ميشال عون بعد 20 عاماً

1

في العام 2027 سيواجه لبنان مشكلة دستورية. سيرفض العماد ميشال عون التنازل عن حقه في تولي الرئاسة، مستنداً الى تمتعه بالتمثيل المسيحي الأوسع، وسيدفع البلاد نحو ازمة جديدة تضع البلاد مرة أخرى امام الحرب الأهلية.

لقد كان الجنرال عون في العام 1988 رمز الانسداد في امكان تجديد النظام السياسي اللبناني بعد ثلاثة عشر عاماً من الاقتتال. الامر ذاته يتكرر اليوم. والأرجح أن مَن سيمد الله في عمره سيشهد بعد قرابة الاعوام العشرين جولة أخرى من تمسك ميشال عون بحقه. وإذا كانت الحكمة السائدة تقول إن ما من حق يموت ووراءه مطالب (به)، فمن المرجح الا يموت صاحب الحق كذلك، طالما ان الحق ما زال ضائعاً. الاموات والاحياء الآخرون تفاصيل ونوافل يجوز التغاضي عنها.

يريد عون من اللبنانيين ومن غير المسيحيين على وجه التحديد ان يضمنوا له وان يقسموا الأيمان الغليظة على انه زعيم المسيحيين بلا منازع. طيب. هو كذلك. لكن الجنرال ينسى ان المسيحيين هم من أضاع الجزء الأكبر من حقوقه. والجولة الأخيرة من مذبحة الحقوق المسيحية، جرت بالتكافل والتضامن بين العماد ميشال عون والحكيم سمير جعجع في حرب الإلغاء التي تمخضت عن توجيه ضربة قاسية الى الاسس التي تم التوصل الى اتفاق الطائف بناء عليها اي توازن القوى المسيحية والاسلامية والتهادن بين السندين الإقليميين لكل منها. غير ان هذا لا يقنع الجنرال عون بتخفيف انفعاله ولو للحظة واحدة، لا هو ولا نوابه المفوهين، والإقرار ان استعادة حقوق المسيحيين شعار فضفاض اي محاولة لإخراجه الى حيز التطبيق العملي ستدفع البلاد الى اهوال تشيب لها الولدان.

والجنرال مصرّ على ان يعيد اليوم تجربة العامين 1988ـ ,1989 متجاهلاً أن قسماً مهماً من «شعب لبنان العظيم» الذي زحف الى قصر الشعب في بعبدا، قد أصبح في المهاجر والمنافي بفضله وبفضل الآخرين من طينته. وان مبادرة ربع الساعة الاخيرة التي تفضل بها على اللبنانيين نموذج لانعدام التماس مع الواقع والعيش في خيالات العظمة الزائفة.

وليس للجنرال إلا أن يعيد الكلام السطحي عن حق المسيحيين في اختيار ممثليهم ونوابهم وهو الأدرى، أو هكذا يفترض على الأقل، أن عدد المسيحيين يقل كثيراً عن قدرتهم على اختيار الممثلين بأصواتهم إلا إذا خرق مبدأ دستوري بديهي وهو مساواة جميع اللبنانيين أمام الدستور والقوانين. ومع الإقرار بأن المبدأ هذا لم يحترم منذ استقلال لبنان وطوال عمر الجمهورية الثانية حيث كان التمييز هو القاعدة، فإن السيد الجنرال يسعى الى مفاقمة هذا الخرق وإقامة ما يشبه نظام الابرتهايد يكون فيه النواب المسيحيون منتخبون بآلاف قليلة من الاصوات في مقابل نواب مسلمين لا يصلون الى المجلس النيابي الا بعد أن يحصلوا على تأييد مئات الآلاف من الناخبين. ومعلوم ان احدا لن يرضى بهذا التوجه ومعلوم أكثر أن المسيحيين هم مَن سيدفع في نهاية المطاف ثمن المغامرة الجديدة التي يدعوهم عون إليها، تماماً كما دفعوا أثمان كل المغامرات التي ساقتهم إليها قيادات تاريخية أكثر حكمة بما لا يقاس من القيادة الحالية للأكثرية المسيحية، لكنها مع ذلك أخفقت في تجنب الوقوع في غواية تحالف الاقليات…

وما يدعو إليه التيار الوطني الحر، بتحالفه مع حزب الله ومطالبته، وفق أحد بنود مبادرة العماد عون، يوم امس الاول، بجعل التفاهم بين التيار والحزب سياسة رسمية لأي رئيس مقبل، ينطوي على خطرين بالغين بالنسبة الى سلامة لبنان. ننحي جانباً المهاترات الدستورية، ونتجه الى الجوهر: ان في الأمر خطراً جدياً على التوافقات اللبنانية الحافظة للكيان، بمعنى ان الكلام الذي يردده عون وآخرون يتضمن تلميحا الى العمل على تغيير التوزيع الحالي للسلطات على الطوائف واستبدال مواقع الطوائف الاسلامية.
الخطر الثاني، هو ان ما يراه العونيون في تفاهمهم مع حزب الله، من ضمانة لسيادة واستقلال لبنان، يراه آخرون، محقون او مخطئون، دفعاً الى المزيد من الربط بين لبنان والمحاور الاقليمية. وسيؤدي ذلك الى مضاعفة حال التوتر بين اطراف النزاع اللبناني، بغض النظر، مرة أخرى، عن الطرف الذي يجانبه او يحالفه الصواب.
المشكلة هذه لم تكن مطروحة قبل عشرين عاماً تماماً على النحو الذي سبقت الاشارة اليه. لكن الجوهر ما زال هو هو اي دور المسيحيين وحصتهم في السلطة. ومن نكد الدهر على المسيحيين في المقام الأول، وعلى اللبنانيين الآخرين ثانياً، ابتلاؤهم بعادة السير في دوائر مفرغة تحتم عليهم مشاهدة المسرحية ذاتها كل بضعة اعوام، وعيش لحظات الترقب والخطر بلا داعٍ او على الأصح بداعٍ ليس يستحق المخاطرة.

وإذا كان الجنرال عون الذي أقام في فرنسا طوال 15 عاماً وقيل انه اطلع على التجربة السياسية الفرنسية عن قرب، ما زال يعتبر حقوق المسيحيين الركن الأساس في بناء الدولة، فليس يدري المرء كم من الوقت سينقضي قبل أن يتعلم عون وغيره معنى الدولة. لذلك، من الأفضل الاستعداد منذ الآن للأزمة الدستورية المقبلة بعد عشرين عاماً.

السفير

1 تعليق
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
Peter Maida
Peter Maida
16 سنوات

The Carricature
I would like to know whose carricatue is the one attached to the article please

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading