ما زال تنازل بلدية صيدا عن حقها لجهة معالجة 200 طن من النفايات المنزلية الصلبة يومياً وبشكل مجاني في معمل معالجة النفايات في صيدا يشكّل لغزاً محيراً يبحث عن جواب، وسط تجاهل من قبل المجلس البلدي بإعطاء الاجوبة الواضحة والصريحة حتى اللحظة.
هو حق مثبت بالعقد، مفقود بالقرار.
منذ اكثر من ثلاثة عشرة عاماً، تدفع صيدا ثمناً مالياً باهظاً مقابل سؤال بسيط بلا جواب: من تنازل عن حق بلدية صيدا بمعالجة 200 طن من النفايات يومياً بشكل مجاني، وتم تطبيقه منذ بدء العمل بالمعالجة من دون وجود قرار بلدي صريح ومعلن، ومن دون مسوغ قانوني مثبت؟ وهذا يشكل شبهة هدر او نهب مال عام!
بتاريخ 28 تشرين الثاني 2002، وقّعت بلدية صيدا عقداً مع شركة IBC لمعالجة النفايات المنزلية الصلبة، وتضمَّن العقد ان لبلدية صيدا الحق في توريد 200 طن من النفايات المنزلية الصلبة يومياً والمتولدة من مدينة صيدا واتحاد بلدياتها، لمعالجتها بشكل مجاني.
لكن ادارة معمل المعالجة رفضت تشغيل المعمل حتى بعد خمسة اعوام على انشائه، الا اذا تنازلت البلدية عن هذا الحق المكتسب لها من خلال العقد الموقع بين الطرفين والذي ما زالت بلدية صيدا تنكر حصول التنازل.
ان هذا النفي الرسمي يدين اكثر مما يبرّىء لانه يتناقض مع الواقع المالي والتنفيذي.
بتاريخ 30 اذار 2012، أرسلت ادارة شركة IBC كتاباً الى البلدية، تقول فيه: “استناداً الى كافة المراسلات والمداولات التي جرت بيننا في المرحلة الماضية… وبعد أن قمتم بابلاغنا بتنازلكم عن الحق العائد لبلدية صيدا في البند التاسع من عقد الاتفاق الموقع بيننا بتاريخ 28 تشرين الثاني 2002 لجهة معالجة 200 طن أميركي من النفايات بدون مقابل لمصلحة إنجاح عملية تشغيل المعمل واستفادة إتحاد بلديات صيدا الزهراني من السعر الأفضل لمعالجة الطن الواحد، قمنا باخضاع موضوعة السعر لمراجعة شاملة استنباطاً لعناصر جديدة من شأنها ان تساعد في تخفيضه الى أقصى حد ممكن”.
وتضمن الكتاب تسعير معالجة الطن الواحد بمبلغ 85$ لمدة سنتين، ثم رفعها الى 95$ لمدة سنتين، على ان تراجع الشركة سعر المعالجة بعد اربع سنوات.
ماذا يعني هذا الكتاب، وخصوصاً انه نُفِّذ مباشرة عند بدء تشغيل المعمل في نهاية عام 2012 ومعه بدأ نزف المال العام؟
يعني ان ادارة الشركة قبضت من مستحقات إتحاد البلديات في الصندوق البلدي المستقل مبلغ 42 مليون دولار حتى نهاية عام 2020 بدل معالجة نفايات كان يجب ان تعالج مجاناً، وبعد ذلك لم تعرف القيمة الفعلية لما قبضته ادارة الشركة بدل معالجة 200 طن من النفايات يومياً بسبب انهيار الليرة اللبنانية فبقي خارج اي تدقيق علني.
دفع هذا الكتاب احد ناشطي “عل صوتك” بتقديم طلب الى البلدية بتاريخ 25 تشرين الثاني 2025 للإستفسار عن قرار المجلس البلدي بشأن تنازل البلدية عن حقها. وذلك استناداً الى القانون 28/2017 المتعلق بحق الوصول الى المعلومات.
