قضية إعتقال ألوف الشبّان الأكراد بدون تهمة، ثم استخدامهم للتجارب الكيميائية والبيولوجية، معروفة في الأوساط الكردية. ولكنها لم تُحظَ بتغطية واسعة في الإعلام العربي. وهي من أبشع “الجرائم ضد الإنسانية” التي ارتكبها نظام ما يزال له بعض من يندبونه في الرأي العام العربي.
“الشفّاف”
*
25/1/2009 غداً ستباشر المحكمة الجنائية العليا محاكمة 16 من المسؤولين في النظام السابق عن جريمة وحشية كبرى تتعلق بتصفية أبناء الأكراد الفيليين الذين أقدم نظام البعث على تسفيرهم إلى إيران ظلماً وزوراً بحجة التبعية الإيرانية بعد أن سلب منهم جنسيتهم العراقية، وكافة أوراقهم الثبوتية وأملاكهم وأموالهم في تجاوز خطير على الدستور الذي كتبه الدكتاتور الجلاد صدام بنفسه، والذي نص على أن حق الملكية مصان لجميع المواطنين، ولا يجوز نزع الملكية إلا بقانون، وللمصلحة الوطنية، ويتم التعويض العادل عن الأملاك المنزوعة. لكن صدام لم يحترم طيلة مدة حكمه الدستور والقانون، بل كان الدستور والقانون ألعوبة بيديه، والويل لمن يحاول الاعتراض عليه.
لكن الجريمة الكبرى التي اقترفها ذلك النظام كانت في إقدامه على حجز فلذات أكبادهم ممن هم في سن الصبا والشباب [ مابين 13- 28 عاما] ليقوم بتصفيتهم بوحشية من دون أن يقترفوا أية جريمة، حيث أجرى عليهم تجارب أسلحته الكيماوية والجرثومية التي قضى فيها أولئك الشباب والصبيان الذين تجاوز عددهم 11 ألفاً، والذين ضمتهم القبور الجماعية التي تم اكتشافها بعد سقوط الطاغية ونظامه البشع.
لقد كان أمل أهلهم وذويهم طيلة السنوات التي امتدت منذ تسفيرهم في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وحتى سقوط النظام عام 2003 أن يعودوا إلى وطنهم، ويلتقوا بأبنائهم المحجوزين في سجون النظام، لكن الفاجعة الكبرى التي أصابتهم كانت عدم العثور على أبناءهم، ثم تبين فيما بعد أن ما تبقى من أبنائهم ليس سوى هياكل عظمية وبقايا ملابس ممزقة في القبور الجماعية التي جرى كشفها تباعا، والتي ضمت رفات مئات الألوف من المواطنين الأبرياء من ضحايا النظام البعثي الفاشي خلال 35 عاماً من حكمهم الدموي البشع.
غدا سيقف القتلة المجرمون في قفص الاتهام ليجيبوا عن التهم المسندة لهم عن دورهم في عمليات تصفية أولئك الصبيان والشبان الأبرياء الذين لم يقترفوا أية جريمة سوى كونهم أبناء المسفرين ظلماً وعدواناً، وعن جريمة تسفير أهلهم وذويهم خلافاً للقانون وسلبهم لملاكهم وأموالهم، ورميهم على الحدود الإيرانية المزروعة بالألغام التي ذهب ضحيتها الكثير من المسفرين الأبرياء. ومن الغريب أن تنكر حكومة البعث حق المواطنة منهم، وتسلبهم جنسيتهم العراقية، وفي الوقت نفسه رفضت الحكومة الإيرانية اعتبارهم إيرانيين وعاملتهم معاملة قاسية، ورفضت منحهم أية وثيقة، وحتى حق العمل لتدبير حياتهم المعيشية.
