المحطة الثانية
صنعاء ــ 2004
الحبيشي : أستاذ جمال .. قبل ثلاثة عشر عاماً حاورناكم في القاهرة على صفحات صحيفة “الوحدة “عندما كنت رئيساً لتحريرها.. وخلال الفترة الفاصلة بين ذلك الحوار واليوم لم تنقطع لقاءاتنا التي اطلعنا خلالها على أفكار جديدة ومتجددة صدرت عنكم وأثارت جدلاً واسعاً بين أنصاركم ومخالفيكم .. وحين نلتقي اليوم في صنعاء لا يمكن أن نتجاهل تلك المياه الكثيرة التي سارت على نهر الفكر العربي بشكل خاص، والحياة بشكل عام.
الحق أقول ـ رغم الاختلاف ـ إنكم أحد أعمدة التجديد في الفكر العربي الاسلامي ، حيث بادرتم، بشجاعة مشهود لها ، إلى تأمل المتغيرات الهائلة التي حدثت ولا زالت تحدث في الحياة والعالم الواقعي .. وتطرح أمام العقل العربي أسئلة جديدة لم تكن في حجم ونوع تلك التي كانت إجابتكم عليها حينها غير مألوفة .. ولم يقبلها أولئك الذين استراحوا للنقل عن كتب الوضاعين والرواة والمفسرين الأسلاف ، وأقفلوا على عقولهم حتى صدئت.
ثمة سؤال يطرح نفسه بقوة في هذا السياق حول جمال البنّا ، الذي تحدث معي قبل ثلاثة عشر عاماً عبر صفحات جريدة (( الوحدة )) الصادرة في صنعاء حين كنت رئيسا ًً لتحريرها في مطلع تسينيات القرن الماضي ، وقال حينها كلاماً أغضب الكثير عندنا – وإن كان صوتهم قد خفت كثيراً هذه الأيام – ثم مقارنته بجمال البنّا الذي أتحدث إليه اليوم في بدايات الألفية الثالثة من التاريخ العالمي .. وفي ظل أحداث عاصفة هزت أركان المعمورة وتؤثر سلباً وإيجاباً على مجرى حياة البشرية والحضارة المعاصرة.
أنا ـ كما تعرف ـ أحد تلاميذك .. وإن كنت قد اختلفت معك أحياناً .. أنا أحبك في الله وأحبك في الدين وأحبك في كل انتماء إنساني يجمعنا.. ولذلك يهمني بعد إثني عشر عاما ً من حوارنا الأول في القاهرة أن أعرف كيف يقرأ جمال البنّا عقله الذي أقول إنه يتجدد فيما يقول آخرون إنه يتبدل؟ البنا : أشكرك كثيراً وأعتز بصداقتنا واختلافنا في آن واحد، وأحبك – أيضاً – وأشعر بسعادة لا توصف كلما ألقاك،.. والحال أن جمال البنّا، الذي يتحدث إليك في صنعاء الجميلة هذا اليوم .. إنما هو نتاج لمسيرة طويلة جداً في مجال الاشتغال بالفكر.. وفي محاولة التجديد على صعيد فهم الإسلام والاجتهاد في التعرف إليه والتعريف به بحسب منظوري الذي لا أزعم أنه الحق وحده .. وأن من يختلف معي هو من فرق الضلال التي لا ينجو أتباعها من النار مثلما يفعل آخرون!! كانت البداية في عام 1946م عندما أصدرت كتاباً بعنوان (( ديمقراطية جديدة )) .. وقد تضمن هذا الكتاب فصلاً بعنوان (( نحو فهم جديد للدين )) .. جاء في هذا الفصل إشارة إلى الإخوان المسلمين وتوجيه لهم .. وكان شقيقي الأكبر حسن البنّا – رحمه الله – مؤسس جماعة الإخوان المسلمين وزعيمها ومرشدها لا يزال حياً .. ومن حوله أنصاره .. وكانوا كثراً.. قلت لهم في هذا الكتاب لا تؤمنوا بظاهر النصوص وألفاظها، ولكن يجب أن تؤمنوا بالإنسان .. وأتذكر أنك وضعت عنواناً مدهشاً لحوارنا السابق وهو “الفقهاء يريدون الإسلام والإسلام يريد الإنسان” وكان هذا العنوان قد ورد على لساني في ذلك الحوار الذي أجريتموه معي في القاهرة ونشرتموه بعد ذلك في صنعاء قبل أكثر من إثني عشر عاماً. انطلقت في ذلك الكتاب ، وهو أول مؤلفاتي .. من فكرة الإمام الطوسي الذي كان يركز على مقاصد الدين وليس على ظواهر وألفاظ النصوص، وكان يرى أن المصلحة هي المقصد الأساسي في أي عمل يستهدف إحياء الشرع .. فإذا وجد نص يتعارض في ظاهره وألفاظه مع المصلحة .. وجب تغليب المصلحة وتأويل النص، وضربت مثلاً على ذلك في هذا العالم الحنبلي الذي ينتمي إلى القرن الثامن الهجري. كنت أتساءل : كيف امتلك ذلك العالم الفذ هذه الجرأة وهذه الشجاعة ؟ .. وأتساءل اليوم أيضاً : كيف امتلكت الجرأة والشجاعة لأطرح أمام الإخوان وهم في عز قوتهم هذا الرأي؟!! شغلت بعد ذلك بعدد كبير من الاهتمامات والهموم .. ثم جاءت حركة جمال عبدالناصر وصدامه مع الإخوان، ولم يكن بوسعي مواصلة طرح الأفكار التي تستهدف تجديد الفكر الإسلامي بسبب المناخ ألإقصائي الذي نجم عن ذلك الصدام .. وبعد أفول المرحلة الناصرية عدت إلى هذا الموضوع مرة أخرى.. وبدأت في كتابة بعض الأبحاث وإصدار بعض الكتب، ثم وجدت نفسي في عمق مشروع تجديدي يتكامل شيئاً فشيئاً.
عندما التقينا في منزلي بالقاهرة قبل أكثر من اثني عشر سنة، كانت بدايات هذا المشروع قد تبلورت .. ولكنه لم يكتمل خلال هذه السنوات الفاصلة بين ذلك اللقاء واليوم .. لكنها كانت فترة حاسمة – أي السنوات العشر الأخيرة – حيث بدأ هذا المشروع يتكامل، وإن لم يكتمل.. وهو بالضرورة لن يكتمل .. لأن الحياة مستمرة.. وأنا لا أرغب في أن أكون من الكسالى ذهنياً .. الكسالى الذين تصعقهم تحديات ومتغيرات الحياة ويعجزون عن الاستجابة لها ثم يتعلقون بأهداب حديث علامات قيام الساعة .. فيعكفون في المساجد أو المنازل انتظاراً للحظة القيامة التي تخلصهم من أزمتهم ومأزقهم. في النصف الثاني من التسعينيات انتهيت من كتابة وإصدار مؤلف “نحو فقه جديد” من ثلاثة أجزاء خلال الفترة (1995 – 2000م) ولعلك تتذكر هذا أثناء وجودك في القاهرة ولقاءاتنا الطيبة معكم .. ويمكن اعتبار هذا المؤلف بداية لميلاد مشروع جديد نذرت ما تبقى من حياتي له وهو (( الإحياء الإسلامي )).
الحبيشي : ماذا تقصد بالإحياء الإسلامي؟ البنا : أقصد مشروعاً متكاملاً لتجديد إسلامي جذري لا يعتمد أبداً على التراث ولا على ما وضعه الفقهاء الأسلاف في عصورهم التي تختلف عن عصرنا .. فقد هالني إلى أي مدى يصل اعتزاز المسلمين بتراثهم إلى درجة التقديس.. علماً أن التراث لدينا هو تراث الفقهاء.. وليس القرآن .. لأن الفرآن ليس تراثاً .. القرآن في مفهومي أصل.. والسنة المرتبطة بالقرآن أصل – أيضاً – ولكن التراث هو الفنون الفكرية التي أبدعها الفقهاء المسلمون خلال عشرة قرون تقريباً .. سواء أكان ذلك في تفسير القرآن أو في استخلاص الأحاديث والأحكام والفتاوى .. أو في وضع المذاهب الفقهية .. بمعنى أن الفنون الفكرية للفقهاء تتوزع في ثلاث فئات. الحبيشي : لماذا تصر على وصفهم بالفقهاء ؟ البنا : كلهم فقهاء اشتغلوا في الفقه .. سواء أكانوا مفسرين للقرآن أو محدثين أو رواة أو أهل تدوين أو واضعي مذاهب فقهية .. هؤلاء جميعاً كانوا يقدمون لنا ليس الإسلام .. بل إنهم قدموا أنفسهم في حقيقة الأمر.. بمعنى أنهم قدموا فهمهم للإسلام ولم يكونوا يقدمون أنفسهم كمتحدثين باسم الله مثلما يفعل البعض الآن، فقد كانوا حريصين على أن ينهوا كتبهم وفتاواهم بجملة ((والله أعلم )) !! .. أي أنهم لم يزعموا أنهم يقدمون العلم بكلام الله .. بل يقدمون اجتهادهم في فهم كلام الله .. أما العلم فهو للعالم وحده .. وهو هنا الله سبحانه وتعالى .. الذي لم يؤت عباده من العلم إلاَّ قليلاً .. والعلم القليل لا يؤهل صاحبه لأن يكون عالماً ، وهذه حكمة إلهية يصر البعض على طمســها أو تجاهلها .. ولا ننـــكر ــ مع كل ذلك – أننــا، من باب التكريــم أطلقنا اســم (( العلماء)) على أولئك الذين اكتشفوا أو اخترعوا أشياءً لم تكن معروفة في مجال الفضاء والطب والتكنولوجيا والاتصالات والطيران والبحار… الخ، فاستحقوا صفة أهل العلم بهذه الاكتشافات والاختراعات .. أما الذين يشرحون أو يفسرون فهم باحثون أو محدثون .. وعليه فأنا مقتنع بأن الفقهاء لم يقدموا لنا الإسلام والقرآن .. بل قدموا لنا أنفسهم وثقافاتهم وأفهامهم ومذاهبهم ومصالحهم التي تختلف من شخص إلى آخر ومن فريق إلى آخر، وهكذا.
الحبيشي : ربما لهذا السبب أنت نصحت الإخوان المسلمين في وقت مبكر بضرورة التمييز بين الإنسان والإيمان .. وأنا هنا أتحدث عن الإخوان المسلمين كحركة سياسية في الإطار الإسلامي .. هل توجد إمكانية للفصل بين الإشكاليات الناجمة عن فهم الفقهاء للإسلام والإشكاليات الناجمة عن فهم الإسلام السياسي الحركي للإسلام .. مع الأخذ بعين الاعتبار قولكم إن الإسلام يريد الإنسان والفقهاء يريدون الإسلام، وقولكم – أيضاً – إنكم حذرتم الإخوان المسلمين قبل أكثر من نصف قرن من خطر المبالغة في الموقف من الإيمان على حساب الموقف من الإنسان بما هو هدف الإسلام المحوري؟ .. هل تعتقد أن الإسلام السياسي يعيد إنتاج إشكاليات الفقهاء الأسلاف في العصور الغابرة حين قدموا أنفسهم ولم يقدموا – بالضرورة – الإسلام؟ البنا : الوهم الأكبر للمفكرين الإسلاميين وللمشتغلين في الإسلام السياسي الحركي ــ كما يصفون أنفسهم ــ يتمحور في اعتقادهم بفكرة أن الدولة هي التي تطبق الشريعة .. من الناحية الشكلية يبدو هذا الكلام منطقياً جداً .. لكن من الناحية الموضوعية .. وعند إمعان النظر.. يتضح أن الدولة ليست مؤهلة لتحقيق لتحقيق الشريعة .. وأنها إذا اشتغلت في الجانب التطبيقي لابد وأن تفسدها على طول الخط ، ولذلك أنا أعارض الدعوه لإقامة ما يسمى بالدولة الدينية التي تحكم تحت شعار حراسه وتطبيق الدين وتتخذ من هذا الشعار غطاء للتمييز بين حقوق الله وحقوق الإنسان وتعيد الى الاسلام الدور الذي فقده رجال الدين المسيحي ( الإكليروس ) عندما كانو يمارسون دور محاكم التفتيش كوكلاء عن الله في الأرض قبل أن تطيح بهم العلمانية في أوروبا .
الحبيشي : كيف ؟ البنا : السلطة مفسدة .. والتصور الذي تدعو إليه الاحزاب السياسية الإسلامية للدولة هو التصور نفسه الذي وقعت وفشلت فيه الأحزاب الاشتراكية والقومية التي تصورت ان الدولة الاشتراكية هي التي تحقق العداله الاجتماعيه وتقضي على الفقر.. وأن الدولة القومية هي التي تحقق الوحدة القومية والكبرياء القومي .. فكانت النتيجة فساداً وظلماً وفقراً في الأولى وديكتاتوريةً وتمزيقاً للصفوف وإحياءً للنعرات المناطقية والطائفية والعشائرية بين أبناء الشعب الواحد، في الثانية .. هذا خطأ فظيع وقاتل أدى إلى فشل الدول الاشتراكية والدول القومية وانهيارها ، وادى، قبل ذلك .. إلى فشل دولة الخلافة الإسلامية ودول ملوك الطوائف على أطرافها ، وصولا ً الى انهيارها .
الحبيشي : ولكن التاريخ يقول إن تجارب الدول الاشتراكية والقومية استمرت بضعة عقود فقط، أما دولة الخلافة الإسلامية فقد استمرت أكثر من ثلاثة عشر قرناً .. كما أن كما أن الدولة الدينية التي جسدها نظام الإمامة وممالك الطوائف في اليمن استمرت نحو 900 عام ؟ البنا : هذا الكلام غير صحيح ــ مع إحترامي الشديد لك ــ فالخلافة الإسلامية كانت اقلهم عمراً ، ولم تستمر أكثر من اثني عشر عاماً ، منها سنتان ونصف فقط خلافة أبي بكر وعشر سنوات خلافة عمر .. وعند مقتل عمر كانت الخلافة قد انتهت .. لأن عثمان اسس البدايات الأولى للدولة الملكية الوراثيه الاستبداديه التي تنسب نفسها إلى عرق معين هو العرق الأموي .. وإن كان بحكم صحبته للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ـــ وبحكم توافر الصحابة في ذلك العهد ــ أقل اظهاراً لهذه السوءات .. ولكن هذه السوءات ظهرت إلى السطح وحملت جماهير من الناس على أن تثور ثم تقتله .. وكانت هذه جريمة كبرى وعندما اراد علي بن ابي طالب ان يعيد الخلافة إلى ما كانت عليه وتحدى المتغيرات التي حدثت في عهد عثمان .. تآمروا عليه وقتلوه .. وكان يقف وراء قتله بذلك الشكل المأساوي معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وبعض رفاقه من الخوارج .. وبالمناسبة جميعهم من الصحابة الذين تصفهم كتب الفقه الإسلامي بأنهم مستودع الرسالة.. وقد مزقتهم الدولة بما هي السلطة مثلما مزقت الشيوعيين والقوميين الذين أقاموا المجازر فيما بينهم تحت ظل الدولة العقائدية، الاشتراكية أو القومية .. أكتفي بهذا ولا تعليق)!! ( يقهقه .. ثم يشير بيده طالبا ً التوقف عن مواصلة الحديث حول هذا الموضوع )
الحبيشي : ولكنني أريد تعليقك .. ارجوك؟
البنا : حسناً، سأقول تعليقاً بسيطاً احتراماً لإلحاحك (يبتسم ويشرب قليلاً من الماء) .. كان المفروض أن يـُـقتل ثلاثة ليلة مقتل علي .. فقد خرج القتلة، وهم من الخوارج، ليقتلوا علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص .. حيث كان هؤلاء الخوارج يرون أن الثلاثة هم سبب كل المشاكل والخلافات بين المسلمين بصفة عامة .. والصحابة بصفة خاصة .. لكن رأس علي بن أبي طالب هو الوحيد الذي أصابه السيف في تلك الليلة المشؤومة .. بينما ضرب معاوية ضربة غير قاتلة .. أما عمرو بن العاص فقد نجا من سيوف القتلة لأنه ببساطة نام ولم يخرج للصلاة عند الفجر، بحسب ما تقوله لنا كتب التاريخ !!.
