يجب ان يعود السوريون الى بلادهم. الامر ليس موضع جدل. يجب ان يعودوا لأنهم يعانون ولأن لبنان يعاني. ولا مزايدات في هذه المأساة التي لا تنتهي مع ارتفاع قياسي في أعداد الضحايا بعد توقف آلة العدّ عن احصائهم وتجاوز الرقم النصف مليون، والمخفي أعظم.
ولكن!!!
هل يستوي الحديث عن هذه القضية عندما يقول الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله ان ملفاً يتم اعداده لتسجيل “أسماء من يريد العودة ونعرض الأسماء على الدولة السورية ونتعاون مع الأمن العام اللبناني لإعادة أكبر عدد ممكن من النازحين الذي يرغبون بالعودة الطوعية”؟!
بمعزل عن كل المعايير في مصادرة وظيفة الدولة، والامر ليس طارئاً او سابقة في تاريخ الحزب الإلهي، لا بد من التوقف عند عبارة “نعرض الأسماء على الدولة السورية”، ملحقةً بتنبيه إلى “أنه ليس هناك وقت لإضاعته وهناك من يريد العودة قبل بدء المدارس وسنستمر في المساعدة إلى أن يتم حسم الملف بين الحكومتين اللبنانية والسورية”، التي تمهد للتطبيع بين لبنان والنظام الاسدي بشكل رسمي لأن التطبيع في المرحلة الراهنة حاصل بالمواربة.
فهذا الواقع الذي بدأ التمهيد له والبناء عليه، يعني أمراً واحداً لا غير، وهو ان النظام الاسدي وحده يقرر عودة مواطنين سوريين الى ارضهم، او رميهم خارج الحدود وكأنهم نفايات سامة. وله وحده ان يقرر تشريدهم، سواء بالقصف المتواصل او التهديد بالاعتقال والاخفاء. او بكل بساطة برفض عودتهم الى حقوقهم الطبيعية كبشر.
أكثر من ذلك: هذا الواقع يشير الى عدم وجود أي اعتبار لدولة لبنانية في الأساس. دولة لها الحق في تقرير مَن يدخل أرضها او يخرج منها. دورها ينحصر فقط في “التعاون” مع النظام الاسدي وتلبية أوامره في كل ما يتعلق بحق العودة لمن فرّ من الجحيم.
ومن لا يريده النظام ان يعود، يبقى في لبنان، وعلى الدولة الفاشلة أصلاً ان تتحمل الأعباء.
في هذه النقطة عجز نصرالله عن محاولته تجميل صورة النظام الاسدي، حتى لو استخدم توصيف الدولة للتعريف عنه.
فالنظام الذي يسمح لفريق مسلح في رعاية محور إقليمي، باحتلال مناطق من ارض الدولة ويمنع العودة عن أهل هذه المناطق، هو بيت الداء، وليس الاتهامات التي كالها نصر الله لجهات ومنظمات دولية ومحلية بتخويف اللاجئين السوريين من العودة وتقديم معلومات غير صحيحة لهم.
هذا الطرح لا يهدف الا الى التعمية عن رفض النظام السوري عودة شاملة وكاملة لمن يرغب، لحسابات تتعلق بمصالح المحور الإيراني والتغيير الديموغرافي الذي ينشده.
وهذا ما تعبّر عنه لاجئة من إحدى قرى القصير عندما تعتبر ان الحياة في مخيم شاتيلا مقابل 200 دولار لغرفة بائسة، هي كل ما يتيسر لها حالياً لأن قريتها فارغة تماماً من السكان. وتتمنى لو يعود سكان القرية كلهم لتنصب خيمة تقيم فيها بينهم.
لكن الامر مستحيل وممنوع.
وتكتفي بالقول “لا أعرف” عندما تسألها من يمنعها. استحالة الإجابة المعروفة، مردّها الى القمع الذاتي للمرأة المنكوبة ولشرائح واسعة من الشعب السوري الخائف من مصير مجهول أسود يدفع من يتكلم الى اشتراط عدم ذكر اسمه او اسم قريته حتى لا تطاله يد النظام اذا عاد او تطال احد اقربائه إن هم لا يزالون في البلاد.
يضحك بمرارة لاجئ هرب لجرأته على حرية التعبير، ويتحفظ عن ذكر اسمه عندما يعلق على ما قاله نصر الله عن دخول الحزب على خط مساعدة النازحين. يعترض اللاجئ على استخدام نصر الله ومن قبله وزير الخارجية جبران باسيل مصطلح النازح الذي يحرم من لجأ مرغماً الى لبنان هرباً من الموت أو الاعتقال. والفرق في المصطلح له أبعاده. ويوضح: “حزب الله يسيطر على قرانا، قبل ان يطالبنا المسؤولون في لبنان بالعودة، عليهم ان يطلبوا الى حزب الله الخروج من ارضنا”.
يضحك اللاجئ، وبمرارة أكبر، تعليقاً على “الحيثية” التي تحدث عنها نصر الله. يقول: “هي نفسها الحيثية التي اتبعها الحزب عندما قرر النظام الاسدي اجراء انتخابات واستفتاء صوري، فكان ارغام اللاجئين السوريين على ركوب الباصات في اتجاه السفارة السورية واعلاء الصوت بهتافات مؤيدة لبشار ومن ثم البصم لمبايعته… والا لن ينام سوري في بيته حيث نفوذ الحزب. ومن لا يصدق فليجرب”.
ومن لا يصدّق، فليستعد قصيدة نزار قباني “الى رجل” ويردد مع نجاة الصغيرة “أنا أحبك يا سيفا أسال دمي… أنـا أحبك حاول أن تساعدني… فإن من بدأ المأساة ينهيها… وإن من أشعل النيران يطفيها”، وذلك انطلاقاً من الحيثية التي تدمغ المحور الإيراني وأذرعه مع النظام الأسدي.
sanaa.aljack@gmail.com