إن الحيف الذي لحق بالأخوة الأكراد الفيليين الذين يمثلون شريحة واسعة من المجتمع العراقي، على أيدي النظام البعث الفاشي يمثل بلا أدنى شك جريمة جماعية كبرى ضد الإنسانية، ليست فقط حسب المقاييس التي أقرتها الأمم المتحدة، والمثبتة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، بل ويمثل عدوانا صارخاً على حقوق الإنسان بموجب كل الشرائع والأديان السماوية، والقيم والأعراف الإنسانية، فالأخوة الكرد الفيليين قد تعرضوا إلى أبشع جريمة اقترفها النظام بتجريدهم من جنسيتهم العراقية وحق المواطنة دون أي سند قانوني، وهم الذين ولدوا وترعروا في هذا الوطن، ولم يرتضوا عنه بديلا ، وقد خدموا هذا الوطن بكل أخلاص، وكان لهم قصب السبق في النضال في صفوف الحركة الوطنية من أجل تحرره واستقلاله .
لقد عاش الأخوة الأكراد الفيليين في إيران فقراء معدمين بعد أن فقدوا كل شئ ، بل لقد وجدوا أنفسهم محاربين من النظام الإيراني الذي لم يعترف لهم بحق المواطنة، ولم يسمح لهم بالعمل أو التملك، وعاشوا حياة بائسة في المخيمات لسنين عديدة يتملكهم اليأس، وتنهش فيهم الكآبة والأمراض والأحزان على فراق أبنائهم المحتجزين لدى الطاغية الذي قتلهم جميعاً دون رحمة، ودون أي جريمة اقترفوها، وهي تدخل ضمن جريمة الإبادة الجماعية للإنسانية والتي يعاقب عليها القانون الدولي .
لقد انتظر الأخوة الفيليين من النظام الجديد الذي أُقيم على أنقاض نظام صدام أن يعوضهم عما فقدوه من أملاك وأموال اغتصبها النظام المقبور، ويعيد إليهم حقوق المواطنة، ووثائقهم الثبوتية المسلوبة، ويعوضهم عن فقد ابنائهم البررة، وطال الانتظار لغاية هذا التاريخ دون أن يتلمسوا أي إجراء حقيقي من قبل الحكومات التي تعاقبت على السلطة، وهم يعانون اشد المعانات من الظروف الصعبة التي يعيشون في ظلها.
إن إنصاف هذه الشريحة الواسعة من المواطنين العراقيين، وإعادة كامل حقوقهم المغتصبة ليس منة من أحد، بل هو حق وواجب، وعلى الحكومة الحاضرة أن تتولى الأمر بجدية، وتعيد الحق لأصحابه دون تلكؤ أو تأخير وهذا يتطلب اتخاذ الإجراءات العاجلة التالية:
1ـ تعديل قانون الجنسية العراقية، وإلغاء أي تمييز بين المواطنين العراقيين الذي كان معمولاً في السابق، فالعراقيون ينبغي أن يكونوا سواسية أمام القانون، وإعادة حقوق المواطنة لهذه الشريحة المظلومة بكل ما تعنيه تلك الحقوق .
2ـ إعادة الممتلكات المنقولة وغير المنقولة التي سلبها منهم النظام البائد دون وجه حق، وعلى وجه السرعة، وتأمين الحياة الكريمة لهم، وإنقاذهم من الظروف الصعبة التي يعيشون في ظلها.
3 ـ إنزال العقاب الصارم بزمرة صدام الذين ساهموا في جريمة قتل أبنائهم دون أي سند قانوني، ودون أي جريمة اقترفوها، ولاسيما وأن معظمهم كانوا من الصبيان، والحكم بتعويض عادل لهم عن هذه الجرائم الوحشية البشعة، وإجبارهم على دفع التعويضات المناسبة من أموالهم.
إن إعادة الحق إلى نصابه، وإنصاف هذه الشريحة المهضومة الحقوق، ورفع الحيف الذي أصابهم على أيدي تلك الزمرة الشريرة ينبغي أن يتم بأسرع وقت ممكن، فالقضية إنسانية قبل كل شئ، ولا تتقبل التأجيل والتأخير.
alhamdany34@gmail.com
* كاتب عراقي