البلدية تنفي….. فمن قرر؟
احالت البلدية الطلب الى محاميها حسن شمس الدين الذي اجاب بتاريخ 6 كانون الاول 2025 :” نفيد انه ليس لدى بلدية صيدا قراراً بالتنازل عن الحق العائد لها لجهة معالجة 200 طن نفايات منزلية يومياً بشكل مجاني، ونرفق لكم بعض ما لديها من مراسلات ذات الصلة بالموضوع“.
كما اجاب رئيس البلدية بالتكليف، نائب الرئيس د. احمد سعيد عكرة بنفس النص ولكن بتاريخ 9 كانون الاول 2025.
هنا نصل الى السؤال الجوهري الذي يطرحه كل مواطن: اذا لم يصدر قرار بالتنازل، ولم يعدّل العقد فمن وقّع كشوفات الدفع؟ ومن طلب السحب من الصندوق البلدي المستقل؟ وعلى أي أساس صُرفت ملايين الدولارات؟
اما بعض المراسلات التي قدمتها البلدية هي:
اولا:
كتاب من البلدية بتاريخ 18 اذار 2011، جاء فيه “ان البلدية تستغرب بشدة ما تضمنته مسودة عقد الإتفاق المرسل إلينا من قبلكم، والمقترح ليكون بديلا عن الإتفاق المعمول به.
“وترفض البلدية البحث باي تعديلات تتجاوز الأمور والشروط التي تنظم المرفق العام، وأن العقد الموقع معكم يكون ملزماً للطرفين وأن اي تعديل بحاجة الى اتفاق بين الطرفين”.
ويخلص الكتاب برفض مضمون تعديلات ادارة الشركة لمخالفتها العقد وتدعوها بوجوب المبادرة الى تشغيل مركز المعالجة خلال 30 يوما من تاريخ استلام او عدم استلام الكتاب المذكور.
لكن هذه المراسلة، التي أعطيت للناشط لم يرفق بها مسودة الإتفاق الجديد المرسل الى البلدية.
ثانياً:
جاء رد ادارة الشركة بتاريخ 12 ايار 2011، وقد تضمن استغراب ادارة الشركة لنفي البلدية ما تم الاتفاق لإجراء تعديلات على عقد الإتفاق الاساس. واستند رد الشركة بان هناك دراسات وآراء خبير ألماني بتعرض الشركة لخسارة جسيمة في حال التشغيل وعدم تعديل المادة السادسة من العقد والمتعلقة بتوريد النفايات الطازجة، وانها ترفض كتاب البلدية جملة وتفصيلاً وتحذر البلدية من فسخ العقد، وأن الشركة على استعداد للتشغيل فور توقيع التعديلات على العقد الموقع.
ثالثاً:
رد البلدية جاء بتاريخ 21 ايار 2011 وتضمن التمسك بكتابها الأخير، واستغرابها تجاهل فترة 30 يوما للتشغيل، وإبلاغ ادارة الشركة بتوريد النفايات صباح 28 حزيران 2011 وفي حال الرفض الذهاب إلى أحكام الفقرتين2و 3 من المادة 14من الاتفاق الموقع من الطرفين والمتعلقة بفسخ العقد.
رابعاً:
جاء رد ادارة الشركة بتاريخ 13 حزيران 2011 والذي تضمن تمسك الشركة “بالاتفاق الذي توصلنا اليه نتيجة عدة اجتماعات اثبتنا خلالها استحالة قيام الشركة بتشغيل المعمل”.
خامساً:
رد البلدية كان بتاريخ 25 حزيران 2011، بان لا تنازل عن المعالجة المجانية حسب العقد المبرم، وأن البلدية غير ملزمة بتأمين مكب للعوادم.
