كما لو أنّه تأكيد نفي وزارة الخارجية الايرانية – بعد مرور نحو ثلاثة ايام – لما اوردته وكالة “إيسنا” للأنباء، شبه الرسمية، من تصريحات لقائد “فيلق قدس” في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، تلك التي أدلى بها الخميس الفائت في ندوة تحت عنوان “الشباب والوعي الإسلامي”، بحضور بعض الشباب من البلدان العربية حيث تقوم ثورات ضد أنظمة الحكم. سليماني، الشخصية العسكرية الاقوى وصاحب الحظوة من قبل المرشد السيد علي خامنئي أكّد في تلك الندوة أن بلاده “حاضرة في الجنوب اللبناني والعراق”، وأن “هذين البلدين يخضعان بشكل أو بآخر لإرادة طهران وأفكارها”، قائلا: “الجمهورية الإسلامية الإيرانية بإمكانها تنظيم أي حركة تؤدي إلى تشكيل حكومات إسلامية هناك بغية مكافحة الاستكبار”.
يعكس الموقف الايراني هذا، ونفيه لاحقا، أسلوبا يمكن ملاحظته في الكثير من القضايا المتصلة بالصراع الايراني – الاميركي الاوروبي، لا سيما في مسار الحوار حول الملف النووي الايراني.
فالسياسة الايرانية، التي اتسمت بتقاسم الادوار بين التشدد واللين بين ممثلي مراكز القرار، نجحت الى حد بعيد في حماية الملف النووي حتى الآن، لكن الجديد ان هذا السلوك السياسي يبدو هذه المرة معبرا عن ضعف اكثر من الحنكة السياسية المعتادة. فللمراقب ان يلاحظ في ما يخص مضيق هرمز تحديدا مواقف هدّدت، عبر نائب الرئيس الايراني محمد رضا رحيمي، بإغلاق المضيق، قابله بعد مدة نفي وزارة الخارجية وجود مثل هذه النية.
وتتزامن هذه المواقف مع جملة تحديات استثنائية تواجهها ايران:
اولا، إجماع على ان العقوبات الاقتصادية التي فرضت على ايران من قبل الاوروبيين والاميركيين باتت تحدث تأثيرا سلبيا وظاهرا على الاقتصاد الايراني، وأدت حتى الآن الى فقدان العملة الايرانية 15 في المئة من قيمتها الشرائية.
ثانيا، تطور المواجهة في سورية لغير صالح ايران وتحسس القيادة الايرانية مخاطر نجاح الحراك الشعبي في اسقاط النظام.
ثالثا، تفقد ايران، بسبب موقفها السوري، العديد من اوراق قوتها الفلسطينية مع انتقال مستمر لحركة “حماس” من المحور السوري – الايراني الى مكان آخر لم تتضح معالمه بعد، لكنه بالتأكيد خارج المحور المذكور.
ولعلّ إعلان رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل، المقيم في دمشق، عزوفه عن الترشح لرئاسة المكتب السياسي مجددا، مؤشر على هذا التبدل، باعتبار ان “أبو الوليد” هو مهندس علاقة حماس بايران وسورية. هذا من دون ان نقلل من فضل الربيع العربي وتأثيره الديمقراطي على تداول المسؤولية في هذه الحركة. ومن دون ان نقلل من تبلور فجّ لمشروع ايراني بأذرع شيعية بشكل شبه كامل وغير مسبوق منذ العام 1979.
رابعا، الانسحاب الاميركي من العراق، وان افضى الى هزيمة اميركية في هذا البلد، إلا أنّه أفقد ايران في المقابل خط تماس مع الاميركيين أُتيح للقيادة الايرانية استثماره في اوقات عصيبة، ومُرشّح إلى أن ينقلب عليها كلما برزت حقيقة انسحاب الجيوش الاميركية من العراق وتقدّم الصراعات المذهبية ومحاورها.
