(الصورة: ولي عهد السعودية، وزير الدفاع الأمير سلطان، لدى استقباله في مطار أغادير في 30 أبريل 2009، وبجانبه الأمير رشيد شقيق ملك المغرب، وحاكم الرياض الأمير سلمان)
*
في 13 تموز/يوليو 2009، تحدث السفير روبرت جوردن والباحث سايمون هندرسون إلى المنتدى السياسي الخاص على مأدبة غداء في معهد واشنطن لمناقشة الخلافة في المملكة العربية السعودية والتحديات التي يمكن أن تشكلها بالنسبة للولايات المتحدة. سيمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن. وستصدر هذا الشهر آخر نشراته ضمن المجهر السياسي، “بعد الملك عبد الله: الخلافة في المملكة العربية السعودية”. روبرت جوردن هو سفير أمريكي سابق لدى المملكة العربية السعودية، عين بعد فترة وجيزة من وقوع الهجمات الإرهابية في 11 أيلول/سبتمبر.
*
سايمون هندرسون
من المرجح أن تكون الخلافة القادمة في المملكة العربية السعودية كبيرة الأهمية لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة، حيث أن طبيعة وأسلوب حكم العاهل السعودي المقبل سوف تؤثر بصورة عميقة على المصالح الأمريكية حول مجموعة كبيرة من القضايا الاقليمية الهامة، بما فيها إيران، والعراق، وأفغانستان، وباكستان، وعملية السلام في الشرق الأوسط، وبالطبع، الطاقة. وقد اشتد النقاش حول مستقبل القيادة في المملكة العربية السعودية منذ آذار/مارس المنصرم، عندما تم تعيين وزير الداخلية الأمير نايف نائباً ثانياً لرئيس الوزراء، وهو المنصب الذي ينظر إليه كـ “ولي العهد في الانتظار”. وبسبب اعتلال صحة ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز، يؤكد التعيين الأخير بأن الأمير نايف هو الأوفر حظاً لتولي منصب ولي العهد المقبل أو ربما حتى الملك.
وكما تم استعراض الموضوع في الدراسة “بعد الملك فهد: الخلافة في المملكة العربية السعودية”، من عام 1994، إن المعيار الرئيسي [لمبايعة] ملك للسعودية هو السن. وإذا كان ابن سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة، قد اعتبر نفسه في أي وقت مضى خاضعاً لمعيار شرط الأقدمية، فهذا أمر مشكوك فيه، ولكن يبدو أن التسلسل الزمني لولادة ابنائه يبقى الحَكَم البارز. ويقال أيضاً أن ابن سعود قد صرح بأنه ينبغي أن لا يكون ملك المستقبل قد ولد [لأم] أجنبية. فمن بين اثنين وعشرين من زوجاته، كان نصفهم فقط تقريباً من أصل عربي. وعلاوة على ذلك، عادة ما يتمتع العاهل السعودي بالخبرة والحنكة، والاهتمام في السياسة، والشعبية – وهي خصائص يفتقرها الكثير من أبناء ابن سعود.
ومع بلوغ الملك عبد الله هذا العام الستة وثمانين سنة من عمره – وهو بالفعل أكبر سناً من أي من أسلافه – تظهر هناك عدة احتمالات.
إن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أنه قد لا يطول عمر الأمير سلطان البالغ من العمر خمسة وثمانين عاماً، أكثر من عمر الملك عبد الله، مما سيضع ضغطاً هائلاً على الملك لتعيين الأمير نايف ولياً للعهد. ولكن هذه الشراكة الجديدة قد لا تستمر طويلاً، لأنه يقال بأن الأمير نايف نفسه معتل الصحة.
وإذا توفي الملك عبدالله قبل الأمير سلطان، ربما يطالب ولي العهد بالعرش، على الرغم من اعتلال صحته، ويعين الأمير نايف الرجل الثاني في البلاد. ولكن يتعين على “هيئة البيعة” المشكلة حديثاً وغير المختبرة من قبل، الموافقة على لياقة الأمير سلطان واختياره للأمير نايف ولياً للعهد على حد سواء. إن الـ “هيئة” التي تعتبر أداة من قبل الملك عبد الله لعرقلة تقدم ما يسمى بالأمراء السديريين — أكبر وأقوى مجموعة فرعية من ابناء ابن سعود، التي تضم الأمراء سلطان ونايف — ربما تتجنب أي مواجهة وتذعن بهدوء.
إذا حدث [سيناريو معين] بحيث لا يستطيع الملك عبد الله والأمير سلطان على حد سواء إداء الواجبات الرسمية، فإن “هيئة البيعة”، بعد تعيين مجلس مخصص لحكم البلاد لمدة سبعة أيام، سوف تختار مرشحاً مناسباً ليصبح ملكاً. وفي هذا السيناريو، من المحتمل أن يطالب الأمير نايف بالعرش. وتثير قيادته للعديد من قوى الأمن الداخلي، الاحتمال بأنه اذا كانت هناك معارضة ملكية واسعة لمطالبته، يمكنه أن يقوم وبصورة فعالة بانقلاب [لتولي السلطة].
