ثلاثون سنة، ولبنان الذي رآه وأراده وانتظره وقال وعمل وأقام وسافر من أجل أن يأتي… لبنان، وكل يوم، ومن كل عام، يظهر وكأنه يجري وراء الإمام السيد موسى الصدر على طريق الغياب أو التغييب في الجب أو في بطن الذئب أو بطون الذئاب والثعالب وبنات آوى أيضاً.
كان موسى الصدر في حضوره جميلاً ومطلاً على لبنان من مكان رفيع وقامة باذخة، قلقاً عليه،كان يشبه لبنان الحاضر الجميل القلق، وكنا نعترض، من لوثة قوموية أحياناً، على لبنان، تماماً كما كنا، وللعلل نفسها، نعترض على موسى الصدر، وعندما غُيِّب كمحطة من محطات العمل على تغييب لبنان، أي تمزيق الرسالة أو إحراقها بنار الفتن المتنقلة، أخذنا نكتشف في لبنان وفي موسى الصدر قيماً أخرى… والحمدلله ان عاد إلينا وعينا أو عدنا اليه قبل فوات الأوان، لنكتشف ان ما قررنا، من دون إمعان نظر وأحياناً كثيرة من دون تفكير، أنه سلبي في تكوين لبنان وسياقه هو إيجابي وحضاري، من التعدد الى وجود الطوائف لا الطائفية، الى الحريات المنتزعة بفعل التعدد الذاهبة الى الاحتماء بالقانون، الى نهوض الاعتدال والتوسط والتسوية الدائمة نهجاً وسبيلاً الى الاستمرار في إنجازه دولة ومجتمعاً ودوراً ومعنى، كل هذا وغيره كثير… عدنا بعد تغييب الإمام، الى اعتباره ميزة لبنان وشرطاً لدوره الذي إن لم يؤده بالشراكة بين مكوناته كلها أصبحت الحاجة اليه، الى لبنان، لاغية، بل أصبح لبنان وطناً مستحيلاً.
إذاً فقد عدنا بعد الخسارات المتراكمة والباهظة والمؤشرات الكثيرة الى فاجعة محتملة، تشكلها جارٍ تباعاً، عدنا فأنصفنا أنفسنا إذ أنصفنا لبنان فرأيناه كما رآه الإمام الصدر، أي أننا ضمناً أنصفنا الإمام الصدر، وحتى ننصف أنفسنا وأهلنا ممن أحبوه، وهم كثر، وممن أقاموا على حبه لله والوطن بعد تغييبه، وهم أقل ممن أحبوه وظلموا أنفسهم عندما فهموه من منظور مشوش بالأمزجة واملاءات المصالح الذاتية وغير المشروعة في أغلبها.
حتى تكتمل دورة هذا الإنصاف لا بد من أن يصبح علنياً وجهيراً وعميقاً.
عارضناه من موقـــع تقدمي كان دخيلاً علينا وكنا دخلاء عليه، ثم انكـــشفت التقدمية في نصها المؤسس وتاريخها، واعترف أهلها بعدم أهليتها من دون أن يكون ذلك شهادة للرجـــعية التي كانت التقدمية المنــــكشفة إحدى مســــاوئها. هذه شـــــهادة للإمام الصـــــدر لأنـه كان على الضد من السياق الرجعي، من دون ان يقع في إغراء التقدمية المتداولة ومن دون ان يقطــــع اجتماعياً مع أي من الطرفين أو المزاجين لمصلحة الآخر…
كان متشبثاً ولأسباب منهجية ومعرفية وواقعية بموقعه الوسطي وبالاعتدال شرطاً للرؤية والرأي والمسلك. كان مهموماً بأطروحة أخرى تقوم على الشراكة الفكرية والإيمانية والوطنية والأخلاقية والحضارية المركبة التي تقطع مع الماضي والواقع في حدود الضرورة، وتتواصل بمقدار يحفظ الثوابت ويتيح تطوير الواقع من داخله وبقوانينه، وترى الماضي…. بعيون تحدق بالمستقبل. عارضناه في تمسكه بالكيان اللبناني كياناً ناجزاً، ليس بين أيدينا سواه، والأمة العربية والاسلامية إما فرضيتان لم تتحققا بعد واما حقيقتان ثقافيتان… خارج السياسة (الدول الأمة) كان يريد لبنان كياناً مستقلاً غير منقطع عن محيطه وعمقه العربي والإسلامي والإنساني، وكان يرى الدولة كضرورة وأولوية تحفظ هذا الكيان، وكنا نرى الدولة اقرب الى اللادولة أو الى ذيل لدولة ما.
ابتعدنا عنه وهو يعترض على السلطة كأننا مع السلطة ضد الدولة، وفي لحظة ما، في لحظة شعوره بخطر استقواء الفئات السياسية المتناحرة على الدولة من خلال السلطة، مقابل استقواء السلطة على المجتمع، انتبه الى ان السلطة في هذه اللحظة تعني الدولة، فعاد الى تشبثه بالدولة رافضاً الإدارة الذاتية مركزاً على الموقع الوازن للجيش.
توقف عن أي فعل أو قول يفهم على انه رغبة في تقويض السلطة أو الدولة، من دون ان يتخلى عن النقد والاعتراض.
اعترضنا على قطيعته النسبية مع اليسار ثم وافقنا على ما تحقق من تواصل اسهم بعضنا فيه،الى ان قال لنا اليسار إنكم تبالغون في أهميتنا وقوة موقعنا. لم يكن اليسار يساراً ولم يكن اليسار يميناً، كأنه لم يكن… وكذلك اليمين. من هنا كان موسى الصدر يعدل في التعبير عن غضبه على اليسار مرة وعلى اليمين مرة، ويضع مسؤولية الحرب الأهلية على عاتقهما معاً.
عارضناه على حركة المحرومين التي تجنبت الأوهام الطبقية والطائفية معاً، ووافقناه على حركة أمل بهاجس فلسطين، المُسَلَّمة طبعاً، ولكن هل هناك مُسَلمات من دون شروط ؟ كان الإمام الصدر يلمح من قريب ومن بعيد الى ما أصبحنا نجاهر به، بعد خراب البصرة، من ان لبنان لا يؤتى اليه من فلسطين، بل تؤتى فلسطين ويؤتى اليها من لبنان الكيان الراسخ والدولة الواحدة الجامعة، وهو ضمانة من ضمانات الجهاد الفلسطيني على طريق فلسطين… الطويل. أما ان تذهب الى فلسطين متنصلاًً من لبنان أو تمنح لبنان مجاناً للحركة الفلسطينية فهذا إغراء للنضال الفلسطيني بالغلط القاتل – حصل – لأنه مقدمة للتفريط بفلسطين وبلبنان… أليس هذا ما انتهى اليه الرأي الفلسطيني بشجاعة أخيراً؟
والآن، الآن… بعدما أعطينا فلسطين من خلال التحرير ما لم نعطها في حياتنا، اصبح لزاماً علينا أن نعود الى نهج الإمام الصدر الذي يركز على ضرورة إنجاز لبنان (الدولة والمجتمع) من أجل لبنان والعرب والمسلمين وفي المقدمة فلسطين، لا أن نلغي لبنان بفلسطين كلها أو بغزة وحدها، ولا فلسطين بلبنان: هذا يعني أن نرى أهمية ان يكون حصاد المقــاومة في فلسطين دولة فلسطينية حتى لا يحترق الحقل والمحصول ويجوع الزارعون… وان يكون حصاد المقاومة في لبنان دولة لبنانية حتى لا تتساقط الشبهات على الزارعين و الحاصدين في حقل الدم اللبناني وسواعدهم ومناجلهم وما تنشد اليه عيونهم في المدى اللبناني البعيد.
* كاتب لبناني
الحياة
http://www.alhayat.com/special/issues/08-2008/Article-20080826-ff625c86-c0a8-10ed-01bf-ee335809a75f/story.html
موسى الصدر… الوسطية والاعتدال ومشروع الدولة
الكل يعلم ان مليشيا حزب الله الطائفي دولة داخل دولة وهو يسهل احتلال لبنان لحساب النظام الايراني المليشي لنشر المليشيات في المنطقة اي لحروب الاهلية المستقبلية كما في العراق ولاستعمار فارسي باسم الدين وذلك باستخدام شعارت براقة تعمي البصر والبصيرة المقاومة والمهدي المنتظر واهل البيت او المستضعفين …
موسى الصدر… الوسطية والاعتدال ومشروع الدولةصراعاتنا الداخلية أسوأ من صراعنا مع الغرب خليل العناني جماعة سلفية لبنانية توقّع وثيقة للتفاهم مع «حزب الله»، وسورية تتناغم مع روسيا، وإيران تتحالف مع «حماس» و«حزب الله» (وربما قريباً مع كل القوى والتيارات المعادية للغرب سياسياً وحضارياً)، فى حين تتحزّب نخبتنا الثقافية والإعلامية لصالح روسيا فى حربها ضد جورجيا من دون سبب سوى نكاية بالغرب وأميركا. صراعاتنا وتحالفاتنا ليست طائفية أو دينية، وكان أولى لها ذلك، ولكنها تبدو حضارية تصل إلى أعماق خياراتنا وبدائلنا، وهو ما قد يفسر ذلك التلاقي «العجيب» بين أقطاب متنافرة على غرار ما هو حادث حالياً. بل هو ما يجعل… قراءة المزيد ..