من ننتخب؟ هو السؤال الوحيد الذي يجب ان يقلق اللبنانيين هذه الأيام، لأن وجودهم كمواطنين يتحدد وفق الجواب.
نكون انتحاريين اذا اعدنا الى المشهد السياسي هؤلاء الذين برهنوا ان لا همّ لديهم الا تأمين الكرسي المنشود في مجلس النواب العتيد. وبعد الكرسي الخاص يفكرون في الكتلة الوازنة، التي في نهاية الامر لا تقدم ولا تؤخر، ما دام المايسترو يضبط إيقاع الحياة السياسية وفق محوره وممانعته، ويريد لنا ان نلملم بقايا فائض القوة التي يمنّننا بها ولا يهتم إن كانت غالبية الشعب قادرة على تأمين لقمة عيشها او حاصلة على الحد الأدنى من حقوق الانسان المدمَّر والمشوَّه والمضضربة قيمه في لبنان.
اما المسؤول الذي يطالعنا، كلما أطل علينا، باعتراضات على الفساد والمحاصصة ومصادرة السيادة وانتهاك الحريات العامة والتضييق على حرية التعبير، ولا يستقيل، بل يصر على ترشيح نفسه مرة جديدة، فهو لا علاقة له بالمسؤولية ولا يستحق وضع اسمه في صناديق الاقتراع.
من ننتخب؟ والانتخابات ترهق وتقلق أطرافاً سياسيين يلعبون في العماء والتخبط، لا تشغل بال من يتباهى بصواريخه التي تستطيع ان تشعل البحر، وحيثياته التي لا تقارن مع مَن لا يتجاوز بخطابه زواريب طائفية ومذهبية ومناطقية تسيطر على باقي الأطراف السياسيين في لبنان، كلهم من دون استثناء.
من ننتخب عندما تنعدم الصدقية ويصبح من يريد الوصول الى الحكم بلا همّ او قضية الا الحصول على أصوات الناخبين؟
كيف نقرر عندما يريدون لنا الاختيار بين مشهدَين يختصران الواقع السياسي اللبناني: وزير العدل سليم جريصاني دون سواه قرب رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في البيال خلال احياء ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري؛ المرشح المحتمل على لائحة “حزب الله” اللواء جميل السيد في الصف الامامي خلال خطاب الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله خلال احياء ذكرى اغتيال عماد مغنية.
المشهدان غنيان ولا يحتاجان الى تفسير وتحليل واجتهاد. هما يقولان أكثر بكثير مما قاله خطيبا المناسبتين.
في المشهدين لا وجود للقضايا التي تنقل لبنان من وطن مياوم الى وطن في ملاك الدولة، ويلبي التطلعات المتواضعة لحل أزمات الكهرباء والمياه والنفايات والتعليم والطبابة.
في المشهدين، الحلم يتحول كابوساً عندما يصبح الجيش اللبناني عاطلاً عن العمل، بوجود “جيش حزب الله” الحاضر بإشارة من مجلس الدفاع الأعلى اللبناني الرسمي لإشعال محطات الغاز والنفط في البحر الفلسطيني ومنع الجيش الوطني من الشغل في مجاله.
الطريف في الأمر ان هناك من يسجل نقطة إيجابية للحزب الإلهي كونه اعترف بمجلس الدفاع الأعلى، أي بشرعية الدولة.
الكابوس يصبح مهزلة ثقيلة ومؤذية عندما يؤكد نصر الله عدم تدخل إيران في لبنان، في حين يؤكد المسؤولون الإيرانيون عكس ذلك.
والمهزلة عندما يشدد نصر الله على استعداد ايران لتسليح الجيش، والمساعدة في البعد الانمائي، وفي موضوع النفط، وفي موضوع الكهرباء، في حين يتظاهر شعبها ضد اركان الحكم في بلاده، ويُقمع ويُسجن لأنه جائع وفقير، ولأن مقتدرات بلاده تخصَّص لتسليح الميليشيات.
المشهدان يوحدان الرؤية في شأن مَن يسيطر ويصادر سيادة البلد. الانكى ان سعي القانعين بمصادرة السيادة الى الكرسي، هو الهم وليس الوسيلة لإزالة هموم الناس، حيث تشير بعض الدراسات الى وصول مستوى البطالة الى 40%، وحيث تعالج الاحتجاجات على الوضع المعيشي بصفعة.
الانكى أيضاً وأيضاً، ان مَن يشل تشكيل الحكومات أشهراً لأجله، ويتولى ما يشاء من حقائب وزارية هو وفريقه، يحتج ويعترض ويزايد على المواطن العادي الذي اذا اعترض يتلقى صفعة.
المنطق البسيط يفرض ان مَن يعترض لتحقيق مطالبه الخاصة، ولا يعارض ولا ينسحب من الحكم والحكومة، ليس صادقاً.
المنطق البسيط يفرض ان ننتخب مَن لديه الاستعداد ليستقيل احتجاجاً على الفساد والمحصصات ومصادرة السيادة.
عندما يستقيل نائب او وزير او مسؤول ممن يتحدثون عن قضايا وأزمات بأسلوب غير استهلاكي وانتهازي، ننتخبه.
عندما يطالب مسؤول بمحاسبة رجل أمن يصفع مواطناً ولا يحال على التحقيق، واذا فشل في تحقيق مطلبه وليس تمييع الموضوع على ما تعوّدنا، يستقيل، واذا رشح نفسه بعد ذلك ننتخبه.
يبدو ان لا شيء يشجع على التوجه الى صناديق الاقتراع في ظل هذا النظام الانتخابي الذي يفرض علينا لوائح معلّبة لا تخرج من مفهوم المحادل، وبقانون يشد قبضته على رقابنا ليبقينا حيث نحن او يشدنا الى أسفل سافلين.
لا شيء يشجع، ولا سيما في غياب جبهة معارضة متماسكة تقدم بديلاً في وجه المحادل السلطوية. نشهد حتى تاريخه معارضات متناثرة، كلٌّ منها تضعف الأخرى، ما يعطي مزيداً من الزخم للوائح المعلّبة التي تعيد السلطة الحالية الى الندوة البرلمانية وإن اختلفت المعادلات.
فعلاً سؤال صعب: من ننتخب؟
ويصبح السؤال محبطاً حين نعدّله الى: هل هناك من يستحق ان نلوّث اصابعنا بالحبر الأزرق لأجله؟
sanaa.aljack@gmail.com
“النهار”