وقد ينطوي سيناريو آخر على [مبايعة شخص آخر] ملك على البلاد كحل وسط. ومن المحتمل أن يكون [المرشح في هذه الحالة] حاكم الرياض، الأمير سلمان، البالغ من العمر ثلاثة وسبعين عاماً، الذي يلقى احترام [الجميع]. وبانحداره من عائلة السديري فقد يقنع الأمير نايف بالتنحي من أجل الحفاظ على الوئام في عائلة آل سعود.
وبغض النظر من سيصبح ملك السعودية المقبل، فإنه سيواجه تحديات فريدة من نوعها تختبر قابلية إدارته. وتطرح الفوضى التى تعم إيران اليوم عدداً من المضاعفات بالنسبة للمملكة. فالقيادة السعودية تشعر بالتوتر إزاء الأحداث الأخيرة، وهي قلقة من إمكانية حدوث تغيير ثوري، فضلاً عن توطيد السلطة من قبل المتشددين الإيرانيين.
وستواجه العلاقات الأمريكية السعودية عقبات خطيرة في ظل حكم الأمير نايف؛ فهو رجل من الصعب العمل معه ويُسمع عنه بأنه قريب من رجال الدين المحافظين. كما أنه تحدث ضد الانتخابات الديمقراطية، لأنه ينظر إلى تعيين مسؤولين بصورة مباشرة خياراً مضموناً. وبالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن يقوم الأمير نايف بإلغاء بعض إجراءات الإصلاح التي اتخذها الملك عبد الله، ومن الواضح بالفعل بأنه منذ التعيين الأخير للأمير نايف، فقد برنامج الإصلاح الذي اتبعه الملك عبد الله زخمه.
روبرت جوردن
إن فهم الكيفية التي تؤثر فيها الخلافة السعودية على سياسات الولايات المتحدة في المنطقة هو أمر بالغ الأهمية، خاصة وأن العلاقات الأمريكية السعودية تتحسن بعد سنوات من التوتر في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر. فبعد التفجيرات التي وقعت في الرياض عام 2003، أمر سفير الولايات المتحدة برحيل جميع أعضاء السلك الدبلوماسي الأمريكي من السعودية باستثناء أهم المسؤولين وذويهم، وهي خطوة اقنعت العديد من [شركات] الأعمال الأمريكية بالحد من وجودها في المملكة. وقد غضب القادة السعوديين من هذا القرار، وخلصوا بأن الولايات المتحدة لا تعتبر المملكة العربية السعودية آمنة بشكل كاف.
وفي المقابل، قام المسؤولون السعوديون بقيادة الأمير نايف، بإزالة عدد من الخلايا الارهابية في السنوات القليلة الماضية، وهي الخلايا التي لم تعترف المملكة حتى بوجودها في عام 2001. وقد اثبتت هذه الانجازات بأن الأمير نايف قادر على تحمل المسؤولية عن أمن البلاد.
وعلى الرغم من المخاوف الأمريكية حول الخلافة السعودية، من المرجح أن يحافظ العاهل السعودي المقبل — كائناً من كان — على مواقف البلاد الحالية حول العديد من القضايا، على الرغم من التصريحات العلنية في الماضي. وقبل أن يصبح ملكاً، كان يُعتقد بأن عبد الله عارض تماماً الغزو الأمريكي للعراق ولكن ثبت بأن ذلك لم يكن صحيحاً. فقد قدمت الرياض دعماً أساسياً للولايات المتحدة خلال الحرب، وأثبتت بأن “الضرورة تؤدي إلى بعض التوافقات من وقت لآخر”. ومع تقدم أفراد من ذوي الخبرة السياسية إلى الصدارة، من المرجح أن تكون المملكة العربية السعودية مستقرة إلى حد ما بغض النظر عن النَسب الملكي للخلافة.
وفي ضوء الوضع القائم في إيران، قد تضطر السعودية إلى قبول بعض التغييرات، أو على أقل تقدير، تعي ببعض الحقائق. ويدرك قادة المملكة بأن فقدان الاتصال مع الدين يمكن أن يؤثر على الدعم الشعبي للحكم الملكي. ومن المرجح أن يؤدي قيام حركة ثورية أو تقوية المتشددين الإيرانيين إلى جعل السعوديين شديدي التوتر. ولكن بغض النظر عما سيحدث في إيران ستحاول القيادة السعودية الجديدة ترجيح قوتها الخاصة في الشرق الأوسط.
وفيما يتعلق بالمستقبل، على الرغم أنه من المرجح أن تستمر المملكة العربية السعودية في النظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها الحليف الأجنبي الرئيسي للبلاد، من المحتمل أن تقوم القيادة السعودية القادمة بمنح الأولوية لتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع غيرها من الجهات الفاعلة في العالم، بدلاً من الاستثمار فقط في علاقتها مع الولايات المتحدة.
لقد أختار الرئيس باراك أوباما الخيار الصحيح في السفر إلى المملكة العربية السعودية قبل خطابه الأخير في القاهرة. وبما أن الأعمال في الشرق الأوسط، كثيراً ما تتم على أساس شخصي، فإن [مبادرة] اوباما لبناء علاقات شخصية مع القيادة السعودية ستجلب له الثقة ويمكن أن تزيد من الانجازات الاستراتيجية.
معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
إقرأ أيضاً: