إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
وجدته هائما على وجهه في احدى حواري حي الحسين بالقاهرة يرتدي ملابس إفريقية مزركشة وفوق رأسه طاقية بألوان فاقعة، احمر واصفر واخضر، وله لحية خفيفة لا تكاد تظهر من خلال بشرته الغامقة. واحسست بانه تائه فتقدمت له وسألته ان كان يحتاج إلى مساعدة! قال لي بلغة خليط بين العربية والإنجليزية ولغة أخرى لم اتبيّنها، في الغالب تكون لغة بوركيناوية فاسوية، وفهمت منه انه يريد الذهاب إلى الجامع الأزهر. ولما سالته عن سبب رغبته في زيارة الجامع الأزهر ابلغني انه يريد مقابلة شيخ الجامع الأزهر. وعندما قلت له ان مقابلة شيخ الأزهر شيء ليس سهلا، رد عليّ بمنتهى الثقة بلغته البوركيناوية الفاسوية: عندما يعلم شيخ الأزهر عن سبب رغبتي في مقابلته فسوف يقابلني على الفور! فأثار فضولي جدا هذا الأفريقي، وقلت لنفسي لن اتركه حتى اذهب معه لمقابلة شيخ الأزهر.
وسالته: هل ممكن ان اعرف سبب رغبتك في مقابلة شيخ الأزهر: قال لي: “انها مسالة شخصية مهمة”.
قلت له بان شيخ الأزهر ليس له مكتب في الجامع الأزهر. وسألني بتعجب شديد: “لماذا لا يقيم بالجامع الأزهر، اليس منصبه هو: “شيخ الجامع الأزهر؟ لهذا أتوقع ان يكون مكتبه في الجامع الأزهر“. فقلت له: هذا كلام منطقي، ولكنه الان يقيم في مبنى خاص به ليس ببعيد عن الجامع الأزهر والمبنى اسمه: “مشيخة الأزهر”.
واخذت معه سيارة تاكسي إلى مشيخة الأزهر، وذهبت معه بدافع الفضول أولاً ورغبةً في مساعدته ثانيا.
ووصلنا إلى مبنى مشيخة الأزهر، واعترضنا مندوب الأمن في مدخل المبنى. قلت له ان هذا المواطن الأفريقي يرغب في لقاء شيخ الأزهر. فابتسم مندوب الامن بعد ان نظر إلى المواطن الأفريقي (من فوق إلى تحت) وقال: وهل يا ترى لديه موعد مع شيخ الأزهر؟ فأجبته بالنفي. وكان رجل الامن شخصا مهذبا ويبدو انه رأى طرفةً في هذا الموضوع، فقرر ان يسايِرنا، وقال: “على العموم مكتب شيخ الأزهر في الدور الثاني، يمكنكم مقابلة مدير مكتبه واخذ موعد. ولكن قبل ذلك يجب ان تقوموا بالتسجيل في دفتر الزوار عند الانسة ابتهال”. وتعجب المواطن الأفريقي من وجود سيدات يعملن في مشيخة الأزهر، ورأيته يسجل اسمه: “عبد السميع كوناتي”. وعندما طلبت منه الانسة إبتهال إبراز تحقيق الشخصية أعطاها جواز سفره البوركيناوي فاسوي ونظرت الانسة إبتهال ووجدت ان اسمه غير مطابق لجواز السفر، فقال لها ان “عبد السميع” هو اسمه المسلم وسوف يغيّر اسمه في جواز السفر عند عودته إلى بلده.
ولما سألته ونحن في طريقنا إلى المصعد للدور الثاني عن سبب اختياره اسم عبد السميع، قال لي: الله هو السميع المجيب، وكلما واجهتني مشكلة أتكلم إلى الله في سري وانا على يقين انه يسمعني، لذلك اسم “السميع” هو الاسم المحبَّب لي من أسماء الله الحسنى. ثم سألته عن سبب رغبته في الدخول إلى الإسلام، فقال لي: “هذه قصة طويلة سوف تسمعها عندما أقولها لشيخ الجامع الأزهر”.
ووصلنا إلى مكتب مدير مكتب شيخ الأزهر، ووجدنا ان مدير المكتب لديه أكثر من سكرتير. ووجدنا “فرّاشاً” خارج مكتب سكرتير مدير مكتب شيخ الجامع الأزهر. قلت للفراش: ان صديقي الأفريقي يرغب في مقابلة مدير مكتب شيخ الجامع الأزهر. فقال: “ممكن تقابلوا الأستاذ علي أبو حسين سكرتير مدير المكتب”. ودخلنا غرفة انتظار كبيرة بها اكثر من مكتب للسكرتارية ولكن مكتب الأستاذ علي أبو حسين كان فارغا.؟ وقال لنا الفراش: “الأستاذ علي راح مشوار وجاي على طول، حتى هو ترك الجاكتة بتاعته فوق الكرسي”.
وانتظرنا طويلا وأثناء انتظارنا أتحفنا الفراش بالشاي الكُشَري سُكَّر زيادة.
وفي اثناء انتظارنا همس لي صديقي الأفريقي بانه عمل اللازم لكي يصبح مسلماً، ولم يبق سوى سوى النطق بالشهادتين امام شيخ الجامع الأزهر. واخيراً عرفت سبب مطالبته بلقاء شيخ الجامع الأزهر، ولكن أثار فضولي ما ذكره بانه “عمل اللازم”! ولما سألته عما يقصده بانه “عمل اللازم“، قال لي بصوت اقل من الهمس: يعني عملت عملية الطهارة!! وقلت له وانا أحاول خفض صوتي قدر الإمكان: “يعني قطعت جزءاً من عضوك الذكري”؟ فقال وهو يبتسم: “الحمد لله وكانت عملية مؤلمة، ولكن كله يهون في سبيل الله السميع المجيب”.