سادساً:
بتاريخ 28 حزيران 2011 توجهت سيارات نقل النفايات الى المعمل لكن أبوابه كانت موصدة. وعند توجه نائب رئيس البلدية انذاك ابراهيم البساط على رأس وفد من البلدية، تم إبلاغه عند مدخل المعمل عدم امكانية استقبال كميات النفايات.
سابعاً:
بتاريخ 25 كانون الثاني 2012, وجهت بلدية صيدا كتابا الى ادارة الشركة كررت فيه موقفها المرسل بتاريخ 25 حزيران 2011.
وهنا انتهت المراسلات التي افصحت عنها بلدية صيدا.
لذلك تبقى مجموعة من الأسئلة بحاجة الى اجوبة من المجلس البلدي :
1 – كشف حقيقة ما حصل بين 25 كانون الثاني 2012 وبين 30 اذار 2012.
2-ما هي المراسلات التي تمت بين الطرفين وادت الى رسالة الشركة في نهاية اذار 2012. هل هي مراسلات مفقودة ام مخباة؟
3- اذا كانت المراسلات التي رفع الغطاء عنها وكلها تعلن رفض التنازل عن حق البلدية، لماذا وكيف تم التنازل؟
4-تحديد من اتخذ القرار او بلّغه ومحاسبة كل من صرف المال العام بدون مسوغ قانوني.
5-واذا حصل ما حصل بدون موافقة البلدية وغياب اي قرار بذلك، لماذا يتم توقيع كشوفات الدفع وكيف يتم تمرير عمليات نهب المال العام؟
يحاول البعض الايحاء ان مجلس الوزراء يتحمل المسؤولية، حتما يتحمل جزءاً منها، لكن المسؤولية الاساس يتحملها إتحاد البلديات وبلدية صيدا.
فالقرار الذي يحمل رقم 33 والصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 12 تموز 2012 ينص على ما يلي: تقدمت الشركة بتاريخ 30 اذار 2012 بكتاب تؤكد فيه الالتزام بشروط العقد وبسعر 85$ للطن الواحد اول سنتين و95 $ لثاني سنتين، من دون الإشارة إلى التنازل عن المعالجة المجانية لـ200 طن يومياً، كما أشار القرار ان رئيس البلدية طلب الدفع من الصندوق البلدي المستقل لقاء كشوفات شهرية موقعة من رؤساء بلديات الاتحاد وعلى مسؤوليتهم. اي ان المسؤولية محلية، مباشرة ولا تحتمل التهرب.
الصمت لم يعد حياداً
هذا الملف ليس سياسياً بل ملف يتعلق بصحة المواطنين والمحافظة على البيئة النظيفة. انه ليس مادة للمزايدات، انه قضية مال عام وحق مدينة كاملة. السكوت عما يحصل لم يعد خياراً بل استمرار في الهدر وتواطوء بالصمت. الحقيقة وحدها تحمي صيدا والمحاسبة وحدها تعيد الثقة.
ان التهم لا توجه الى اشخاص محددين، بل نطلب كشف القرار وآلية ومسار الصرف، وهدر المال العام.
ويصير السؤال واجباً: من يملك صلاحية التنازل؟ من وقع كشوفات الدفع خلال ثلاثة عشرة عاماً؟ ومن صمت وهو في موقع المسؤولية؟ وماذا بعد ذلك ونهب المال العام مستمر؟
بعد الانتخابات البلدية الاخيرة صار في المدينة مجلس بلدي جديد، فإذا استمرت نفس السياسة الماضية فإنه يصير في موقع شبهة، لذلك المطلوب تشكيل لجنة تحقيق مستقلة، نشر كامل المراسلات، تعليق دفع المال لإدارة الشركة وتكليف خبير مالي مستقل لتقدير الضرر.
الخطر لم يعد في الماضي، مع أهمية محاسبة المسؤولين، بل في استمرار نفس السياسة من دون حسم هذا اللغز.
هل تتحرك الهيئات الرقابية المعنية لكشف الحقيقة؟.
إقرأ أيضاً:
جبال متنقلة في صيدا

