نُشِر هذا الموضوع لأول مرة في 29 مايو 2005، وقد تمّت الإشارة إليه في عدة كتب قبل أن نكتشف ان هنالك صعوبة بالغة في العثور عليه على « الشفاف » القديم، لذلك نعيد نشره هنا!
*
29 مايو 2005
من هو المصدر الحقيقي للمعلومات المتداولة حول خليفة الزرقاوي؟
العقيد مكاوي ليس “سيف العدل”، والأوساط الأصولية نفسها تبدي تحفّظات وشكوك حول الزرقاوي
لأول وهلة، فالمعلومات التي نشرتها عدة صحف (بينها “القدس العربي”) والعديد من مواقع الإنترنيت حول سيرة “أبو مصعب الزرقاوي” في أفغانستان تبدو جديرة بالإهتمام لأنها تعطي تفاصيل حول الشخصية الأكثر غموضاً في الوَسَط الأصولي العالمي. لكن هذه الشهادة المثيرة للإهتمام تعاني من “عَطَب” أساسي: فهي منسوبة إلى “الرجل الثالث في القاعدة محمد مكاوي (سيف العدل)”!! والمشكلة هي أن “العقيد مكّاوي” ليس “الرجل الثالث في القاعدة” والأهم أنه ليس “سيف العدل”!
وقد أثبتنا في مقال سابق نشره “الشفّاف”، بالصور والمعلومات ( فيلم قديم للـ”بي بي سي” يكشف أن “سيف العدل”، المسؤول العسكري لـ”القاعدة” ليس “العقيد مكاوي” كما تزعم الـ”إف بي أي” ) أن “العقيد مكاوي” ليس “سيف العدل”، وأن علاقاته بالرقم 2 في القاعدة، أي “أيمن الظواهري” كانت غالباً رديئة جداً. والأرجح أنها لم تكن أفضل كثيراً مع “سيف العدل”، الضابط المصري الآخر المشهور في أفغانستان. والسؤال هو: كيف لا يعرف “الخبير” الذي وزّع هذه الشهادة الجديدة حول “الظواهري” أن “سيف العدل” ليس “مكاوي”، وإذا كان يعرف فما هو المغزى من إستمرار “الخلط” بين الشخصيتين.
وبالنسبة لسيرة “الزرقاوي” نفسه، فالشهادة الجديدة تتضمن عناصر معلومات متناثرة يمكن أن تكون مفيدة. ولكنها لا تتطرّق إلى علاقات الزرقاوي المعروفة (حسب مصادر باكستانية موثوقة) بالأجهزة الباكستانية وحتى السعودية. والمدهش أنها لا تشير إلى محاولات قام بها الباكستانيون والسعوديون لاستخدام الزرقاوي ضد بن لادن، وهذه المحاولات كادت تنجح.. ويمكن في هذا الصدد مراجعة موضوع سابق نشره “الشفّاف” بعنوان: الزرقاوي كان صنيعة الإستخبارات الباكستانية والسعودية- مشرّف وضبّاطه تسبّبوا بـ”الإهانة” التي تعرّض لها الأمير تركي الفيصل من “الملا عمر”.
وهنالك نقطة مهمة تتجاهلها حملة “تسويق” الزرقاوي الجديدة. وهي أن الأوساط الأصولية نفسها، خصوصاً المصرية، تبدي منذ أكثر من سنتين تحفّظات وتشاؤلات وشكوكاً حول الزرقاوي نفسه. وتقول أوساط أصولية موثوقة أنه جرى “تكبير حجم الزرقاوي” لأسباب غامضة أو حتى.. مشبوهة. ولم تمتنع بعض الأوساط الأصولية عن توجيه الإتهامات للأميركيين أنفسهم بتكبير حجم “الزرقاوي”. وهذه التحفّظات والتساؤلات ربما تلتقي مع معلومات عراقيين كثيرين، وعرب عاشوا في العراق مؤخّراً، ومفادها أن من يقوم بالعمليات الإرهابية هم “أجهزة الأمن العراقية” السابقة التي نزلت تحت الأرض ولكنها حافظت على تنظيماتها ومراتبها العسكرية وتجهيزاتها، بما فيها “معدات التعذيب”.. وهذا حرفياً ما يقوله رهينة لبناني سابق في العراق، كان مسجوناً في زنزانة مجاورة لزنزانة القنصل الإيراني الذي اختطفته “جماعة إسلامية” مزعومة وأذاقته أنواع التعذيب، قبل إطلاقه.
وأخيرا، فلا مفرّ من إبداء ملاحظة مفادها أن المصدر “الأردني” لهذه المعلومات يدعو للتحفّظ بدوره. فالأردن ليس طرفاً محايداً في موضوع الزرقاوي.
وفي ما يلي نبذة من المعلومات التي نُشِرَت في اليومين الأخيرة، وقد اقتطفناها عن “القدس العربي”.