في ليلة 17 رمضان وعند صلاة الفجر، خرج ثلاثه من الخوارج اتفقوا على أن يقتل كل واحد منهم واحداً من هؤلاء الثلاثة (علي ومعاوية وعمرو بن العاص) .. لانهم سبب مشاكل المسلمين وانقسامهم بحسب تصور الخوارج .. كان النتيجة نجاحهم في قتل علي بن ابي طالب لأنه كان يستغرق في اللقاء مع الله أثناء الصلاه ولا ينظر إلى ما حوله حتى لا تُفسد صلاته .. أما الثاني والثالث فقد نجيا من مخطط القتل ، لأن معاوية كان يصلي بنصف عين وينظر إلى ما حوله بالعين الأخرى .. وتمكن من قطع صلاته والهروب من ضربة السيف .. اما عمرو بن العاص فقد كان مستغرقاً في نومه ولم يخرج لأداء صلاة الفجر؟!! الحبيشي : أستاذي .. أنت تتكلم الآن بمنهج النقد التاريخي لتجارب إنسانية وسياسية لعدد من الناس يوصفون بأنهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومستودع السنة النبوية .. ما رايك في الطرح الذي يتهم من يمارس هذا النقد بانه يسب الصحابة؟
البنا : هذا ليس سبـّـا ً يا صديقي .. الصحابة ليسوا ملائكة .. بعضهم كان يترك بعضهم إذا راى تجارة او مصلحة في ذلك ، وأنا قرأت في بعض كتب المفسرين ان بعض الصحابة تركوا الرسول “صلى الله عليه وآله وسلم” في الجامع بمجرد أن سمعوا بوصول قافلة فانصرفوا وتركوه ولم يبق معه سوى ثلاثة عشر فرداً.. وبعض الصحابة ارتدوا عن الاسلام قي عهد الرسول وكانوا من الذين يدونون القرآن .. وقصة هزيمة المسلمين في تل أحد بسبب اللهث وراء الغنائم معروفة.. الصحابة ليسوا معصومين، وكلمة صحبة تثير اسئلة كثيرة .. و هي من صنع المفسرين والمحدثين الذين اعتقدوا ان كل من رأى رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم ” ولو للحظة واحدة فهو صحابي ويعتبر عدلاً ولا يشك أو يطعن في كلامه .. ولا يجوز نقده وكأنه نبي قديس وليس بشرا كغيره من
الناس . الحبيشي : عندما نعرف أن معظم صحابه رسول الله ” صلى الله عليه وآله وسلم ” قتلوا في العهد الاموي وهم مستودع السنة النبوية ومستودع الرسالة ” كما تصفهم كتب الفقه ” كيف نفهم تاريخنا ، خاصة عندما نقرأ على قبر أحد الصحابة في دمشق عبارة تقول : (( هذا قبر سيدنا الصحابي الجليل حجر بن عدي رضي الله عنه الذي قتله سيدنا الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه؟ )) بمعنى أن الله يرضى عن القاتل والضحية بحسب زعم هؤلاء .. كيف تفسر النظرة التي تضفي القداسة على الصحابة بما هم بشر غير معصومين من الخطأ .. فيما يتم إتهام كل من يستخدم العقل النقدي في قراءة التاريخ السياسي للمسلمين بأنه يسب الصحابة؟ البنا : يجب ألاّ يغيب عن وعينا أن الإسلام منذ أن تحول إلى دولة بعد وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم – وتوقف الوحي، انتشر بسرعة مذهلة بالفتوحات التي ادخلت خلال السنوات العشرين الاولى مئات الألوف من الفرس والروم والمصريين ومن مختلف الشعوب والأجناس .. كل هؤلاء حملوا معهم ثقافات وحضارات مختلفة .. ولم يكونوا يجيدون اللغة العربية حتى يمكن لهم فهم القرآن ويتبصرون فيه مثلما فهمه الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – وصحابته الاولون. كل هذه الشعوب التي دخلت الإسلام بعد الفتوحات ورثت حضارات تقدس الملوك وتصبغ عليهم نوعاً من القداسة والتعظيم والتجليل .. وكانت هذه الشعوب في ظل إرثها الحضاري قبل الإسلام ، تقيم علاقتها النمطية بملوكها على اساس العواطف والمصالح .. اما العقل والعقائد والمبادئ والأخلاق فقد كان كل ذلك ياتي بالدرجة الثانية بعد العواطف والمصالح. عندما انتشر الإسلام بقوة الفتوحات حدث اتصال بين الثقافات والحضارات السابقة له .. وارتد هذا الاتصال بصوره عكسية احياناً على طريقة فهم المسلمين للاسلام .. المسلمون الاوائل من صحابة الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – استفادوا من النبي الذي كانت علاقته بمن حوله تنطلق من القرآن .. إلى جانب ما وهبه الله سبحانه وتعالى من خصال تنظيمية وعقلية وتربوية وأخلاقية وإنسانية فريدة بحكم عصمته واتصاله بالوحي الإلهي .. ولذلك نقول ان تجربة المدينة فريدة لا تتكرر .. لان الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – هو خاتم الأنبياء ولن يتكرر .. ومشكلة دعاة الدولة الدينية التي تطبق الشريعة انهم مسكونون بمثال دولة المدينة .. وهي تجربة لم تتكرر .. بل انتهت بعد مقتل سيدنا عمر بن الخطاب، كما قلت لك سابقاً. اريد – ايضاً – أن اقول شيئاً مهماً عن دولة المدينة التي يدعون إلى احيائها .. تلك الدولة لم تكن دولة كمألوف الدول ، ولم تكن فيها مقومات الدولة بالمعنى والشكل اللذين تضج بهما شعارات الإسلام السياسي .. الدولة هي السلطة ، ولم تكن في دولة المدينة سلطة ولا حكومة مكونة من وزراء ودوواين .. كان الإسلام يبني مجتمعاً في المدينة على مبادئ القرآن ومقاصده وكان المسلمون فيها أمة واحدة .. لم يكن في المدينة شرطة او سجون او جيش محترف ، بل كان الجيش يتكون من متطوعين بأجسادهم او بأسلحتهم او بخيولهم او ببعض هذا وذاك .. والغنائم كانت توزع بينهم بحسب درجة مساهمة كل فارس او مقاتل في الحرب.. ولم يكن في دولة المدينة اجهزة لتنظيم المرور وفرض الضرائب ولم يكن فيها ادوات للقمع والارهاب والتجسس .. وفضلاً عن هذا كله كان النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – هو الذي يقود مجتمع المدينة ، وكان النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – يوحى اليه .. وكان الوحي يصحح للنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – اخطاءه واجتهاداته ويجيب على القضايا الجديدة التي تطرح امامه .. والحقيقة أن جماعات وأحزاب الاسلام السياسي تكذب على الناس حين تقول إن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بنى دولة في المدينة او في مكة.
الحبيشي : ولكن حركة الردة التي حدثت بعد وفاة الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – وأثناء خلافة ابي بكر، كانت تمردا ً على الدولة بحسب آراء المستشرقين وردة عن العقيدة بحسب آراء الفقهاء .. بمعنى وجود دولة في العهد النبوي ؟
البنا : كان أبو بكر يدرك أن الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – مات والوحي انتهى .. وكان يدرك ان المجتمع الإسلامي الذي بناه الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – لابد ان يدار بآلية جديدة تضمن بقاءه في غياب الوحي وغياب الرسول .. وقد وجد ابو بكر نفسه أمام نزعات تسعى إلى الارتداد نحو الخلف .. كل شيخ قبيلة يريد العودة إلى قبيلته والحكم بالأعراف القبلية والتحرر من الزكاة التي كان دفعها للخليفة بعد وفاة الرسول يرمز إلى الولاء للمجتمع الإسلامي الكبير بدلاً من المجتمع القبلي الصغير.. ولذلك كان حزم ابي بكر ضد الذين ارتدوا عن دفع الزكاة ينطلق من حرصه على حماية وحدة المجتمع الإسلامي الكبير وعدم تمزيقه إلى مجتمعات قبلية متناثرة.
الحبيشي : هل كان هناك أساس عقائدي لهذه الردة؟
البنا : كان هناك اساس مصلحي سياسي وليس عقائدياً لأن المرتدين الرافضين لدفع الزكاة كانوا يؤمنون بالله ورسوله ويصلون ويصومون .. لكنهم امتنعوا عن دفع الزكاة للخليفة أبي بكر، فحاربهم.
الحبيشي : هل نفهم من كلامك أن قتال المرتدين في عهد ابي بكر كان ينطلق من منظور سياسي ولم يكن من منظور عقائدي؟ البنا : فلوس .. القضية فلوس على طول الخط .. ليست قضية عقيدة .. وقد كان أبو بكر صادقاً عندما قال : ” لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه ” .. القضية كلها اقتصادية .. شيوخ القبائل الأغنياء كانوا يرفضون دفع الزكاة للخليفة والذي بدوره يصرفها للفقراء في المجتمع .. الاستثناء الوحيد هو حالة مسيلمة .. وهو شيخ قبيلة بالمناسبة .. وكان يريد ان يفرض نفسه نبياً ولكن القبائل المرتدة معه ومع غيره كان معظمها يرفض دفع الزكاة .. وبعضها يرفض ولاية ابي بكر.. وهذه قضية اقتصادية سياسية .
الحبيشي : لا ريب في أن اختيارك طريق تجديد الفقه الإسلامي دفع الكثير من خصومك إلى إثارة التراب والغبار حولك بهدف الإساءة إليك .. وأشهد أنك اجترحت مصاعب وآلاماً لا تحصى ثمناً لهذا الاختيار .. لقد اتهموك بأنك لست متخصصاً في علوم الدين ولست خريجاً أزهرياً ولا تلبس عمامة ولا تملك المؤهلات التي تمنحك لقب “ الشيخ جمال البنّا “. المثير للدهشة يا استاذي ان الذين يتهمونك بكل هذه التهم ويضعون على رقبتك حد السيف هم الذين يفخرون بقولهم أنهم أتباع ” الإمام حسن البنّا ” و” الشيخ حسن البنّا ” شقيقك الأكبر رحمه الله .. والمعروف ان الأستاذ حسن البنّا لم يكن شيخا ً ولا ازهرياً ولا متخصصاً في علوم الدين ولم يلبس العمامة .. بل انه كان يلبس الطربوش التركي .
البنا ( مقاطعاً ) : ده كان يلبس البدلة والكرافتة الإفرنجية كمان.
الحبيشي ( مواصلاً )
: ومع ذلك اطلقوا عليه لأسباب سياسية وايديولوجية وحزبية خالصة صفة الشيخ .. بل وصفة الإمام .. ما تعليقكم ؟ البنا : هذا يدل على أنهم ضلوا طريقهم للخلاص من مازقهم الراهن والحاد .. ولو انهم لم يقولوا هذا الكلام لكان عليهم معالجة المشكلة الاساسية التي تتطلب منهم قراءة ثلاثة اجزاء كبيرة من مؤلف تجديد الفقه الإسلامي. عندما نزل الكتاب لاول مرة أراد صديقنا الدكتور شوقي فنجري – وهو رجل متفتح جداً – الاحتفاء به .. فدعا مجموعة إلى مناقشته في قاعة صالح كامل بجامع الأزهر في مدينة نصر وحضر الندوة رجل كان رئيساً سابقاً للوزراء ومجموعة من المفكرين مثل الدكتور كمال أبو المجد وآخرون .. وقف في هذه الندوة رجلٌ ملتح ٍ وقال : انا لم أقرأ سوى أربعين صفحة .. يعني هو رجل أعمال وليس لديه وقت للقراءة .. طيب ياأخي ناقش الكتاب .. ما هو نقدك عليه.. يرد ويقول : ” لم أقرأ الكتاب حتى أناقشه وأنقده، ولكن صاحبه لا يلبس عمامة وليس ملتحياً ولا أزهرياً ” فمن أعطاه الحق قي الحديث عن تجديد الفقه !! في مشهد آخر وقف علاَّمة نالت شهرته الآفاق في مداخلة تلفزيونية عبر قناة فضائية خليجية أمام رجل يحاوره من المانيا .. فقال الرجل للشيخ العلاَّمة : ” ياسيادة الشيخ أنتم تتحدثون عن تجديد الفقه ولم نر حتى الآن شخصاً واحداً تصدى لهذه المهمة غير جمال البنّا “.
ما إن سمع الشيخ هذا الكلام حتى انتفض وقال : ” جمال
البنّا ليس شيخاً وليس متخصصاً في علوم الدين .. الفقه له رجاله ” .. نعم قال هذا الكلام وتوهم لتوه أنه خرج من مأزقه.
الحبيشي ( مقاطعاً ) : عفواً أستاذ جمال .. الدين الإسلامي شأن عام والله أرسل الأنبياء والكتب السماوية للناس كل الناس .. وعندما يكون الدين بهذا الاتساع والشمول يصبح من حق كل إنسان ان يهتم بشؤون دينه .. وإذا نظرنا إلى معايير المعرفة قبل عشرة عقود أو أكثر، فسوف نجد أن المعرفة ووسائل الحصول عليها محدودة .. كما أن تقنيات المعرفة كانت محدودة جداً وبسيطة .. وبالتالي كان العارفون بالدين أو باللغة العربية أو باي علم العلوم عباره ن فئة قليلة جداً جدا ً، ومحصورة في أولئك الذين تتاح لهم فرصة الحصول على المعارف أو الاشتغال بها حيث كانت مصدر رزق لأولئك المشتغلين في حقل المعرفة .. أما الآن فقد أصبح التعليم حقاً مشاعاً وواجباً على الدول والحكومات .. فيما تناضل الشعوب والمجتمعات وكافة القوى الحية من أجل جعله عاماً ومباحاً ومتاحاً لكل أفراد الأمة من التعليم الابتدائي حتى التعليم العالي والتخصصي .. في الاتجاه نفسه توسعت تقنيات التعليم وتقنيات الحصول على المعرفة وتقنيات نشر وتوزيع وتوثيق المعرفة .. بعد كل هذا التطور المعرفي هل لا يزال الدين شأناً خاصاً بفئة معينة من الناس الذين يسمون أنفسهم فقهاء، حيث لا يجوز للمؤمن أن يعرف دينه بعقله وبنفسه ؟ .. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الله سبحانه وتعالى أول ما خاطب نبيه قال له وقال للناس من خلاله : ( اقرأ ) .. بمعنى أنه تكليف إلهي لكل الناس .. لكل المؤمنين بالله ورسوله وبكتبه وباليوم الآخر .. إنهم لا يريدون أحداً يقرأ سواهم .. لا يريدوننا أن نقرأ ونفكر .. يريدون القراءة لهم وحدهم .. ويريدوننا أن نقرأ فقط آراءهم ونلتزم بها .. وأن نقبل وننقل أخبارهم وتصوراتهم وتفاسيرهم وفتاواهم كما جاءت في كتب التراث الفقهي .. وبدون نقاش أو نقد أو إعمال للعقل .. كيف ترى هذه المفارقة؟ البنا : إنهم لا يملون الحديث بهذا الأسلوب ولا يخجلون منه .. وحين يصبح من حق أي مؤمن بل كل المؤمنين التبصر في دينهم ودنياهم والتعرف على الإسلام من مصادره الأساسية الكتاب والسنة الثابتة المرتبطة بالقرآن يصرخون ويقولون لقد أصبح الكلام في الدين مباحاً .. هذا تعبيرهم الأثير لديهم. الشيخ محمد الغزالي رحمه الله قال : ان في كل العلوم هناك مختصون يعالجون القضايا المرتبطة بهذه العلوم .. فلا أحد مثلاً من رجال الطب يتحدث عن الهندسة ولا أحد من رجال الهندسة يتحدث عن المحاماة ، ولا يجوز لمحامٍ أن يتحدث في الطب وهكذا دواليك .. فلماذا يكون الدين وحده مثل الكلأ المباح لكل من هب ودب ؟ .
هذا كلامهم ، وهذا هو دينهم الذي يريدون أن يكون حكراً لهم وحدهم ، مع أن إمامهم وشيخهم حسن البنا لم يكن متخصصا في الدين، بل كان مدرسا لمادة اللغة العربية ، ولم يكن مثلما تفضلت شيخا أزهرياً ولم يلبس العمامة ، بل كان يعتمر الطربوش التركي .. وكما قلت لك سابقا ً كان مواظباً على لبس البدلة والكرافتة الإفرنجية ..لكنهم لأسباب سياسية وحزبية يعطونه الحق ليس في أن يتحدث في الدين فقط .. بل وفي أن يكون إمامهم وشيخهم .. لقد اختاروا صاحب الطربوش والبدلة الإفرنجية والكرافتة وغير المتخصص في علوم الدين إماماً وشيخاً لهم .. ولا يريدون لغيرهم أن يتصرف مثلهم هذا ليس تناقضاً .. ليس مفارقة – بحسب ما جاء في سؤالك ـ إنه مأزق .. إنهم يريدون أن يضعوا سياجاً حول الدين .. يريدون إغلاق هذا الكلأ المباح كي يبقى إقطاعية خاصة بهم .. وتجارة يحتكرونها في يدهم وحدهم ولصالح جيوبهم وحدهم . الحبيشي : هناك فرق بين الحرفة والعقيدة .. الحرفة قد لا تخص كل الناس .. إنها تخص نخبة أو شريحة معينة من الناس تحترف هذه الحرفة .. ويجب عليها أن تجتهد و تقرأ وتبحث عن الجديد من المعارف والجديد من التطبيقات العملية في مجال هذه الحرفة. ليس مطلوباً منّي أن أكون طبيباً أو مهندساً أو نجاراً أو حلاقاً .. ولكن هذا لا يلغي حقي في الاستفادة من هذه المهن في معاشي .. حيث تدخل كل واحدة منها في جزء ما من حياتي وليس في حياتي كلها كما هو حال العقيدة الدينية .. ولذلك فإنني أجد نفسي ملزماً باللجوء إلى المختصين عندما أكون مريضاً أو أحتاج لحلاقة شعر رأسي أو إصلاح حمام منزلي .. هل أصبح الدين حرفة اختصاصيه تنحصر معارفها وخبراتها في شريحة فنية من الاختصاصيين ولا تعني كل الناس؟ البنا : مطلقاً الدين عقيدة وقيم وإيمان وغذاء روحي ومعاملات واقتناع.. وكل هذا لا يمكن حصره في مهنة أو أن نعتبره حرفة لشريحة محدودة .. لا يمكن أن نضيع وننكر هذا الشمول في الدين ” وهو عكس الاختصاص الأحادي في العلوم والفنون ” الذي ينحصر في يد فئة معينة. من محاسن الإسلام وخصائصه أن لا كنيسة فيه.. وليس فيه إكليروس ورهبان وأحبار.. الإسلام استبعد كل هؤلاء وجعل العلاقة بين الله سبحانه وتعالى وعباده المؤمنين مباشرة بدون وسطاء .. الله سبحانه وتعالى جعل العبودية والملك له وحده ..فلا يوجد سيد وسيط بين الله عز وجل وعباده ولا ملوك أو أرباب يمثلونه في الأرض .. لقد حرم الإسلام الأحبار والرهبان من أن يكون لهم حق في التحليل والتحريم واعتبر ذلك شركاً.
عندما كان الرسول ” صلى الله عليه وآله وسلم” يقرأ الآية الكريمة : ” تخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ” كان عدي بن حاتم النصراني يسمعه .. فقدم إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعلى عنقه صليب من ذهب.. ثم قال : يا رسول الله ما كنا نعبده ولكنهم كانوا يشرعون لنا به ويحللون ويحرمون ، ثم سلم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صليبه ونطق بالشهادتين وأسلم. الإسلام في الحقيقة يقدم دعوة لكل الناس .. للعالمين .. الإسلام لا نفهمه ونؤمن به إلاَّ بالعقل ، والله سبحانه وتعالى لا نعرفه إلاَّ بالعقل .. لم يكن الذين آمنوا بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأول مرة وأصبحوا من أهل الذكر والمعرفة بالفقه سوى أولئك البسطاء والفقراء وعامة الناس الذين أطلقت عليهم قريش أسنتها ، وطالبت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأن يبعد هؤلاء من الإيمان الوثيق ودرجته السامية .. جاءهم القرآن وهو يقول لكل واحد منهم : ” إقرأ ” ولم يقل لهم : ” انقل ” ما يقرأه لك الفقهاء مثلما يفعل شيوخ الكاسيت وشيوخ التلقين وحفظة النصوص في هذا الزمان .. إنهم لا يدافعون عن جاه أو احتراف أو تخصص فقط… الخ .. إنهم يدافعون عن مصالحهم .. المصلحة هي التي تسيطر على عقولهم وتدفعهم إلى تأويل القرآن بحسب مقاس هذه المصالح ، ثم يقولون لنا بعد ذلك : نحن أهل الفقه ورجاله .. اسألوا أهل الذكر .. وينسون إن سؤال أهل الذكر مشروط بقوله تعالى ” إن كنتم لا تعلمون ” .. ناهيك عن أن أهل الذكر الذين تحدث عنهم القرآن هم أنبياء بني إسرائيل .. وكانت الواقعة تدور حول نواحٍ معينة .. عودوا إلى هذه الآية فسوف نجدهم يخرجونها من سياقها .. هناك أحاديث نبوية عديدة ترد عليهم .. خذ مثلاً ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ” استفت قلبك وإن أفتوك ” .. لم يقل إنقل ما قاله الفقهاء الأسلاف .. بل قال استفت قلبك حتى وإن أفتوك هذا الكلام يضر بمصالح بعض الفقهاء .. فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم أحال الحكم في أي قضية إلى قلب المؤمن حتى وإن أفتاه الفقهاء .. وهو بهذا يحاصر أية نزعة لإضفاء طابع القداسة على النصوص الفقهية و تحويل الفقهاء إلى رهبان وأحبار .
إن هذا الحديث النبوي الرائع يوجه ضربة للمصلحة الأنانية في أقبح صورها .. إنه يضرب احتكار المعرفة ويكسره ويسمح للمؤمن الحق بالرجوع إلى قلبه .. لذلك أنا أعتقد ، وبكل اقتنــاع ، أن الذين يصرون على تحويل المعرفة الدينية إلى حقل اختصاص مهني هم تجار يشتغلون في السوق ويعرفون قوانين السوق .. إنهم لا يريدون اتساع نطاق المعارف الدينية حتى لا تنشأ عقول تعرف دينها فيزداد عدد العارفين بالدين على حسابهم .. المسألة – إذاً – قوانين عرض وطلب. نحن نكره الاحتكار حتى في المهن التخصصية ، على الرغم من أن المهنة تقوم على تخصص .. ومع هذا فإن الاحتكار مكروه لأننا نريد عدداً كبيراً من الأطباء والمستشفيات والمهندسين وشركات الخدمات الهندسية حتى يتحسن كمّ ونوع عرض الخدمات .. فكيف يجوز لهم أن يمارسوا احتكار” مهنة ” تتعلق بالعقل والقلب والضمير .. تتعلق بفهم القرآن ، ولذلك نحن نرفض تحويل القرآن والإسلام إلى مهنة .. ناهيك عن تحويلهما إلى مهنة خاضعة للاحتكار! الدين مجال واسع يجب أن يبقى مفتوحاً .. وأية محاولة لإغلاق هذا المجال تعني في نهاية المطاف إغلاق العقل وقد حدث نتيجة لذلك إغلاق باب الاجتهاد .. وأدى ذلك بالضرورة إلى كارثة إنسانية وحضارية كبرى لأن إغلاق باب الاجتهاد كان الوجه الآخر لإغلاق العقل ، وأحد أسباب تراجع الحضارة العربية والاسلامية . ما معنى إغلاق باب الاجتهاد ؟ .. معناه أن على المسلم أن يمارس العبادات والمسؤوليات الدينية دون أن يسأل عن السبب أو الحكمة .. بمعنى أن كل ما ينبغي عليه القيام به هو تقليد شيخه .. وتصديق ما ينقله اليه الرواة والفقهاء من روايات وقصص وإخباريات وخرافات والتعامل معها كنصوص مقدسة ترقى الى مرتبة القرآن .. بل وتنسخ بعضه وتضيف اليه وتشاركه في أحكامه .. وهذا هو الشرك بعينه.. كما يعني هذا أن أمة محمد يجب أن تعطي عقلها إجازة لمدة ألف عام . الحبيشي : أستاذ جمال .. عندما زرتك في منزلك بالعباسية وترددت عليك عدة مرات على امتداد العقد الأخير من القرن العشرين المنصرم ، لاحظت حبك الكبير لأخيك الأكبر حسن البنّا .. لاحظت كيف تحتفظ بكل صغيرة تتعلق بأخيك حسن ووالدك أحمد البنّا الساعاتي رحمهما الله .. لا شك في أن ما شاهدته في منزلكم المتواضع بحي العباسية في شارع الجيش ، الذي يربط بين شمال القاهره ووسطها النابض بالحياه والحركة في شارع الأزهر ، يعكس وفاءك للعلاقة الإنسانية التي ربطتك بأخيك الأكبر حسن البنّا. أنا شخصيا أعتبر حسن البنّا قائدا سياسيا فذا ومتميزا ترك بصماته على تاريخ الأمة العربية والإسلامية الحديث .. ما من شك في ذلك .. لكن حسن البنّا، الذي وصفته قبل قليل بأنه لم يكن أزهرياً ولم يكن يلبس عمامة ولم يكن خريجاً جامعياً ، بل كان يرتدي الطربوش التركي والبدلة والكرافتة الإفرنجية .. حسن البنا هذا كان مثقفاً وكانت لديه أفكار تؤهله لأن يكون مشروع مفكر، ولكنه رغم ذلك كله كان سياسياً .. كان زعيماً سياسياً .. سيرته السياسية تشير إلى أنه كان يمارس السياسة كأي سياسي، باعتبار أن السياسة هي فن الممكن .. وأن السياسة متغيرة وليست ثابتة .. وأن السياسة – أيضاً – لها وسائلها التي تنزع أحياناً نحو المرونة أو استخدام الحيلة والمناورة والخداع عند الضرورة .. وهذه الأساليب قد تكون مشروعة في السياسة ولكنها ليست مشروعة في الدين .. مشروعة في السياسة العملية .. وليست مشروعة في الإسلام الذي يحزننا أن يتحول اليوم إلى إسلام سياسي . الخداع والمكر مبادئ أساسية في أي حرب .. والسياسة والحرب وجهان لعملة واحدة .. ولأن الحرب هي أحد أشكال السياسة .. فقد تحالف حسن البنّا مع عزيز صدقي ثم انقلب عليه بعد ذلك .. تحالف مع القصر واختلف معه .. تحالف مع النحاس باشا واختلف معه .. هاجم الوفد ثم اقترب منه .. أنا لا أرى عيباً في هذه المواقف السياسية المتناقضة لحسن البنّا السياسي وليس حسن البنا الذي جعلوا منه شيخاً وإماماً .. هذا التناقض ليس عيباً .. لأن حسن البنّا كان سياسياً بامتياز. قبل قليل سمعتك وأنت تحذر قوى الإسلام السياسي من المراهنة على استخدام سلطة الدولة لتطبيق الشريعة .. قلت لي إن الدولة تفسد الشريعة .. بمعنى أن سلطة الدولة تدخل في المجال السياسي الذي لا يجوز إضفاء القداسة عليه .. ولأنها كذلك فهي غير مؤهلة لأن تكون وسيلة لتطبيق الدين بما هو مقدس .. وليست مؤهلة ايضا لحراسته في الوقت نفسه على نحو ما يدعو إليه كهنة وملالي أحزاب وجماعات الإسلام السياسي. ما رأيك ــ يا أستاذي الكبير ــ في الذين يقولون إن حسن البنّا كان يمارس السياسة من منظور ديني وليس من منظور سياسي؟ .. وبالنظر إلى ما شاهدته في منزلك بالعباسية من مظاهر وفاء عظيم لتراث أخيك الأكبر، فأنا أعتقد أنك أكثر الناس تأهيلاً للحديث عن هذا الجانب؟ االبنا : شوف يا أخي.. هناك شيء مهم ربما أنت لا تعرفه .. فقد توافرت للأستاذ حسن البنّا من فرص التربية ومواهب الذكاء وعمق الثقافة وصدق الإيمان، ما لم يتوافر لأي زعيم ديني أو سياسي آخر .. هذه الصفات كانت السبب الرئيسي في نجاح حسن البنّا سواء من الناحية الجماهيرية أو من ناحية قدرته على تقديم الإسلام للناس كمنهج حياة .. وكانت السبب ايضاً في اغتياله. أجاد حسن البنا صياغة الشعار السياسي الذي يخاطب الجمهور في ظروف محددة .. انظر إليه وهو يخاطب الناس ” الله غايتنا والقرآن دستورنا والرسول زعيمنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا “.. الشعار سهل وبسيط ولا يحتاج إلى شهادة جامعية أو عمامة أو تخصص لصياغته ومخاطبة الناس به .. ولذلك نجح حسن البنا في اجتذاب جمهور عريض اقتنع بهذا الشعار الذي قدم الإسلام بصورة سهلة ومفهومة .. بهذا الشعار تمكن حسن البنا في الجانب الديني، من دفع دماء جديدة في جسد السلفية والصوفية المترهل .. نجح في تقديم سلفية جديدة حسنة إلى حد كبير جداً. كسياسي استفاد حسن البنّا من هذه السلفية واستطاع – أيضاً – أن يضفي لمساته الخاصة عليها وإيجاد نوع من التواؤم والمرونة مع العصر.. ولكن كانت هناك قوى تتحكم في مسار حسن البنا أبرز هذه القوى هو ما يطلبه الجمهور. مشكلة أي زعيم جماهيري هي الكاريزما .. هذه الكاريزما تجعله بقدر ما يحكم جمهوره بقدر ما يحكمه جمهوره أيضاً. أزعم وأقول : إن حسن البنا شأنه في ذلك شأن أي زعيم جماهيري كان مسكونا ًً بمشكلة حادة وهي شعور الزعيم الكاريزمي بأنه لو سبق هذا الجمهور .. لو تغلب ذكاؤه على طريقة تفكيره وعمله وسبق هذا الجمهور، فإن الصلة بين الزعيم وجمهوره ستنقطع .. ولذلك يبقى الزعيم على مسافة قريبة جداً مما يطلبه الجمهور، ويحرص على أن تكون مخرجات خطابه الموجه إلى الجمهور بحسب احتياجات هذا الجمهور .. إنها مشكلة تتعلق بالمجال السياسي عندما يكون الزعيم سياسيا، فيما يكون نطاق اشتغال المفكر في مجال الفكر.. ولكن حين يكون السياسي منتجا للفكر