفير سوريا المنشق نواف الفارس يتحدث عن سيرة النظام السوري الارهابي شيء يشيب الراس 8-8-2012 بلا حدود http://www.youtube.com/watch?v=2YYYns_EUYE نواف الفارس أول سفير للجمهورية العربية السورية في العراق (عُيّن ٢٠٠٨ واستقال ٢٠١٢) منذ انقطاع العلاقات بين البلدين عقب سقوط نظام صدام حسين. • يحمل إجازة في الحقوق من كلية عسكرية. • شغل منصب رئيس أحد قطاعات الأمن السياسي • عين محافظًا لدير الزور عام ١٩٩٤ • عين محافظًا للاذقية عام ١٩٩٨ • عين محافظًا لإدلب عام ٢٠٠٠ • عين محافظًا للقنيطرة عام ٢٠٠٢… قراءة المزيد ..
ميشال كيلو: في البلدان العربية كانت الثورة “فاعلية مجتمعية” وليس حزبية او نخبوية (مقابلة) Those in the Oppositions and working outside the Country, by holding Conferences in Six Stars Hotels, and Talk fighting among each other. It would be Useful if they go back to Syria and hold conferences in ruined Hotels and Hospitals. Most of the Intellectuals, suffered from the Suppression of the Regime, are out side the Country, and every one applying the Political Concepts, that stubbornly thinks it is the only way out of the Conflict in Syria. With all respect to Great Intellectual Mr Killo, he… قراءة المزيد ..