واخيراً وصل الأستاذ علي أبو حسين من المشوار “الصغير” ونظر إلى عدد المنتظرين في صالة الانتظار وقال: “مين عليه الدور”؟ فتقدمت أنا وقلت له: “.ايوه، احنا منتظرين من حوالي ساعة” فرد الأستاذ علي قائلا بلهجة عدائية قليلا: “ايوه أفندم أي خدمة:؟
فقلت له: صديقي الأفريقي يرغب في لقاء شيخ الأزهر.
فرد الأستاذ على بسخرية واضحة: “أفندم؟؟ يقابل شيخ الأزهر بمناسبة ايه؟ انت مش متخيل مشاغل شيخ الأزهر؟؟”
فقلت: “ايوه لكن هو عاوز يقابله في امر هام جدا، ومسؤول الامن تحت قال لنا اننا نقابل مدير مكتب شيخ الجامع الأزهر:”. فردَّ الأستاذ على: “أولا يا حضرة هو اسمه “فضيلة” شيخ الجامع الأزهر. ثانيا أنا نفسي ولا مدير مكتب فضيلة الشيخ عندنا وقت نقابل صديقك الأفريقي”.
وأحس صديقي الأفريقي عبد السميع ان هناك مشكلة. فقال للأستاذ علي أبو حسين بصوت مليء بالثقة وبلغة خليط لغوي من العربي المكسَّر والإنجليزي الأكثر تكسيرا والبوركيناوي فاسوي: “ايوه مستر علي، أنا اريد اقابل فضيلة شيخ لاني اريد أن اصبح مسلما. فقال الأستاذ علي موجها كلامه لي: “صاحبك ده بيقول ايه؟ فقلت: هو عاوز يقابل شيخ الأزهر لكي ينطق بالشهادتين أمامه لكي يصبح مسلما.
فابتسم الأستاذ علي قليلا وقال: “هو فضيلة الشيخ فاضي للكلام ده، يا اخي روح انت وهوَّ عند أي شيخ في أي مسجد ويقول الشهادتين أمامه وخلاص”.
وعندها ثار صديقي الأفريقي بعد ان فهم انه لن يستطيع مقابلة فضيلة الشيخ ولا مدير مكتب فضيلة الشيخ، قال له بحدة غلبت عليها لغته البوريكناوي فاسوي: “شيخ الأزهر قابل كثير ألماني واسترالي وسويدي اشهر إسلامه امام فضيلته. طيب لماذا لا أقابله، أنا لن اترك هذا المكان حتى أقابل شيخ الأزهر”. وحاولت ان اهدئ من ثورة صديقي الأفريقي امام الأستاذ علي الذي بدأ يفقد صبره، واستمر صديقي الأفريقي في ثورته وقال: “أنا صرفت كل أموالي لكي احضر من بلدي لمقابلة شيخ الأزهر الذي عرفت انه يقابل كل من يريد الدخول في الإسلام، وايضاً يتم دعوة كل من يريد ان يصبح مسلماً لكي يتكلم في التليفزيون في كل البلاد العربية عن سبب دخوله للإسلام ويظهر في كل وسائل التواصل الاجتماعي! أنا لن أرجع إلى بلدي بدون مقابلة فضيلة الشيخ”.
ويبدو ان صوت صديقي الأفريقي قد وصل إلى مدير مكتب شيخ الجامع الأزهر حيث خرج شخص مهيب الطلعة يرتدي ملابس الأزهر (الجبة والقفطان والعمامة) وتساءل عن سبب الضجة والصوت العالي. فوقف الأستاذ علي منتصبا وقال: “فضيلتك، ..الشخص الإفريقي ده يريد مقابلة فضيلة شيخ الجامع الأزهر”، ورأسه والف سيف لن يمشي إلا إذا قابله”.
وعندما سمع صديقي الأفريقي الأستاذ على يخاطب مدير مكتب شيخ الأزهر بلفظ “فضيلتك” اعتقد انه شيخ الأزهر شخصيا فانطلق وأمسك يده يقبلها، فسحب مدير المكتب يده سريعا قائلا: “استغفر الله”.
وتراجع صديقي الأفريقي عندما قلت له بان هذا ليس شيخ الجامع الأزهر.
وفوجئت بمدير المكتب يأمر الأستاذ علي بان يطلب الامن بالحضور لأخراجنا من المبنى. وبالفعل، وخلال دقائق، حضر رجلان من رجال الامن واقتادونا خارج المبنى!
وخرج صديقي الأفريقي باكيا من المبنى وحاولت ان اشرح له بتهذيب ان العرب يفرحون عندما يدخل إلى الإسلام “خواجة” أوروبي أشقر وعيونه زرقاء، لأنهم يعتبرونه جنساً أرقى منهم. وحاولت ان اشرح له عقدة “الخواجة” بدون ان اجرح شعوره، ولكنه استمر في البكاء، وقال لي انه ندم على تغيير اسمه ومحاولة دخوله للإسلام لانه اعتقد ان الإسلام هو دين المساواة بين البشر ولا فرق بينهم إلا بالتقوى!
وحاولت ان أطيب خاطره. ولكنه فجأة قال: “الموضوع انتهى، وسوف ارجع إلى اسمي السابق (سانا كوناتي)”. فقلت له: “خللي بالك، لو خرجت من الإسلام فيمكن قطع رقبتك”! فرد ضاحكا أخيرا بعصبية واضحة:”ما هذا الدين؟ إذا أردت أن تدخله تقطع جزءاً من عضوك الذَكَري، واذا أردت ان تخرج منه يقطعوا رقبتك؟
اهم شيء في المقال الجملة الاخيرة ….. ههههههه
مقالة ممتعة جدّاً…