إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
(الصورة: حاكم البنك المركزي “القبضاي”، الدكتور إدمون نعيم، “تمَترَسَ” خلف أكياس الرمل، وتمسّكَ بالقانون والدستور، دفاعاً عن الليرة اللبنانية والإقتصاد اللبناني)
*
اتخذت الحملة المحيطة بالمرشحين لمنصب حاكم مصرف لبنان منحى سلبيًا بشكل واضح في الأسابيع والأيام الأخيرة!
بدايةً، هذه المسألة تتعلق بالتعيين وليس بالانتخاب، ويعود حسمها إلى السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء). وحسب العُرف اللبناني، فالكلمة الأولى، والكلمة الفَصل فيها، تعود لرئيس الجمهورية. وقد قال لي الشيخ ميشال الخوري أنه حينما أبلغه الرئيس الياس سركيس أنه قرر تعيينه حاكماً لمصرف لبنان، فقد سافر إلى أميركا بضعة أشهر لكي «يتعلم » كل ما كان ينقصه للقيام بتلك الوظيفة الخطيرة، في تواضعٍ يدعو للإعجاب ممن كان والده أبرز آباء الإستقلال والدولة اللبنانية الحديثة.
ومع ذلكّ، فقد امتلأت شبكات التواصل الاجتماعي، في الآونة الأخيرة، بالهجمات على مصداقية المرشحين، متهمةً إياهم—دون معرفة ملفاتهم الشخصية—بأنهم خاضعون لمصالح خاصة، سواء من القطاع المصرفي أو من منظمات اجتماعية ذات طموحات سياسية. وهذا مُلفِت.
فقد تم اختيار الوزراء تحت رقابة مشددة ولكن دون حملات تشويه، وأثبت العديد من الوزراء أنهم أشخاص نزيهون، متعلمون على مستوى عالٍ، ونماذج للمواطن الصالح. هذا حدثُ يكاد يكون غير مسبوق في تاريخ تشكيل الحكومات منذ انتهاء الحرب الأهلية. ويبدو أن اختيار قائد الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية الأخرى يسير في المسار نفسه، مع الضغوط السياسية المعتادة. بالمقابل فإن تعيين حاكم مصرف لبنان قد شابهتُه أقصى درجات الدعاية والإشاعات والتشهير والضراوة.
وهذا في بلد يَشلُّ فيه الدينُ العام الحكومةَ عن القيام باستثمارات مُنتجة في قطاعات الصحة والتعليم والقوات المسلحة والخدمات الأساسية— بنية تحتية كهربائية معطوبة ومكلفة—وحيث تواجه جباية الضرائب تحديات يومية بسبب نقص الإيرادات والفساد والتهريب والتهرب الضريبي، وحيث القطاع المصرفي متوقف، والبدائل المصرفية الموازية تخلق بيئةً شبه دائمة لاقتصاد نقدي وظِلّي، وحيث الحاكمُ السابق رهن الاحتجاز.
فهل تساعدُ مثل هذه الحملات في تعزيز ثقة المواطنين والمودعين والدول المانحة والمؤسسات المالية متعددة الجنسيات، وأخيرًا في استعادة الائتمان والمصداقية للاقتصاد؟ من المرجح أن الإجابة هي “لا”، لأن هذا النوع من الحملات يقوِّض آفاق التعافي الاقتصادي ويستنزف آمال المودعين والمستثمرين في بلد لا يزال جزء منه تحت الاحتلال خارجيًا من قبل إسرائيل وداخليًا من قبل حزب الله.
إن الأمن القومي لا يقتصر على القانون والنظام ومراقبة الحدود، بل يمتد في جوهره إلى أي نشاط يهدد الاقتصاد الوطني.
فبدون قوة اقتصادية، نكون أضعف على صعيد الأمن القومي. إن أية قوة عسكرية عظيمة لم تحافظ على مكانتها دون قوة اقتصادية عظيمة. إن الأمن القومي هو الواجب الأول للحكومة، إلى جانب الدفاع عن الحريات المدنية. وحرية التعبير هي إحدى هذه الحريات، ولكن عندما تتحول إلى حرية تبادل الاتهامات الزائفة التي تستهدف الأسس الجوهرية للاستقرار النقدي والقوة المالية والأمن الاقتصادي، يكون قد تمَّ تجاوز خط أحمر بوضوح.