احمد بزون
لوحة لبول غيراغوسيان
أيهما أفضل للفنان أن يبحث عن صالة فن واقعية يعرض فيها أعماله، أم عن غاليري افتراضية يتعامل معها ليعلن عن أعماله وينشرها ويبيعها؟ هل العرض في صفحات المواقع التشكيلية على الانترنت بات موضة عصرية تؤشر إلى علاقة الفنان الإيجابية بعصر التكنولوجيا؟ على أن تحديد هذه العلاقة لا يتأتى عن طريق المناهج التي تصوّب في هذا الاتجاه، إنما أيضاً عن طريق الممارسة التي تكفل العلاقة اليومية بالتقنيات الجديدة، وصولاً إلى أسلوب دخول الفنان السوق الفنية من بابها العريض.
منذ زمن بعيد ونحن نشاهد المعارض الافتراضية، بل نستطيع أن نشاهد المعارض الواقعية التي تجري في صالات العالم المعروفة، عن طريق نقلها إلى رواد الفن ومتتبعيه عبر موقع الغاليري الخاص أو المواقع المتواصل معها، وبثها في خراطيم الاتصالات الجديدة أو عن طريق تقنيات البث الفضائي أو الهوائي، وربما بعد مدة عن طريق متداخل مع البث التلفزيوني. المباشر 24/.24
عالم يدوّخ
نعم، منذ زمن بعيد، بدأت تتزايد غاليريات الفن التشكيلي، التي تعرض وتبيع وتشتري عن طريق الإنترنت. فالمعرض يصلك إلى بيتك أو مكتبك، أو ربما عبر سي دي، وما عليك إلا أن تفسح وقتاً للمشاهدة التي من شأنها أن تدخلك إلى عالم الفن عبر ملايين النوافذ.
المواقع العالمية أو المواقع التي تبثها كل دولة لا تحصى. إذ كل غاليري (واقعية) معروفة بات لديها موقع على الانترنت، وهذا أمر طبيعي بل بات تقليدياً. لكن إضافة إلى ذلك هناك غاليريات افتراضية أكبر من ذلك بكثير من حجم غاليري واقعية. فإذا كانت الغاليري العادية تشبه الحانوت الصغير، فإن مراكز عرض وبيع الأعمال التشكيلية عن طريق الانترنت تشبه الهيبرماركيت.
ويخبرونك بعدد الأعمال التي «يقتنيها» الموقع، بحيث يصل إلى مئات الألوف، تستطيع أن تقلب صفحاتها من دون أي إحراج، وتسأل عن سعرها من دون أن تكون تريد الشراء، وتشتريها إذا شئت عن طريق الانترنت من دون أن تتكبد مشقة التنقل والنقل، فتصلك حيث تقيم… إنها سوق عائمة مع عالم الأقمار الصناعية، وفي عالم الاتصالات الذي بات يدوّخ الرأس.
اللاعب اللبناني
المهم أن نعرف ما نملك، وحصتنا نحن في لبنان في هذه السوق… حتى في هذه، لبنان لا يزال، للأسف، بعيداً عن اللعبة، مع أن الغاليريات الافتراضية لا يعنيها وضع أمني، ولا تستطيع أن تخربها حروب، وهي تستطيع أن «تصطاد» زبائنها من العالم، أو من بيوتهم، من دون أن يتكبدوا مشقة الوصول إلى مكان صعب أو بعيد. الأحرى أن يكون لبنان حاضراً بقوة، كونه في الأساس بلدا يعتمد في جزء كبير من اقتصاده على الخدمات، والانترنت بهذا المعنى معبر أساسي إلى هذا المرفق الحيوي.
مواقع الفن التشكيلي في لبنان، ضعيفة على العموم. على أن المواقع أنواع، منها ما له غاية ثقافية وحسب، يعرض للفائدة، ومنها ما يعرض بضاعته للبيع، ومنها ما يعرض «بضاعة» الآخرين فيتحول إلى وسيط يقبض عمولته أو ثمن تأجير صفحاته، مفسحاً في المجال لعلاقة مباشرة بين الفنان والجمهور المستهلك. ومنها ما لا تكون متخصصة بالتشكيل فقط، إنما بأمور أخرى خدماتية تجارية متنوعة، بينها الفنون.
أكبر المواقع التشكيلية في لبنان كان موقع orientart.com قبل أن يتم بيعه. هذا الموقع فتح علاقة بعدد من الفنانين اللبنانيين والعرب، وأسس لسوق تشكيلية، وكان من أوائل المتحرشين بالفنانين وإغرائهم بالاشتراك فيه، لقاء تأجير مساحات ملعبه والاستفادة من علاقاته.
اليوم، ما علينا إلا أن نتجول على عدد من المواقع التابعة للغاليريات الواقعية القائمة في بيروت، أمثال «أجيال»، «جانين ربيز»، «إيبروف دارتيست»، «عايدة شرفان»… البعض منها يربط موقعه بمواقع عربية أخرى، والبعض الآخر يحصر اهتمامه بالإعلان لفنانينه والأعمال التي يقتنيها فقط.
في تموز الماضي لفتنا افتتاح لور غريب وابنها مازن كرباج موقعاً خلال فترة الحرب هو laureghorayeb.blogspot.com، كانت الغاية منه نشر يوميات الحرب، إذ كان الفنانان ينشران يومياً ما يجول في رأسيهما من أفكار ورسوم. كما لفتتنا بعض المواقع الشخصية القليلة، التي كثيراً ما يحضر بينها موقع الفنان جوزيف مطر، الذي افتتحه له ابنه المحامي وليم مطر، وقد أطلق عليه اسم lebanonart.com، أنشأه العام ,1997 لكن التجربة سرعان ما جعلته يفتتح موقعاً آخر هو onefineart.com يربط الداخل إليه بالموقع السابق، لكنه موضوع في خدمة الفنانين الآخرين، عن طريق تأجير صفحات فيه.
بين المواقع الشخصية الأخرى موقع حديث هو samah-the-net، للفنان سماح الحكيم، ابن الفنان مارون الحكيم. وقد بدأ العمل بالموقع العام .2006
مواقع مجانية
الموقع الأكبر بين المواقع التي تعرفنا عليها، لصاحبه جان رعيدي، فنان، ومغرم بالفن. أراد أن يكون موقعه art-in-lebanon.com فسحة لخدمة الفن والفنانين. موقع مجاني، أنشئ العام ,1998 لا يهدف إلى الربح المادي. فهو جزء من مشروع تجاري كبير يغطي مصاريفه، ومسرب من مسارب موقع كبير هو made-in-lebanon.com .
الأهداف واضحة لدى كل جهة، إلا أن الأمر يختلف بينها. مازن كرباج لا يريد أن يُدخل إلى موقعه المشترك مع لور غريب فنانين آخرين. إذ ليس في الأمر ضرورة بالنسبة إليه، ما دام لا يتكلف شيئاً سوى الجهد الذي يبذله لإدخال الرسوم والكلام المعبر عنها إلى صفحات الموقع. فهذا الموقع يفتح مجاناً داخل blogger التابعة لـ yahoo. لذا فهو يهدف إلى أن يشاهد الناس أعماله من خلال الموقع. وقد كانت نسبة الدخول إليه خلال الحرب حوالى 5 آلاف زائر يومياً، لكن الحركة باتت خفيفة حالياً.
سماح الحكيم الذي يوفر كلفة تصميم موقعه، كون ذلك من اختصاصه، دفع ما قيمته 3 آلاف دولار لفتح الموقع، بالإضافة إلى كلفة تساوي 200 دولار سنوي. أما الهدف بالنسبة إليه فهو إعلاني، إذ الموقع «يعطي صورة حسنة عن الفنان، وعني كمصمم، ويكون نافذة لي على زبائن من لبنان وخارجه. وهكذا تتضاعف معرفة الناس بي وبأعمالي».
كلفة الموقع تختلف بحسب المواصفات التي يتمتع بها، فالفلاش يكلف أكثر من العادي. وفتح موقع صغير غيره لكبير. أما فتح غاليري يبيع ويشتري فمسألة أصعب من مجرد صفحات تُفتح وتعرض نتاجاً فنياً.
سماح الحكيم لا يحمل موقعه ثقلاً كبيراً، إذ هو لا يتعدى 10 ميغا بايت، في حين أدخل مازن كرباج حتى الآن إلى موقعه ما لا يقل عن 400 رسم، بالإضافة إلى نصوص ترافقها. جان رعيدي لا يتحدث بالطبع عن أرقام صغيرة، فسعة الموقع مفتوحة على مقاييس بالجيغابايت.
وليم مطر يتحدث عما يقارب 2000 صفحة في موقعه الخاص. «فالموقع كان محدوداً في البدابة بنشر أعمال والدي، إلا أن الأمر تطور، واعتمدته عملاً لي، أعتاش منه. وهو بأربع لغات، مكلف، أدخلت إليه حوالى مئة فنان، لكل منهم 7 أو 8 صغحات. عدد لا بأس به من الفنانين راحلون، وهؤلاء نعرض أعمالهم مجاناً، 70 في المئة لبنانيين، 20 في المئة عرباً، و10 في المئة من العالم. أما من يريد أن يكون من بين فنانيه، فما عليه إلا أن يدفع اشتراكاً سنوياً قيمته 120 دولاراً أميركياً، مقابل الصفحات السبع أو الثماني، بالإضافة إلى سيرة ذاتية».
هدايا
يصل عدد الداخلين إلى onefineart.com يومياً إلى حوالى ألف زائر، حسب ما يقول وليم مطر، وعدد صفحاته وصل إلى حوالى ألفين. يقول «كانت الكلفة كبيرة بين العامين 1997 و,2002 لكن الأمور تحسنت، ولدينا إعلانات تساهم في رد هذه الكلفة».
ويعتبر مطر أن تحسين عدد الجمهور يحتاج إلى صبر وشطارة، كما يحتاج إلى علاقات مع مواقع أخرى.
باع مطر لوالده عن طريق الموقع خمسين لوحة، وهو يترك الاتصال بين الجمهور والفنان مباشراً عبر الإيميل. مازن كرباج لا يهدف من الموقع إلى البيع، وهو لم يقرر ذلك بعد. البعض اتصلوا به لشراء أعمال، لكنه لم يلبِّ الطلب. سماح الحكيم ليس مهموماً بالبيع عن طريق الموقع، إنما بالإعلان والانتشار فقط.
جان رعيدي يعتبر أن موقعه مستقل، وهو في شقه الفني مجاني، فتغطية التكاليف تأتي من الموقع التجاري «صنع في لبنان» الذي يمتلكه، كما ذكر سابقاً. لذا فالمجال مفتوح أمام الفنانين لعرض أعمالهم في الموقع، من دون أي مقابل. هي خدمة فنية يقدمها الموقع للفنانين ومحبي الفن. أكثر من ذلك يقول رعيدي: «نحن لدينا لجنة تهتم بعرض أعمال فنانين شبان في متحف بول غيراغوسيان. ولدينا مشروع كبير، نجهز فيه لإصدار مئة أسطوانة ممغنطة، لفنانين من العالم، بينها 27 لفنانين لبنانيين. الأمر مكلف، خصوصاً بجانبه الفوتوغرافي، إذ كل أسطوانة تحتاج إلى تصوير حوالى مئة لوحة للفنان الواحد إذا وجدت، وإلا فنعمد إلى جمع أكثر من فنان في أسطوانة واحدة».
مشروع كبير بالفعل، لكن كيف يغطي رعيدي كلفته، خصوصاً أن هذه الأسطوانات توزَّع مجاناً، من أجل تعميم الفائدة وتشجيع الفن؟ يرد: «أنجزنا حتى الآن ستا ونعمل حالياً على تجهيز خمس أسطوانات أخرى. وسوف نجد طريقة لتغطية الكلفة عن طريق الإعلانات، وعن طريق بيعها بالكلفة لبنوك توزعها، باسمها، كهدايا لزبائنها في الأعياد والمناسبات».
(نقلا عن “السفير”)