ابو مصعب بني مجتمعا اسلاميا مصغرا في هيرات واخذ يفكر بارسال جنوده الي تركيا والمانيا
اردنا في ايلول (سبتمبر) ضرب الافعي في عقر دارها.. ولو نفذت الهجمات كلها لاحس العالم بالانقلاب
فؤاد حسين
الشخصية التي يتناولها هذا الكتاب فرضت أنماطا مختلفة من صنوف التصنيف، تارة أسلوب البحث العلمي المعتمد علي القراءة والبحث والتمحيص والتلخيص، وقد أخذ هذا الأسلوب نصيبه في فصول هذا الكتاب، وتارة أخري الاستماع إلي شهادات العشرات ممن عرفوا الزرقاوي أو رافقوه في مختلف محطات حياته، وهذا أخذ وقتا طويلا بين تدوين تلك الشهادات، ومن ثم تدقيقها، وتمحيصها، ومقارنة الشهادات بعضها ببعض، للوقوف علي المعلومة الدقيقة لاستخدامها بعد التحقق من صحتها، وطرح المعلومة الضعيفة واستبعادها، ما لم نستطع التثبت منها، وتارة أخري الطلب من أشخاص بعينهم أن يكتبوا بأنفسهم إجاباتهم علي أسئلة طرحناها عليهم، لكن الشاق في هذا الجانب كان الوصول إلي هؤلاء الأشخاص ممن لهم بصمات واضحة، سواء في تشكيل فكر الزرقاوي أو تشكيل منهجه واستراتيجيته، وكانت هذه المرحلة الأصعب من الكتاب، إذ باتت إمكانية الاتصال مع هؤلاء صعبة للغاية، إن لم تكن شبه مستحيلة، بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، فغالبيتهم إما في السجون أو مطاردون أو مختفون، لكن دون تدوين شهاداتهم، لن يكون للكتاب إضافة معتبرة، فآثرنا تأخير الكتاب شهورا عدة إلي أن وصلنا إلي مبتغانا، وضمنا الكتاب ثلاث شهادات تغطي مراحل تطور مسيرة الزرقاوي.
الشهادة الأولي كانت لأبي المنتصر بالله محمد، وهو الشخص الأول الذي بدأ الزرقاوي معه بناء التنظيم الأول الذي أسسه أبو مصعب عام 1993، وهو تنظيم التوحيد، الذي عُرف لاحقا باسم (بيعة الأمام)، مسجلا بالتواريخ والأسماء والأحداث كل ما تم حتي عام 1999. فآثرنا تلخيص هذه الشهادة دون التدخل في مضمونها، ذلك أن الكثير مما ذكره لم يعد سرا يحمل صفة الجدة، إن لم أقل أنه سبق أن نشر مضمونه بعموميته، لذلك أبقينا علي المعلومات التي طرحت للمرة الأولي، وعلي الانطباع الشخصي لصاحب الشهادة وموقفه من تلك الأحداث التي دونها.
الشهادة الثانية كانت للأب الروحي للزرقاوي عصام البرقاوي (أبو محمد المقدسي) الذي التقاه في الباكستان عام 1989، واتفق معه هناك علي تشكيل تنظيم ديني في الأردن، وبقي معه في السجن، بادئا معه كرفيق درب وصديق، ثم شيخه الذي ينظر لفكرة التنظيم ويضع أدبياتها، ثم كتابع له بعد أن أصبح الزرقاوي أميرا للمجموعة داخل السجن، ثم منتقدا له وناصحا عن بعد، هو في سجنه بالأردن والزرقاوي في العراق.
الشهادة الثالثة، وهي الأهم كانت للرجل الثالث في القاعدة محمد مكاوي (سيف العدل) الذي يلقي من خلال شهادته الضوء علي القدوم الثاني للزرقاوي إلي أفغانستان عام 1999، وأسباب الخلاف بين الزرقاوي وبن لادن، وكيف تم إنشاء معسكر خاص للزرقاوي في هيرات، مبينا طبيعة العلاقة التي كانت قائمة في تلك الفترة بين قيادة القاعدة والزرقاوي، وصولا إلي ضربة الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، وأهداف القاعدة من وراء هذه الضربة، موضحا كم تحقق من تلك الأهداف، مرورا باحتلال أفغانستان والخروج إلي باكستان وإيران، كاشفا طبيعة الدور الذي لعبته طهران حينذاك، وبعد ذلك قرار إدخال الزرقاوي إلي العراق والتحضيرات التي سبقت ذلك.
وفي محاولة لاستشراف مستقبل القاعدة في العراق من خلال تطور تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين تتبع الكتاب محطات تطور عمل، وشخصية الزرقاوي، خلال السنوات الثلاث الأخيرة. معتمدين معلومات دقيقة تطلب الوصول إليها استقصاء دقيقا وحثيثا، لكل من كان علي تماس مع الزرقاوي خلال تلك السنين.
وللوقوف علي مستقبل الحرب المفتوحة بين القاعدة، وواشـــــنطن التي تطلق علي حــربها تلك مصطلح محاربة الإرهاب الدولي، حاورنا العديد من منظري القاعدة سواء ممن ساهموا في صـــنع استراتيجــــياتها في وقت سابق أو من باتوا من صناع قراراتها لاحقا، واستمعنا إلي كل ما يجول بخاطرهم، لنرسم للقراء استراتيجية القاعدة حتي عام 2020، والوسائل التي أتبعوها، والخطط التي وضعوها للوصول إلي تحقيق هذه الاستراتيجية.
تتمة شهادة المكاوي
أحدي النقاط التي طرحناها أننا لا نريد من ابو مصعب ومن يتواجد معه بيعة كاملة، وانما نريد تنسيقا وتعاونا لخدمة أهدافنا المشتركة.
وأوضحنا له أننا علي استعداد لتقديم التدريب الخاص والمتخصص لأي فرد أو مجموعة متميزة من طرفه، وتكفلنا بان نقوم بعملية التنسيق مع الاخوة في حركة طالبان حتي لا تكون هناك أية إعاقات شكلية قد تطرأ في المستقبل، طرحنا موضوع إنشاء محطتين في طهران ومشهد في إيران من اجل تسهيل عملية عبور الاخوة دخولاً وخروجاً، من والي أفغانستان.
كان الهدف من وراء هذا الطرح كله، هو التواصل مع منطقة مهمة من مناطق العالم العربي والإسلامي، وإيجاد فرصة لجمع الاخوة المخلصين، وخصوصاً الذين لا تتفق وتتطابق أفكارهم مع أفكار القاعدة، من باب التكامل المرحلي، والتطابق في المستقبل القريب بإذن الله.
حاولنا أن نأخذ رداً سريعاً من الأخ أبو مصعب إلا انه قال: لدي مشاورة، فالأخ خالد العاروري والأخ عبد الهادي دغلس قد صحباني منذ بداية الطريق، ولهم الحق علي بالمشورة والتناصح، واتفقنا علي اللقاء بعد يومين، كان الموعد يوم الجمعة، وقد دعانا الأخ الحجازي علي الغداء، وافق الجميع وأوصي أبو مصعب اصطحاب رفيقيه علي الغداء، واتفقنا علي ارسال سيارة لهم قبيل الصلاة، حتي نتمكن من الصلاة معاً.
فعلاً هذا ما حصل بعد يومين، قمنا بأداء صلاة الجمعة معاً، وتوجهنا إلي بيت الأخ الحجازي، وكان الغداء عبارة عن كبسة عربية، وبدأنا بالحديث علي الطعام، أخذ الأخ عبد الهادي بالاستفسار والاستيضاح عن بعض النقاط، واتضح من استفساراته أنه يتمتع بذكاء لا بأس به.
وفقنا الله سبحانه وتعالي بالإجابة عن كل الاستفسارات التي طرحت، وكانت النتيجة الموافقة التامة علي المشروع من قبل أبو مصعب ورفيقاه، وتم الاتفاق علي أن نباشر الإعداد من الغد.
الخطة كانت تقضي أن يبدأ أبو مصعب ورفيقيه نوعاً خاصاً من التدريب لمدة 45 يوما، وفي الأثناء نتكفل نحن بالإعداد والتحضير في هيرات ومشهد علي التوالي، وبدأ أبو مصعب بالاتصال برفاقه لحضهم علي القدوم إليه.
لاحظت أثناء التدريب أن أبو مصعب ورفيقيه، لديهم نهم شديد للتدريب، وكانوا يقسون علي أنفسهم كثيراً، نحو الوصول إلي مستويات أعلي دائماً.
انتهت فترة التدريب سريعاً وبدأنا بالاستعداد للانتقال إلي هيرات حسب الخطة، وقد وصلنا في هذه الأثناء اثنان من الاخوة السوريين، فقمنا بطرح فكرة هيرات عليهم، فوافقوا عليها دون تردد، وانتقلنا إلي هيرات، فوجدنا الاخوة قد اختاروا لنا منطقة تقع علي أطراف هيرات، وتحوي علي معسكر قديم صغير الحجم، وقد زودوه بما يلزم ابتداء.
حمدنا الله سبحانه وتعالي علي التوفيق الحاصل وأقمنا معهم في هيرات أربعة أيام، شعرت في نهايتها، أننا أصبحنا وأبو مصعب ورفاقه الأردنيون والسوريون علي توافق تام بالأفكار، واتفقنا علي اللقاء الشهري دورياً، شهرا يحضرون إلينا، وشهرا نحضر نحن إليهم، وأبقينا لديهم ثلاث سيارات بك آب، من السيارات التي رافقتنا في رحلتنا، ووعدناهم بسيارات أخري إذا لزم الأمر، وقمنا بتوديعهم وعدنا راشدين.
تركنا أبو مصعب مع رفيقيه خالد وعبد الهادي والاخوة السوريين، ونحن علي يقين وقناعة انهم سوف ينجحون، بل سوف يتفوقون في مشروعهم هذا، فالجميع كان يمتلك عزيمة قادرة علي هد الجبال، فحرقتهم وهمهم علي الإسلام والمسلمين لم أشاهد لها نظيرا، عندما وصلنا إلي مقرنا، قدمنا تقريراً مفصلاً للاخوة، وشعرت أن الإنجاز الحاصل قد حاز الرضا والقبول، والحمد لله رب العالمين.
مر شهر كامل علي عودتنا من هيرات، قمنا خلاله بإعداد ثلاث سيارات بك آب، وحملناها بما يلزم من مواد نعتقد أن الاخوة هناك بحاجة إليها، وانطلقت أنا وخمسة من رفاقي العرب، بينهم الأخ الحجازي سالف الذكر، وصحبنا اثنين من الاخوة الأفغان، وصلنا إلي هيرات بعد العصر، وكنا قد اخبرنا أبو مصعب عن موعد وصولنا، فوجدنا الاخوة بانتظارنا، وكانوا قد اعدوا لنا طعام الغداء، الملفت للإنتباه أن الطعام الذي قدم لنا قد احتوي علي أصناف عديدة، وكان الطابع الشامي غالباً عليه، وكان متقن الصنعة ولذيذا، وكان يختلف عن الطعام الذي تناولناه في الأربعة أيام التي أقمناها في هيرات في الشهر الماضي، استفسرت عن الموضوع، فقيل لي أن عائلتين سوريتين، أصلهما من حلب، من الذين كانوا يقيمون في تركيا، قد وصلتا إلي هيرات قبل خمسة أيام، وهم الذين قاموا بإعداد الطعام، كان هذا الخبر مفرحاً جداً بالنسبة لي لأنه يعني أن الفكرة قد بدأت تأخذ طريقها إلي النجاح، حمدت الله كثيراً علي ذلك وانتقلنا للاستفسار عن الأحوال وعن الصعوبات التي واجهتهم خلال الشهر الماضي، وما تم إنجازه بحيث كانت النتائج الحاصلة كما يلي :ـ
1 ـ استطاع أبو مصعب ورفاقه تمتين العلاقة مع الاخوة المسؤولين في طالبان في المنطقة، ومن خلال هذه العلاقة، استعد الاخوة في طالبان وضع كل إمكانياتهم المتوفرة لخدمة المشروع والسعي لإنجازه.
2 ـ العدد الذي تركناه في هيرات كان خمسة أفراد؛ أبو مصعب ورفيقيه، والأخوين من سورية. وجدنا أن العائلتين السوريتين اللتين قدمتا إلي هيرات، تتكونان من ثلاثة عشر فردا وهم رب الأسرة وثلاثة شباب فوق سن السادسة عشرا، وامرأتان، وست فتيات، وهذا يعني أن عدد العرب في هيرات قد اصبح 18 شخصا.
3 ـ وجدنا أن الأخ أبو مصعب، وبالتعاون مع الاخوة السوريين قد أعدوا برنامجاً عسكرياً وثقافياً تعبوياً، كان رائعاً في تقديري آنذاك، بحيث كان يركز البرنامج الثقافي علي البناء العقائدي وعلي حفظ القرآن وعلي دراسة التاريخ والجغرافيا.
4 ـ إتضح لنا أن الأخ أبو مصعب ورفاقه قد اتفقوا علي رسم هيكلية تنظيمية لمجتمع متكامل، في ظل توقعاتهم بأن المئات من الاخوة وعوائلهم سوف تلتحق بهم، وتصل إلي هيرات قريباً.
5 ـ علمنا أن الأخ أبو مصعب قد أرسل إشارة إلي اخوته في الأردن، يبشرهم فيها عن بدايات نجاحه في أفغانستان، ويطلب ممن يستطيع الهجرة إليها بان يهاجر، و أرسل في طلب عياله وعيال خالد وعبد الهادي، وكذلك فعل الاخوة السوريون، وهذا إن دل فإنما يدل علي قناعتهم بنجاح المشروع وأهميته.
حمدنا الله علي هذا التقدم الرائع، وتناقشنا في المستجدات، فيما يتعلق بزيادة الإمكانيات وفيما يتعلق بمحطة مشهد واستنبول.
أمضينا لديهم ثلاثة أيام، شاركناهم فيها برنامجهم اليومي حيث كان الحماس والإخلاص غالباً عليهم، وودعناهم واتفقنا أن يحضروا إلي طرفنا بعد شهر، وعدنا إلي مقرنا مسرورين متفائلين، حتي أن الأخ الحجازي بدأ يفكر جدياً بالالتحاق بأبو مصعب ورفاقه في هيرات، وقمنا بإضافة المعلومات والنتائج الجديدة إلي ملف هيرات، الذي كنا فتحناه منذ ثلاثة شهور واطلعنا الاخوة المعنيين علي المستجدات.
مجتمع اسلامي مصغر
مرت الأيام سريعاً، وجاء أجل موعدنا الشهري، حيث حضر فيه الأخ أبو مصعب والأخ السوري أبو الغادية، وكانت هناك بشائر جديدة؛ العدد في المعسكر من العرب اصبح 42 فرداً بين رجل وامرأة وطفل، من ضمنهم عائلة أبو مصعب ورفيقاه، وكذلك انضمام ثلاث عائلات سوريه جديدة، إحداها قدمت من أوروبا.
وبدأ أبو مصعب يبشر بأنهم بدأوا ببناء مجتمع إسلامي مصغر، وان هناك اخوة أردنيين وفلسطينيين سوف يصلون قريباً إلي هيرات، وقال إن طريق إيران ـ أفغانستان أصبحت سالكة ومأمونة، هذه النقطة كانت جديدة ومهمة لنا في القاعدة، وقد قمنا باستغلالها جيداً في المستقبل القريب، بحيث أخذنا نستعيض بها عن الطريق القديم المار بباكستان، خصوصاً فيما يتعلق بحركة الاخوة العرب، وهذه النقطة جعلتنا نفكر بمحاولة بناء علاقة طيبة مع بعض الخيرين في إيران، وذلك من اجل تمهيد وتسهيل الطريق اكثر، وللتنسيق في بعض الأمور المشتركة، ولقد تم إنجاز التنسيق مع الإيرانيين لاحقاً.
كان التنسيق مع أفراد مخلصين في توجهات عدائهم للأمريكان والإسرائيليين، ولم يكن التنسيق مع الحكومة الإيرانية، وخلال هذه الفترة لاحظت علي أبو مصعب تطوراً مهماً في شخصيته، فعند لقائنا الأول قبل حوالي أربعة شهور من هذا الوقت، لم يكن أبو مصعب مبادراً بالكلام، وكانت أفكاره واهتمامه بالأخبار السياسية العامة محدودة، وأما الان فقد اصبح أبو مصعب مبادراً بالكلام، يهتم بكل الأمور تقريباً، يبادر إلي فتح العلاقات العامة التي قد تنجح مشروعه، ولاحظت انه أصبح اكثر إقناعا وتأثيرا علي من يقابله في الحديث، حتي أن لهجته أصبحت اقرب إلي الفصيحة منها إلي اللهجة الدارجة، هذه الأمور مجتمعة، كانت تشير إلي معالم تكوين شخصية قيادية متميزة.
رفيقه السوري كان رائعاً، ويمتلك خبرات واسعة جداً، ويتقن عدة لغات منها الإنكليزية والتركية والقليل من الكردية. وأما بالنسبة للاخوة السوريين الذين تعرفت عليهم في أفغانستان فقد كانوا من أروع وأخلص الاخوة الذين عرفتهم في حياتي، فقد كان للمعاناة التي مروا بها، وما زالوا يعيشونها، دور كبير في تشكيل شخصياتهم، فهم مؤدبون ويطيعون قادتهم، لديهم دوافع للتعلم وكسب الخبرة النظرية والعملية، لذلك فقد كانت درجة اطمئناني علي مشروع أبو مصعب تزداد كلما علمت أن أعدادا جديدة من الاخوة قد التحقوا به.
بقي مشروع أبو مصعب يتقدم ويتنامي، من ناحية أعداد الاخوة الذين تقاطروا للحاق به في هيرات، وكانت جنسياتهم قد بدأت بالتنوع أكثر؛ فأصبح لديه سوريون وأردنيون وفلسطينيون وبعض اللبنانيين والعراقيين. واستطاع أبو مصعب بفضل من الله ومنته، أن يبني علاقة مع تنظيم أنصار الإسلام الكردي، الذي كان ينتشر في شمال العراق، وكانت له قواعد وتواجد واضح فيه.
توالت الزيارات الدورية التي كنا نقوم بها لهيرات، وكنا في كل زيارة نلحظ الجديد والتطور علي كل المستويات، التنظيمية والإدارية، وقدرات الشباب العسكرية، ومع وصولنا إلي بداية سنة 2001 كان أبو مصعب قد أصبح شخصا أخر، من حيث الإمكانات والقدرات الشخصية التي اصبح يمتلكها، وانعكس كل هذا علي نظرته للأمور، فقد أصبح يفكر بشكل أعمق من السابق في كل قضية تعترضه، وكذلك بدأ يفكر ويخطط للمستقبل بشكل استراتيجي، فقد بدأ يركز علي بناء العلاقات مع كل الجنسيات والأعراق من الشباب العرب وغير العرب، المتواجدين علي الساحة الأفغانية، وبدأ يتجول في كل أفغانستان قاصدا الالتقاء بهم وسماع أخر أخبار مناطقهم الأصلية القادمين منها، ولذلك كان يبقي عبد الهادي دغلس في أغلب الحالات نائبا عنه في هيرات، ويتنقل بصحبة خالد العاروري وسليمان درويش أبو الغادية. وأستطيع القول أن مظاهر القيادة الشاملة بدأت تظهر جلية علي شخصية أبو مصعب ومظاهرها كانت تتمحور في النقاط التالية:
1 ـ أصبح لديه همٌ عام علي واقع الأمة الإسلامية بمجملها.
2 ـ التفاني والدقة ومحاولة الإنجاز السريع باتت أحد سماته.
3 ـ حب القراءة والاطلاع علي كل شيء يدور في العالم أصبح من اهتماماته الدائمة.
4 ـ كان أبو مصعب معجبا بشخصية القائد الإسلامي الفذ نور الدين زنكي، الذي قاد عملية التحرير والتغير التي أكملها البطل صلاح الدين الأيوبي، ولذلك كان يسأل دائما عن أي كتاب متوفر عن نور الدين وتلميذه صلاح الدين، وأعتقد أن ما قرأه عن نور الدين وانطلاقه من الموصل في العراق، كان له دور كبير في التأثير علي أبو مصعب، في اختيار الانتقال إلي العراق، بعد سقوط حكومة الإمارة الإسلامية في أفغانستان.
5 ـ ازداد اهتمام أبو مصعب بالأفراد الذين حوله، وكان يتحدث معي دوما عن الأساليب التي تقوي الترابط الاجتماعي والنفسي بينهم، وأخذ من سيرة الرسول صلي الله عليه وسلم زواجه ببنات أصحابه أبو بكر وعمر عائشة وحفصة مثلا يُحتذي، فقام بالزواج من بنت أحد أصحابه الفلسطينيين الذين التحقوا به من الأردن، وأخذ رفاق أبو مصعب يتزوجون ويزوجون بناتهم لبعضهم البعض، مع أن أعمار بعض الفتيات كان صغيرا نوعا ما، إذا ما قارناه بأعمار أقرانهن السائد في عالمنا العربي. استطاع أبو مصعب واخوته أن يصبحوا عائلة واحدة متماسكة ومتراحمة، من كل النواحي العقائدية والاجتماعية والاقتصادية، وأعتقد أن المودة التي أصبحت تربطهم، باتت شبيهة بما كان عليه صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم وأعتقد أن هذا المثال الحديث والقريب، يجب أن يكون درسا صحيحا ومتجددا لكل العاملين في مجال الدعوة والحركة الإسلامية الحديثة.
6 ـ بعد سنتين من العمل والبناء في هيرات، بدأ أبو مصعب يفكر في ارسال رفاقه الجيدين الذين يثق بهم إلي مناطق خارج أفغانستان، للعمل هناك في موضوع التجنيد وجمع الأموال، وكانت البداية علي ما أذكر باتجاه تركيا وألمانيا، لأن الاخوة السوريين الذين كانوا قد التحقوا به، كانت لهم امتدادات جيدة في هاتين المنطقتين.
7 ـ أبو مصعب كان من أكثر الأخوة الذين التقيت بهم غيرة علي أعراض ودماء وسمعة المسلمين.
هذه هي بعض معالم شخصية الأخ أبو مصعب قبيل أحداث 11/9/2001
أهداف ضربة نيويورك
في تلك الفترة كنا في القاعدة قد أكملنا العدة للقيام بالضربة الكبري، وكانت أهدافنا المرجوة تتمحور في ثلاث نقاط وهي:
1ـ منذ قيام الولايات المتحدة الأمريكية واستقلالها عن التاج البريطاني، وعلي مدار أكثر من قرنين من الزمن في تاريخ البشرية، وهي تصول وتجول في كل أنحاء العالم، تظلم هذا الشعب وتعتدي علي الآخر، وتسرق وتنهب مقدرات الأمم والشعوب، وقد يستغرب البعض إذا ما قلنا لهم أن الولايات المتحدة، وفي سنة 1817م كانت قد وجهت أساطيلها بهدف احتلال الجزائر، فتصدي لهذا الأسطول المجاهدون والبحارة العرب في البحر المتوسط، والذين كان الغرب حينها يطلق عليهم اسم القراصنة، واستطاعوا هزيمة الأسطول الأمريكي شر هزيمة، بعد أن استمرت المعارك بين الطرفين الأمريكي والاسلامي أكثر من ثلاثة شهور. كان هذا العدوان الأمريكي بداية التنفيذ للخطة الاستعمارية، التي أقرت في مؤتمر الأمم الأوروبية الثاني، الذي عقد في فينا سنة 1815. منذ تلك الفترة والولايات المتحدة الأمريكية تحاول جاهدة الاعتداء علي أمتنا بهدف إذلالها، والسيطرة علي مقدراتها وخيراتها، وكذلك علي جميع المستضعفين والمقهورين من شعوب الأرض، فتراهم في القرن الماضي يحاولون إذلال الصين وكوريا وفيتنام، ويتآمرون علي كل الشعوب في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، والهدف واضح، هو عدوان واضح غاشم، يقوم علي دوافع وأسباب يغلفها التضليل والكذب دوماً، ولقد قاموا باسقاط العديد من الدول والحكومات، وما جري في يوغسلافيا ليس عنا ببعيد، واغتالوا الكثير من زعماء العالم المناهضين لهم، ولم يتركوا أدني وسيلة أو أسلوب لتحقيق أهدافهم. ولم تتجرأ دولة ولا شعب في العالم أن يرد لهم الصاع في أرضهم، فبات كبرياؤهم وغرورهم وزهوهم بأنفسهم يشكل المعالم الأساسية في تركيبتهم النفسية، التي زادت من طغيانهم وظلمهم، حتي وصلوا إلي حد الاستهتار ببقية الأمم والشعوب.
فكان الهدف الأول لنا ضرب رأس الأفعي في عقر دارها من اجل تحطيم كبريائهم وسحق غرورهم وتنفيس زهوهم وخيلائهم. وقد تحقق هذا الهدف جزئياً والحمد لله، ولو قدر للضربات الأخري أن تنجح نجاح ضربات البرجين، لكان العالم قد أحس بالانقلاب المفاجئ السريع والله اعلم.
2 ـ كان الهدف الثاني لهذه الضربة: هو اظهار قيادة جديده خيرة لهذا العالم المسحوق تحت أقدام التحالف الصهيوني الإنكلوسكسوني البروتستانتي، فحسب رؤيتنا نقول أن المسلمين المخلصين هم الوحيدون الذين يمتلكون المؤهلات المطلوبة لقيادة هذه البشرية، وإخراجها من غياهب الظلم والقهر والتعسف، والعدوان الذي يقع عليها من قبل هذا التحالف الملعون، فعندما تري امتنا ويري المستضعفون في الأرض أن هناك من البشر من لا يخشي هذا التحالف الشيطاني الشرير، وان هؤلاء القادمين الجدد يمتلكون خطة محكمة ومدروسة لتغيير معالم هذه الحياة البائسة التي يعيشها مستضعفو الأرض.
عندها، فإن هؤلاء القادمين الجدد سيصبحون القيادة الخيرة لهذا العالم، والتي ستتصدي لقوي الشر والظلم والعدوان، والقاعدة والسنة الربانية التي تحكم الصراع هي قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا . وانه عندما يقوم الحق وينبري لصراع الباطل، فإن الحق منتصر لا محالة، طال الوقت أو قصر، وشعارنا الذي نتمثله في هذا الأمر هو قول ربعي بن عامر، عندما قابل قائد الفرس رستم قبيل معركة القادسية، فعندما سأله رستم لماذا أتيتم يا ربعي أجابه: (ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلي عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلي عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلي سعة الدنيا والآخرة).
إذا الحر الكريم لا يرضي الضيم والظلم لنفسه ولا لأهله ولا للإنسانية جمعاء، فكيف نسكت علي هذا الظلم الصارخ، وعلي هذا الاستهتار الفاضح بكل قيم الإنسانية وميراثها الخير الذي دنسه شذاذ الآفاق هؤلاء.
إذا كان هدفنا إبراز قيادة إسلامية صادقة مخلصة خيرة، تهدف إلي جمع طاقات الأمة واستنهاض هممها، وتأليب كل المستضعفين المخدوعين في هذا العالم علي هذا الشيطان الأخطبوط المتمثل في هذا التحالف الشرير، قيـادة تقول ما تعتقد وتفعل ما تقول لا تخشي في الله لومة لائم، ولا يردها عن الوصول إلي أهدافها إلا قضاء الله وقــدره وقد تحقق ذلك والحمد لله.
3 ـ أما هدفنا الأخير من هذه الضربات الموجعة الموجهة إلي رأس الأفعي، فهو دفعها للخروج من جحرها ليسهل علينا تسديد الضربات المتوالية لها، والتي تساعد في اضعافها وتمزيقها، وتعطينا بالتالي مصداقية اكثر لدي امتنا وشعوب الأرض المستضعفة.
فالإنسان الذي يتلقي ضربات مؤلمة علي رأسه، من عدو غير مكشوف وغير واضح المعالم، تكون ردود أفعاله متخبطة وعشوائية وغير مركزة، تجبره علي القيام بأعمال غير مدروسة، قد توقعه في أخطاء خطيرة، وقد تكون قاتلة في بعض الأحيان، وهذا ما حدث فعلاً، فكانت ردة الفعل الأولي غزو أفغانستان، والثانية غزو العراق. وقد تتوالي الأخطاء وتكون هناك ردود أفعال أخري غير مدروسة إن شاء الله.
ردود الأفعال هذه، جعلت الأمريكان وحلفاءهم، يوجهون إلي امتنا النائمة منذ حوالي قرنين، ضربات قوية إلي الرأس وأجزاء مهمة في الجسد، هذه الضربات سوف تساعد بإذن الله علي جعل هذه الأمة تصحو، وتفيق من غفلتها، ويا ويل الأمريكان والإنكليز ومن والاهم، عندما تصحو امتنا.
إذا كان هدفنا إخراج الأمريكان من جحرهم، وجعلهم يقومون بضربات قوية يوجهونها لجسد الأمة الغائب عن الوجود، لأنه دون هذه الضربات، لا أمل في الإفاقة والصحوة، فسلاحنا الذي سوف ننتصر به علي الأعداء، هم جماهير الأمة جمعاء، بكل طاقتهم وإمكانياتهم المادية والمعنوية.