ومشتغلا فيه يدخل في مأزقه الخاص ، بالإضافة إلى مأزق السياسة .. أما حين يكون هذا الزعيم دينيا فإن الدين يصبح مشكلة وليس حلا في لحظة كهذه .. لأن الدين هنا يختلط بمأزق السياسة وبمأزق الكاريزما في آن واحد. لنستحضر التاريخ قليلا.. كان عمر بن الخطاب في بعض الحالات يعزل والياً لأنه كان يمارس مسؤولياته ويحكم الناس على فضل عقله .. كان بعض الولاة لديهم قدرات عقلية وذهنية لا يستوعبها الناس بسهولة .. ” العوام بلغة أيام زمان ” والجماهير بلغة هذه الأيام .. إذا أراد أن يحكمها بمعايير تفكيره وعقله سيقع في مشكلة مع الجماهير .. الزعيم الجماهيري يختلف عن المفكر الذي يشتغل في مجال النظريات وعالم المبادئ .. ليست هناك قوة تجعل المفكر خاضعا لاعتبارات معينة ، ولكن الزعيم الجماهيري لابد أن يخضع لمستوى تفكير جمهوره .. ولذلك كان حسن البنا يصوغ شعارات سهلة وعميقة في آن واحد .. كان يتدرج في خطابه العام ويجمع بين التدرج والبساطة والعموميات والثوابت .. بالإضافة إلى كل ذلك كان مشروع حسن البنا ينتقل بثبات من مرحلة الحشد إلى مرحلة الفرز ثم إلى مراحل أخرى لاحقة. استمرت دعوة حسن البنا عشرين عاماً من عام 1928م إلى عام 1948م، وعندما قتل في أوائل عام 1949م كان قد عمل نقلة كبيرة وهائلة في حركة الإخوان المسلمين التي ظهرت عام 1928 م كطريقة صوفية لقد عايشت البدايات بنفسي شخصيا كتلميذ في السنة الابتدائية الأولى بمدرسة الإسماعيلية. كان الإخوان المسلمون يضعون أوسمة خضراء على صدورهم وينشدون أناشيد دينية ويقيمون ما تعرف عندنا في مصر “حضرة “.. انضم الأستاذ حسن البنا إلى التصوف في مرحلة المراهقة والشباب الأولى ، واستفاد منها.. لكنه تنبه إلى ما فيها من نتوءات دخلتها وأفسدتها. استفاد حسن البنّا من الروح التربوية التي يقوم عليها التصوف .. وعندما أسس جماعة الإخوان المسلمين كانت بدايتها أقرب إلى الطريقة الصوفية حتى وصلت بعد عشرين عاماً إلى دعوة سلفية عالمية تقدم الإسلام كمنهج حياة خلال عشرين عاماً فحسب. بكل صدق وبكل ثقة أقول : لو عاش حسن البنّا عشرين عاماً أخرى لحدث تطور نوعي في فكر الإخوان بما يماثل التطور الذي حدث في العشرين السنة التي عاشها قبل اغتياله عندما تحولت من طريقة صوفية إلى دعوة سلفية عالمية .
الحبيشي : أتذكر قولك في أحد لقاءاتنا السابقة أن حسن البنا لو عاش لما قامت ثورة 23 يوليو.. وقبل قليل قلتم أنه لو عاش عشرين سنة أخرى لأحدث تطويراً نوعياً في فكر الإخوان وبالتالي في منهج العمل الإسلامي السياسي. هل تعتقدون أن ما حدث للإخوان بعد قيام ثورة 23 يوليو وصدامهم مع جمال عبدالناصر وخروجهم من مصر وذهابهم إلى السعودية ودول الخليج التي كانت في تلك الفترة خاضعة للاستراتيجية الامريكية ، وارتباطهم بالاستراتيجيات والخطط الامريكية ضد الاتحاد السوفيتي في مرحلة الحرب الباردة ، هل تعتقدون ان كل ذلك أفسد فكر وممارسات الإخوان ؟ مع الأخذ بعين الأعتبار ما طرحه الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية السعودي الذي حّمل الإخوان المسملين مسؤولية افساد مفاهيم الإسلام عند المسلمين في السعودية والعالم العربي، حيث وصف الإخوان المسلمين بانهم سبب كل الكوارث التي حلت على الإسلام والمسملين في العالم العربي والاسلامي !!. قبل أن تجيبوا على هذا التساؤل ــ يا أستاذ جمال ــ تتوجب الإشارة إلى ان الإخوان المسلمين كانوا ولاا يزالون يمارسون السياسة بوسائل السياسة على نحو ما حدث منذ محاولة اغتيال جمال عبدالناصر في ميدان المنشية بالاسكندرية عام 1954 وحتى أحداث 1965م، حيث كانت علاقة الصدام والمواجهة بين الاخوان ونظام ثورة 23 يوليو نتاجاً طبيعياً للطبيعة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين بصرف النظر عن خطابها الديني، الأمر الذي اضفى طابعاً سياسياً على صدامهم مع النظام الجديد الذي جاءت به ثورة 23 يوليو، وهو صدام – في تقديري ويقيني- لا علاقة له بالدين.. بل له علاقة بالسلطة التي كان رجال ثورة 23 يوليو يرفضون التفريط أو التضحية بها ، فيما كان الإخوان المسلمون يتطلعون إلى السلطة و(( يجاهدون )) من أجل الوصول اليها في سباق سياسي يخلط بين السياسة والدين تحت شعار السيف والمصحف الذي رفعه الإخوان المسلمون على نحو يذكرنا بحرب صفين التي دشنت تاريخاً دامياً لايزال المسلمون يدفعون ثمنه غاليا ً حتى الآن؟ البنا : حسناً.. أريد أن القي ضوءاً على الملابسات التي تحكمت في السلوك السياسي للإخوان المسلمين منذ أن أسس هذه الجماعة حسن البنا رحمه الله . يعلمنا التاريخ.. وتعلمنا دراسات الهيئات والجماعات انها عندما تصل إلى درجة كبيرة من التضخم ، تجد نفسها متورطة سواء أرادت أو لم ترد في الشأن العام . الحركة النقابية على سبيل المثال عندما نشأت في انكلترا كانت بدايتها مهنية فنية بحتة .. وكان من تقاليد الحركات النقابية في بريطانيا ــ والتي انتقلت إلى الحركة النقابية في مصر خلال الأربعينيات ــ ان النقابات لاتشتغل بالدين أو السياسة .. بل تنحصر في القضايا المطلبية التي تتعلق بتحسين ظروف العمل والعلاقة بين العمل ورأس المال. كانت النقابات في بدايات تأسيسها مهنية وتستخدم وسائل وأساليب مهنية لبلوغ أهدافها ومن هذه الوسائل: الاضراب، العمل البطيء، المقاطعة.. الخ.. لكن هذه النقابات وجدت نفسها متورطة في العمل السياسي بعد ان تضخمت. لماذا حدث هذا؟.. حدث ذلك لانها وصلت إلى درجة كبيرة من النجاح”اولاً ” والتضخم ” ثانيا” فانفتحت شهية الأحزاب السياسية لاستلابها والفوز بها وتوظيفها واستخدامها في أجندتها السياسية .. وبتأثير هذه الشهية المنفتحة من قبل المجتمع السياسي تجاه النقابات أصبح عليها إما ان تتبع الاحزاب أو تقاومها .. وكلا الاثنين ” التبعية أو المقاومة “خياران سيئان. الإخوان المسلمون وصلوا إلى درجة كبيرة من التضخم .. وبسبب هذا التضخم اللا محدود أصبح مصيرهم مقضياً عليه شاؤوا أم لم يشاؤوا .. وجد الإخوان المسلمون أنفسهم وسط معمعة السياسة بكل تفاصيلها وقذارتها واحزانها وهم يحملون خطاباً دينياً سهلاً ومبسطاً عبر عنه مرشدهم ومؤسسهم بذلك الشعار الذي اختاره الإخوان عنواناً لقضيتهم . الحبيشي ( مقاطعاً ) : ولكن البداية في أساسها كانت سياسية .. والنهاية هنا هي من جنس البداية .. أي ان تكون سياسياً فلابد أن تعرف أن للسياسة مناوراتها التي تكون احياناً غير اخلاقية ومخادعة ، ما يستوجب حماية المقدس منها وعدم ربطه بالسياسة حتى لايتدنس بسلبياتها. البنا : كان الوعي السياسي للإخوان المسلمين ساذجاً جداً ولم يكن بالصورة التي ذكرتها يا أخي، مع الأخذ بعين الاعتبار انني أتفق معك فيما ذكرته.. كانوا يقولون وقد سمعت شقيقي حسن البنا رحمه ا لله أكثر من مره وهو يقولها لو كانت عندي دعوة مستباحة لدعوتها للسلطات لأن الله يصلح بصلاحها خلقاً كثيراً. لم