قبل سنوات قليلة كان الجدل في مصر هو هل الحجاب فرض ؟ (تخيل أن هذا الجدل يحدث بعد ظهور الاسلام بالف وستمائه سنة!) وفي غياب وغيبوبة المسئولين عن الثقافة والوعي الديني والسياسي في مصر إنتصر الفكر الاخواني وفرض الحجاب على نساء مصر بعد قرن من التنويري الرائد قاسم أمين!
واليوم نرى أن الجدل قد أصبح عن النقاب! وقد قامت حملةٌ ضاريةٌ ضد شيخ الأزهر لأنه قال إن النقاب عادة وليس عبادة. فلم يكن الحجاب سوى خطوةٌ نحو النقاب. ولن يكون النقاب سوى خطوةٌ نحو طرد المرأة كلية من الشارع ومن الحياة، وهى خطوةٌ نحو الدولة الدينية في مصر .
وكنت قد كتبت مقالاً عن جدل الحجاب قبل سنوات أرى إنه ينطبق اليوم على النقاب بتعديل طفيف. هذا هو:
الحجاب ليس فريضة إسلامية”- ”
هذا ما كتبه الشيخ مصطفى محمد راشد فى روز اليوسف-
ومن قبل أثار وزير الثقافة المصرى زوبعة بتصريحه ان الحجاب عودة الى الوراء وان شعر المراة كالورود الممتعة للنظر، اشتعلت على اثرها ردود فعل متشنجة فى مجلس الشعب المصرى قام فيها نواب الحزب الوطنى الحاكم بالمزايدة على نواب جماعة الاخوان المسلمين “المحظورة” ! فى سباق لإثبات من الأكثر ورعا واشد ايمانا وتقوى، بما فى ذلك صرخات تعلن ان “الشعب المصرى كله مسلمين” ! ماحين بذلك من الوجود ملايين المواطنين الآقباط، دون ان يقوم رئيس مجلس الشعب الموقر بالتدخل للتصحيح حتى لايعلو صوته على صوت حفلة الزار المنتصبة فى الشارع المصرى المهتاج دينيا منذ ثلث قرن!
واليوم نرى أن الجدل قد أصبح عن النقاب!
فى هذا الاطار اطرح الملاحظات والافكار التالية:
الطريق الى الله
فى نفس اللحظة التى كانت فيها مصر بأوساطها السياسية والدينية والثقافية والاعلامية منهمكة فى معركة الحجاب- فى حشد عظيم للآيات المؤيدة والاخرى المعارضة وفى كر وفر وتهديد ووعيد يصل دائما فى المعارك الدينية الى حد التكفير وما يصحبه من حل للدم وتهديد للحياة.. فى نفس تلك اللحظة كانت مركبة الفضاء الامريكية الجديدة تنطلق من قاعدة كاب كانافريل بولاية فلوريدا تحمل عددا من رواد الفضاء الذين ما ان افلتوا من جاذبية الارض حتى وصلوا الى محطة الفضاء الدائمة السابحة فى الفلك فخرجوا من مركبتهم الفضائية وراحوا يقومون بأعمال الصيانة والتجديد والاصلاح لآجهزة وكابلات المحطة لكى تزداد قدرتها على اداء مهامها من رصد للكواكب ومتابعة لحركة الافلاك والبحث عن اسرار الكون والحياة.
وما دامت الحياة المصرية والعربية قد أصبحت فى حالة انجذاب دينى مستمر بشكل خرج عن الطبيعى والسوى وأصبح حالة من المرض النفسى- اجتماعى الذى يستوجب الفحص والعلاج فدعنا نسأل سؤالا دينيا اذن: ايهما اكثر اقترابا من الخالق عز وجل: الجالسون على كراسيهم فى حجرات فاسدة الهواء وعلى مقاهى مفتوحة طوال الليل والنهار يتجادلون حول مساحة مايجب ان يغطى ويظهر من شعر المرأة او وجهها او جسدها – وهو نفس الجدال الذى كان اجدادهم ينشغلون به فى مصر منذ قرن من الزمان – ام الآخرون الفالتون من الجاذبية الارضية المنطلقون فى الفضاء الكونى الهائل يشيدون به محطات دائمة ويستكشفون به اسرار الكون وقوانين وجوده وحكمة خالقه فيه، ثم يعودون الى الارض لمواصلة المغامرة الانسانية لابتكار حضارة تتجدد وتتقدم كل يوم؟
هل يمكن ان يتصور احد ان الخالق العظيم سيسعد اكثر بؤلائك الخاملين الفارغين الا من الكلام والضجيج والتهديد والوعيد مهما راحوا يسجدون له ويرددون صلوات لاتثمر شيئا فى حياتهم ولاتتحول الى سلوك جاد جميل ولا الى عمل مفيد للإنسان؟
ان الفهم الطفولى للدين ومايطلبه الله من الانسان- وهو الفهم السائد فى الثقافة العربية اليوم- قد جرد الدين من معانيه و مقاصده.. وحوله – على ايدى دعاة وامراء جماعات وشيوخ جلهم غير متعلم – الى سلسلة لاتنتهى من العبادات والطقوس والاوامر والنواهى والفتاوى التى تطال ادق تفاصيل الحياة اليومية، والتى يتحول فيها الانسان الى “عبد” ذليل ليس عليه سوى الطاعة العمياء. فعليه قبل ان يدخل من باب ان يستفتى شيخه ان كان من الحلال ان يخطو بقدمه اليمنى ام اليسرى! ان الفكر الأصولى يريد تحويل العربى المسلم – تحت نير الثقافة الدينية اللغوية السلطوية السائدة – الى انسان مخصى العقل، لايملك ان يفكر فى اى امر من امور حياته، فالشيخ وحده هو من يحل ويربط له، فكيف لانسان كهذا فى حالة العبودية العقلية والتبعية الشخصية هذه ان يبدع او ينجز او يبتكر او يخترق حواجز المتداول المتعارف عليه لكى يحقق السبق والفوز فى اى مجال من مجالات الحياة؟
ان البحث العلمى هو انبل صلاة يمكن ان يرفعها انسان، و المعادلات والرياضيات هى اجمل الآيات.
جسد المرأة وشرف الرجل
قبل زوبعة الحجاب لوزير الثقافة المصرى بقليل تناقل الاعلام الدولى تصريحا لمفتى استراليا يلقى فيه اللوم فى جريمة اغتصاب على النساء لان لحمهن العارى يثير غرائز الرجال ويدفعهم للاعتداء عليهن، وقال مامعناه كيف نلوم الذئاب او الكلاب المسعورة اذا مانهشت اللحم العارى؟ وقال ان هدفه النبيل هو حماية المرأة لذلك يرى وجوب ان تتحجب وتستر لحمها.
هذا الفكر الذى يلوم الضحيه ويوقع على المرأة اللوم فيما تتعرض له من اعتداءات من قبل الرجل هو فكر قديم . فتاريخ البشرية هو –فى احدى اهم صوره- تاريخ تسلط الرجل على المرأة فى الاطار الاوسع لتسلط القوى على الضعيف، وهى شريعة الغاب التى جاءت الحضارات المتتابعة لتغييرها والرقى بها بإدخال قوانين تحمى الضعيف من بطش القوى فى مساواة للجميع امام القانون.
فى مجتمعات سيادة القوة الغاشمة والبلطجة المقنعة وغير المقنعة امتلك الرجل المرأة كجزء من ممتلكاته، وكان يقوم بتوزيعها كما يشاء على اقرانه كزوجة او جارية او خادمة او عشيقه. وتحكم الرجل فى زواج ابنته وكثيرا ماباعها لمن يدفع اكثر. وتحكم الزوج فى زوجته وقام بتقنين القوانين التى تحافظ على ملكيته للمرأة مثل عقوبة الموت بالرجم للزانية والحرق للمارقة والضرب للناشزة والحبس فى بيت الطاعة للمحتجة المتمردة والتطليق على الهوى واصناف اخرى من الاذلال والتعذيب والاضطهاد والاستعباد.