إذا أصبحت لنا قيادة واعية ومخلصة ولديها خطة مدروسة لا مجال هنا للخوض في تفاصيلها، وكذلك الأمة النائمة، أصبحت قاب قوسين أو أدني من الإفاقة والصحوة.
وقد أكل الأمريكان وحلفاؤهم وأذنابهم المقلب .
أبو مصعب لم يكن مطلعاً علي الضربة قبل وقوعها، ولا علي أهدافها، لذلك قمنا بشرح الأهداف جيداً لأبو مصعب، وأطلعناه علي بعض التفاصيل المهمة للأهداف المرحلية القادمة، مع عرض احتمالات الرد الأمريكي المتوقع، وكانت تقديراتنا أن الضربة لم تنجح إلا بتحقيق 20 % مما كنا خططنا له، هذا النجاح كان كفيلاً بأن يقوم الأمريكان بالرد المطلوب وحصل ما حصل.
في الشهرين اللذين تليا الضربة، من توجيه التهديد والوعيد بالقضاء المبرم علي القاعدة واتباعها في كل مكان، والتبشير باجتثاث الإسلام المجاهد وملاحقته في كل مكان، بدأ الأمريكان يتخبطون بالأقوال والأفعال، وأخذ اتباعهم وحلفاؤهم وأذنابهم بمجاراتهم بكل ما يقولون ويفعلون، وحصل ما كنا نتمناه ونخطط له، وتتوج ذلك بإعلان بوش الصغير حربه الصليبية علي الإسلام والمسلمين في كل مكان.
هذه الحرب التي كانت قائمة ودائرة منذ زمن بعيد، والتي لم تنته بانتهاء الحرب الصليبية الأولي في زمن صلاح الدين وريتشارد قلب الأسد، قد أخذت مجالات وأبعاد كثيرة، وكان لجهل بوش وزبانيته بمعني هذا المصطلح وأهميته بالنسبة لنا، نصر كبير انتزعناه من أفواههم علي حمق وغفلة منهم.
نعود إلي الأخ أبو مصعب، فقد بدأ بالتواجد في قندهار برفقتنا اكثر من تواجده في هيرات، واكتسب الكثير من الدروس التي كان لها دور في تكوين صورة شاملة عن مجمل الصراع الدائر في العالم، بين الحق والباطل؛ الحق الذي يتمثل في اتباع الرسل وأصحاب الرسالات السماوية الصحيحة، والباطل الذي يتمثل في اتباع الشياطين والرسائل السماوية المحرفة والمقولبة علي رغبات بعض البشر، يخدم أطماعهم ومصالحهم الشخصية حتي ولو كانت هذه المصالح علي حساب المعدمين والمسحوقين والمحرومين من بقية البشر.
بدأ الهجوم الأمريكي في نهاية 2001، عاد أبو مصعب إلي هيرات ليكون علي مقربة من إخوانه وجماعته، لم تكن لدينا خطة واضحة ومدروسة للمواجهة، منطقة هيرات كانت بها نسبة مهمة من الشيعة، تم قصف معسكرات طالبان وتجمعات قواتهم ومخازن أسلحتهم بعنف، وتحرك المخالفون والشيعة في المنطقة بسرعة وسيطروا علي المنطقة، لم يكن أمام شباب القاعدة وطالبان وجماعة أبو مصعب إلا الانسحاب السريع، والانضمام إلينا في مناطق الشرق من أفغانستان.
حدث وقبل خروج أبو مصعب وإخوانه من هيرات، أن وقعت مجموعة من رفاقهم في اسر قوات الشيعة والمخالفين، وكانت عملية إطلاق سراحهم وإنقاذهم شبه مستحيلة، أصر أبو مصعب ـ حسب ما روي لي ـ علي تخليصهم من الأسر، وجمع حوالي 25 مقاتلاً من جماعته، وصلي بهم ركعتين صلاة الحاجة، وقام بمهاجمة المنطقة التي احتجز فيها رفاقه، وكان الهجوم مباغتاً مما اربك المدافعين، الهجوم كان عنيفاً، لأنه كان هجوم المستميت الذي لا يري حلاً غير إنقاذ اخوته، أو الموت دون ذلك.
النتيجة كانت فرار المدافعين، وإنقاذ جميع الاخوة دون أدني خسارة، هذه الحادثة تدل علي مدي النجاح الذي تحقق في معسكر أبو مصعب علي مدي سنتين، والذي خرّج رجالاً متحابين متفانيين في الدفاع عن مبادئهم ورفاقهم، حتي لو عرضوا أنفسهم للمخاطر.
بعد أن قام أبو مصعب واخوته بتحرير رفاقهم، اخذوا يستعدون للخروج من هيرات فخرجوا بقافلة مكونة من حوالي 135 سيارة، كانت تجمع بينهم وبين الاخوة العرب من القاعدة في المنطقة وكذلك ما تبقي من الاخوة الطلبة.
الطريق كان طويلاً إلي قندهار، والطيران كان يحلق ويحوم في كل أجواء أفغانستان، إلا انه وبحمد الله وصلت القافلة سالمة إلي قندهار، كان قرارنا في البداية انه لا بد من الدفاع عن قندهار مهما كانت النتائج، بدأنا تأمين نساء الاخوة العرب وأطفالهم، وذلك بإرسالهم إلي باكستان. وأخذنا بالاستعداد للمواجهة.
وفي أحد الأيام كان هناك اجتماع مع بعض الاخوة المهمين، وكان أبو مصعب من بينهم، قام أحد الاخوة باستخدام هاتفه الثريا الذي كان يعمل عبر الأقمار الصناعية، غادرنا مكان الاجتماع أنا وثلاثة من الاخوة. بعد استخدام الأخ لهاتفه بدقائق وبعد عشرة دقائق من مغادرتنا، قامت طائرة أمريكية بقصف البيت الذي كنا فيه، وكان أبو مصعب وبعض الاخوة ما زالوا فيه. القصف أسفر عن انهيار سقف المنزل، ولم يقتل أحد من الاخوة، لكن البعض أصيب بكسور، وكان منهم أبو مصعب، حيث كسر له بعض الأضلاع في صدره، وأصيب ببعض الكدمات والرضوض نتيجة انهيار السقف.
بدأ الهجوم علي قندهار. وكان هناك قرار جديد من القيادة بضرورة الانسحاب إلي الجبال وإخلاء الجرحي إلي مناطق آمنة وغير مستهدفة، كان المطلوب من أبو مصعب الخروج إلي باكستان، كونه كان من المصابين، إلا انه آبي إلا الالتحاق بنا والاستمرار بالمشاركة في المعركة.
الأمريكان كانوا يخشون المواجهة المباشرة، ولذلك كانوا يعتمدون علي قصف الطيران، وكانوا يستخدمون قوات الشمال من المنافقين والمخالفين في التقدم البري، ومما سلف نستطيع القول أن أبو مصعب ما كان له أن يهرب ولا أن يبتعد عن المواجهة، حتي ولو كان لديه عذر شرعي يستدعي ذلك.
المواجهة لم تكن متكافئة ولم تكن مباشرة وأهداف الهجوم الأمريكي كان يتمحور بالنقاط التالية:
1 ـ اسقاط الإمارة الإسلامية في أفغانستان، والقضاء علي احتمالية عودتها أو تجديدها في أي مرحلة قادمة، فهي التي وفرت الظروف والأرض والمكان الآمن للقاعدة، ولا عودة للسماح بذلك من جديد. فهذه الإمارة لو استمرت سوف تكون البداية لدولة الخلافة الإسلامية المنشودة من قبل كل المسلمين في العالم.
2 ـ القضاء علي القاعدة وقيادتها وجعلها عبرة لكل من يعتبر عبر القادم من التاريخ، فمن يتجرأ علي المساس بهذا الفيل العملاق (الولايات المتحدة)، يجب أن يلقي جزاءه، والجزاء يجب أن يكون الاجتثاث الكامل والمبرم.
كان هذا التحدي من اكبر التحديات التي واجهتنا في عملنا منذ البداية، وكان لا بد من استجابة واعية تصل إلي مستوي التحدي المفروض، فكان قرار القيادة الجريء بضرورة تفكيك الإمارة والاندماج والانخراط بالواقع الأفغاني من جديد، والعمل علي العودة خلال سبع سنوات ضمن خطة محكمة ومدروسة، من خلال هزيمة الأمريكان واتباعهم وأعوانهم من الخونة والمنافقين.
وقد بدأنا بتنفيذ الخطة فوراً، وبناءً علي ذلك كان لا مجال لنا في القاعدة من الاستمرار بالتواجد العلني السابق والاستمرار بالعمل بنفس الأنماط السابقة، فكان لا بد من الانسياح المنظم من جديد، في كل المناطق التي نستطيع الوصول إليها في هذا العالم.
لم نهرب من المعركة
قد يتساءل البعض: أهذه هي الرجولة أو أهذه هي المبادئ والقيم المرتبطة بالعقيدة التي تحملونها وتدعون إليها؟ وخصوصاً أن الإسلام يعتبر الفرار من الزحف خيانة عظمي والجواب علي ذلك يتمحور في عدة نقاط وهي: ـ
1 ـ نحن لم نهرب من المعركة ونترك الاخوة في طالبان لمواجهة مصيرهم منفردين مع الأمريكان، وانما كانت خطتنا (الانسياح) في الأرض جميعا، ومحاولة فتح معارك جديدة ومتعددة مع الأمريكان من اجل تشتيت قواهم وحرمانهم من التركيز علي منطقة واحدة.
2 ـ الشكل الذي اختارته القيادة للمواجهة في النهاية يعتمد علي حرب العصابات الذي يتخذ أسلوب الفر والكر، وهذا يتطلب من الذين يقومون به أن يكونوا من أهل المنطقة، فسحنتنا ولغتنا ولهجتنا كعرب لا يتلاءم مع مثل هذه المهمات، أما من يتقن لغات ولهجات أهل البلاد، فكان له الخيار البقاء أو الخروج منحازاً إلي اخوة آخرين في مناطق صراع أخري.
3 ـ عملية خروج الاخوة وتفرقهم وانسياحهم في البلاد، تعطينا قوة وإمكانيات مادية وبشرية اكثر، نستطيع استخدمها في المعركة، وخصوصاً أن المعركة لم تعد محصورة في بقعة جغرافية محدودة وانما مجالها اصبح العالم كله.
4 ـ كنا ندرك أن هذه الخطوات مهمة جداً لاستمرار الفكرة، ومهمة كذلك في عدم تمكين الأمريكان من تحقيق جزء من أهدافهم، وهو القضاء علي الاخوة والقضاء علي القيادة.
والنتيجة أن الخسائر لدينا كانت قليلة والحمد لله، وان القيادة ما زالت سليمة وتمارس عملها بكفاءة من ارض أفغانستان، وان الشباب الذين إنساحوا في العالم، فتحوا ساحات صراع جديدة بينهم وبين الأمريكان ومن يواليهم من المرتدين والمنافقين. ودليلنا علي ذلك النتائج التي حققها الأخ أبو مصعب واخوته في العراق.
كنت أنا المسؤول عن تأمين بعض الاخوة العرب وإيصالهم إلي إيران، ومن ثم توزيعهم حسب ما نراه مناسباً، وكان الأخ أبو مصعب ومجموعته من ضمن هؤلاء الاخوة.
مواضيع ذات صلة:
الزرقاوي كان صنيعة الإستخبارات الباكستانية والسعودية
مشرّف وضبّاطه تسبّبوا بـ”الإهانة” التي تعرّض لها الأمير تركي الفيصل من “الملا عمر”