يكن الإخوان ثوريين قطعاً .. فمن يقرأ خطاب الإخوان الديني والسياسي سيلاحظ ثمة تمييز بين القوة التي هي من خصائص الإسلام والثورة بما هي أسلوب لا نلوح به إلا للتغيير.. ولو لجأنا إليها ستكون طريقتنا مختلفة ونتائجها مختلفة وهو ما ينطبق على قولك النهايات من جنس البدايات. كان الإخوان يعتقدون بسذاجة سياسية أنهم بقدر ما يسعون إلى السلطة بقدر ما ستسعى السلطة اليهم وإلى التحالف معهم .. وعند هذه النقطة سيبدؤون عملية احتواء الحكم والسلطة والتسرب إلى داخل مفاصلها واجهزتها والإستيلاء عليها بدون خسائر أو تضحيات كبيرة. ولذلك.. ومن أجل الاستيلاء على الدولة التي يتصورون انها ضرورية لتطبيق الشريعة وحراسة الدين كان لابد لهم من المشاركة في العمل السياسي بصورة أو بأخرى. كان لديهم تصور ساذج في تحالفاتهم السياسية يتمحور حول مدى قرب أو بعد أي سياسة يضعها أي حزب من الإسلام أو بتحديد أدق من تصورهم وتفسيرهم وتأويلهم للإسلام. احياناً يضطر حزب سياسي بعقلية ماكرة تضمين خطابه السياسي لمسة ذكية تقترب من الإخوان فنجدهم يشكرونه.. واحيانا يتصورون ان ثمة خطابا سياسيا يفسر الإسلام بغير ما يفسرونه فيلجأون إلى التنديد به ومعاداته. كانوا يقدمون للملك الشكر والنصائح باعتباره ولي امرهم .. هكذا هو تصورهم الأساسي للعلاقة بين الشعب والحكم .. والمشكلة انهم موجودون بين صفوف الشعب الذي هو طرف في النزاع مع نظام ا لحكم. كان موقف الإخوان من الاحزاب غير واضح ..الاحزاب هي جزء من المجتمع في صراعه مع نظام الحكم.. الاحزاب تنطلق من الدستور ومن موقف المجتمع من السلطة.. بمعنى ان الاحزاب تعتبر نفسها باستثناء حزب أو أحزاب السلطة ــ وهذه وظيفتها ــ انها معارضة للسلطة.. والاخوان يرفضون مبدأ المعارضة ويقولون بالمناصحة لانهم يؤمنون بواجب طاعة ولي الأمر لا معارضته.. لهذا كان موقف الإخوان من احزاب المعارضة مبهماً ومموهاً وغير واضح. هذا لاينفي وجود اخطاء لدى الاحزاب بل وتشوهات.. فالاحزاب كانت غارقة في بحر التعصب الحزبي .. الوفدي كان يحرص على أن تكون زوجته وفدية وعائلته وأولاده وفديين.. كان الوفديون يقولون لو رشح الوفد حجراً لانتخبناه وكانوا يقولون : ” الاحتلال على يد عدلي افضل من الاحتلال على يد صدقي الذي أيده الإخوان المسلمون ” .. لم يكن الإخوان يؤمنون بان السياسة تقتضي اتباع خط واحد لايتغير ولا يتعرج ولا ينحني .. انت مضطر على الطبيعة وعلى الأرض ان لا تسير في طريق واحد على طول الخط بدون ان تضطر إلى التعرج في منحنيات ومنعطفات .. لانك اذا لم تقم بذلك قد تصطدم بجبل أو تل من الرمل أو حاجز أو حائط أو ما شابه ذلك من العوائق الطبيعية أو غير الطبيعية التي قد تجدها في طريقك . كنت أسمع حسن البنا يقول لرفاقة ان كل واحد منا يجد نفسه احياناً مضطراً وهو يقود سيارته للف والدوران والانعطاف نحو اليمين أو اليسار من أجل الوصول إلى هدفه ومواصلة طريقه بدون حوادث وانجاز عمله بسلام . هذه كانت طريقة تفكير الإخوان في مجال السياسة ولعلها طريقة واقعية من وجهة نظرهم تبرر لهم التحالف مع هذا الحزب أو هذه الحكومة اليوم ، ثم الاختلاف معها غداً. عندما كان الأستاذ البنا يمارس هذا النوع من السياسة مع الاحزاب تعرض للنقد من خصومه الذين كانوا يصفون سياسته بالانتهازية أو التلون .. لكنه كان لايعبأ بهذه الانتقادات لانه كان يؤمن بانه يطبق مبادئ الإسلام التي يحكم من خلالها على مدى قرب هذا الحزب أو هذه الحكومة أو هذه السياسة من الإسلام .. وأعتقد أن حسن البنا لو عاش طويلاً لاحدث تغييراً في العقل السياسي السائد آنذاك وكان من شأن ذلك عدم الحاجة لقيام حركة 23 يوليو.. بل عدم استمرار الاخوان المسلمين على نحو ماهم عليه الان. الحبيشي : ولكن حسن البنا والإخوان المسلمين لايحتكرون تمثيل الإسلام والوصاية عليه حتى يقررون ان هذا الحزب قريب من الإسلام أم لا؟ البنا : المشكلة ليست في الإخوان بحسب تقديري .. بل ان الإخوان وجدوا انفسهم في بيئة شمولية بغطاء ديمقراطي يدعي كل طرف فيها الوصاية على الاخرين وتمثيل الحقيقة. القصر بعد سقوط الخلافة كان يتطلع لوراثتها وكان يعتقد بأنه وصي على الأمة.. الوفد منذ ثورة 1919م ظل يعتقد بأنه الحزب الوحيد الذي يمثل الأمة رغم ان الوفد تعرض لانشقاقات وخلافات عديدة ولم يعد مثلما كان أيام سعد زغلول . الوفد ذاق المر عندما وجد الإخوان يمثلون كتلة كبيرة ومنافسة في مجال التمثيل الشعبي .. لان المسألة هنا تتعلق بالانتخابات التي هي بحسب دستور 1922م الوسيلة الوحيدة للوصول إلى سدة الحكومة والسلطة التشريعية.. ومن هنا بدأت لعبة الاستقطابات بينه والإخوان وسائر أطراف الحكم. الحبيشي : استاذ جمال .. لاحظت انك استغرقت في التفاصيل على حساب القضية الرئيسية وهي التأثير السلبي الذي لعبه الربط بين الدين والسياسة على مصير الاخوان الذي انتهى إلى ما انتهي اليه تصريح الأمير نايف بن عبدالعزيز في عام 2004 على إثر تزايد خطر جماعات الإسلام السياسي السلفي على الدولة والمجتمع في السعودية.. أي تحميل الاخوان المسلمين مسؤولية الكوارث التي حلت بالعالم العربي والإسلامي بحسب قوله ؟ البنا : دعك من كلام الأمير نايف لاني لا اثق في كلام وزراء الداخلية . الحبيشي : ولكني يا أستاذ جمال اسألك عن تداعيات الربط بين الدين والسياسة وتأثيرها على مسيرة الإخوان.. بل وعلى المصير الذي انتهوا إليه؟ البنا ( يبتسم ثم يقول ) : أريد أن أقول لك شيئاً له مغزى عميق .. أتذكر أن الأستاذ حسن البنا سعى إلى تأسيس فرع للإخوان المسلمين في السعودية أيام الملك عبدالعزيز آل سعود .. وكما هو معروف فأن الملك عبدالعزيز كان داهية وسياسيا ذكيا .. ولما عرف بنوايا حسن البنا ومساعيه هناك عندما زار السعودية لاداء فريضة الحج ، استدعاه وقال له : ” ياشيخ حسن نحن جميعاً إخوان و مسلمون”., لاحظ الفرق بين منطق الأب عبدالعزيز الذي هو “الملك ” أي رأس نظام الحكم .. وبين منطق أبنه نائف الذي هو وزير داخلية مهمته حماية نظام الحكم . الحبيشي ( مقاطعاً) : مع احترامي لك يا أستاذ جمال الاحظ من إجابتك ان روابط القربى ومشاعرك العاطفية نحو اخيك اصبحت تؤثر على مسار الجواب.. ولكن حسناً .. لتكن من محبي أخيك ومريديه.. ما رأيك في الذين يتهمونك بانك تغرد الآن خارج سرب الإخوان.. خارج سرب الإسلام السياسي الذي يحمل رايات أخيك حسن البنا؟ البنا : أنا لا أغرد خارج سرب الإخوان الآن.. أنا أغرد خارج هذا السرب من زمان.. والدليل على هذا كما قلت سابقاً انني قمت بتأليف كتاب عام 1946م دعوت فيه إلى الديمقراطية التي لم يكن الإخوان المسلمون يؤمنون بها.. ولم يعلنوا التزامهم بها الا في وقت قريب عندما سدت امامهم كافة فرص التعبير عن وجودهم السياسي ووجدوا ان الديمقراطية التي لم يكونوا يؤمنون بها هي وحدها التي تخدمهم الآن وتيسر لهم فرص القفز الى السلطة . في عام 1946م أسست ايضاً حزبا اسمه حزب العمل الوطني الاجتماعي .. وعندما انضم الشيخ خالد محمد خالد إلى الإخوان المسلمين أعلن أن أكبر شيء أدهشه هو انه وجد الشقيق الأصغر لمؤسس الإخوان خارج هذا السرب ويؤسس حزباً معارضاً للإخوان.. لم يكن هذا العمل يغضب الأستاذ حسن البنا رحمه الله . كان حسن البنا يبتسم عندما يطلع على كتاباتي آنذاك ، ولم يكن أحياناً يخفي اعجابه .. اتذكر ايضاً ان الأستاذ عبدالعزيز الخياط والذي اصبح في يوم من الأيام وزيراً في الاردن كان في الأربعينات يدرس في الأزهر.. في تلك الفترة صدر لي كتاب أسمه (( على هامش المفاوضات )) فدخل على الأستاذ حسن البنا وقال له مبتسماً : تعلموا نصف سياستكم من هذا الشاب ياشيخ حسن .. فرد عليه قائلاً : جمال ليس أخي فقط انه رفيقي وخصمي ايضاً حتى وان كان في حزب آخر. اتذكر ان حزبنا اصطدم بالشرطة في عام 1947م .. وبسبب ذلك تم اعتقالي وتعرضت للتعذيب وبعد اطلاق سراحي لاحظ حسن البنا حالتي فقال: انت تقوم بمهام صعبة ودور جليل ولكن حزبكم ضعيف وليست لديه الامكانيات والقدرات التي تؤهله لاعمال صعبة ، بينما نحن عندنا حدائق واسعة ثمارها ممتازة .. ولكثرة هذه الثمار تسقط ولا تجد من يأخذها ويقدمها للناس المحتاجين الذي هو الشعب .. فلماذا لا تنضم بحزبك إلى الإخوان وتتمتعون بثمار الإخوان؟ على الفور أجبته على سؤاله قائلاً : ثمار الإخوان بلا طعم .. وعلى الرغم من قسوة الإجابة فقد استقبلها الشيخ حسن البنا بترحاب .. لكنه اقترح علينا تحويل حزب العمل إلى جماعة حتى لانصطدم بالسلطات.. وفعلاً اخذت باقتراحه وحولنا حزب العمل الوطني الاجتماعي إلى جماعة العمل الوطني الاجتماعي. الحبيشي : بما اننا الآن نعتبر هذا الحوار امتداداً لحوارنا السابق على امل نشر الحوارين معاً في كتاب أن شاء الله فمن المناسب ان اشير الى قضية تفسير القرآن التي قلتم في الحوار السابق انها مشكلة معقدة حيث اصبحنا نحتكم إلى تفسير القرآن ولا نحتكم إلى القرآن نفسه.
البنا (مقاطعاً ) : ليست المشكلة في القرآن ولا في تفسير القرآن .. نحن في المرحلة الراهنة لدينا مشكلة أكبر هي تثوير القرآن .. وقد نشرت مؤخراً كتاباً جديداً بعنوان “تثوير القرآن”! الحبيشي ( مستغرباَ ) : تثوير القرآن !!
البنا : نعم تثوير القرآن .. لماذا تستغرب ذلك ؟
الحبيشي : الا تعتقد ان اطروحة تثوير القرآن قد يفهم منها التدخل في القرآن نفسه.. بمعنى دخول منطقة محظورة وملغومة ، خصوصاً وأنّ القرآن الكريم هو الذي يوحد كافة المسلمين .. ولا يوجد خلاف عليه أو معه بعكس الأحاديث والروايات التي نسبها الرواة والوضّاعون إلى النبي عليه الصلاة والسلام تحت مسمى السُّنة ؟ االبنا : تثوير القرآن كلمة مشتقة من حديث نبوي ” ثوروا القرآن” أو اثيروا القرآن.. وجاءت كلمة إاثارة في القرآن ايضاً. الحبيشي ( مقاطعا ً ) : أستاذ جمال لنكن حذرين.. ربما يكون هذا الحديث ضعيفاً .. وربما يكون من طراز أحاديث عكرمة والأوزاعي ووهب بن منبه وكعب الأحبار.. ومع الأسف اصبحنا لا نعطي قيمة للمتن بل نركز كل تفكيرنا على السند ومدى صحته .. أصبح المعيار لقياس صحة أوعدم صحة الأحاديث والروايات هو السند وليس المتن.. ولذلك حتى ولو كان السند صحيحا فانا اشعر بان متنه ضعيف .. وبالتالي لا بد من عرض هذا الحديث على القرآن أولا ً ثم فحصه بميزان العقل بعد ذلك . البنا : في معجم بحار الأنوار وهو كتاب يشبه معجم الاحاديث ورد تحليل لكلمة ” ثيروا ” و”ثوِّروا ” (بتشديد وكسر الواو) بمعنى تعمقوا.. وفي شرح هذا الحديث ” اثيروا القرآن أو ثوروه ” جاء ان المقصود به هو تقليب معانيه مثلما يقلب الفلاح الأرض ويستأصل منها الأعشاب الضارة.. ربما يكون هذا هو المقصود من كلمه ” ثوروا القرآن ” وليس بمعنى الثورة الفرنسية أو الثورة الاشتراكية . الحبيشي : ليكن ذلك.. كيف تقرأ القرآن برؤية جديدة تثوره وتثيره بحسب هذا الحديث إن كان صحيحا ً ؟ .. ولنكن واقعيين ــ يا أستاذ ــ فنحن بحاجة إلى قراءة جديدة للقرآن وبتعبير أدق إعادة قراءته وإعادة تفسيره في ضوء متغيرات العصر والاسئلة التي تطرح الآن. بلا شك أن الاسئلة التي تطرح الان لاتشبه تلك الاسئلة التي كانت تطرح في عصرالإمام الشافعي وأحمد بن حنبل ومالك وأبو حنيفة وجعفر الصادق وزيد بن علي .. انها اسئلة جديدة من نوع مختلف عن تلك الاسئلة التي طرحت أمام اولئك الفقهاء واجتهدوا في فهم القرآن والرد على تلك الاسئلة. في الوقت الحاضر أمامنا اسئلة جديدة تتطلب في تقديري قراءة جديدة للقرآن بمعنى قراءة معاصرة تستوعب متغيرات وحقائق العصر وليست مغتربة عنه مع الاخذ بعين الاعتبار ان كل من يتقدم بخطوة قصيرة على هذا الطريق يتعرض فوراً لهجمة شرسة من شيوخ التكفير والتشكيك .. هل حدث لك شيء من هذا بعد صدور الكتاب من قبل امراء الظلام وشيوخ التكفير والتشدد؟ البنا : نعم حدث شيء من هذا القبيل ولكني لم اهتم به كثيراً.. القرآن ياعزيزي قبل كل شيء هو كتاب هداية أراده الله لتغيير حياتنا .. أي بالتعبير السياسي المعاصر لإحداث ثورة في حياتنا .. اراد الله ان ينقل المجتمع من وضع إلى وضع جديد مختلف تماماً .. القرآن موجه للناس وهم بالتعبير السياسي المعاصر الجماهير التي تقوم بالثورة ..القرآن قدم عقيدة متكاملة وهي النظرية بالتعبير السياسي لمعاصر . لدينا في منهج القرآن ثلاثة عناصر: التغيير، الجماهير، والعقيدة.. في اطار هذه المتظومة تتجه العقيدة إلى الجماهير التي تقوم بعملية التغيير. ماحدث عند نزول القرآن وظهور الإسلام ثورة بكل المقاييس .. في البداية تم احداث التغيير في بيئة المجتمع داخل شبه جزيرة العرب.. تحول المجتمع الجاهلي إلى مجتمع اسلامي.. انتهى المجتمع الجاهلي الذي كان يقوم على الربا واحتقار المرأة والظلم والتعصب القبلي والحروب القبلية.. كانت المرأة تتعرض للقتل و ” الوأد ” وهي رضيعة.. وأذا كبرت كانت تحرم من الميراث .. كل ذلك انتهى .. وبعد زوال المجتمع الجاهلي في الجزيرة العربية انتشر الإسلام بنموذجه وجاذبتيه بقوة ثورية إلى البلدان الأخرى .. أي اننا كنا أمام عملية ثورية شاملة خرجت من نطاقها الجغرافي المحلي إلى المجال الكوني الواسع .. كل ذلك تم بفضل وهج القرآن.. والمطلوب منا الان هو إعادة اكتشاف تلك الصورة من خلال التعمق في الابعاد الثورية للقرآن .. هذا هو المقصود في تثوير القرآن .. ولعله المقصود في حديث ” اثيروا القرآن ” أو ” ثوروا القرآن “.. والله اعلم .
في الحلقة القادمة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
● القول بان الأحاديث التي إخترعها الرواة والوضاعون تنسخ بعض آيات الله في القرآن وتشاركه في أحكامه ، كلام خطير يتماهى مع الشرك .
من (الإمام الشيخ ) حسن البنا .. الى (المفكرالمجدد) جمال البنا 1
من (الإمام الشيخ ) حسن البنا .. الى (المفكرالمجدد) جمال البنا 2