وقام الرجل باسباغ هالات من القداسة والشرف والحرمة على جسد المرأة لكى لاتمسه يد رجل آخر، فاعتبر ان شرف المرأة هو جسدها. فالفضيلة الاسمى لدى المرأة وشرفها الاعظم والاوحد ينحصر فى جسدها. اما شرف الرجل ففى كلمته وهيبته وشجاعته ورجاحة عقله. وهكذا قام الرجل- واضع القوانين ومفسر الشرائع والمفتى بالحلال والحرام للبشر- بتحويل المرأة الى جسد –او شئ من الاشياء- يمتلكه ويتحكم فيه ويضربه ويقتله ويضاجعه ويبيعه ويشتريه على هواه متى شاء واينما شاء، وروج لملكيته هذه بتفسيره للشرائع والآيات والاحاديث وبتحويله لتفسيراته الى قوانين واعراف وعادات.
وكان من اهم مظاهر تأييد إمتلاك الرجل للمرأة أنه فرض عليها ما تلبسه وحرم عليها رؤية رجال آخرين، فهو يريدها ملكا خاصا له وحده تشبعه غذائيا وجنسيا وتمنحه الخلف من الاولاد اساسا ومن البنات اضطرارا، وكان العرب فى الجاهلية يأدون البنات حتى جاء الاسلام محرما ذلك. ولكن بقيت معظم العادات البدائية الاخرى المتعلقة بامتلاك الرجل للمرأة يمارسها الرجل فى ارتياح وكثيرا مايلجأ للوى معانى الايات والاحاديث لتبرير استمرار تسلطه على المرأة وتحكمه فى سلوكها.
مع تطور الحضارات فى المجتمعات الغربية راحت تتراجع ببطء شديد فكرة حصر شرف المرأة فى جسدها ، ومع عصر النهضة وحركة التنوير تحررت المرأة تدريجيا من تسلط الرجل واصرت على تغيير المفهوم البدائى الذى يحصر شرفها فيما بين فخذيها وطالبت بالمساوة الكاملة مع الرجل . واستطاعت المرأة فى الحضارة الغربية ان تقطع اشواطا هائلة نحو المساواة الكاملة واصبحت هى- وليس زوجها – من تملك جسدها. ولم تعد المرأة تتبع الاوامر الدينية التى يلقيها عليها رجال الدين المسيحى طاعة عمياء، وكثيرا ماترفض هذه الاوامر فنجد ان الاغلبية من النساء من الكاثوليك يستعملن اقراص منع الحمل رغم ان الكنيسة الكاثولوكية ماتزال مصرة على تحريم ذلك، وهكذا راحت المرأة الغربية تمارس حريتها وملكيتها لجسدها بشجاعة وجرآة حتى فى وجه تحريم واضح من الكنيسة .
ولان المجتمعات العربية الاسلامية ماتزال خاضعة خضوعا كبيرا للتسلط الدينى الذى يمارسه من يريد التسلط على الآخرين من امراء الجماعات او من الدعاة المتشددين او من منظمات متشددة مثل الاخوان المسلمين او من حركات متشددة كالوهابية، نجد ان المرأة المسلمة ماتزال تعانى من تسلط ثقافة ذكورية سائدة تتسلح بأشد التفسيرات الدينية تزمتا ورجعية لتبقى على تبعية المرأة للرجل وخضوعها له. ويأتى الحجاب الذى قام الاخوان المسلمين بنشره فى مصر وبقية المجتمعات العربية حلقة اخرى من حلقات الصراع التاريخى بين المرأة وآسريها.
ولتأكيد تسلطهم على المراة يقدم المتزمتون والاخوان المسلمون عددا من الاساطير على انها حقائق وثوابت من ثوابت الدين ليصادروا حق الآخرين فى التفكير والاعتراض كما ارادوا مع وزير الثقافة المصرى. وهذه هى بعض هذه الاساطير:
الحجاب حرية شخصية:
يقول لنا الذين لايؤمنون بحرية الانسان فى تغيير دينه ومعتقداته –لانهم يؤمنون بوجوب حد الردة الذى يقضى بقتل المرتد عن الدين- يقولون ان الحجاب هو شأن شخصى يتعلق بالحرية الشخصية للمرأة فى اختيار ماتلبس وما لا تلبس.
هذا فى نفس الوقت الذى يطالب فيه نواب الاخوان فى مجلس الشعب بإلغاء مسابقات الجمال فى مصر رغم ان النساء المشاركات بها يفعلن ذلك بمحض ارادتهن دون ارغام من احد كما ان الذين يشهدون هذه العروض يفعلون ذلك ايضا بإرادة حرة. فأين إحترام الحرية الشخصية هنا؟
وأتفق مع من يعتبر الحجاب امراً يتعلق بحرية المرأة فى اختيار ماتلبس، على شرط ان تكون المرأة حرة فعلا فى الإختيار، ولكن الأمر الذى حدث فى مصر ليس كذلك، فقد كان الاخوان يروجون الرأى القائل ان الحجاب فرض ويتهمون بالكفر من يقول بغير ذلك، وكانت النساء فى مصر يتعرضن لضغوطات هائلة لكى يتحجبن، كما كانت الاموال تتدفق من السعودية الوهابية لشراء الحجاب ومنحه مجانا للمصريات غير القادرات ماديا، هذا بينما اجبر الكثير من الازواج زوجاتهن وبناتهن على التحجب، وهناك من يحجب بناته فى المدارس الابتدائية ! فكيف يقال مع هذا كله ان المرأة لديها حرية الاختيار؟ ان حرية المرأة فى اختيار حجابها فى مجتمع اسلامى ذكورى متسلط هى أسطورة من الأساطير.
الحجاب من أركان الاسلام
كنا ندرس فى حصص الدين واللغة العربية فى المدارس المصرية ان الاسلام له خمسة اركان هى النطق بالشهادتين والصلاة والصوم والزكاة والحج لمن استطاع له سبيلا. ولكن اليوم أضاف المتشددون على مايبدو ركنا سادسا هو الحجاب ثم النقاب!
وليس لى الدخول فى مناقشة فقهية ولكن من حقى ملاحظة ان معظم فتيات وسيدات مصر فى مدنها الكبرى فى الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن العشرين لم يكن محجبات. اعرف ذلك لاننى رأيته بعينى! فهل من المعقول ان ملايين المصريين لم يعرفوا فرضا اساسيا من فروض دينهم فى تلك الفترة؟ هل معقول ان يكون الحجاب فرضا ولايقول ذلك شيخ الأزهر ووزير الاوقاف وكبار دعاة مصر وقتها؟!
المعقول هو ان الحجاب فرض فرضه الفكر الاخوانى- الوهابى وليس الاسلام. وهناك علماء ودعاة ومتخصصون إسلاميون كبار يقولون ان الحجاب ليس فرضا ومنهم المفكر الاسلامى المعروف جمال البنا شقيق حسن البنا مؤسس الاخوان المسلمين و الشيخ مصطفى محمد راشد . و اصدر الشيخ السودانى حسن الترابى تصريحات تجيز السفور وزواج المسلمة من غير المسلم.
ولكن الجماعات الاسلامية والدعاة المتشددين يسارعون الى تكفير هؤلاء واخراجهم من الملة لكى لايفسدوا عليهم حالة التسلط الذكورى التى يمارسونها على نساء مصر. فهم يصادرون ويكفرون الفكر الاخر ولايحترمون حرية رأى ولاحرية شخصية حقيقية.
الحجاب يصون المرأة من شهوة الرجال
يحاول المتشددون تقديم الحجاب والنقاب على انهما مثال الفضيلة للمرأة وتقرأ لهم عبارات الهيام التى يصفون بها كل محجبة ومنقبة وكأن النقاب قد حول المرأة الى قديسة من جنس الملائكة الاطهار، ولاشك ان هذا احد اساليب الترغيب التى يتبعونها. ولكن فكرة ان الحجاب تعبيرعن الفضيلة فكرة قديمة جدا ولم تعد ذا معنى فى عصرنا هذا. فنحن نعرف الان ان الفضيلة هى خلق وشخصية سليمة وقدرة حازمة على ضبط النفس وادارة العلاقة مع الآخرين وأنها هى الصدق مع النفس ومع الآخر وانها هى المعاملة الحسنة والمحبة والرحمة والآمانة، وكل هذا لاعلاقة له بما ترتديه المرأة ولابمساحة ما يظهر من جلدها. ان حجاب المرأة فى الغرب الأوروبى والأمريكى يزيد من لفت نظر الرجال وليس العكس. فكيف يكون هذا من أجل حماية المرأة من نظرات الرجل؟!
أما فكرة ان المرأة التى تظهر شعرها او ذراعيها تثير غرائز وشهوات الرجال وتدفعهم الى الاعتداء عليهن فهى فكرة بدائية هى الآخرى. فإذا كان هذا صحيحا فكيف لانجد الشواطئ الأوروبية والأمريكية وقد أصبحت مسرحا لحوادث الإغتصاب الجماعى؟!
إننا هنا نرى النساء شبه عاريات تماما مستلقيات تحت الشمس فى استرخاء كامل والرجال حولهن فى كل مكان ومع ذلك لم نشاهد رجلا واحدا يخرج فجأة عن طوره ويصيبه الهياج الجنسى ويهجم على سيدة راقدة عارية امامه لكى يغتصبها! ان آلاف الشواطئ فى مئات المدن الغربية ومئات الملايين الذين يترددون عليها كل صيف هى الإدانة الفاضحة للفكر البدائى الذى روج له المفتى الاسترالى من ان لحم النساء العارى هو الذى يثير شهوة الرجال ويدفعهم لإغتصاب النساء. ان هذه اسطورة اخرى من الاساطير التى يطلقها الفكر الأخوانى –الوهابى المنغلق المبتعد تماما عن كل ماهو واقعى وعصرى وطبيعى ومتحرر فى عالمنا اليوم.
والغريب ان المروجين للحجاب والنقاب يقولون دائما.. وهل الأفضل هو ان تتعرى المرأة وتظهر مفاتنها للجميع كالعاهرات؟ وهذا إعتراض سخيف ومتهافت. فهل ليس امام المرأة سوى اختيارين هو اما ان تتحجب و تتنقب واما ان تتعهر؟ الا يرى هؤلاء الملايين من النساء فى مئات المدن الغربية والشرقية وهن فى اماكن عملهن فى المكاتب والمصانع والمدارس فى ملابس معتدلة انيقة لاهى بالمتزمتة ولاهى بالمتبرجة؟
ألا توجد حالة وسط كانت هى واقع الحال فى مصر نفسها منذ ثلث قرن فقط، قبل ان يسود فكر الاخوان المتشدد والمعادى للحرية الحقيقية وللفكروالعلم والابداع والفنون؟
وقد يسأل البعض: ولكن لماذا كل هذا الهجوم على الحجاب والنقاب ؟ ولماذا تسارع دول عربية مثل تونس واوربية مثل فرنسا بمنعه او الحد منه فى اماكن بعينها؟ ماالضرر فى ان مسلمات مصر قد تحجبن أو تنقبن وعدن الى ماقبل عصر فاطمة رشدى وقاسم أمين، حتى لو كان هذا بسبب ضغوط من الاخوان؟
والرد هو ان نجاح الاخوان فى ترهيب وترغيب نساء مصر ومجتمعات اسلامية أخرى فى ارتداء الحجاب والنقاب – بأساليب الترهيب والترغيب التى ذكرتها – يعنى نجاحهم فى فرض رؤيتهم الدينية المتشددة على هذه المجتمعات، ومسيرة الحضارة هى مسيرة التحرر من التزمت الدينى ولهذا فالعودة الى ذلك التزمت هى فعلا عودة الى الوراء كما قال وزير الثقافة المصرى دون ان يشرح فكرته هذه او يساندها بالحقائق التاريخية والقرائن المنطقية. وسبب عجزه عن هذا ان الثقافة فى مصر اليوم لم تعد تسمح بحرية حقيقية للفكر المتحرر او للإجتهاد الدينى المستنير. فسيف التكفير مشهور ابدا، والإغتيال الجسدى او المعنوى – او التهديد بهما – امر واقع تشهد عليه عملية اغتيال فرج فودة ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ والتهديد باغتيال سيد القمنى. لقد نجح الاخوان فى فرض فكرهم الدينى المتشدد على الشارع المصرى منذ ان شجعهم السادات على ذلك ولم يقدم نظام الرئيس مبارك فكراً بديلاً قادراً على ان يكون خيارا حقيقيا امام الشباب المطحون الصاعد. فإذا بالجيل الجديد فى مصر يصبح اكثر تشددا من جيل والديه، ورأينا فتيات تتحجبن رغم ان امهاتهن لم تكن محجبات. وهكذا ولاول مرة فى التاريخ، يجئ جيل بأفكار وبأسلوب حياة اكثر محافظة وتشددا دينيا من جيل والديه، بينما حركة التاريخ فى بقية مجتمعات العالم هى فى اتجاه التحرر المتزايد لكل جيل عن الجيل السابق.
فى النهاية، الأمر ليس درجة الايمان او مدى التدين، فهذه بين الانسان وربه، ولكن الخطير ان الحجاب يستخدم كشعار دينى- سياسى معا، وهو رمز للإثنين حتى ولو لم يقل الاخوان هذا – فنحن هنا امام شأن سياسى يتعلق بمستقبل مصر وطبيعة المجتمع والدولة، وهل ستصبح مصر دولة دينية ام دولة تفصل الدين عن السياسة وتعامل جميع المواطنين على أسس المواطنة الحديثة.
ان كل مجتمع ذا صبغة دينية هو عودة الى القرون الوسطى، ولم يعد اسلوب الحضارة الحديثة يسمح لاى مجتمع تكبله أغلال التزمت الدينى بالنجاح فى اى مجال، لأن التزمت يقتل حرية الانسان ويقتل بالتالى قدرة الفرد –والجماعة- على الابداع والانجاز وتحقيق التفوق والتجاوز فى جميع المجالات . فالسؤال ليس هو كم بوصة من جلد المرأة يحل لها ان تظهر او تخفى؟ السؤال هو كيف نساعد الشباب الصاعد على تحرير فكره وكسر أغلال استلابه العقلى لكى يجرؤ على مناقشة الموروث ومحاسبة السلطات الدينية والسياسية وتأكيد حريته الذاتية وفرض اختياراته الشخصية ضد السائد والمتسلط الذى يرهبه باسم الدين ويحرم عليه الحياة بكل مافيها من وعود الابداع والخلق والتحرر والتجاوز الحضارى البهى.
*كاتب من مصر يقيم في نيويورك
fbasili@gmail.com
من الحجاب إلى النقاب: فضيلة أم وسيلة؟ كنا في زيارة للأردن عندما تعادلت مصر مع هولندا في احدى مباريات كأس العالم (نحن الذين نشأنا في امريكا لا نفهم كرة القدم العالمية ولا نهتم بها) ولكن ما ان انتهت المباراة في وقت متأخر من الليل حتى امتلأت الطرقات بالسيارات والمشاة والاضواء والزمامير واطلاق الرصاص في الهواء واخذت الحلوى تتساقط على الناس من سطوح المنازل والبلكونات في احتفالية وبهجة لا تنسى .. ستخرج مصر من تصفيات كأس العالم وسيستمر اقاربنا بمتابعة مباريات الفرق الفائزة بنفس الشغف , فبالاضافة الى التحمس لفريق هنالك الاعجاب بالرياضة نفسها (ولولا الخاسر لن يكون هنالك فائز :… قراءة المزيد ..