هذه المؤشرات والتحديات التي تواجه ايران ساهمت في بروز التباينات داخل مركز القرار الايراني في جبهة المحافظين. ويعتقد متابعون لاوضاع ايران الداخلية اليوم ان اطلاق مواقف محرجة لحلفاء ايران في لبنان والعراق، وإن كان يعبّر عن حرج وصل الى حد نزع القفازات في اطلاق رسائل التحذير، إلا أنّه ينطوي في المقابل على اقرار ايراني بتراجع نفوذها الفلسطيني. والى ذلك كله يدرج المتابعون موقف قائد فيلق القدس في اطار الرسائل الانتقامية الداخلية الموجهة الى بعض اركان السلطة الداعين الى عدم التصعيد في المواجهة مع الاميركيين والاوروبيين، والى ارباك يحدثه الربيع العربي في المقاربة الايرانية للتحولات التي يحدثها في المنطقة العربية .
من المناورات في مضيق هرمز الى القبول بالعودة الى المفاوضات النووية على الاراضي التركية، الى مناورة التصريحات “الثورية” ونفيها، تبدو ايران في ظل الانتقال من اولوية التهديد بالقضاء على اسرائيل، عبر لبنان او فلسطين، إلى التركيز اليوم على اولوية المحافظة على سيطرتها الامنية والسياسية في لبنان والعراق، ضمن محاولة لاستدراج حوار مستعجل مع الدول الكبرى. والموقف الايراني الذي اعترضت عليه وزارة الخارجية العراقية قابله صمت لبناني رسمي، وصمت حزب الله المطالََب داخليا بتوضيح ما قيل من سليماني، رغم نفيه بعد حين.
صمت لبنان الرسمي وصمت حزب الله غير المبرّر ربما غطّى عليه وعادل مرارته مزاج الرئيس سعد الحريري الذي، وفيما ينهمك بالتضامن مع الثورة السورية ويأسى لنزف الدماء البريئة، ويتابع مآسي اللبنانيين في الداخل وأحزان أهالي المناطق الحدودية مع سورية، يجد متّسعا لممارسة هواية التزلج في جبال الألب…
هكذا هي الطبقة السياسية اللبنانية، نصفها منخرط حتى الصمت أمام تصريحات قائد عسكريّ أجنبيّ يؤكّد أنّه يحكم جنوب لبنان، ومنخرط حتّى الصمت المماثل أمام خبر عن رئيس أكبر كتلة نيابية يتزلّج بأوروبا فيما بلاده تغرق في الموت الداخلي والخارجي، بين الأشرفية وعتمة جبران باسيل، وبين الحدود السورية وتصريحات سليماني… أنعِم وأكرِم.
alyalamine@gmail.com
* كاتب لبناني
صدى البلد
من التزلّج إلى “فيلق القدس”: أنعِم وأكرِم
تصريحات السيد قاسم سليماني أقل ما يقال فيها إنه إما صادرة عن عقل صبياني لا فقه له فيما يسمى بـ”السياسة”، وخاصة الدولية،، وإما عن مهووس من الصنف العدي في الشرق الإسلامي، بالاستيلاء على السلطة في إيران باقتلاع خامنئي وإلصاق قِعدته مكان قِعدة المذكور (مثالاً أمثل عن هذه الظاهرة، نجيب مثقاتي في لبنان). لا تفسير آخر لكلام معدوم المسؤولية كهذا. هذا إلا أذا كان السيد قاسم سليماني يحتسي الخمور وغيرها من المحظورات، بكميات. مسلسل تَسلَوي يجب متابعته.
من التزلّج إلى “فيلق القدس”: أنعِم وأكرِم
ههههههههههههه يحكم جنوب لبنان!! ماهذه المجاملة الفجة! الرجل صادر لبنان كله وقراره وانتم تتهامسون عن الجنوب فقط.
ولولا الحزب الالهي بأفعاله الشيطانية لما وصلت الامور الى ماوصلت اليه ولكن هي تفاهمات اسرائلية امريكية ايرانية لبنانية شيعية متورطة كلها في مصادرة لبنان وقراره. انظروا منذ ان حكم الحزب واسرائيل مرتاحة جيدا انما التأزيم بالداخل في حين عندما كان الحزب معارضة كان يصفق الحكم باسرائيل لتتأكد انه الشريك الكامل وهو كذلك.