تداولت في الآونة الأخيرة بعض وسائل الإعلام الوطنية غضب الملك محمد السادس عن محمد منير المـاجيدي المسؤول عن مدير الكتابة الخاصة للملك بعد تفاعلات قضية تفويت أراضي بمنطقة تـارودانت بثمن رمزي تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
هذا القرار خلف ردود فعل متباينة داخل الرأي العام الوطني، فهناك من رأى فيه تجاوبا بشكل إيجابي مع الاستياء الذي خلفته هذه القضية التي تتنافى مع الشعارات المرفوعة كالتخليق وما شابه ذلك. بمعنى أكثر وضوحا أن الملك يوجد في صف المطالبين بتخليق الحياة العامة وعدم استغلال النفوذ ومحاربة الاغتناء غير المشروع وعدم نهب المال العام.. لدرجة أن أصحاب هذا الرأي تناسوا هذه القضية.
وخلافا لهذا الرأي، هناك يرى أن غضب الملك يجب أن يندرج ضمن ثقافة المحاسبة والمساءلة والعقاب، بمعنى أن من أخطأ في أداء مهامه فيجب عليه أن يقال من منصبه، ومن نهب المال العام يجب عليه أن يحاكم.. كما هو سائد في البلدان الديمقراطية المتقدمــة.
فغضب الملك يجب أن يكون مبنيا على قاعدة قانونية واضحة، وليس على أمور أخرى مرتبطة بما هو شخصي أو مزاجي.
ومعلوم أن طريقة تعامل الملك محمد السادس مع أصدقائه ورفاقه في الدراسة مختلفة، حيث يلجأ في بعض الأحيان إلى “لكمهـم” أو ما شابه ذلك.. وأحيان أخرى إلى مقاطعتهم..، كما يلجأ إلى الإعلان عن غضبه وإبعادهم عنه قبل أن يعودوا إلى مواقعهم وهناك حالات عرفتها الدائرة المحيطة به منها قضية مدير ديوانه رشدي الشـرايبي الذي أجبر عن الابتعاد عن الملك لمدة معينة خاصة بعد أن أثارت بعض المنابر الإعلامية المستقلة تفاصيل عن قضيته قبل أن يعود “ابـن وارزازات” بقوة إلى موقعه.
صحيح، أن غضب الملك يفيد حسن النية أو الإرادة السياسية التي تسكنه خاصة في بعض القضايا التي تتعارض مع المشروع الديمقراطي الذي ينادي به، لكن هذا الأمر غير كاف بالنسبة للاختيار الديمقراطي المنشود.
إن نظام الحكم المعتمد على بعض النخب والعائلات.. التي تسود بينهـا علاقات قبلية ودموية وعلاقات المصاهرة وتربطها المصالح المشتركة لا يمكن أن ينتج إلا حكما تغيب عنه الشرعية الديمقراطية ويسوده الأشخاص بدل المؤسسات وتحكمه ثقافة الأهواء والمزاجية وعلاقات الزبونية والمحسوبيـة .. ولهذا فكل إصلاح ديمقراطي حقيقي يجب أن ينطلق من هذا النظام السياسي في بنياته الثقافية والسياسية ومنظومته السلوكية…
لقد ساد الأمل بعد مجيء محمد السادس وأعتقد الجميع أن المغرب قطع مع بعض الممارسات التي سادت في الماضي، لدرجة أن بعض المراقبين السياسيين شرعوا يتحدثون عن الدخول إلى مرحلة الانتقال الديمقراطي، لكن سرعان ما اكتشفنا أننا عدنا إلى الوراء ثم الوراء، حيث سيادة ثقافة المحسوبية والـزبونية في التعيينات في المسؤوليات والمناصب وخاصة اللجـن والمجالس الملكية ذات الطابـع الاستشاري التي تدير ملفات حساسة وتقوت سلطات الأشخاص وزاد نفـوذ بعض العائلات…
إن هذا الوضع يستلزم مراجعة جذرية للسياسة المتبعة من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومقاومة بعض النخب التي اتضح أن لا هم لها سوى تأمين مصالحها وتحسين مواقعها الاجتماعية، بل الأكثر من ذلك هناك من يجتهد لصالح “الستاتيكو” لكونه يخدم مصالحه التي تتعارض مع مصالح السواد الأعظم من المجتمع.
ولهذا فنحن ضد ما يسمى بثقافة وسلوك الغضب مقابل ثقافة المحاسبة والمساءلة وسلوك العقاب خاصة وأن للمحيط الملكي ثقله في التحكم في قنوات صناعة واتخاذ القرار السياسي ببلادنا
musantra@yahoo.fr
* الدار البيضاء